اقتصاد ومال

البورصات الآسيوية تتكبّد خسائر كبيرة!
إعداد: تريز منصور

هل يواجه العملاق الأصفر أزمة حقيقية؟

 

الهزّة المالية التي شهدها العالم في 24 آب الفائت، وكان مركزها الأسواق المالية الصينية، استدعت تسمية ذلك اليوم بـ«الاثنين الأسود». فقد انهارت مؤشرات البورصات في مختلف دول العالم، وضاعف الانخفاض المفاجئ في سعر صرف اليوان المخاوف من أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم بات أضعف ممّا كان يعتقد، ما أدّى الى عمليات بيع مكثّفة مسحت أكثر من خمسة آلاف مليار دولار من قيمة أسواق الأسهم العالمية (وفق بعض الإحصاءات). ويعتبر هذا الانخفاض الأكبر لها منذ 8 سنوات. فما هي أسباب هذه الهزّة؟


أسواق المال والركود الاقتصادي
ممّا لا شك فيه أن التطورات في سوق المال هي أحد المؤشرات التي تعكس مدى سلامة أو صحة الأوضاع الاقتصادية في الدولة، وغالبًا ما يعقب انهيار البورصات في دولة ما، دخول اقتصادها حالة كساد، قد تطول أو تقصر. ويعتمد ذلك على عوامل كثيرة أهمها التوقّعات التشاؤمية وتأثيرها في قرارات الاستثمار، ومدى ثقة المستهلكين بالاقتصاد، ومدى استعداد الحكومات للتدخّل باتخاذ ما يلزم من اجراءات، لضمان استمرار نمو الطلب الكلّي على النحو الذي يضمن عدم دخول الاقتصاد في حالة من الركود. ولعلّ أحد أهم الدروس القاسية لانهيار البورصات في العالم هو ما حدث في العام 1929، عندما انهارت سوق نيويورك للأوراق المالية منهية عقودًا من الازدهار الاقتصادي الذي عاشته الولايات المتحدة، ليدخل الاقتصاد الأميركي في حالة ركود اقتصادي عميق استمرّ لفترة طويلة، ولم يخرج منها إلّا مع بدايات الحرب العالمية الثانية تقريبًا.
فهل إن المشهد في الصين اليوم، مؤشر لهشاشة ثاني أكبر إقتصاد عالمي؟ أم هو نوع من إعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي؟ أو لعبة دولية وحرب عملات؟

 

اسكندر
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور مروان اسكندر في حديث لمجلة «الجيش» حول واقع أزمة الانخفاض في البورصات الآسيوية، «إن انخفاضات الأسهم بدأت في الأسواق الصينية، وما لبثت أن انتقلت إلى هونغ كونغ وسنغافورة على الرغم من استقلالهما عن الصين، فالأخيرة ما زالت تملك استثمارات كبيرة في هذين البلدين. ومن ثم حصلت انهيارات كبيرة في أسواق نيويورك وجنيف وميلانو، وباريس ولندن المالية».
ويضيف: «تعتبر الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي، ولقد سبقت اليابان وألمانيا، وباتت أكبر مصدّر في العالم. أما أسباب الأزمة، فعائدة إلى الحساسية الأميركية التي بدأت تجاه الصين منذ نحو ستة أشهر، وهي ناتجة عن عاملين رئيسين:
الأول، إنشاء الصين بنكًا (صندوق ائتمان احتياطي) برأسمال مائة مليار دولار، لتنمية منطقة الشرق الأقصى، ويعتبره الأميركيون منافسًا قويًا للبنك الدولي، الذي تسيطر على سياسته الولايات المتحدة الأميركية بشخص رئيسه الأميركي الجنسية. كما أن مساهمة بريطانيا في هذا البنك (بنسبة 10 في المئة)، شكّلت استفزازًا للأميركيين وقد رأوا في ذلك تصرّفًا مستقلاً، على الرغم من التقارب السياسي والاقتصادي بين الدولتين.
أما السبب الثاني فهو أن دول البريكس (Brics) (الصين روسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا)، قد أنشأت بنك التنمية الجديد (New Development bank)، وهو شبيه بصندوق النقد الدولي، الذي لأميركا وبريطانيا حق الفيتو على قراراته.
يضاف إلى ذلك، أن الصين قد حقّقت استثمارات كبيرة في مجالات النفط والبنى التحتية في بلدان أفريقية متعددة، وقد تجاوزت هذه الاستثمارات مجمل الاستثمارات الأميركية في أفريقيا. ولهذا السبب كانت زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أفريقيا، حيث حطّ رحاله في كينيا- البلد الذي نشأ فيه والده، والذي استثمر فيه الصينيون مبالغ كبيرة».
ويتابع الدكتور اسكندر قائلاً: «لهذه الأسباب مجتمعة برزت مقالات عديدة تطرح تساؤلات حول قدرات الصين ومستقبلها الاقتصادي، وذهبت إلى القول إنها تعاني الضعف. أما في الحقيقة فالصين حقّقت خلال 25 سنة ارتفاعًا في مستويات المعيشة لـ 300 مليون صيني (من أصل مليار و200 مليون نسمة) ما جعلهم في مستوى العائلات المتوسطة في الغرب. ولا يخفى أن هذا العدد يساوي مجمل سكان الولايات المتحدة الأميركية، الذين يعاني نحو 25 في المئة منهم الفقر. كما أنه لا بدّ من الإشارة إلى أن اقتصاد الصين بدأ يتعافى منذ تحريره في العام 1978».
إذًا يمكن القول اليوم، ثمّة تحدٍّ صيني كبير للولايات المتحدة التي استعادت النمو بعد الأزمة المالية العالمية ولكن بمعدل 3 في المئة مقابل 7 في المئة للصين في العام 2014 (علمًا أن نسبة النمو قد بلغت في السابق 10 في المئة، ثم انخفضت إلى 8.5 في المئة). وهكذا بدأت التعليقات في المجلات المتخصّصة البريطانية والأميركية، تتوقّع هبوط النمو في الصين إلى أدنى من الـ5 في المئة. ولكن من الواضح أن هذا التقدير خاطىء، على اعتبار أن النمو مستمر، خصوصًا في مجالات الصناعة والبناء».
ويضيف اسكندر: «القول إن الاستثمارات الأجنبية في الصين انخفضت وإنها بحاجة شديدة للاستثمار غير صحيح، فلدى الصين 40 في المئة من احتياطي النقد العالمي، و1600 مليار من العملات المختلفة والذهب، وهي تملك نحو 2000 مليار من الأسهم والسندات الأميركية. وبالتالي بإمكانها الاستثمار بـألف مليار سنويًا ولمدة ثلاث سنوات ومن دون أي عائق. كذلك فإن محاولة وصف الصين بأنها قريبة من الانهيار، أمر بعيد عن الحقيقة. فالأسواق المالية في الولايات المتحدة انخفضت بنسبة 30 في المئة في العام 1987، واستعادت صحتها بعد ثلاثة أشهر. إن الشركات المدرجة على البورصة في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، تمثّل 60 في المئة من مجموع الشركات، وفي المقابل، إن نسبة الشركات الصينية المدرجة على البورصة هي 20 في المئة من مجمل الشركات الصينية، ممّا يعني أن أسعار أسهمها، لن يكون لها تأثير على الإقتصاد، كما يدّعي المحلّلون الاقتصاديون.
ورأى أخيرًا، أن «الخسائر في أسعار الأسهم هي خسائر ورقية، وليست خسائر حقيقية على الدخل القومي. فالمشكلة الصينية اليوم هي مشكلة آنية وليست مشكلة حيوية، وهبوط أسعار الأسهم كما هبوط أسعار النفط، هو نتيجة سياسات أميركية تهدف إلى الضغط على الصين وروسيا. وأول ردّ صيني على ذلك جاء في الاستعراض العسكري الذي أقيم للاحتفال بالانتصار العسكري على اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، واعتُبر من أضخم الاستعراضات العسكرية التي شهدها العالم».


حبيقة
من جهته يعتبر الدكتور لويس حبيقة «أن التراجع في البورصات الآسيوية اليوم متوقّع بسبب الارتفاعات الحادة لأسعار الأسهم التي سُجّلت في الفترة السابقة، بحيث وصل سعر سهم داوجونز مثلاً إلى 16 ألف دولار، وبالتالي توقّع المراقبون فقاعة في الأسواق المالية الآسيوية، وتراجعًا طبيعيًا في الإقتصاد، ليصار بعدها إلى تصحيح أوضاع الأسواق وإلى خلق توازن ضروري ومطلوب في الإقتصاد العالمي».
ويضيف: «من المعلوم أن الاستثمارات الغربية هي التي صنعت الاقتصادات الآسيوية، نظرًا الى تدنّي أجر اليد العاملة الآسيوية. فالاقتصاد الصيني مبني على الاستثمارات الأوروبية والأميركية، وعندما حصلت الأزمة المالية العالمية في العام 2008، بدأ النمو الصيني بالتباطوء، نظرًا إلى تراجع نسبة الصادرات من 12 في المئة إلى 7 في المئة. وبالتالي بات على الصينيين زيادة الاستهلاك الداخلي الصيني، الأمر الذي يحتّم عليهم تغييرًا في الذهنية والثقافة القائمة على فلسفة التقشّف والادّخار (خبىء قرشك الأبيض ليومك الأسود)، بحيث يعتبرون أن الإنسان الناجح هو من يدّخر الأموال.
ويمكن القول اليوم إن الصين تمرّ بفترة انتقالية أساسية، من مجتمع توفيري ادّخاري إلى مجتمع استهلاكي. ومن الخطأ تصوير ما يجري على أنه تدهور، فالاقتصاد الصيني لا يزال قويًا، وكل ما في الأمر هو أنه ينتقل من حالة إلى أخرى، ولهذا الانتقال كلفة معيّنة. إنها حياة جديدة للاقتصاد الصيني، وإن انخفض النمو من 14 في المئة إلى 7 في المئة، فإن نسبته لا تزال مرتفعة».
أما بالنسبة إلى تأثير ما يجري على اقتصادات الدول العربية ومن بينها لبنان، فيعتبر الدكتور حبيقة «أن الدول العربية لها علاقة اقتصادية واسعة، بأميركا والدول الغربية، لا تقارن بعلاقاتها بالصين، لذلك فإنّ وقع ما يجري في الصين عليها ليس مهمًّا ولن ينعكس سلبًا على تلك الدول. أما بالنسبة إلى لبنان، فإن الموضوع هامشي، على اعتبار أن المواد التي يستوردها من الصين (مثل الإلكترونيات والسيارات والآليات) يستطيع الحصول عليهــا مـن أوروبا.