- En
- Fr
- عربي
البيئة العسكرية
تشكل الحياة العسكرية بتشعباتها ومقتضياتها، وما تمليه من واجبات ومن عادات وتقاليد، بيئة عسكرية خاصة تتداخل فيها الأعراف مع الأنظمة، وتتكامل الأصول مع إمكانات الابتكار والتطوير والتغيير.
والبيئة في عمومياتها هي مجموع الأمور والقضايا التي ترتبط بعناصر الطبيعة من حر وبرد، ومن مناخ وماء وهواء، ومن نبات وعمران، ومن نظافة ومعالجة للنفايات وبقايا الحياة اليومية للسكان. وهي تنطلق لتصبح واحداً من أساسات المجتمع وركائزه، وعنصراً مهماً يساعد في تمييزه عن غيره، وفي رسم موقعه الحضاري، وقدرته على الاستمرار سليماً معافى، صحيح البنيان، واثق الخطى.
وقد خصّ الجيش اللبناني هذا الموضوع بأهمية كبيرة وعناية متفرّدة ، من هنا تصنيفه إياه في خانة المهمات الرئيسة الموكلة إلى وحداته في كل مكان ، وفي كل فصل وظرف، وتلك المهمات، كما يعرفها الجميع، هي : الدفاعية وتشمل شؤون الدفاع عن الوطن في وجه أي عدوان خارجي يسعى إلى النيل من الكرامة الوطنية، أو استباحة التراب الوطني وما فيه من ثروات وخيرات، الأمنية وتشمل الاسهامات المختلفة في الحفاظ على الأمن والاستقرار بكل مستلزماتها وحيثياتها، بالتعاون مع المؤسسات الأمنية الأخرى، والإنمائية التي تشمل في ما تشمل شؤون مشاركة المواطنين في حسن التعامل مع الطبيعة صيفاً وشتاء، حماية الثروة الخضراء في البر، والصفحة النقية الزرقاء في البحر، والصفاء والنقاء في كل نسمة تحوم حول السفوح والقمم، وبين الأحياء والمساكن والبيوت، وهذه هي ركائز البيئة الصحيحة.
نحن لا نحسب أن جيشنا يستطيع بمفرده ان يتولى تنفيذ مقررات «قمم الأرض» حول البيئة، ولن يبلغ بنا الافتراض حدّاً نؤمن فيه بأن هذا الجيش قادر على إعادة البيئة الى ما كانت عليه قبل اختراع السيارة واطلاق الطيارة والشروع باختبارات الكيمياء وتجارب الفيزياء، لكننا نذكر بأن وحداتنا تبذل الجهد الأقصى، في ظل امكاناتها المادية المعروفة، لدعم البيئة وحمايتها والابقاء على ما تبقى منها سليماً معافى، ويشكل ذلك زراعة الشجرة والعناية بها، ومكافحة ما يصيبها من حريق ويباس وآفات وأمراض. حماية مجاري الأنهار والأودية من عبث العابثين، خصوصاً لجهة تراكم النفايات وظهور الانشاءات غير القانونية. إعادة الاعتبار لمباني التراث من قلاع وحصون وغيرها، السهر على النظافة الفردية والعامة في أي مكان يحل فيه مركز من مراكز الجيش، كائنة ما كانت مدة إقامته، يضاف إلى ذلك إسهامات الوحدات الصحية العسكرية في مكافحة الأوبئة، خصوصاً تلك الناشئة عن عدم مراعاة شروط النظافة، بما في ذلك محاولات استباق الأمور من قبل تلك الوحدات، وتطبيق المقتضيات المطلوبة لمواجهة الإصابات والأوبئة (أمراض الجلد، أمراض الرئة...) التعاون مع المؤسسات الأهلية المحلية، والهيئات الإنسانية الدولية في كل ما يتعلق بمعالجة التغيرات المناخية والبيئية: الزلازل، البراكين... لكن، ما السبب في انشغال الجيش بالبيئة، قد يسأل سائل، هل لأن هذه المؤسسة هي بيئية في الدرجة الأولى، وقبل أن تكون عسكرية؟ هل بداعي المزايدة على المؤسسات الأخرى ذوات الشأن والاختصاص؟ هل تعبيراً عن فائض في الإمكانات وبحبوحة في الوسائل؟ لا. السبب هو الايمان بما للبيئة من تأثير في تأكيد حضارة الوطن، قياساً على أن النظافة وبمفردها، هي من الايمان، فكيف بالبيئة التي تسهل الكثير الكثير من الصفات والمزايا من كل حدب وصوب. والسبب بالتالي هو أن الوطن الحضاري يستحق التضحية في سبيله بشكل تلقائي وكواجب حتمي لا يعتريه تردّد، ولا يظهر فيه تلكؤ أو هوان، وهذه هي الرسالة التي نذر الجيش نفسه من أجلها. وهكذا تكون البيئة الطبيعية قد نالت الكثير من الجهد العسكري، وتدرجت لكي تكون فرعاً من فروع البيئة العسكرية الشاملة الواسعة.