نظرة إلى الداخل

التأجيل عدوٌّ خفي للإنتاجية والنجاح كيف نحاربه؟
إعداد: ريما سليم

نهى طالبة جامعية تفصلها أيام قليلة عن امتحانات الفصل الأول من العام الدراسي. وعلى الرغم من معرفتها المسبقة بحجم الدروس الواجب عليها إنجازها في فترة زمنية قصيرة، إلّا أنّها راحت تماطل كعادتها! تقول لنفسها في كل يوم: "سأبدأ دروسي غدًا". ولكن الغد يتحول إلى اليوم التالي، والذي يليه... وبدلًا من الاستعداد للامتحان، تجد نفسها تتنقل ما بين وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاهدة البرامج التلفزيونية، وتنظيف غرفتها. حتى أنّها تنغمس في تنظيم خزانة ملابسها، الأمر الذي كانت تؤجله منذ عدة أشهر، كل ذلك في محاولة للتهرّب من المطلوب منها. لدى اقتراب الموعد النهائي للاستحقاق، تشعر نهى بالتوتر والقلق بشكل متزايد. ومع أنّها ترغب في تحقيق نتائج جيدة في دراستها، فإنّها تعجز عن كسر دائرة المماطلة.
مشكلة نهى هي نموذج عن المشاكل التي يعانيها الأشخاص الرازحون تحت وطأة التأجيل المستمر، فهؤلاء يرغبون حتمًا في تحقيق النجاح في حياتهم العملية، لكنهم ينقادون إلى المماطلة والتلهي بأمور مختلفة لتفادي مواجهة مسؤولياتهم، فما هي أسباب التأجيل وما أبرز عواقبه، وكيف يمكن التغلب على هذه العادة السيئة؟

 

جميعنا يؤجل من حين إلى آخر لأسبابٍ مختلفة من دون أن يؤدي ذلك إلى أي عواقب تذكر. ولكن حين يصبح التأجيل عادة يصعب التخلص منها، فإنّه يؤثر سلبًا على الحياة الشخصية والمهنية، وغالبًا ما يؤدي إلى فشلٍ في تحقيق الأهداف، كما يسهم بشكلٍ كبير في زيادة الضغط النفسي، ويسبّب بالتالي القلق والتوتر والمشاكل الصحيّة المختلفة.

 

كسل أم نمط سلوكي؟
   
يعرّف الخبراء في علم النفس التأجيل بأنّه فعل تأخير أو مماطلة في تنفيذ المهمات أو الإجراءات الواجب إتمامها، والتهرّب منها على المدى القصير، من خلال التلهّي بأمور تؤدي إلى راحةٍ آنية بدلًا من معالجة المطلوب. وفي حين يردّ البعض التأجيل إلى خمول في الأفراد وكسلٍ مزمن لديهم، فإنّ علم النفس له رأي آخر. في هذا الإطار، تشير الاختصاصية في علم النفس السريري روزالي خزارجيان مبارك، إلى أنّ التأجيل هو سلوك يمارسه المرء بأمر من دماغه، الذي يتأثر بدوره بالتجارب والخبرات المخزّنة فيه وبكل ما يدور في العقل الباطن أو اللاوعي. وتضيف موضحة: لكي نفهم سبب التأجيل يجب التعرف إلى الخطوات الأربعة التي يعتمدها الدماغ قبل إعطاء الأمر باتباع سلوكٍ ما. فالخطوة الأولى هي تقدير الموقف المستجد (أو المهمة المطلوبة)، والثانية هي الانفعال الذي يرافق الموقف المذكور( خوف، قلق، تحدّ، ملل، إلخ…). أما المرحلة الثالثة فتشمل الأفكار الفورية التي تتبادر إلى الذهن بطريقة عشوائية والتي تستند إلى خبرة الفرد ولاوعيه، علمًا أنّ هذه الأفكار هي سلبية في الغالب. في المرحلة الرابعة، يعمل الدماغ عادةً على استبدال الأفكار السلبية بأخرى إيجابية، وهذا ما لا يحصل لدى الأشخاص الذين يعانون مشكلة التأجيل، حيث يستسلم الدماغ قبل إنهاء مهمته، ما يؤدي إلى سيطرة الأفكار السلبية التي تشلّ قدرتهم على اتخاذ قرار الشروع بالعمل، فيقعون في فخ المماطلة والتأجيل.
تؤكد السيدة مبارك أنّ الخوف من الفشل من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى التأجيل. وقد ينتج هذا الخوف عن انعدام الثقة بالنفس وبالقدرات الذاتية، أو عن سعي المرء إلى الكمال في أعماله، أو عن عدم وجود تعليمات أو خطة عمل واضحة حول المهمة المطلوبة. إلى ذلك، قد يكون انعدام الحوافز سببًا أساسيًا للتأجيل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سوء إدارة الوقت، حيث أنّ الأشخاص الذين لا يتقنون تنظيم أعمالهم يجدون أنفسهم دائمًا في دائرة المماطلة. ويبقى أنّ هناك بعض الأشخاص الذين يقومون بأداء أفضل تحت الضغط ما يجعلهم يؤجلون إتمام مسؤولياتهم إلى اللحظة الأخيرة.

 

فشلٌ متعدد الأوجه
 يؤدي التأجيل إلى نتائج سلبية، سواء على المستوى الشخصي أو المهني. ومن بين العواقب السلبية الأكثر شيوعًا، نذكر الآتي:

-    تراجع الإنتاجية وانخفاض جودة العمل، نتيجة ارتفاع مستوى التوتر والقلق مع اقتراب المهلة النهائية لتسليم العمل المطلوب.
-    الاختيارات المتسرعة أو غير المدروسة، جرّاء المماطلة في اتخاذ القرارات.
-    الإضرار بالسمعة وخسارة الفرص، خصوصًا فرصة التقدم في الوظيفة، نتيجة تخطي المهل المحددة في المجال المهني.
-    التعرّض للأمراض الناتجة عن ارتفاع الضغط النفسي ومستويات التوتر.
-    العواقب المالية الناتجة إما عن المماطلة في إدارة الشؤون المالية ما يؤدي إلى ضياع فرص استثمارية، وإما عن التأخر في دفع الفواتير ما يضيف فوائد على الرسوم المتأخرة.

توضح السيدة مبارك أنّه من أسوأ عواقب التأجيل انعدام قدرة الشخص على الالتزام، الأمر الذي يقوده إلى الفشل على غير صعيد. فالوفاء بالالتزامات ضروري في مجال العمل والدراسة واتخاذ القرارات  في مختلف أوجه الحياة، وحين يفشل المرء في هذا المجال، فلن يكون مؤهلًا لوضع خطط  لحياته الشخصية والعملية والسير بها، وهذا ما يقوده إلى علاقات متوترة حيث يرى الآخرون أنّه غير جدير بالثقة. فيخسر أيضًا الكثير من تقديره لذاته، ويزداد الشعور بالخسارة مع الوقت مسببًا نسبة عالية من التوتر والقلق، ليقود في الغالب إلى خسائر فعلية مثل خسارة الوظيفة أو الأصدقاء، أو فرص التقدم والنمو على الصعيدين العملي والشخصي.

 

الحل بالتنظيم والمثابرة
بغية التخلص من عادة التأجيل، يجب تغيير بعض العادات المتعلقة بطريقة التفكير ونمط السلوك. وتؤكّد الاختصاصية في علم النفس السريري أنّ عملية التغيير قد تستغرق وقتًا وجهدًا، لكن ومع مرور الوقت، سوف تؤدي إلى تحسنٍ ملحوظ على صعيد إنجاز المهمات وتحقيق الأهداف والحد من الضغوطات النفسية.

 

من أبرز النصائح التي تساعد على عملية التغيير ما يأتي:
- تحديد الأهداف والأولويات وإعداد خطة عمل واضحة تشمل فترة زمنية محددة لإكمال المهمة.
-  تقسيم المهمة إلى عدة أجزاء ما يخفض حدة الضغط النفسي، ويخفف الشعور بالإرهاق. ومن المستحسن البدء بالمهمة الأكثر إزعاجًا أو تحديًا، أو الأقل إمتاعًا لإزالتها كحاجز عقلي واكتساب الزخم.
- إنشاء روتين يومي يشمل جدولًا منظمًا لإدارة الوقت بشكل فعّال وبناء عادات جيدة.
-  تفادي عوامل التشتت في أثناء العمل عن طريق إسكات إشعارات الهاتف والتركيز على المهمة المطلوبة.
-  طلب المساءلة من صديق أو زميل لخلق ضغط خارجي لالتزام المهل المحددة.
- خلق الحوافز سواء كان ذلك مكافأة شخصية أو احتفالًا بالإنجازات الصغيرة، أو عبر تحدٍ للذات بشأن تحقيق هدفٍ ما.
تجدر الإشارة أنّه في حال فشل جميع الوسائل في الحد  من المماطلة، يجب اللجوء حينها إلى مساعدة متخصصة لدى المعالج النفسي.
وأخيرًا يجب التذكير أن التقدم لا يتم بين ليلة وضحاها، وأنّ المثابرة عنصر أساسي في النجاح.