قضايا إقليمية

الاستخبارات الإسرائيلية
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية


تاريخ من الدم والغدر والخيانة

 

«جاسوس واحد يغني عن ثلاثين ألف جندي في المعركة»، هذه العبارة قالها نابوليون بونابرت وعملت بها اسرائيل التي اتبعت قاعدة مفادها أنّ الجاسوس هو الجندي الأول في بناء الدولة الصهيونية. بناء عليه يعدّ التجسس من العقائد الثابتة في الفكر اليهودي.


الجاسوسية وبناء الدولة
في الواقع لم تحقِّق إسرائيل إنتصاراتها على الدول العربيَّة من خلال جيشها أو أسلحتها فحسب، ولكنها تغلّبت عليهم من خلال المعرفة والإهتمام بكيفيَّة الحصول على المعلومات الإستخباراتيَّة بوصفها سلاحًا مهمًا في هذا العصر. فالإستخبارات توفِّر رؤية واضحة الأهداف والمعالم لشكل الصراع وأبعاده وأولوياته، ولا يتحقّق ذلك إلا من خلال جهاز استخبارات قويّ تتوافر له جميع وسائل التكنولوجيا والأموال والأفراد من ذوي الكفاءات والمؤهلات اللازمة.
ولقد كان للجاسوسية دور مركزي في بناء الدولة اليهودية القديمة وبناء الدولة الصهيونية الحديثة واحتلال فلسطين. فمع نشأة الوكالة اليهودية (التنظيم الذي أخذ على عاتقة مهمة تأسيس الدولة في فلسطين)، تجسّس اليهود على العرب والأتراك والإنكليز، كما عملوا كجواسيس مزدوجين لصالح الإنكليز تارة وضد الأتراك والألمان تارة أخرى. وانتشرت شبكات التجسس الصهيونية في مصر وسوريا ولبنان والأردن وتركيا وفلسطين وغيرها، لخدمة أهداف الوكالة اليهودية وما تفرّع عنها من منظّمات عسكرية أخذت على عاتقها مهمّة تنفيذ أهداف المشروع الصهيوني بالقوّة والاغتصاب. ولم تنس الوكالة اليهودية أن تكون لها شبكاتها العالمية للوصول للهدف الأكبر، ولذا فقد أنشأت فروعًا لها في باريس وروما وبرلين ولندن وزوريخ وفيينا وموسكو وغيرها. وكان لبن غوريون الدور الأكبر في تأسيس دولة الاغتصاب والاحتلال، وذلك حين تولى منصب رئاسة الوكالة اليهودية وقسّمها إلى ثلاثة أقسام: الأول هو القسم العامل في المجال العربي والذي اختصّ بأمور فلسطين والمواطنين العرب عامة. والثاني هو القسم السياسي الذي كانت مهمّته جمع المعلومات السياسية في المجالين الداخلي والدولي. أما القسم الثالث فهو القسم العسكري والذي أوجده للقيام بأعمال التجسّس والتصفيات الجسدية بحق البريطانيين واليهود الشرقيين والعرب.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية وقف بن غوريون إلى جانب الحلفاء وأدار الوكالة لتحقيق مهمتين أساسيتين هما تأمين قيام الدولة اليهودية وجلب اليهود من خارج فلسطين وتهريب الأسلحة، والقيام بعمليات إرهابية ضد العرب وضد البريطانيين داخل البلاد للتعجيل في رحيلهم.
 

مراحل التأسيس
لقد مرّت الاستخبارات الصهيونية منذ بداية القرن العشرين بخمس مراحل، المرحلة الأولى هي التي كانت تعبّر عن علاقة الاستخبارات الصهيونية مع القوات البريطانية وما قدّمته من عون وتمهيد لغزو الحلفاء فلسطين وإسقاط الأمبراطورية العثمانية. وقد أنشئت منظّمة «بيلو» السريّة العام 1904 من مجموعة من المهاجرين اليهود من أوروبا الشرقية بهدف إمداد بريطانيا بالمعلومات عن أوضاع السلطات العثمانية ونشاط الفلسطينيين، إلا أنّ هذه المحاولة فشلت عندما اكتشفت السلطات العثمانية هذه المنظمة (1907). والمرحلة الثانية هي التي كانت قبيل الحرب العالمية الأولى وفي أثنائها، وتحديدًا بعد إنشاء منظمة سريّة باسم «نيلي» (أقامت اتصالًا مع الاستخبارات البريطانية في المنطقة) ونشر شبكات تجسّسها في مختلف أنحاء فلسطين. وقد ساهمت هذه المنظمة مساهمة فعّالة في حسم معركة جنوب فلسطين لمصلحة الحلفاء، عن طريق المعلومات التي زوّدتهم بها حول استعدادات الجيش العثماني في غزوة بئر سبع، إلا أنّ السلطات العثمانية اكتشفت أمرها وقامت بتصفيتها العام 1917. وبعد إنتهاء الحرب العالميّة الأولى وصدور وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود بدأت المرحلة الثالثة والتي أخذت فيها الاستخبارات بعدًا أكثر تطورًا بحيث أصبحت مستقلّة عن العلاقة ببريطانيا أو غيرها. والعام 1920 أنشأت الوكالة اليهودية فروعًا لها في القدس ولندن ونيويورك وجنيف والقاهرة وباريس وبرلين. كما أنشئ لها قسم خاص هو «المكتب السياسي» وقد تولاه الكولونيل كيسي الذي قام بتنظيم شبكة الجاسوسية اليهودية التي نشرت فروعها وراء هيئات مختلفة. فبعضها كان عبارة عن نواد رياضية أو منظّمات عالميّة، أمّا الإسم الرسمي لهذه الشبكة فهو «الهاغانا» والتي كانت تتشكّل من ثلاثة أقسام: قسم وحدات «الهاغانا» العسكرية للقتال، وقسم وحدات «البالماح» لأعمال التخريب والعمليات الخاصة، وقسم وحدات «شاي»، أي خدمات الاستخبارات. أما جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية «الموساد» فيعود إنشاؤه إلى ما بعد قيام الدولة الصهيونية، وكان قد أنشئ كجيش سري تابع لـ«الهاغانا» وتركّز عمله في تنظيم الهجرة غير الشرعية لفلسطين وتهريب الأسلحة، ثم توسّعت مهمّاته لتشمل جميع أنواع التجسّس خارج حدود فلسطين، إضافة إلى أعمال مكافحة الجاسوسية المضادة ومعاقبة اليهود الخارجين على سياسة «الهاغانا» وأهدافها. المرحلة الرابعة عكست الصراع بين العصابات الإرهابية الصهيونية استعدادًا لإنشاء الكيان. فالعام 1947 نشب صراع بين أجهزة الاستخبارات المختلفة التي بدأت بتصفية بعضها البعض بتشجيع من بريطانيا أحيانًا.
بعد إعلان الدولة العبرية (1948) بدأت المرحلة الخامسة حيث تمّ الاتفاق على حلّ معظم التشكيلات السابقة للاستخبارات، وتشكيل جهاز مركزي. قام بن غوريون بانتخاب معظم عناصر هذا الجهاز من «الهاغانا» ليتأكد من تسلّمهم المناصب القيادية، ولكنه استفاد أيضًا من العناصر الممتازين الموجودين في التنظيمات الأخرى، وقد تم تقسيم الجهاز إلى ثلاث دوائر متخصصة في أول اجتماع للجهاز: الدائرة الأولى وهي الاستخبارات العسكرية، والثانية هي الدائرة السياسية في وزارة الخارجية ومهمتها الحصول على المعلومات من السفارات في الخارج، أما الدائرة الثالثة فهي الأمن الداخلي «الشين بيت»، وتشمل مهمتها ملاحظة الجواسيس الأجانب والناشطين اليساريين من اليهود. ولم تنجح هذه التنظيمات في القيام بمهماتها على أكمل وجه، مما أدى إلى حدوث عدد من التقلبات في تنظيم الاستخبارات وأجهزتها وإداراتها حتى تمت إعادة تنظيمها مرة أخرى برئاسة الجنرال مئير عميت، وكان أهم إنجاز لهذا الجهاز هو التحضير لحرب 1967. ثم توالت التغييرات على الجهاز بمختلف تشكيلاته، خصوصًا بعد حرب 1973 مما أدى إلى إنشاء لجنة الأمن القومي التابعة لرئاسة الحكومة.

 

الاستخبارات الإسرائيلية اليوم
في الوقت الحاضر تتعدّد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وتختلف في ما بينها، وذلك وفق نوعية المهمات الملقاة على عاتقها، وحجم الدور الذي تقوم به، إضافة إلى طبيعة المؤسسة المنتمية إليها سواء كانت عسكرية (الجيش) أو سياسية (وزارة الخارجية) أو أمنية (الشرطة).
وعلى هذا الاساس يوجد في إسرائيل ثلاثة أجهزة استخباراتية أساسية وهي:
1- شعبة الاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان العامة (أمان):
يتلخص دورها في إعطاء معلومات استخباراتية للجيش ولوزير الدفاع، وللحكومة، وجهات رسمية أخرى معنية بالشؤون الأمنية والعلاقات الخارجية والإستراتيجية الإسرائيلية. ومن الناحية التنظيمية، يتبع هذا الجهاز مباشرة لرئيس الأركان، المؤتمر بأمر الحكومة، والتابع بدوره لوزير الدفاع. أما مهماته الأساسية فتتمثل في الآتي:
• توفير المعلومات الاستخباراتية اللازمة لمجلس الوزراء الأمني المصغر (كابينيت)، وللجيش الإسرائيلي، والتي يمكن من خلالها تقدير قدرات العدو العسكرية وانتشار قواته، وفهم دوافعه، وتوقع توجهاته.
• تحذير المستويين السياسي والعسكري من نشوب الحرب، أو شن عمليات مقاومة وعمليات عدائية ضد إسرائيل.
• التحذير من تطوير العدو أسلحة ومعدات قتالية غير تقليدية، وتوفير المعلومات الاستخباراتية اللازمة للمساعدة على تحييد هذه الأسلحة.
• عرض معلومات استخباراتية على أصحاب القرار السياسيين والعسكريين بمهاتهم المختلفة.
• توفير معلومات استخباراتية للعمليات القتالية – الميدانية للجيش الإسرائيلي، والأجهزة الأمنية الأخرى.
• تجميع المعلومات الاستخباراتية على اختلاف أنواعها، وعرضها للأغراض الاستخباراتية المختلفة.
• تنفيذ عمليات خاصة.
• تطوير المنظومات والوسائل التكنولوجية.
• تجهيز وتوفير تقنيات مهنية لأجهزة الاستخبارات الأخرى في الجيش الإسرائيلي.
• دعم مجال الأمن المعلوماتي في الجيش الإسرائيلي.
ومنذ ثلاثة عقود دشن جهاز «أمان» الذي يعتبر أكبر الاجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، قسمًا متخصصًا في مجال التجسّس الالكتروني، سُمّي «الوحدة 8200». وقد اعترف الجنرال المتقاعد اوري ساغي، الرئيس السابق لجهاز «امان» بوجود مثل هذه الوحدة، التي اعتبرها من أهم الوحدات الاستخبارية في الدولة العبرية. وقال إن اهداف هذه الوحدة تتلخص في المساهمة في تقديم رؤية استخبارية متكاملة مع المعلومات التي توفرها المصادر البشرية القائمة على العملاء. وتعتمد الوحدة على عدّة أنواع من العمل في المجال الاستخباري وهي: الرصد، والتنصت، والتصوير، والتشويش. ويتطلب هذا النوع من المهمات وسائل تقنية متقدمة. ويشار إلى أن مجمع الصناعات العسكرية الإسرائيلية الذي تملكه الحكومة يقوم بتطوير اجهزة الكترونية بناء على طلبات خاصة من القائمين على الوحدة التي يقودها ضابط كبير برتبة عميد. يُعدّ «أمان» هيئة عسكرية تقوم بتقديم خدمات وطنية استخباراتية، وصلاحية وجودها الأساسية تتمثّل في مساعدة الجيش الإسرائيلي في تنفيذ مهماته، إلا أنه وبفضل قدراته الكبيرة في مجال جمع المعلومات، يقوم بتنفيذ مهمات وطنية خارج إطار الجيش.


2- هيئة الأمن العام (الشاباك):
يتلخص دورها في الحفاظ على أمن الدولة، واستقرار النظام الديمقراطي ومؤسساته المختلفة، في مواجهة التهديدات والمؤامرات المختلفة التي تتعرض لها الدولة، والحفاظ على أسرارها العليا، والعمل على تحقيق المصالح الوطنية الحيوية الأخرى للأمن القومي في البلاد، وذلك وفق ما تحدده الحكومة، ووفق القانون. ويخضع «الشاباك» لسلطة الحكومة الإسرائيلية، ويتبع رئيس الوزراء مباشرة، وتتمثل مهماته الأساسية في:
• إحباط ومنع الأعمال غير القانونية، التي تهدف للإضرار بأمن الدولة، واستقرار النظام الديمقراطي ومؤسساته المختلفة.
• تأمين الأشخاص والمعلومات والأماكن وفق ما تحّدده الحكومة.
• تحديد المعلومات السرية الأمنية المتعلقة بالمناصب والوظائف العامة في مختلف الهيئات، وتنفيذ عمليات الفحص والاستقصاء الأمني السرية.
• إجراء أبحاث استخباراتية وإعطاء استشارات وتقديرات للحكومة وللهيئات الأخرى التي تحدّدها الحكومة.
• العمل في مجالات أخرى تحدّدها الحكومة، وذلك بموافقة لجنة الكنيست لشؤون الخدمات، والتي تم تشكيلها للعمل على تحقيق المصالح الحيوية للأمن القومي للدولة.
ويوصف «الشاباك» بأنه هيئة أمنية قومية مستقلة بذاتها، ويتشابه مع الجيش الإسرائيلي في كونه مسؤولًا عن الحفاظ على أمن الدولة في مواجهة التهديدات السرية، وعلى هذا الأساس فإنّه يُعدّ هيئة استخباراتية قومية نظرًا لامتلاكه قدرات في مجال جمع المعلومات والبحث والعمليات الاستخباراتية التي تساعد معظم أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الأخرى.
 

3- «الموساد» مؤسسة الاستخبارات والمهمات الخاصة:
يُطلق إسم «الموساد» على جهاز الإستخبارات الخارجيَّة الإسرائيلي، واسمه الكامل هو «مؤسسة الإستخبارات والمهمات الخاصة». حرصت الدولة العبريَّة منذ تأسيس هذا الجهاز على إضفاء هالة من الغموض وستار من السريَّة والتكتُّم الشديدين على تنظيمه وأعماله وأنشطته التجسُّسيَّة وعملياته الخاصة. تأسَّس «الموساد» العام 1951 بقرار صدر عن أول رئيس وزراء للدولة العبريَّة دافيد بن غوريون، ليشكِّل ذراع الإستخبارات الخارجيَّة الرئيس ضمن أجهزة الإستخبارات السريَّة المتعدِّدة التي عملت في حينه على خدمة الحركة الصهيونيَّة ودولتها. تشكَّل هذا الجهاز على أنقاض الدائرة السياسيَّة التي عملت في نطاق وزارة الخارجيَّة الإسرائيليَّة، وكانت مهمتها الرئيسة جمع المعلومات خارج إسرائيل، وقد عمل «الموساد» في البداية تحت تسميات مختلفة، منها «المركز الرئيس للتنسيق»، ثم «المؤسَّسة الرئيسة للاستخبارات والأمن»، وانتهى أخيرًا بظهوره بإسمه الرسمي الحالي «مؤسسة الإستخبارات والمهمات الخاصة». هذا الجهاز هو أهم أجهزة الاستخبارات الصهيونية ويتبع مباشرة لرئيس الوزراء وهو المسؤول عن جمع المعلومات الخارجية وتوفير المعطيات السياسية لاتخاذ القرارات ومكافحة الدور التنموي والتحرري العربي.
يتشكل الهيكل الوظيفي لجهاز «الموساد» من عدة دوائر لكل منها دورها ووظيفتها المحددة وهي:
• الإدارة العامة وتقع في أطراف تل أبيب وفيها نحو مائة موظف ومكتب المدير وبعض المساعدين وسكرتارية خاصة بالمدير الذي يتم تعيينه عن طريق رئيس الوزراء مباشرة.
• قسم التخطيط للعمليات والتنسيق، ومهمته الإدارة والتطوير ووضع الخطط المستقبلية وتنسيق عمل الشبكات.
• قسم جمع المعلومات وهو أكبر وحدات «الموساد».
• قسم العمل السياسي والخارجي وهو المسؤول عن الاتصالات في الدول الأجنبية التي لها علاقات مع إسرائيل.
• قسم الإعداد والتدريب وهو المختص بتدريب الأعضاء والعاملين على الأجهزة التكنولوجية والمعلومات.
• قسم المهمات الإدارية، وهو المختص بتدريب وتوظيف العاملين وترقياتهم واختيارهم.
• قسم البحوث، وهو يقوم بإعداد بحوث لتطوير العمل ومكافحة التجسس والاختراق.
• قسم التكنولوجيا، وهو خاص بكل الأجهزة العلمية التي تحتاجها «الموساد».
• قسم العلاقات ويُعنى بالتنسيق مع الأجهزة الاستخباراتية الأخرى.
• قسم العلاقات التكتيكية والفنية، ويضم ضباطًا محترفين في القتل والتخريب وإخفاء الجريمة والملاحقة.
يتلخص دور «الموساد» في تجميع المعلومات والبحث الاستخباراتي وتنفيذ العمليات السرية الخاصة خارج البلاد. وتتمثل أهم مهماته في:
• إحباط عمليات تطوير الأسلحة غير التقليدية في الدول المعادية.
• إحباط العمليات التخريبية ضد أهداف إسرائيلية ويهودية خارج إسرائيل.
•الجمع السري للمعلومات خارج إسرائيل.
• توفير معلومات استخباراتية واستراتيجية وسياسية نافذة.
•تطوير علاقات سرية خاصة مع جهات خارجية.
• تنفيذ عمليات خاصة خارج حدود إسرائيل.
• تهجير اليهود من دول تكون الهجرة منها غير ممكنة، وذلك عن طريق مؤسسات الهجرة المتعارف عليها في إسرائيل.

 

الموساد والاستخبارات الدولية
يرتبط «الموساد» بعلاقات حميمة مع الاستخبارات الأميركية، كما أنّ له علاقات مهمّة مع استخبارات حلف شمال الاطلسي، فهو يشارك بشكل دائم في التحقيق مع الموقوفين العرب في الدول الغربية ويستغل ذلك لكسب عملاء له. وقد أقام علاقات مع «السافاك الإيراني» في عهد الشاه بهدف خلق مناخ مؤيد لإسرائيل في ايران.
أمّا علاقة «الموساد» مع الاستخبارات التركية، ومركز الأمن التركي القومي، فتعُرف بـ» المثلث الرهيب»، وقد تعهد «الموساد» بتقديم تقارير إلى مركز الأمن القومي التركي حول النشاطات التجسسية المعادية لتركيا، وتعهّد الأتراك أيضًا بتقديم تقارير حول نشاطات العرب التجسسية ضد إسرائيل وتقديم تقارير خصوصًا حول النشاطات المصرية بالذات ضدها.
كذلك فإنّ علاقة الموساد باستخبارات الدول الإفريقية ( زائير وليبيريا، كينيا، غانا وجنوب افريقيا)، هي علاقات قوية جدًا.
وثمّة علاقة للموساد مع استخبارات دول أميركا اللاتينية (مثل البرازيل، الأرجنتين، المكسيك، كوستاريكا، بنما، البيرو، السلفادور وسواها)، ومع دول آسيا الصغرى (مثل كوريا الجنوبية، وتايوان وتايلاند واندونيسيا)، وذلك بالتنسيق والتعاون مع الاستخبارات المركزية الاميركية.
سعت اسرائيل عبر «الموساد» إلى العمل مع الاستخبارات المصرية بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وذلك من أجل الحصول على معلومات مهمة عن المقاومة الفلسطينية ومنظّمة التحرير الفلسطينية وتسخير المراكز الحساسة في الاقتصاد والإعلام المصري لمصلحة اسرائيل، ومحاولة تثبيت رجال اسرائيل في مراكز صياغة القرار في مصر.
ينسب للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية العديد من عمليات الاغتيال التي استهدفت قيادات سياسيّة وعسكرية للمقاومة العربية بمختلف انواعها، ومنها اغتيال القادة الثلاثة لحركة فتح: ابو يوسف النجار، كمال عدوان، وكمال ناصر بمهاجمة منازلهم في شارع فردان في بيروت في 10/4/1974. وقد أشارت مصادر إسرائيلية عديدة إلى أنّ ايهود باراك الذي ترأس الوحدة الخاصة التابعة لرئاسة الأركان (ساييرت مطكال) في ذلك الوقت قد شارك في العملية وتخفى بملابس امرأة.

 

أبرز عميلات أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة
يرتبط تاريخ الجاسوسية اليهودية بتجنيد النساء، فالعاهرة راحاف المعروفة بعاهرة أريحا ساهمت في تقويض دعائم ملك الكنعانيين، واستطاعت دليلة أن تأسر عدو بني إسرائيل شمشون الجبار. والغانية أستير التي ورد ذكرها في سفر كامل من العهد القديم استطاعت بجمالها وفتنتها أن تسلب قلب أحد الملوك الذي استسلم لها طائعًا وسلّمها مقاليد مملكته، وكذلك سالومي ابنة زوجة الملك هيرودوت التي رقصت أمامه وأغوته، ثم ما لبثت أن طلبت منه رأس يوحنا المعمدان كمهر لزواجها به. وثمّة الكثير من القصص الحديثة التي تصور بوضوح أهمية الجنس والقتل في وصول إسرائيل لأغراضها، ولعل من أبرزها قصة الفتاة اليهودية ميرا التي كان لها دور هام في اغتيال الكونت برنادوت الوسيط الدولي (1949). واختطاف طائرة الميغ العراقية (آب 1966) حين قام الطيار العراقي منير روفا باختطاف طائرة عراقية من نوع ميغ 21 وهبط بها في أحد مطارات اسرائيل تلبية لطلب امرأة يهودية تحمل الجنسية الاميركية، ممَّا ساهم في كشف بعض أسرار القوة الجويَّة في مصر وسوريا والعراق وساعد في تحقيق التفوُّق الجوي الإسرائيلي في حرب العام 1967.
ومن أشهر فتيات الموساد أيضًا:
- سلفيا إيركا روفاني، وهي رسامة بريطانية أوكل إليها مراقبة المسؤول الفسلطيني علي حسن سلامة الذي اغتيل بعبوة تولت الجاسوسة تفجيرها (كانون الثاني 1979) بعد أن تولّت رصد تحركاته في بيروت.
- شيرلي بن طوف، اشتهرت باسم سيندي وكلفها «الموساد» بالإيقاع بالرجل الذي كشف اسرار اسرائيل الذرية وهو موردخاي فعنونو الخبير النووي الإسرائيلي الذي كان يعمل في مفاعل ديمونا. وقد استطاعت سيندي خلال وقت قصير اقامة علاقة خاصة مع الرجل في لندن ثم استدرجته إلى روما عقب نشره معلومات عن قوة اسرائيل النووية في الصحف البريطانية وهناك كان عملاء الموساد في الانتظار لتخديره واختطافه والزج به في سجون اسرائيل.
- شولا كوهين، وهي والدة السفير الإسرائيلي السابق في القاهرة، إسحق ليفانون، ولدت في الارجنتين لأسرة يهودية ثرية وكانت متزوجة من تاجر لبناني. باعت كوهين خدماتها الجنسية لمئات من كبار موظفي الدولة في لبنان ما بين 1947 و1961. وقد كانت تستقبل زبائنها في بيتها في منطقة وادي أبو جميل، وهو الحي اليهودي القديم في وسط بيروت. وكان عملها في مجال الدعارة مقدمة لاختراق النافذين في الدولة اللبنانية. وقد تمكنت من تصوير الكثير من موظفي الدولة اللبنانية مع العاملات في بيوت الدعارة خاصتها، وكان لها دور بارز في تهجير اليهود العرب إلى فلسطين وكانت تزور القدس باستمرار. اعتقلتها السلطات اللبنانية العام 1961 وحكم عليها بالسجن مدة عشرين عامًا، وتم اخلاء سبيلها في صفقة تبادل اسرى (1967).
- تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، وقد اعترفت في مقابلة مع إذاعة الجيش بأنها كانت عميلة لـ«الموساد» الإسرائيلي لمدة أربع سنوات ورفضت الإفصاح عن المهمات التي قامت بها خلال عملها في جهاز الاستخبارات الخارجية. وهي ساهمت في عمليات اغتيال، خصوصًا اغتيال علماء ذرة عراقيين واغتيال القيادي البارز في منظمة التحرير خليل الوزير (أبو جهاد) في أثينا، كما أقامت علاقات وديّة مع العديد من المسؤولين العرب بهدف التجسس والتسخير السياسي.

 

عمليات استخبارية ناجحة
من العمليات الناجحة التي نفّذتها الاستخبارات الاسرائيلية عمليَّة إنقاذ ركاب طائرة فرنسيَّة في مطار «عينتيبي» في أوغندا العام 1976، بعد أن تمَّ اختطافها في رحلة من تل أبيب إلى باريس من قبل أربعة عناصر من الجبهة الشعبيَّة لتحرير فلسطين، بهدف الضغط على إسرائيل لإطلاق موقوفين فلسطينيين لديها ولدى بعض الدول الأجنبيَّة. أسفرت العمليَّة عن مقتل الخاطفين وإنقاذ الرهائــن باســتثناء أربعة إســرائيليين قتلوا في أثناء العمليَّــة.
- إغتيال عدد من قادة تنظيم «أيلول الاسود» الفلسطيني وأعضائه الذين نفَّذوا العام 1972 عمليَّة ميونيخ فى ألمانيا والتي قتل خلالها 11 رياضيًا إسرائيليًا كانوا يشاركون فى دورة الألعاب الأولمبيَّة. وقد نفَّذ العملية فريق اغتيالات تابع للموساد، شُكِّل بقرار من رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير.
- تفجير المخزن الفرنسي في ميناء «La Seine Sur Mer» الذي احتوى الرؤوس النوويَّة قبل نقلها إلى العراق العام 1979، في عمليَّة سمِّيت «أبو الهول»، وتدمير منشآت المفاعل النووي العراقي «أوزيراك» العام 1981.
- سرقة تصاميم طائرة الميراج الفرنسيَّة من سويسرا العام 1968 بواسطة العميل ألفرد فرانكنشت، والتمكُّن من تطوير التصاميم لصنع طائرة «كفير» الاسرائيلية.
- خطف القائد الألماني النازي أدولف إيخمان من الأرجنتين ونقله إلى إسرائيل حيث حوكم بتهمة ارتكاب جرائم ضد الاسرائيليين وأُعدم بتاريخ 31 أيار 1962.

 

عمليات فاشلة
فشلت الاستخبارات الاسرائيلية في تنفيذ الكثير من العمليات ومنها:
- توقيف السلطات المصريَّة شبكة كاملة من الجواسيس العام 1954 في ما عُرف بفضيحة «لافون»، فقد قام 13 يهوديًا مصريًا بوضع متفجّرات في منشآت أميركية وبريطانية في القاهرة والإسكندرية بهدف توتير العلاقات بين مصر والدولتين وإضعاف نظام الحكم الثوري في مصر، وإظهاره مفتقدًا إلى الإستقرار أمام العالم. وقد أدَّى هذا الفشل إلى استقالة رئيس الحكومة موشيه شاريت ووزير الدفاع بنحاس لافون ورئيس الإستخبارات بنيامين غابلي.
- إكتشاف العميل إيلي كوهين الذي يُعدّ أحد أشهر الجواسيس في تاريخ إسرائيل على الإطلاق، حيث تمَّ تجنيده من قبل الموساد وزرعه داخل قيادات الحكومة السوريَّة خلال العام 1960. وقد تمكَّن من تزويد إسرائيل معلومات في غاية الأهميَّة، وذلك قبل القبض عليه وإعدامه في دمشق العام 1966.
- عدم التمكُّن من كشف النوايا المصريَّة والسوريَّة خلال الإعداد لحرب تشرين العام 1973.
- فضيحة العميل جوناثان بولارد الذي التحق بخدمة الإستخبارات البحريَّة الأميركيَّة العام 1979، حيث عمل محلّلًا إستخباراتيًا مدنيًا، وتدرَّج في عمله حتى أصبح له حقّ الإطلاع على العديد من المعلومات الحسَّاسة، ثم تمَّ تجنيده لمصلحة الإستخبارات الإسرائيليَّة، واستطاع تزويدها كمًّا هائلًا من المعلومات الخاصة بإسرائيل والدول العربيَّة ودول أخرى، حُكم عليه العام 1987 بالسجن المؤبَّد، وفى منتصف التسعينيات منحته الدولة العبريَّة الجنسيَّة الإسرائيلية في إطار ضغوطها على السلطات الأميركية لإطلاق سراحه، لكن محاولاتها لم تنجح على الرغم من تعهُّدها أمام الولايات المتحدة ودول أخرى، بألا تستخدم اليهــود فيها لمهمات تجسُّــس أو لخدمــة أي جهــاز اســتخبارات إســرائيلــي.
- في شهر تموز العام 2004، حاول جهاز «الموساد» الحصول على جوازات نيوزيلانديَّة لاستخدامها في تنفيذ عمليات اغتيال ضدّ عدد من قادة حزب الله والتنظيمات الفلسطينيَّة في مختلف أنحاء العالم، إلا أن المحاولة فشلت وأُلقي القبض على عنصرين من «الموساد»، حكم عليهما بالسجن لمدة ستّة أشهر. وقد طالبت السلطات الدولة العبريَّة بالإعتذار، إلا أنّ هذه الأخيرة خشيت من أنّ الإقدام على خطوة كهذه سيثير القضاء فى نيوزيلاندا، فيعيد محاكمة الجواسيس ويضاعف عقوباتهم، لذلك اختارت الصمت، واتهمت نيوزيلاندا حكومة إسرائيل بالعودة إلى سياسة استخدام يهود العالم لخدمة جهاز «الموساد».
- نجاح أجهزة الإستخبارات اللبنانيَّة في كشف عدد كبير من شبكات التجسُّس التي نفّذت مهمات تخريب واستطلاع من خلال تزويد «الموساد» المعلومات وتنفيذ بعض الإغتيالات لمصلحته، مثل شبكة العميل محمود رافع الذي نفّذ عمليَّة اغتيال الأخوين مجذوب.
- إخفاق «الموساد» في 25 أيلول 1997 في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في العاصمة الأردنيَّة عمان، عندما حاول عميلان حقنه بمادة سامَّة، إلا أن العمليَّة فشلت وألقي القبض على العميلين، وأدَّت هذه الحادثة إلى استقالة رئيس جهاز «الموساد» داني ياتوم.
- إخفاق الاستخبارات الإسرائيلية في معرفة مدى قدرة حزب الله على المواجهة والصمود, الأمر الذي كان من الأسباب الرئيسة في إخفاق الجيش الإسرائيلي وخسارته في حــرب تمــوز 2006.

 

العبرة لمن يعتبر
 لقد بنت إسرائيل جبروتها وغطرستها على قوة استخباراتها وعلى رأسها جهاز «الموساد» الذي يقوم بدور لا يقلّ أهميَّة عن دور الجيش في صون دولة إسرائيل وبقائها. فبالإضافة إلى عملياتها العدوانيَّة من هجمات محدَّدة ومباغتة، وتفجيرات، واغتيالات رجالات السياسة والعلم والثقافة، فهي تعمد إلى التدخّل في الخلافات الداخليَّة العربيَّة، وتحوك المؤامرات والفتن، لتجعل الجيش الإسرائيلي في وضعيَّة تسمح له بالتخطيط الجيِّد، والتنفيذ الناجح لضرباته الوقائيَّة، ولمبادراته العدوانيَّة. وبالتالي من الضروري جدًا أن يعمل المسؤولون اللبنانيون بكل حزم على تنمية روح الإنتماء والولاء للوطن داخل جميع فئات المجتمع، لحرمان أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة من استخدام بعض الخونة للقيام بأعمال تخريبيَّة واجرامية، مما يؤدّي إلى زعزعة الإستقرار الداخلي والإضرار بمصالح الأمن القومي للدولة. كما ويجب العمل على زيادة الثقة بين أجهزة الأمن والمواطنين لتتكامل جهودهما في كشف العملاء والجواسيس.