التداعيات الاقليمية للحرب الاسرائيلية على لبنان

التداعيات الاقليمية للحرب الاسرائيلية على لبنان
إعداد: د. طلال عتريسي
باحث في الشؤون الاستراتيجية، مدير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية - الفرع الاول

عشية الحرب الاسرائيلية على لبنان كانت أنظار معظم المحللين والباحثين في مراكز الدراسات تتطلع في أكثر من إتجاه لمعرفة إلى أين وصلت الولايات المتحدة في مشروع "الشرق الاوسط الجديد" الذي أرادته بعد الحادي عشر من أيلول 2001 .

فالتطلع نحو العراق  لا يظهر سوى المزيد من التدهور الأمني والسياسي بعد أكثر من ثلاث سنوات على الاحتلال.ولم تضع الحكومة ولا قوات الاحتلال حدًا للفوضى الأمنية ولا للتفجيرات التي أودت بآلاف العراقيين. وتبدو الولايات المتحدة عاجزة عن صياغة العراق الجديد الذي وعدت به. أي العراق الآمن والموحد والديمقراطي... وعاجزة أيضًا عن كبح جماح المقاومة ضد قواتها. وحتى العملية السياسية  لا تبدو أنها تتجه نحو الاستقرار، إذ ينشغل العراقيون تارة بوحدة العراق، وطورًا بالمصالحة الوطنية، من دون أيّ تقدم حقيقي لا نحو هذه ولا نحو تلك.  وبسبب هذا التدهور السياسي والامني تتراجع شعبية الرئيس الاميركي، ويزداد الانتقاد له ولفريقه الذي فشل في نقل العراق إلى "الديمقراطية" التي أرادها هذا الفريق لبلدان الشرق الاوسط. في حين يصرّ الرئيس بوش على الدفاع عن سياساته في العراق وعلى التمسك ببقاء قواته هناك غير آبه بالدعوات إلى سحبها او إلى تقليص عددها تدريجيًا. تبدو المكابرة الاميركية على رفض الإقرار بالفشل في العراق منطقية تمامًا في إطار تصورات المحافظين الجدد للشرق الاوسط الذي ينبغي بحسب أدبياتهم الكثيرة أن يخلو من الانظمة الاستبدادية وأن يكون أمن الدولة العبرية وديمومتها متيسرا" ومضمونا"، وأن يطيح بالأنظمة القائمة.. " (1)

لأن الإقرار بهذا الفشل يستدعي الاقرار بمثله في أفغانستان التي عادت حركة طالبان وبعد خمس سنوات على إسقاط نظامها إلى استئناف عملياتها ضد القوات الاميركية وبوتيرة متصاعدة.) راجع عدد نيوزويك في الاسبوع الأخيرمن شهر ايلول 2006) ما يعني أن الادارة الاميركية فشلت هنا أيضًا في تغيير الواقع الافغاني السياسي والامني، خاصة وأن الحكومة الافغانية والرئيس الافغاني يعملون في دائرة جغرافية ضيقة من الحماية الاميركية داخل العاصمة كابول بينما تعيش باقي الولايات الافغانية خارج سلطة الحكومة.

والنظر إلى  فلسطين لا يبدو أفضل حالاً، أو أكثر إقترابًا من مشروع "الشرق الاوسط" الذي يتخيله المحافظون الجدد . فما إن فازت حركة حماس فوزًا ساحقًًا في إنتخابات ديمقراطية فعلية، حتى تم حصارها سياسيًا وماليًا، وبدت السلطة الفلسطينية في حال من الارتباك، فلا هي قادرة على التراجع أمام تقدم حماس، ولا هي قادرة على التقدم نحو الحكومة الاسرائيلية لإستئناف التفاوض. ولا تبدو الولايات المتحدة مهتمة كثيرًا بدفع هذا التفاوض قدمًا، واللجنة الرباعية لم تعقد اي اجتماع منذ زمن وشارون في غيبوبة ... وهكذا يبدو الوضع الفلسطيني في مرحلة إنتقالية مع حكومة حماس والتفاوض الفلسطيني- الاسرائيلي في حالة من الجمود ،والاهتمام الدولي ينصب على غير فلسطين (العراق وإيران). حتى ذهب الكثيرون إلى الاعتقاد بأن مستقبل الملف النووي الإيراني الذي يشغل الولايات المتحدة وأوروبا ستكون له تأثيرات مباشرة على ملفات المنطقة الأخرى في الشرق الأوسط  وعلى حلفاء إيران وخصومها.

ولذا عندما اندلعت الحرب الإسرائيلية على لبنان، أجمع معظم المحللين على صلتها بالدور الإيراني وبالملف النووي. تارة لجهة الادعاء بأنها هي من أوعز بشن الحرب لحماية هذا الدور وذلك الملف، وتارةً لجهة التوكيد بأن الحرب شنت إستباقيًا على أقوى حلفاء إيران في المنطقة لإضعاف دورها وقدرتها التفاوضية، وللتخلص من تهديد حزب الله الصاروخي اذا اندلعت الحرب الاسرائيلية – الايرانية- أو الاميركية-الايرانية كما تدعو إلى ذلك بعض الدوائر البحثية في الولايات المتحدة(2).

إن أبرز "انتصار" حققته الولايات المتحدة في الحروب التي شنتها منذ الحادي عشر من أيلول 2001 للقضاء على الارهاب، ولنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط كان في لبنان. لكن هذا الانتصار بقي جزئيًا ومهدّدًا. فقد تم إخراج القوات السورية في لبنان، بعد صدور القرار 1559.  لكن "سلاح الميليشيات (حزب الله) والمخيمات الفلسطينية بقي عصيًا على انتزاعه ولم يفلح "الحوار الوطني" في الاتفاق على إيجاد المخارج او البدائل المناسبة لهذا السلاح. لذا بقي "الانتصار الأميركي" معلقًا . لم تكن الحرب إذًا من أجل أسيرين إسرائيليين فهي تجئ  في تلك البيئة الاقليمية المتوتّرة بساحاتها المفتوحة على الصراعات التي لم تحقّق فيها الولايات المتحدة إنتصارات فعلية. لا بل تشهد القوة العظمى تعثّرًا واضحًا في العراق، وعودة لعمليات الطالبان في أفغانستان، وعنادًا إيرانيًا نوويًا، وانزعاجًا عربيًا من السياسة الاميركية في العراق التي أتاحت لإيران التمدد وزيادة نفوذها في العمق العربي والخليجي.

لذا كان على الولايات المتحدة أن تضع حدًا لذلك التراجع المتدحرج في شعبية رئيسها، ولتزايد  الانتقادات إلى وزير دفاعه دونالد رامسفيلد،لyدارته السيئة للحرب على العراق، وأن تحقق انتصارًا مدويًا يعيد خلط الأوراق في لبنان وفلسطين والعراق. ويجعل إيران أكثر انصياعًا للمطالب الأميركية – الأوروبية التي تتلخّص الاشارة إليها بـ "المجتمع الدولي " ولكي يجعل هذا الانتصار الشرق الاوسط أكثر انسجامًا مع رؤية المحافظين الجدد له. أي خال من "العنف والكراهية" ومنفتحًا على الديمقراطية.  وكانت إسرائيل في الوقت نفسه تنتظر اللحظة المناسبة لإعادة الاعتبار إلى هيبة جيشها بعد الانسحاب المذل من لبنان في العام 2000 وإلى قدرته على الردع  التي تتراجع منذ حرب تشرين في العام 1973، مرورًا بالانتفاضة والمقاومة في لبنان  من دون أن يسجل هذا الجيش نجاحات بارزة في المواجهة مع "الحروب الصغيرة" .(3)......

كان خطف الجنديين ذريعة ثمينة لكل من اسرائيل والولايات المتحدة. الأولى لاستعادة قدرة الردع الاستراتيجية، والثانية لإستعادة الشرق الاوسط كما تصورته الادارة الاميركية. لعل القضاء على حزب الله يثبت الانتصار الاميركي في لبنان، ويضعف حليفته سوريا ويمهد الطريق من دون تردد أمام الخيار العسكري للتعامل مع إيران. وبهذا تكون الحرب هي مخاض ولادة شرق أوسط جديد كما قالت كوندوليزا رايس في الأيام الأولى لاندلاعها عندما رفضت أي حديث عن وقف لإطلاق النار، وأي عودة بالوضع إلى ما كان عليه قبل الثاني عشر من تموز 2006. وضعت الحرب أوزارها في الرابع عشر من آب  2006 بعد ثلاثة وثلاثين يومًا من دون أن تحقق إسرائيل الاهداف التي وضعتها لها. فلم يتم القضاء على حزب الله ولا نزع  سلاحه، ولا إيقاع الهزيمة به. وبات من السهل الاستنتاج بأن كوندوليزا رايس لم تنجح في التقدم نحو "الشرق الأوسط الجديد" الذي توقّعت ولادته مع بداية الحرب.

 

لم تكن هذه الحرب على لبنان، تختلف عن حروب أخرى، بإمتداداتها وتداعياتها الإقليمية. وإذا تجاوزنا إنعكاسها على لبنان الذي لم يتوحد حول نتائجها السياسية والعسكرية. فإن أبرز ما يمكن تسجيله من تداعيات لهذه الحرب على المستوى الإقليمي هو التالي :

1- إسرائيل :

خرجت إسرائيل من الحرب وهي مصابة بدوار سياسي وعسكري. يشبه الدوار الذي يصيب ركاب السفينة في بحر هائج متلاطم.  فالحرب التي استهدفت إستعادة هيبة الجيش وقدرة الردع أسقطت النسبة المتبقية من تلك الهيبة. فعلى الرغم من "الإفراط في القوة" وعشرات ٱلاف القذائف، وأكثر من ثلاثين ألف جندي...والتدمير الهائل غير المسبوق... لم يتقدم الجيش  نحو الأهداف التي حددتها القيادة السياسية له.  وفشل ميدانيًا في أكثر من موقع من مواقع المواجهة ودفع أثمانًا باهظة غير مألوفة في حروبه السابقة مع العرب من  أرواح جنوده وفي دباباته الشهيرة "الميركافا".  لقد فقدت إسرائيل في هذه الحرب "قدرة الردع" التي شكّلت  طيلة عقود الحصن الذي يحمي الدولة والمجتمع.  والتهديد الذي يمنع العدو من مجرد التفكير في أي حرب ضد إسرائيل. ولقد كتب الكثير من المعلقين ومن المحللين السياسيين والعسكريين الاسرائيليين في أثناء الحرب وبعدها عن المشكلة الوجودية الخطيرة التي نجمت عن تصدع هذه القدرة. وربما هذا ما خشي منه شيمون بيريز عندما وصف هذه الحرب بأنها "حرب حياة أو موت بالنسبة إلى إسرائيل.  وتعكس النتائج السياسية للحرب، من تشكيل لجان تحقيق وتراجع شعبية اولمرت إلى 7% وأستقالة أودي أدم قائد الجبهة الشمالية، هذا الفشل في تحقيق أهداف الحرب.

لقد كشفت هذه الحرب الداخل الاسرائيلي . فلأول مرة منذ تأسيس اسرائيل تعجز الدولة والجيش عن حماية المدنيين الذين نزحوا من بيوتهم (نحو مليون نازح) وبقوا في الملاجئ طيلة ثلاثة وثلاثين يومًا هي مدة الحرب والصواريخ تتساقط فوق مدنهم حتى البعيدة عن الحدود اللبنانية... وهذا يعني على المستوى الاستراتيجي أن عقيدة إسرائيل القتالية واستراتيجيتها الدفاعية فقدت مبرراتها وصدقيتها. لأن هذه العقيدة كانت تقوم على الحرب الخاطفة التي تحقق فيها إسرائيل إنتصارًا في بضعة أيام كما فعلت في حرب الأيام الستة في العام 1967. وتستند هذه العقيدة إلى مساحة إسرائيل الجغرافية الصغيرة التي لا تستطيع أن تتحمّل حربًا طويلة ولا نقل المعركة إلى الداخل. ولهذا كانت إسرائيل تبدو عاجزة تمامًا وهي تنظر إلى الصواريخ تتساقط على مدنها ولا تستطيع أن تفعل شيئًا حيالها. كما لم يستطع الجيش أن يدمر منصات الصواريخ التي لم تتوقف عن الإطلاق إلى اليوم الأخير من الحرب.  وقد اعتبر هذا العجز من أبرز وجوه الفشل الاسرئيلي في هذه الحرب.

ومن أهم نتائج الحرب على إسرائيل أن استطلاعات الرأي اللاحقة أثبتت أن الجمهور الإسرائيلي لم يعد يثق في قدرة قيادته السياسية أو العسكرية على تحقيق الانتصار، وفي أن دولته تنتصر دائمًا في الحروب التي تخوضها. إن هذه الاستنتاجات تتصل بجوهر الوجود الاسرائيلي. لأن هذا الوجود قام منذ نشأة الكيان على فكرة الردع والحرب الخاطفة والدولة التي لا تهزم ، والحرب على أرض العدو، وحماية المدنيين الإسرائيليين الذين لم يشعروا يومًا  لا بمخاطر الحرب عليهم ولا بتأثيراتها على حياتهم اليومية. لقد أسقطت الحرب ذلك كله.   

إمتدت نتائج الحرب إلى أسئلة أخرى لا تقل أهمية عن أسئلة الردع والعقيدة القتالية المستقبلية. مثال مدى قدرة إسرائيل على خوض معارك تريدها الولايات المتحدة؟ وأين هي مصلحتها في خوض معارك مماثلة؟ وكيف ستستعيد إسرائيل قدرة الردع من جديد؟ وهل ستشجع هذه الحرب دولاً أخرى على الثقة بإمكانية هزيمة الجيش الاسرائيلي أو على الاقل عدم الاعتقاد بأنه "جيش لا يقهر" خلافًا لما كان يُنظر إليه سابقًا؟ وهل ستخوض إسرائيل حروبها المقبلة بالطريقة نفسها. أم أن عليها إعادة النظر في استراتيجيتها وتكتيكاتها العسكرية بعد المواجهة التي ربح فيها حزب الله بأساليبه القتالية التي دمج فيها بين المقاومة الشعبية وبين قتال الجيوش المنظم. لقد وجدت إسرائيل نفسها بعد هذه الحرب مجددًا أمام الوضع الفلسطيني وتعقيداته  وأمام عملية التسوية التي عاد إهتمام العالم بها.  وكان من اللافت ان تمهد وزيرة الخارجية تسيبي ليفني وفي الأيام الأخيرة للحرب بدعوة سوريا إلى التفاوض.  وأن يستأنف تلك الدعوة وزير الدفاع عمير بيرتس بعد تلك الحرب (23/9/2006) مع تأكيده على محورية الدور السوري في عملية التسوية، من دون أن ينسى التذكير بأنها تدعم الارهاب في الوقت نفسه.

لقد خرجت إسرائيل متضرّرة، ومضطربة من هذه الحرب وهي تحتاج إلى إعادة ترميم مفاهيمها العسكرية والسياسية والأمنية.  لكن خطابها التحريضي بعد الحرب إتجه  مباشرة نحو " الخطر الإيراني". وتعكس المواقف تجاه سوريا هذا الاضطراب السياسي. ففي حين يريد البعض في اسرائيل ان يجعلها في دائرة إهتمام التفاوض والتسوية، بعيدًا من ارتباطها بإيران، ومن تحالفها الاستراتيجي معها. يريد البعض الآخر أن يمنع حتى الآمال بفتح أبواب التسوية، أو نزع الصدأ عن إقفالها... مثل اعتبار أولمرت "دمشق عاصمة للإرهاب" (29/9/2006)

 

2- سوريا :

واجهت سوريا قبل الحرب أوضاعًا سياسية وأمنية صعبة ومعقدة، بلغت حد التلويح بإسقاط النظام.  وظهرت علانية، ولأول مرة شخصيات سورية تدعو إلى تغيير هذا النظام.  وتفاقم الخلاف الاميركي – السوري وبلغ حدًا من التوتر غير مسبوق منذ سنوات طويلة.  وكانت الولايات المتحدة تكرّر شروطها لرفع الضغوط عن سوريا: منع تسلّل "الإرهاببين" عبر حدودها إلى العراق وإقفال مكاتب المنظمات الفلسطينية في دمشق و نزع سلاح الميليشيات في لبنان، حتى بعد خروجها منه إثر القرار 1559.  وعاشت سوريا مناخًا من التضييق الإعلامي والسياسي بعد اتهامها بإرتكاب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.  وظهرت بوادر تصدّع في علاقاتها مع "المحور" السعودي – المصري الذي كان متشددًا في المسارعة إلى خروج القوات السورية من لبنان.   وتراجع بعض نفوذ سوريا الإقليمي بعدما فقدت وجودها العسكري المباشر وأنتهت إدارتها للحياة السياسية في لبنان.

أصبحت سوريا أكثر إلتصاقًا بحليفتها إيران، بعدما تراجع حلفها العربي التقليدي. وفي الوقت الذي اشتدت به الضغوط الاقليمية – الفرنسية على سوريا، فتح نجاح حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية كوة في جدار حصار سوريا. إذ شرعت دمشق بواباتها للفائزين القادمين من فلسطين في الوقت الذي أغلقت فيه أبواب العواصم العربية الأخرى في وجوههم.  ولذا كانت الحرب على لبنان، وهدفها الرئيسي القضاء على حزب الله لا تعني بالنسبة إلى سوريا سوى خسارة حليف قوي سيسمح لأعدائها بمزيد من تهديدها وإضعافها... وعندما خرج هذا الحليف منتصرًا ولم يسحق في تلك الحرب، سارع الرئيس بشار الاسد، في اليوم التالي لوقف النار، إلى إعلان خطاب الانتصار في (15/8/2006) موجّهًا التهم القاسية إلى القوى السياسية اللبنانية المناوئة لنظامه (نتاج إسرائيلي) وإلى الانظمة العربية التي أيّدت الحرب ووقفت ضد حزب الله (إنصاف الرجال) أي السعودية ومصر والاردن.   وكان من الطبيعي أن تشعر سوريا بأنها تجاوزت منعطفًا سياسيًا وعسكريًا خطيرًا.  لأن هزيمة حزب الله في هذه الحرب كانت ستفتح على الأرجح شهية الجيش الاسرائيلي للإنعطاف نحو سوريا.  وكان على سوريا ان تدفع ثمن دعمها السياسي والعسكري لحزب الله.  ولذا شعرت القيادة السورية، وتصرّفت بعد الحرب ليس فقط على إنها شريك في هذا الانتصار، بل على اساس إنها شريك في صنعه. ويكفي ان  نذكر الاشارات التي صدرت من امين عام الامم المتحدة، حول محورية الدور السوري في أي حل للأزمة في لبنان، وكذلك زيارة وزير الخارجية الاسباني إليها داعيًا إلى إشراك سوريا في أي حل، ومن ثم الدعوات الاسرائيلية إلى التفاوض مع سوريا، لنستنتج أن سوريا خرجت أكثر قوة من هذه الحرب، وخرج "المحور السوري- الإيراني"، أكثر تماسكًا وأشد اعترافًا به وبدوره.

 

3- إيران :

تعتبر إيران من أكثر الدول الإقليمية التي انعكست عليها إيجابًا نتائج الحرب. ليس فقط لأنها هي من شارك في إنشاء حزب الله كحركة مقاومة ومدّته بالدعم والتدريب منذ العام 1982 بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان. بل لأن المشروع الاميركي الاسرائيلي بالقضاء على هذا الحزب يندرج في إطار مشروع المواجهة الأميركية- الإيرانية التي تشكل فيها إيران حلقة أساسية من حلقات الاختلاف والممانعة مع الولايات المتحدة. ومن المعروف ان عقدة الخلاف بين واشنطن وطهران سبقت إحتلال العراق. وتعود إلى ما تسميه الإدارة الأميركية "دعم الإرهاب" في لبنان وفلسطين أي حركات المقاومة ضد إسرائيل. والقطيعة التامة بين البلدين تعود إلى العام 1979 بعد انتصار الثورة مباشرة وتفرض الولايات المتحدة منذ ذلك التاريخ عقوبات اقتصادية وتجارية وتسليحية على إيران. ومع تقدم برنامج إيران النووي قبل سنوات، تصاعد الخلاف بينها وبين الغرب، الذي يتهمها بالسعي إلى امتلاك السلاح النووي، في حين تؤكد إيران أن الطاقة النووية التي ستحصل عليها هي للأغراض السلمية فقط.  وعلى الرغم من قناة التفاوض الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) في السنوات الثلاث الماضية، لم تحل الثقة بين إيران وبين "المجتمع الدولي" بشأن برنامج هذه الاخيرة النووي.  ولم تستبعد الولايات المتحدة الخيار العسكري كسيناريو محتمل لمنع إيران من المضي في هذا البرنامج. كما لم توقف ضغوطها لإحالة "الملف الإيراني النووي" إلى مجلس الأمن لفرض العقوبات على إيران، تمهيدًا للخيار العسكري الذي لم يتخلّ عنه الرئيس الأميركي تمامًا، وتشجعه اتجاهات سياسية واستراتيجية في الولايات المتحدة (4). وفي ذروة الحرب على لبنان أصدر مجلس الأمن القرار 1696 يحدد نهاية شهر آب من العام 2006 موعدًا لإيران لوقف تخصيب اليورانيوم . أي أن الحرب لم تصرف أنظار "المجتمع الدولي" عن ملف إيران النووي. ولم تعطّل إجتماعات وكالة الطاقة الدولية، ولا إجتماعات مجلس الامن، ولا اللقاءات الأميركية – الأوروبية.  بل إستمر كل هؤلاء في متابعة هذا الملف التي تجلت في القرار 1696.  ما يعني أن فرضية شن الحرب من جانب حزب الله لصرف الأنظار عن البرنامج النووي الإيراني كانت فرضية واهية لأن المخاوف الغربية من هذا البرنامج والضغوط لوقفه بدأت قبل سنوات واستمرت أثناء الحرب، وهي متواصلة بعد توقّف الحرب. لا بل إن الفرضية الأخرى التي تقول بأن القضاء على حزب الله هو إضعاف لإيران، هي الفرضية المنطقية، إذ تفقد إيران أحد أقوى حلفائها في المنطقة، ما يمهّد، من دون أي مخاوف من رد حزب الله على إسرائيل ، للخيار العسكري الأميركي ضد طهران (5)

لذا كان من الطبيعي أن تشعر إيران بأنها انتصرت أيضًا في هذه الحرب.  وإن لم تعلن ذلك كما فعل الرئيس السوري بشار الاسد. لكن فشل الحرب الإسرائيلية ومعها المشروع الأميركي "لشرق أوسط جديد" عبر لبنان، لن يعني بالنسبة إلى إيران سوى عرقلة التقدّم نحوها، والاعتراف المباشر بقوتها ونفوذها وقد شهدنا كيف ذهب وزير الخارجية الفرنسية فيليب دوست بلازي إلى السفارة الإيرانية في بيروت لملاقاة نظيره الإيراني منوشهر متقي للتباحث في صيغ القرار الدولي لإنهاء الحرب. وكيف ذهب كوفي أنان أيضًا إلى طهران بعد الحرب.  وقد كان لافتًا جدًا تراجع الموقف الأوروبي عن فرض العقوبات وحتى عن إرسال الملف الإيراني إلى مجلس الامن بعد إنتهاء الحرب وفشل الحملة العسكرية الاسرائيلية.

وها هو خافيير سولانا الممثّل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية يستأنف الحوار مع علي لاريجاني مسؤول الملف النووي الإيراني بعد إنقضاء الواحد والثلاثين من آب ومن دون أن توقف إيران تخصيب اليورانيوم.  وها هو الرئيس شيراك يدعو إلى عدم التسرع لا في فرض العقوبات ولا في بحث الملف الإيراني في مجلس الامن. أما إيطاليا فطالبت بأن تكون شريكًا في المفاوضات الأوروبية مع إيران. لقد خرجت إيران أكثر قوة من هذه الحرب وأكثر إعترافًا بنفوذها، بعدما فشلت الحملة الأميركية – الإسرائيلية في القضاء على حزب الله حليفها القوي. وقد ظهرت إيران كأبرز الرابحين الاقليميين بعد حرب تموز 2006 فقد تبين أن السلاح الأميركي الذي استخدمته إسرائيل لم يردع قدرة حزب الله الصاروخية فكيف بالقدرة الصاروخية الإيرانية ذات المدى الأبعد والأكثر تدميرًا ؟ ما يعني أن على إسرائيل والولايات المتحدة أن تتحسّبا كثيرًا قبل التفكير في أي عمل عسكري ضد إيران. لكن ذلك لن يعني بأي حال أن إيران ستشعر بالإستقرار، على الرغم من الابتعاد الأوروبي النسبي عن السياسة الأميركية المتشدّدة تجاهها. فالإدارة الاميركية لا تزال تمارس الضغوط لفرض العقوبات، ولا تزال تلوح بأن الخيار العسكري  ليس خارج الاحتمالات (6)... خاصة مع إعلان الرئيس الأميركي أن حربه مستمرة ضد "الفاشية الإسلامية" التي لا تمييز فيها بين "الارهاب السني والارهاب الشيعي".

لذا أن أفق العلاقة الأميركية – الإيرانية باتجاه التفاوض أو الحلول العسكرية حول الملف النووي سيترك تأثيرات مباشرة على مجمل القضايا الساخنة والعالقة في منطقة الشرق الأوسط من لبنان وفلسطين إلى العراق...

 

4- فلسطين والعراق :

قبل خطف الجنديين الإسرائيليين في جنوب لبنان بأسابيع قليلة كانت حركة حماس قد إختطفت بدورها جنديًا إسرائيليًا من داخل غزة. وطوال تلك الأسابيع لم تتوقّف الهجمات والغارات الاسرائيلية على القرى والبلدات الفلسطينية.  وارتكب الجيش الإسرائيلي عشرات المجازر، من دون أن يتدخل أحد في العالم لمنعه او إدانته.  وقام باعتقال مجموعة من نواب حماس ووزرائها.  لذا عندما خطف حزب الله هذين الجنديين، نجح في إضعاف الطوق المفروض على الفلسطينيين. وتردد أن التفاوض لإطلاق الأسرى قد يتخذ مسارًا واحدًا في لبنان وفلسطين. إلا أن الحرب التي اتسعت رقعتها وتعقيداتها السياسية والديبلوماسية أبقت كل صيغة تبادل على حدة.  ومن المعلوم أن تجربة خطف الجنود الإسرائيليين بدأها حزب الله في لبنان قبل سنوات ثم إنتقلت إلى فلسطين. وإذا كانت مواجهة قوة الاحتلال نفسها، قبل سنوات ستفضي إلى تكرار بعض الأساليب هنا وهناك، إلا أن الأهم من ذلك كله إن اصرار حزب الله على رفض اطلاق الجنود من دون تبادل، سيدفع حماس إلى عدم التراجع واعتماد المبدأ نفسه على الرغم من كل الضغوط التي قد تتعرّض لها. وإذا قاتل حزب الله وصمد أمام ضخامة ووحشية الآلة العسكرية الاسرائيلية، ولم يُهزم أو يقضى عليه، فإن حركة حماس والحركات الفلسطينية الأخرى ستعتبر ذلك نموذجًا يمكن الاقتداء به.

وإذا أظهر الجيش الاسرائيلي عجزًا او إرتباكًا، او اعترافًا بفشل قواته في الميدان وخرجت الأصوات لمحاكمة المسؤولين عن هذا الفشل، فإن حركات المقاومة في فلسطين سوف تشعر بالقدرة على القيام بالمواجهة نفسها وهذا من أهم وأخطر نتائج هذه الحرب على المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية. ويكفي أن نذكر بأن الانتفاضة إندلعت في العام 2000 بعد أربعة أشهر فقط على تحرير جنوب لبنان وإنسحاب الجيش الإسرائيلي من دون قيد أو شرط في 25 آيار من العام نفسه.

وإذا كانت تداعيات هذه الحرب لن تظهر بسرعة على أداء حركات المقاومة وفي مقدّمتها حركة حماس في فلسطين، وسوف يمضي بعض الوقت قبل أن يتم تدارس الأساليب القتالية الجديدة، فإن إسرائيل في المقابل لن تسمح بمثل تلك السهولة بجعل حماس على سبيل المثال تكرّر تجربة حزب الله في منع الجيش من تحقيق أهدافه.  لذا من المتوقّع أن تشتد ضراوة العمليات العسكرية الإسرائيلية وعمليات الاغتيال ضد الناشطين الفلسطينيين من الفصائل كافة.  وعلى الرغم من إرتفاع حرارة الحديث عن العودة إلى التفاوض وإلى إحياء مسار التسوية أو خارطة الطريق، أو تدخّل اللجنة الرباعية، فمن المستبعد حصول أي تقدّم حقيقي على طريق إحياء التفاوض مع السلطة الفلسطينية أو التوصّل إلى حلول لم ينجح الطرفان في بلوغها قبل هذه الحرب. وإذا كانت القيادة الاسرائيلية تتحدّث عن استعداد للتفاوض أو لإحياء مسار السلام مع الفلسطينيين أو مع سوريا فلأنها تريد تحويل الأنظارعن فشل الجيش في لبنان وعن لجان التحقيق في أسباب الاخفاق في الحرب. لكن لا شيء يؤشّر إلى إستئناف التفاوض في المدى المنظور خاصة وأن البيت الفلسطيني أيضًا يعاد ترتيبه بعدما حوصرت حماس طيلة الأشهر الماضية وبات خيار الوحدة الوطنية هو المخرج لأزمة الحكم بين حماس وبين السلطة. أما في العراق الذي لم يظهر عليه أي نوع خاص من أنواع التأييد مع لبنان ومع حزب الله في هذه الحرب، باستثناء ما حصل في دول عربية أخرى من تظاهرات تأييد للمقاومة وتنديد بالعدوان الاسرائيلي. فلا يبدو أن نتائج الحرب ستغيّر من واقع التعقيدات السياسية والأمنية فيه. فالسلطة العراقية تبدو عاجزة أمام الضغوط الأميركية من جهة والفلتان الأمني وعمليات المقاومة ضد الاحتلال من جهة ثانية. ومستقبل العراق الموحد أو الفدرالي يشغل جميع القوى السياسية العراقية.  ولذا لن تشعر هذه القوى بأثر نتائج الحرب على تعديل المسار السياسي أو الأمني في العراق. ربما ستكون إيران أكثر من يستطيع توظيف نتائج هذه الحرب في المواجهة مع الولايات المتحدة. بعدما تبين أن حزب الله ( حليف إيران) قادر على الصمود في وجه الحملة الاميركية- الاسرائيلية، وقادر على إفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد من لبنان. ومثل هذه النتيجة يمكن أن تقرأ أميركيًا في المجال العراقي نظرًا لنفوذ إيران وإمتدادها في الأوساط العراقية كافة. ما يعني المزيد من الحسابات الاميركية قبل التفكير في أية عملية عسكرية ضد إيران.

 

5- النظام الإقليمي العربي:

لأول مرة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، تتخذ بعض الدول العربية (السعودية – الأردن - مصر) موقفًا يبرّر العدوان ويحمّل الطرف العربي (حزب الله) مسؤولية إندلاع الحرب(7). (البيان الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية عن مصدر رسمي سعودي في 13/7/2006 ثم البيان المشترك المصري- الأردني في اليوم التالي. في حين وقفت دول أخرى علانية إلى جانب المقاومة (سوريا واليمن).

وقد اتضح هذا الانقسام بشكله الرسمي في الاجتماع الوزاري لمجلس جامعة الدول العربية الذي انعقد في القاهرة في 15/7/2006 إذ توزّعت مواقف الوزراء بين ثلاثة إتجاهات: الأول يضم مصر والأردن والسعودية والكويت والعراق والرئاسة الفلسطينية والإمارات والبحرين.  ويحمّل هذا الاتجاه حزب الله مسؤولية التصعيد الذي جاء "في وقت غير مناسب" وقد يجر المنطقة إلى حرب كبيرة".  الاتجاه الثاني ضم سوريا ولبنان واليمن واعتبر أن عمليات حزب الله ضد اسرائيل مشروعة ولا تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. أما الإتجاه الثالث فضم المغرب والسودان وليبيا... ورأى أن حزب الله لم يرتكب جريمة عندما أسر الجنديين... ولكن كان عليه التنسيق مع الحكومة اللبنانية. أما الإجتماع الطارئ الذي أقر لاحقًا لمجلس الوزراء العرب على أن يعقد في بيروت فكان في 7/8/2006، أي بعد نحو شهر على بدء العدوان الإسرائيلي (8)

لا يعكس هذا الانقسام وهذا التأخير في الاجتماع جديدًا في الموقف العربي من قضية بهذه الاهمية فقد سبق وحصل انقسام مشابه عشية الحرب الاميركية على العراق في  العام 2003. ولم تتم الدعوة إثر تلك الحرب إلى قمة طارئة، علمًا بأن المصادقة على دورية القمة قد تمّت في قمة القاهرة في العام 2000. كما أن التحفّظ الرسمي العربي كان واضحًا من فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في شباط من العام 2006.  وحالت بعض الحكومات دون زيارة أو لقاء رئيس الوزراء الفلسطيني وهو من حركة حماس.  ولم تعترض على المواقف الأميركية والأوروبية التي دعت إلى قطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني بعد فوز حماس.

أي أن التفكّك في النظام الإقليمي العربي وإنقسام مواقف دوله تجاه القضية الواحدة وعدم حصول أي اجتماع (أو حصوله متأخرًا) على مستوى القمة، لم يكن مفاجئًا أو طارئًا في مواجهة الحرب الإسرائيلية على لبنان. لا بل كشفت هذه الحرب حجم التدهور الذي آل إليه هذا النظام. وإذا كانت السنوات الماضية قد رأبت هذا الصدع جزئيًا عبر ما أطلق عليه "المحور السعودي- السوري – المصري" الذي حافظ على الحدّ الادنى من المعالجة العربية المشتركة التي كانت تفرض نفسها على باقي المواقف العربية تجاه الحرب الاسرائيلية على لبنان (1996) أو المواقف من دول الجوار (إيران تركيا) أو التعامل مع الملف الفلسطيني (المقاومة والسلطة).

فإن هذا "المحور"  نفسه قد تصدع بدوره في العام 2005 بعد اغتيال الرئيس الحريري وما أعقبه من مواقف سعودية ومصرية مارست ضغوطًا واضحة وقاسية للمسارعة في سحب القوات السورية من لبنان. وفي الوقت الذي اتسع فيه التباعد العربي – العربي، ذهبت سوريا إلى تمتين تحالفها مع إيران. ولهذا سيكون من بين الأهداف الأميركية بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان محاولة جذب سوريا بعيدًا عن إيران من خلال تقديم الحوافز عبر رفعها عن لائحة الإرهاب، وتقديم المساعدات، وفتح باب التفاوض حول الجولان. إذًا لم يكن النظام الإقليمي العربي فاعلاً  أثناء الحرب. فقد اجتمع وزراء الخارجية العرب، كما سبق وأشرنا في بيروت في 7/8/2006 بعد نحو شهر على العدوان، وقبل أسبوع فقط من وقف الحرب. وعلى الرغم من تشكيل لجنة ثلاثية من الوزراء العرب لنقل وجهة النظر العربية إلى مجلس الامن بشأن الصياغة النهائية لمشروع القرار الفرنسي – الأميركي الذي سيصدر لاحقًا تحت الرقم 1701، فإن حصيلة الموقف العربي من العدوان ومجرياته السياسية والعسكرية كانت أدنى بكثير من حجم ما حصل.  وتجلى ذلك ايضًا في تبخر فكرة القمة الطارئة التي طرحت أثناء اجتماع وزراء الخارجية في بيروت.  والتي لم تعقد إلى اليوم ، وكذلك في غياب القادة العرب عن حضور القمة الاسلامية التي انعقدت في ماليزيا لبحث العدوان على لبنان.

إذا كانت هذه الحرب قد صّدعت المثلث أو  المحور "السعودي – المصري – السوري"  فإنها أثبتت في الوقت نفسه إنه من الصعب لهذا المثلث أن يشكّل القيادة البديلة للنظام الإقليمي العربي كما ظنّ البعض في مرحلة معيّنة خاصة بعد تراجع دور مصر إثر اتفاقيات كامب ديفيد. علمًا بأن هذا "المثلّث" لم يكن له دور محوري في كثير من المحطات والأزمات التي عصفت بالمنطقة العربية من الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982 إلى الحرب العراقية- الإيرانية بين 1980 و 1988، وصولاً إلى الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003 من دون أن يعني ذلك أن هذا المثلّث لم يكن له دور إيجابي أيضًا في دعم سوريا والمقاومة في لبنان على سبيل المثال طوال فترة الإتلال الإسرائيلي حتى التحرير في العام 2000. لكن من المؤكّد أن "النظام العربي" يشهد فراغًا على مستوى القيادة، كشفت الحرب الأخيرة على لبنان حجمه وتعقيداته.  فقد وقفت قطر على سبيل المثال ضد المملكة العربية السعودية واتخذت سياسة مغايرة لها، ومواقف حادة من مسؤوليها فجاء الموقف القطري مؤيّدًا للمقاومة وداعيًا إلى المحافظة على سلاحها في مقابل الموقف السعودي الذي اعتبر ما قام به حزب الله "مغامرة غير محسوبة" في بداية الحرب. وتبدو أزمة القيادة من خلال هذا المثال بالمقارنة بين حجم دولة قطر وحجم المملكة العربية السعودية. ولا يبدو في الأفق، حتى بعد هذه الحرب ما يشير إلى أي تبدل في واقع النظام العربي، ولا في الفراغ على مستوى قيادته، على الرغم من "التماسك" النسبي الذي يظهر في الموافقة الجماعية على مشاريع التسوية مع إسرائيل مثال : قمة بيروت في العام 2002. لكن محاولات رأب الصدع لن تتوقّف في الوقت نفسه لأن الجميع يخشى أن تصل الأمور إلى القطيعة النهائية، كما حصل في عودة التقارب المصري – السوري حتى بعد خطاب الرئيس الاسد الشهير في 15/8/2006

ثمة واقع آخر على مستوى النظام الإقليمي العربي هو الواقع الشعبي والجماهيري الذي تجاوز مواقف حكوماته وأعرب عن تأييده التام للمقاومة في لبنان ضد إسرائيل  فخرجت التظاهرات في معظم العواصم العربية وحتى الإسلامية ترفع شعارات حزب الله وصور السيد نصرالله فتجاوزت بذلك أجواء الفتن المذهبية التي كان البعض يؤكد على خطورتها وإمكانية حصولها.  ولعلّ هذا الموقف الشعبي الواسع يعبّر عن رغبة عميقة في تخطي الشعور الدائم بالهزيمة والانكسار أمام إسرائيل الذي تسببت به الحكومات العربية طيلة العقود الماضية، ولا تزال تشيّعه في وسائل الإعلام على المستويات السياسية والنفسية.  لقد حرّك صمود حزب الله في هذه الحرب تلك الرغبة القوية عند عموم الناس التي تجلّت في التظاهرات الشعبية، للمطالبة بالمشاركة في القتال وفي صناعة الانتصار.  كما ارتفعت في الوقت نفسه شعارات النقد والاتهام بالعجز والتقصير والتآمر للحكومات التي طالبها المتظاهرون باتخاذ المواقف التي تتناسب وما يحصل في جنوب لبنان. (مثل قطع العلاقات مع إسرائيل، أو استدعاء السفير من إسرائيل ، أو طرد السفير الإسرائيلي من الدولة التي وقّعت اتفاقات سلام، إلى إرسال المساعدات ، وصولا" إلى فتح باب التطوّع أمام الراغبين بالمشاركة في القتال).

وقد أحدثت تلك المظاهرات إرباكًا وحرجًا لدى الحكومات العربية. ما اضطرها إلى تعديل بعض خطابها تجاه الحرب خاصة وإن الوقائع الميدانية بدأت تشير إلى انكسار الهجمة العسكرية الإسرائيلية وإلى نجاح المقاومة في الصمود أمام العدوان.

وإذا كان ما حصل سيحّرك الكثير من الآمال والرهانات على هذا الواقع الشعبي الذي تبيّن له عمليًا كيف يمكن التصدي لإسرائيل والصمود في وجه آلتها العسكرية وإفشال أهدافها, فإن هذا التعاطف يحتاج لكي يكون أكثر فاعلية في المستقبل إلى قوى منظّمة ومهيأة لقيادته على المستويات كافة. وهذا غير متوفّر في معظم البلدان العربية. وإذا كانت المقاومة في وجه إسرائيل حقّقت هذه الوحدة الشعبية وهذا الحراك الشعبي القوي فإن القضايا العربية الأخرى ربما لن تحقّق مثل هذه الوحدة خاصة عندما يتوجّه الجميع نحو الداخل لمواجهة الحكومات المستبدة أو الظالمة أو التابعة... كما أن هذه التحرّكات الشعبية لم تتمكّن حتى في أثناء الحرب وحرارتها الملتهبة من الضغط على حكوماتها لتغيير حقيقي في سلوكها، كقطع العلاقات، أو التهديد بالمقاطعة الاقتصادية أو ما شابه ذلك... وهكذا لعبت التحرّكات الشعبية والمدنية دورًا مهمًا ومؤيدًا للمقاومة وقائدها إبان الحرب.  وكان لهذا الدور تأثيراته الاعلامية والنفسية والسياسية الإيجابية على المقاومة.  لكن الرهان على هذا الدور يحتاج مستقبلاً إلى القوى التي تستطيع الانتقال به من العمل العفوي إلى العمل المنظّم، ودون ذلك عقبات كثيرة في المستقبل المنظور.

 

نحو حروب جديدة ؟

ذهبت بعض التحليلات إلى أن ما جرى في لبنان سيكون آخر الحروب العربية الإسرائيلية.  وإن المنطقة لن تشهد حروبًا لأن إسرائيل من جهة عجزت عن تحقيق أهدافها من الحرب وهي لن تدخل في حروب جديدة مع سوريا أو مع أي دولة عربية أخرى. ولأن هذه الدول من جهة ثانية تريد التسوية الشاملة مع إسرائيل وهي على استعداد للتطبيع معها كما عبّرت عن ذلك قمة بيروت في العام 2002.  وترى هذه التحليلات أن وجود قوات اليونيفيل والجيش اللبناني في الجنوب سيمنع فعليًا أي نشاط للمقاومة حتى لو احتفظت بسلاحها. ما يعني أن إمكانية نشوب حرب أخرى من خلال لبنان لن تكون فرصتها متوفّرة. إن تداعيات الحرب على دول المنطقة التي سبق وأشرنا اليها ربما لن تسمح بهذا التحليل المتفائل لجهة غياب الحروب وتقدّم الاستقرار والتسويات... فبالنسبة إلى إسرائيل التي خرجت وهي تبحث عن أسباب الفشل في هذه الحرب لن تبقى أسيرة هذا الواقع إلى الأبد على الرغم من تأثيراته الاستراتيجية على مستقبل ووجود الكيان الإسرائيلي. بل ستعمل على إعادة ترميم قدرة الردع لإعادة الاعتبار إلى هيبة الجيش. 

كما أن إسرائيل تؤكد حتى بعد دخول الجيش اللبناني ووجود اليونيفيل أنها لن تتوقف عن الطلعات الجوية إلى داخل الأراضي اللبنانية، وإذا كانت المقاومة لا تزال تمتلك الصواريخ وترسانة عسكرية مهمة، فهذا يعني أن اسرائيل ستعتبر أن أمنها سيبقى مهددًّا وأن عليها التخلّص من هذا التهديد بالوسائل كافة، بما فيها الحرب إذا لزم الامر. ولكن مثل هذه الخيارات المحتملة لا تعني أن اللجوء إليها قد يتمّ في وقت قريب فدون ذلك فترات طويلة وربما سنوات قد تتغيّر فيها الكثير من الأوضاع في المنطقة. وإذا كانت أي حرب تخوضها إسرائيل لا تنفصل عن المشروع الأميركي في المنطقة فهذا يعني أن الحديث عن آخر الحروب أو عن تجدّدها يرتبط أيضًا بالرؤية الأميركية لمنطقة الشرق الاوسط. ففي حقبة المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية الحالية شهد العالم حربًا مفتوحة على الإرهاب تم خلالها إسقاط أنظمة في العراق وأفغانستان وإشعال حرب في لبنان. ووصل التوتّر مع إيران ذروته. والتهديد بالضربة العسكرية لمنع إيران من امتلاك الطاقة النووية لا يزال قائمًا.  وتشير بعض التقديرات إلى أن الرئيس الأميركي جورج بوش لن يغادر البيت الأبيض قبل نحو سنتين إلا ويكون قد وجّه ضربته العسكرية إلى إيران.  ولا أحد يستطيع التنبؤ بحجم رد الفعل الإيراني على هذا الخيار الأميركي المحتمل الذي قد يشغل المنطقة برمّتها. ما يعني أن الحرب قد تعود إلى المنطقة ولكن من البوابة الإيرانية هذه المرة وليس من بوابة لبنان.

ثمة إحتمال آخر لحرب إسرائيلية - سورية. فإسرائيل التي خسرت حربها في لبنان، لا يمكن أن تقوم بالتسوية مع سوريا. وها هي الأصوات الإسرائيلية قد خرجت لتؤكّد أن الجولان جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل وإن إعادته مستحيلة إلى سوريا.  كما أن سوريا في المقابل بدأت تلوح بفقدان الأمل في السلام، وبأنها تخشى أن تكون الحرب هي السبيل لاستعادة الأرض.  ومع استمرار الرغبة الأميركية في حصار سوريا وفرض العقوبات عليها (تصريحات كوندوليزا رايس في 27/9/2006)، فإن سيناريو الحرب سيظلّ محتملاً بين سوريا وإسرائيل.

أما على المستوى الفلسطيني فإن الحرب لم تتوقف اصلاً.  ومنذ سنوات، وحتى أثناء الحرب على لبنان تقوم إسرائيل بعمليات دهم واغتيال وهدم للبيوت في المناطق الفلسطينية كافة.  كما تستمر وبتفاوت عمليات الرد تارة بقصف المستعمرات أو بعمليات تفجير. ولا يبدو أن الوضع يتجه نحو الاستقرار أو عقد التسويات.  فبعد أكثر من عشر سنوات على إتفاقيات أوسلو لم يحصل الفلسطينيون على دولتهم المستقلة على الرغم من الوعود الأميركية والأوروبية الصريحة والقاطعة بهذا الشأن. وبعد أكثر من مشروع عربي للتسوية والاعتراف بإسرائيل لم تُعلن هذه الاخيرة أي استعداد جدي للإنسحاب من كل الاراضي العربية المحتلة أو الاعتراف بدولة فلسطينية. ما يعني استمرار التوتّر الفلسطيني الإسرائيلي الذي سيُغذي التوتّر السوري- الإسرائيلي واللبناني- الإسرائيلي بأشكال مختلفة بسبب وجود اللاجئين الفلسطينيين في البلدين المجاورين، ومكاتب للمنظمات الفلسطينية في دمشق، وعدم تطبيق القرار 194 الذي ينص على عودة اللاجئين إلى ديارهم.  إذًا إن عدم تقدم الحلول على "الجبهة" الفلسطينية سيجعل من خيار الحرب في الداخل الفلسطيني (بشكلها الحالي أو أكثر تصعيدًا) أو في الجوار الفلسطيني خيارًا محتملاً لا يمكن استبعاده تمامًا.

بعد الحرب الاخيرة على لبنان بأبعادها الاقليمية والدولية، تبدو منطقة الشرق الاوسط وكأنها تتأرجح بين خيارين:  إما التسوية التي تبدأ مع الملف النووي الإيراني والتي يبذل الأوروبيون جهدهم لإنجاحها عبر انتزاع تنازل وقف التخصيب المحدود من إيران وعبر تعزيز عوامل الثقة والتفاهم بين الطرفين والتي ستمتد إلى فلسطين بحثًا عن حلول تفاوضية بين إسرائيل والفلسطينيين (9) ، والتي ستؤثّر بطبيعة الحال على العراق  الذي تتمتّع فيه إيران، بنفوذ قوي، بحيث تشمل التسوية مع إيران الملف العراقي إضافة إلى الملف النووي.  يبدو هذا الخيار هو الأقرب إلى الرؤية الأوروبية على المستوى الدولي بعدما برز الدور الأوروبي بقوة أكبر كما يتبيّن من كثافة المشاركة الأوروبية في قوات اليونيفيل في لبنان، ومن الابتعاد النسبي عن خيار التصعيد الذي تريده الولايات المتحدة مع إيران.

أما الخيار الثاني وهو خيار الحرب فيبدو خيارًا أميركيًا ومن يتأمل في الاستعدادات العسكرية لجميع دول المنطقة سوف تزيد خشيته من احتمال اللجوء إلى هذا الخيار بحيث يشعر الكثير من الخبراء والمسؤولين في أوروبا وأميركا بأنهم في سباق مع الزمن تجاه ملفات المنطقة كلها فالمناورات العسكرية الإيرانية في الأشهر الأخيرة أظهرت أن القيادة في ايران تستعد جديًا للحرب على جهة الفضاء أي الصواريخ الباليستية  التي تصل إلى إسرائيل ومشارف أوروبا ودول الخليج. والجبهة البحرية في مياه الخليج لإغلاق مضيق هرمز الذي تعبره ناقلات النفط في العالم (نحو خمسين باخرة يوميًا). والجبهة البرية داخل الأراضي الإيرانية لخوض حرب عصابات على غرار قتال حزب الله في جنوب لبنان. أما إسرائيل فزادت موازنتها العسكرية للعام الحالي نحو 62 مليار دولار. ليس للتعويض عما خسرته في الحرب على لبنان فحسب بل من أجل التجهيز والاستعداد للحرب المقبلة.  وفي مقابل الإجماع الإسرائيلي على أن هيبة الردع قد تحطّمت وأن على إسرائيل أن تستعيد هذه الهيبة عبر حرب أخرى، ثمة تشديد على "الخطر الاستراتيجي" الذي تمثّله إيران وبرنامجها النووي في المرحلة المقبلة.

في هذه البيئة من التسلّح تستمر الولايات المتحدة في تعزيز وجودها العسكري في منطقة الخليج وقد أرسلت حاملة الطائرات النووية "أيزنهاور" القتالية التي ستنضم إلى ما يقل عن ثلاث مجموعات قتالية لحاملات طائرات منتشرة في مياه الخليج.  كما أرسلت البحرية الأميركية أعدادًا إضافية من كاسحات الألغام والمدمّرات المزوّدة بنظام مضاد للصواريخ الباليستية. ويقول الخبراء الأميركيون أن نوعية السفن التي يتم إرسالها هي لمنع البحرية الإيرانية من الحركة في حال اندلاع الحرب. وحتى سوريا لم توفّر وسيلة لتطوير دفاعاتها الجوية، لكنها تحاول في الوقت نفسه بناء ترسانة من الصواريخ الباليستية وصواريخ "غراد" التي استخدم حزب الله بعضها في الحرب الأخيرة (10) وفي هذا الاطار تأتي تصريحات الرئيس الأسد بأنه يخشى ان يفقد الأمل بالسلام، وبأن تكون الحرب هي الحل لاستعادة الأرض.

إن هذا التدافع بين خياري التسوية والحرب لن يجلب الاستقرار لا إلى العالم ولا إلى منطقة الشرق الأوسط  بما في ذلك إلى لبنان كأحد بلدان هذه المنطقة. إن ما يثير القلق هو تلك الضغوط الأميركية المتواصلة لقطع الطريق على التسويات خاصة بين أوروبا وإيران.  ما يعني في المنظور الأميركي إستعجال العقوبات تمهيدًا للحرب التي قد تشعل المنطقة كلها. إن هذا الاتجاه القوي في الإدارة الأميركية للحرب، لن يقطع طريقه إلا  الدور الأوروبي الفاعل (كما في التفاوض مع إيران). فهل ستقدر أوروبا على القيام بهذه المهمة التاريخية؟ وهل ستدعها الولايات المتحدة تفعل ذلك ؟ تلك هي الاسئلة التي ستحدّد الإجابات عنها مستقبل "الشرق الأوسط الجديد"0

 

الهوامش

(1) لمزيد من التفصيل حول "المحافظين الجدد" راجع : ستيفان هالبر وجوناثان كلارك "التفرد الاميركي، المحافظون الجدد والنظام العالمي . دار الكتاب العربي بيروت 2005 وكذلك الفصل الاول "ثورة المحافظين الجدد من كتاب جيل كيبل "الفتنة، حروب في ديار المسلمين " دار الساقي بيروت 2004

(2) راجع على سبيل المثال: James Phillips, John C. Helsman, and James Jay Carafano, “The Heritage Foundation, policy research and Analysis”, December 14, 2005

(3) أهارون ليفران : " أفول قدرة الردع الاسرائيلية، سلسلة أوراق إسرائيلية(5) منشورات المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية، رام الله، 2001

(4)James Phillips, John C. Helsman, and James Jay Carafano " Countering Iran's Nuclear Challenge " The Heritage Foundation, Policy Research And Analysis” , December 14,2005

(5) راجع مقالة سيمور هيرش في صحيفة نيويوركر في 14/8/2006 والتي ترجمتها الصحف اللبنانية.

6) راجع على سبيل المثال Henrey Kissinger, “The next steps with Iran”, the Washington Post, Monday 31 July 2006

(7) (البيان الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية عن مصدر رسمي سعودي في 13/7/2006 ثم البيان المشترك المصري – الأردني في اليوم التالي. في حين وقفت دول أخرى علانية إلى جانب المقاومة (سوريا واليمن).

(8) د. أحمد يوسف احمد "التداعيات العربية" ورقة قدّمت في ندوة "الحرب الإسرائيلية على لبنان : التداعيات اللبنانية والإسرائيلية وتأثيراتها العربية والإقليمية والدولية" بيروت في 31 آب – 1 آيلول 2006 مركز دراسات الوحدة العربي.

(9) عزمي بشارة "هل تنجب حرب لبنان مسارًا تفاوضيًا مثل حرب أوكتوبر؟" الحياة في 28/9/2006 ص. 9

(10) راجع مقالة رياض قهوجي "الديبلوماسية النشطة لم توقف الاستعدادات لحرب إقليمية محتملة" جريدة الحياة في 27/9/2006

The Regional Repercussions Of The Israeli War Over Lebanon

On the eve of the Israeli war against Lebanon, most analysts and searchers were looking into more than one direction in order to see what happened to the American project of a “new Middle-East” required by the Neo-Conservators after September 11 2001.

The American stubbornness in refusing to admit the failure in Iraq perfectly fits within the frame of the Neo-Conservators provisions regarding the Middle-East, which is supposed to be, following their profuse writings, free of tyrannical regimes.

In fact, to admit the failure in Iraq implicitly means to admit the failure in Afghanistan where the Talibans, five years after the collapse of their regime, have progressively resume their operations against the American Forces. Regarding Palestine, the situation doesn’t appear any better or closer to the “new Middle-East” project as conceived by the Neo-Conservators.

This last war over Lebanon is not different from any other war concerning the regional repercussions, whereas inside Lebanon there is no exclusive agreement about the military and political repercussions of this war.

The disturbing issue is related to the continuous American pressures aiming to block any settlement, especially between Europe and Iran, which means for the Americans to quickly impose sanctions in order to prepare for a war that could put the entire region on fire. This strong tendency of the American Administration to make war will only be impeded by the effective role of the European Union (such as the negotiations with Iran). Will the European Union be able of achieving this historical mission? Will the United States let the Europeans play this role? The answer on these questions will define the future of the “new Middle-East”.                         

Les Répercussions Régionales De La Guerre Israélienne Contre Le Liban

A la veille de la guerre israélienne menée contre le Liban, la majorité des chercheurs et analystes dirigeaient leurs regards dans plus d’une direction afin de savoir où en étaient les Etats-Unis dans leur projet du « nouveau Moyen-Orient » voulu à la suite du 11 septembre 2001.

L’opiniâtreté américaine à refuser d’admettre l’échec en Irak apparaît parfaitement logique dans le cadre des prévisions des nouveaux conservateurs concernant le Moyen-Orient qui devrait, selon leur abondante littérature, être débarrassé des régimes tyranniques. En effet, le fait d’admettre cet échec conduirait à admettre l’échec en Afghanistan où les Talibans, cinq ans après la chute de leur régime, ont progressivement repris leurs opérations contre les Forces américaines. En ce qui concerne la Palestine, la situation ne paraît pas bien meilleure ou plus proche du projet du « nouveau Moyen-Orient » tel que conçu par les nouveaux conservateurs.

Cette dernière guerre sur le Liban ne différait pas vraiment de tant d’autres en matière de répercussions régionales, alors qu’à l’intérieur même du Liban, il existe des points de vue divergents sur les répercussions politiques et militaires de cette guerre.

Ce qui semble inquiétant, ce sont les pressions continues exercées par les américains en vue de barrer la voie pour tout règlement, notamment entre l’Europe et l’Iran, ce qui veut dire du point de vue américain accélérer la mise en place de sanctions en vue de préparer une guerre qui pourrait embraser toute la région. Cette forte inclination de l’administration américaine à déclencher la guerre ne pourrait être endiguer que par le rôle efficace de l’Union Européenne (tel est le cas dans les négociations avec l’Iran). L’Europe sera-t-elle capable de réaliser cette mission historique ? Les Etats-Unis la laisseront-elle faire ? Telles sont les questions dont les réponses définiront l’avenir du « nouveau Moyen-Orient ».