اقتصاد ومال

البيوت الجاهزة في لبنان: قطاع يخطو بخجل
إعداد: تريز منصور

سريعة التركيب، جميلة وصديقة للبيئة

 

تشهد ظاهرة الأبنية الجاهزة إقبالاً متزايدًا لدى اللبنانيين ولا سيما في القرى والأرياف. وعلى الرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة المتعلّقة بنمو هذا القطاع، فإن العديد من الشركات المعنية تؤكّد ازدياد المبيعات باطراد، ما يدفعها إلى التوسّع في الاستثمار في هذا المجال. العائق الأبرز أمام هذه الصناعة هو أسعار الأراضي خصوصًا في المدن، وسياسات المصارف التي لا توفّر قروضًا لهذا النوع من المساكن.

 

مواصفات جيدة
تصنّع الأبنية الجاهزة من المعادن أو الأخشاب، ويراعى في تصميمها جمال الشكل، والاستجابة للشروط البيئية إذ تستخدم في صناعتها موادّ عازلة للحرارة وللصقيع، وبالتالي فهي لا تحتاج إلى التبريد والتدفئة، لذلك تعتبر صديقة للبيئة، كما أنها سريعة التركيب وآمنة 100 في المئة في ما يتعلّق بمقاومة الزلازل والحرائق والعوامل الطبيعية، لكنّها تستلزم صيانة دائمة. في معظم الأحيان تُستخدم الأبنية الجاهزة كمكاتب أو كمساكن للاجئين في حالات الحرب.

 

البيوت الجاهزة المعدنية
توضح مسؤولة المبيعات في شركة «دلال للبيوت الجاهزة» السيدة مي حمود لمجلة «الجيش» أن هذه الصناعة قد بدأت في لبنان منذ العام 1985، وأن الشركة تستخدم نوعيّة الحديد المزأبق في صناعة الهيكل الخارجي وألواحًا من الحديد من الداخل والخارج، ويفصل بين الطبقتين مادة عازلة للحرارة والصقيع تدعى «بوليريفين». أمّا الأرضية فمكوّنة من الخشب و«الفينيل»، والسقف مشابه للجدران، منه ما هو مستقيم ومنه ما هو مائل (بشكل شاحط). ويمكن تركيب البناء في غضون أسبوع على أبعد تقدير، ويمكن أن يكون من طبقتين. ولذلك فهو مطلوب من الذين يتوخّون توافر بناء ما بسرعة للمناسبات، والمهرجانات، والمزارع النائية التي تخلو من الطرقات الأسفلتية.
وتؤكّد حمود: أن نحو 90 في المئة من الزبائن يطلبون هذه المنازل لاستخدامات مكتبية و10 في المئة فقط للسكن. ولقد نشط الطلب الخارجي عليها بعد العام 2000 إبان الحروب في أفغانستان والعراق، ثم نشط محليًّا بعد حرب تموز (2006)، للتعويض عن المساكن المهدّمة في الجنوب وغيره ومن المناطق، بالإضافة إلى بناء المجمّعات السكنية والمكاتب التابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقّتة قي لبنان.
تستورد الشركة القطع من الخارج، ويجري تركيبها محليًا، وهي تصدّر نحو 25 في المئة من إنتاجها إلى الخارج (أفريقيا، الخليج، العراق، أفغانستان والكويت)...
ومن ميزات هذا النوع من البناء أنه أقلّ كلفة من البناء العادي، وطويل العمر، فضلاً عن سرعة تركيبه القياسية، وسرعة نقله. فالبيت الجاهز لا يحتاج الى أكثر من تمهيد الأرض وإقامة ركائز تحت الزوايا. ويمكن تصنيعه وتركيبه وفق القياس الذي يبتغيه الزبون، مع كامل التجهيزات والتمديدات الصحية.
ويمكن تصنيع البيوت المعدنية بمواصفات ملائمة للمناطق العالية التي تكثُر فيها الثلوج، ولكن كلفتها تصبح أعلى من السعر العادي الذي يبدأ من 220 دولارًا للمتر المربع ويرتفع بنسب متفاوتة وفق التجهيزات التي يطلبها الزبون في البيت، أو المكتب.
وأشارت حمود إلى أن البيوت الجاهزة هي الحلّ المناسب للأزمة السكنية، ولا سيّما في المناطق الريفية، حيث أسعار الأراضي متدنّية.

 

ماذا عن البيوت الخشبية؟
هل يختلف الوضع بالنسبة إلى البيوت الجاهزة المصنّعة من الخشب؟
يوضح المدير الإقليمي العام لـشركة «فونيكس» (مجموعة إندفكو) المهندس ربيع الأسطا أن الشركة بدأت بتصنيع البيوت الخشبية الجاهزة منذ العام 2013، وذلك في إطار سعيها إلى ترشيد استهلاك الطاقة، فهذه البيوت تؤمّن عزلاً للحرارة بنسبة عالية جدّا، ممّ يخفّف من استهلاك الطاقة للتدفئة أو للتبريد.
من أين يتمّ تأمين الأخشاب؟ يجيب المهندس الأسطا: تملك المجموعة آلاف الكيلومترات المربعة من الغابات في الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي فإن المواد الأولية من الخشب الأصفر (yellow Pine) مؤمّنة بأسعار تنافسية وبمواصفات جيّدة. ولتحقيق إنتاج ذي مستوى عالٍ، تمّ تدريب فريق عمل في ألمانيا على تقنيات هذه الصناعة، وخصوصًا ما يتعلق بكيفية العزل الحراري.
وبنتيجة مباحثات مع المركز اللبناني لحفظ الطاقة ومع مصرف لبنان وبناء على دراسات فنية، باتت هذه البيوت مشمولة بالقروض الخضراء المدعومة من مصرف لبنان، بحيث يستطيع من يرغب بشراء بيت منها الحصول على قرض بفائدة واحد في المئة مع فترة سماح لأربع سنوات، وذلك ضمن إطار مشروع NEEREA National Energy Efficiency Renewable Energy Action.
وأوضح المهندس الأسطا أن أسعار البيوت الجاهزة المستوردة من أوروبا تفوق أسعار تلك المصنّعة في لبنان، علمًا أنه من إيجابيات البيوت المصنّعة محليًّا، تصميمها وفق طلب الزبون وذوقه مع مراعاة المواصفات العالمية وخلق فرص عمل للمهندسين والتقنيين اللبنانيين. وعمّا إذا كانت المجموعة تصدّر البيوت الجاهزة إلى الخارج، يجيب: لا نصدّر إلى الخارج لأن هدفنا تغطية طلبات السوق المحلي أولاً وهي كثيرة، وخصوصًا في المناطق الجبلية كالمتن الأعلى فاريا-عيون السيمان فقرا...
في ما يتعلّق بأسعار البيوت الخشبية، يقول إن سعر المتر المربّع الواحد يرواح بين الـ600 والألف دولار أميركي، ويتوقّف هذا السعر على طلبات الزبون لمواصفات محددّة، أما في ما خصّ المساحة فهذه البيوت قد تتألف من طابق وتصل إلى ثلاثة طوابق.
أخيرًا وفق تقديرات المهندس الأسطا (الاحصاءات الرسمية غير متوافرة)، ما تزال نسبة نمو هذه الصناعة منخفضة بالنسبة إلى حجم الصناعة اللبنانية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الناتج المحلي.

 

اللبنانيون لا يتقبّلون الفكرة
من جهته، يعتبر صاحب شركة «ريّس ومشاركوه» أن اللبنانيين إجمالًا لا يتقبّلون فكرة البيوت الجاهزة، على الرغم من انتشارها اليوم بنسبة 90 في المئة في أوروبا وأميركا، ولذلك فإن نمو هذا القطاع في لبنان ما زال بطيئًا.
ويقول، عملت في القطاع المصرفي في الولايات المتحدة الأميركية، ورومانيا، ثم نقلت صناعة البيوت الجاهزة إلى لبنان في العام 2003. ميزة هذه البيوت أنها صديقة للبيئة لناحية المواد المستخدمة والعازلة للحرارة، إضافة إلى أنها منازل صحيّة وخصوصًا مع استخدام أخشاب الأرز والسنديان التي تفوح منها رائحة عطرية. أما من حيث الأمان فهي آمنة 100 في المئة حيال خطر الزلازل والحرائق والعواصف والثلوج، كما أنها سريعة التركيب. أما عن وجهة البيوت التي تصنّعها شركته فهي المناطق الجبلية بشكل خاص (زغرتا، الزعرور، بسكنتا، فقرا، كفرذبيان، راشانا...)، وذلك بسبب ارتفاع سعر الأراضي في المدن، كذلك يتمّ تصدير جزء من الانتاج إلى الخارج.

 

بداية حلّ لأزمة السكن؟
قد تكون هذه البيوت الجاهزة بداية حلّ لمشكل السكن في لبنان في ظلّ الأزمة الراهنة، إلاّ أن عدم إمكان تقسيط ثمنها وعدم استفادتها من القروض المصرفية يجعل من تحقّق هذه الفرضية أمرًا صعبًا. وبالتالي فإن مقاربة الموضوع من هذه الزاوية تحمّل القطاع أكثر مما يحتمل، أقله في الوقت الحالي، أولاً لأن ثقافة البيوت الجاهزة ما زالت قيد الانتشار عند اللبنانيين، وثانيًا لأن الاستراتيجيات المالية المتّبعة تولي القطاع العقاري «التقليدي» الأولوية.