طفولة و تربية

الافراط في النشاط اضطراب سلوكي سببه بيولوجي وعلاجه ضروري
إعداد: ريما سليم ضومط

مؤشراته الاساسية ثلاثة : عدم التركيز و الحركة الزائدة و التهور

الحركة الزائدة، والتهور، وعدم الإصغاء، صفات تنطبق على معظم الأطفال خلال فترات معينة في سن الطفولة. أما اذا تخطى الأمر الفترات المحدودة وبات يطبع الحياة اليومية للطفل، فمعنى ذلك أنه يعاني بما يعرف بالإفراط في النشاط .
ما هو الإفراط في النشاط، وما هي الأخطار الناتجة عنه؟ كيف يتم تشخيصه وما الدور الذي يلعبه الأهل في العلاج؟ أسئلة يجيب عنها الدكتور سلام كوسا الاختصاصي في أمراض الدماغ والجهاز العصبي في الحوار الآتي.


الاضطراب في السلوك

الافراط في النشاط (ADHD) هو نوع من الاضطراب في السلوك يعاني منه خمسة في المئة من الأطفال في مختلف دول العالم. والطفل مفرط النشاط هو ذاك الذي يتّسم بالحركة الزائدة والقلق المتواصل، اضافة الى عدم القدرة على التركيز لفترة طويلة مما يسبّب له في معظم الأحيان مشاكل في الدراسة.
يشير الباحثون الى أن الافراط في النشاط مشكلة بيولوجية مصدرها الدماغ. وفي هذا الاطار يوضح الدكتور كوسا أن أساس المشكلة خلل في المنطقة الأمامية من الدماغ (Frontal Lobes) المسؤولة عن كبح التصرفات الجامحة، وضبط التهوّر. كما يشير الى أن العوامل الوراثية تشكّل بدورها عاملاً مساعداً في الاصابة بالافراط في الحركة.

 

مؤشرات أساسية

يتميز الأولاد الذين يعانون من افراط في النشاط بثلاث خصائص أساسية هي عدم التركيز، الحركة الزائدة، والتهوّر. ويشرح الدكتور كوسا أعراض كل منها على الشكل التالي:
 

* عدم التركيز: يظهر بشكل خاص أثناء القيام بعمل ما أو نشاط معيّن، ومن أبرز مؤشراته:
- عدم قدرة الطفل على اكمال أي عمل أو نشاط يقوم به.
- عدم قدرته على التركيز لا سيما على التفاصيل، اضافة الى وقوعه في أخطاء تنمّ عن عدم انتباه ان على صعيد الواجبات المدرسية أو أي من النشاطات الأخرى.
- عدم الاصغاء عند التحدث اليه.
اضافة الى ذلك، فإن الطفل الذي يعاني من عدم التركيز غالباً ما يفقد اللوازم الضرورية لأداء مهمته (كالأقلام أو الدفاتر)، كما يواجه صعوبة كبيرة في القيام بالنشاطات التي تستدعي حضوراً ذهنياً.
 

* الحركة الزائدة: هي الإشارة الأكثر وضوحاً ودلالة على وجود الافراط في الحركة. من أبرز مؤشراتها:
- حركة شبه دائمة في اليدين أو القدمين.
- التململ في المقعد، وعدم القدرة على الجلوس في مكان واحد لفترة طويلة.
- كثرة الكلام، وصعوبة في المشاركة في اللعب أو النشاطات الترفيهية بهدوء ومن دون صخب.
 

* التهوّر: وهو العامل الذي يدفع الولد الى التصرّف من دون تفكير أو تقدير للعواقب، فيقطع الطريق مثلاً قبل التأكد من خلوّها من السيارات. وقد يظن البعض أن الولد في هذه الحالة يسعى الى المخاطرة، لكن الواقع هو أنه غير قادر على ضبط تصرفاته المتهوّرة نظراً للخلل الدماغي المذكور سابقاً.
اضافة الى عامل المخاطرة (غير المقصودة)، يتميز الطفل المتهوّر بما يلي:
- الاجابة عن السؤال قبل سماعه كاملاً.
- مقاطعة الآخرين أثناء المحادثة.
- عدم القدرة على الانتظار.
ويؤكد الدكتور كوسا أن الخصائص الثلاث التي تميّز الافراط في النشاط، وهي عدم التركيز، الحركة الزائدة، والتهوّر، يمكن أن تظهر مجتمعة، كما يمكن أن تطغى الأولى على الأخيرتين اللتين تأتيان عادة بشكل متلازم، والعكس صحيح.
اضافة الى الخصائص المذكورة، هناك أعراض ثانوية تظهر على الطفل مفرط النشاط، يلخصها الدكتور كوسا بنقاط ثلاث، وهي عدم قبول التأنيب، والصعوبة في اتباع القواعد والقوانين، وعدم القدرة على التنظيم.

 

من حين الى آخر أو دائماً؟

بناءً على ما ورد أعلاه، نلاحظ أن الخصائص والأعراض التي تميّز الطفل مفرط النشاط، يمكن أن تظهر عند جميع الأطفال من حين الى آخر، فكيف يمكن التمييز بالتالي بين وجود الخلل أو عدمه؟
يرد الاختصاصيون على هذا التساؤل بالإشارة الى أن صفات التهوّر وقلة الانتباه والحركة الزائدة تشكّل الخبز اليومي بالنسبة الى الأطفال مفرطي النشاط، في حين أنها خرق للقاعدة لدى الأولاد العاديين. ويضيف هؤلاء أن أعراض الافراط في النشاط تترافق عادة مع مشاكل أخرى من بينها الصعوبة في التحصيل العلمي، والتصرّف بعدائية تجاه الآخرين.
ويبقى التشخيص الطريقة الأسلم لاكتشاف وجود الخلل أو عدمه. وهو يتم بحسب ما يشير الدكتور كوسا على يد فريق متخصص يتولى دراسة التاريخ العائلي للطفل، واجراء مقابلات مع الأهل، اضافة الى فحص طول الطفل ووزنه، واختبار سلوكه، وقدرته على التعلّم، وعلى التأقلم اجتماعياً، مع فحص مستوى ذكائه، علماً أن نسبة الذكاء لا علاقة لها اطلاقاً بمشكلة الافراط في الحركة.

 

الأخطار الناتجة عن الافراط في النشاط

يشير الباحثون والاختصاصيون الى أن أعراض الافراط في النشاط تظهر في السنوات المدرسية الأولى قبل بلوغ الطفل السابعة من عمره، وهي في معظم الحالات تضمحل وتتلاشى في سن النضوج. من هنا، فإن بعض الأهالي يتجاهلون المشكلة باعتبار أنها ستزول يوماً من تلقاء نفسها، وهذا خطأ. فالافراط في النشاط قد ينجم عنه مشاكل عدة أبرزها عدم القدرة على التعلّم، والقلق والاحباط، اضافة الى السلوك الاجتماعي غير السوي الذي يرافق الولد حتى مرحلة المراهقة.
من هنا، ينصح الخبراء الأهل باتباع خطوات عدة تساعد الطفل على تخطّي مشكلته. من أبرزها استشارة الأطباء الاختصاصيين الذين يزودونهم بالطرق والوسائل الواجب اعتمادها مع الطفل لاكسابه مهارات جديدة، وتعليمه الطرق الصحيحة في التعامل مع الآخرين، وفي التعاطي مع المشاكل اليومية، اضافة الى مساعدته في ضبط انفعالاته والحد من عدائيته.
في الاطار نفسه، يؤكد الدكتور كوسا أن علاج الطفل ذي النشاط المفرط يستدعي متابعة من قبل الاختصاصيين والأهل في الوقت نفسه، موضحاً أنه على الوالدين تدريب طفلهم على ضبط تصرفاته الجامحة وردود فعله المتهوّرة عبر اتباع الخطوات التالية:
- قراءة كتاب أو مشاهدة فيلم يحبه بين الحين والآخر.
- التعامل مع الآخرين بهدوء ورويّة.
- محاولة الحد من اندفاعه عبر ممارسة نشاطات رياضية.
اضافة الى ذلك، ينصح الدكتور كوسا الأهل بتمرير الملاحظات للطفل حين يكون هادئاً كي يتمكن من استيعابها. كما يشدّد على ضرورة تعليمه النظام والترتيب والتصرفات اللائقة اجتماعياً بأسلوب هادئ بعيداً عن الانفعال والغضب.

 

 تصوير: المجند ايلي رفول