- En
- Fr
- عربي
التفجيرات النووية الهندية-الباكستانية الأهداف والتداعيات
تشير وثائق الأمم المتحدة إلى أنه خلال الفترة الممتدة بين عامي 1945-1990، تم تسجيل 1820 تجربة نووية على المستوى الدولي، أي بمعدل تجربة واحدة كل تسعة أيام. وقد استمر هذا المعدل على ما هو عليه تقريباً، فحتى عام 1998، كان العالم قد شهد 2047 تجربة نووية، قبل أن تقوم كل من الهند وباكستان بإجراء 11 تجربة إضافية ما بين 11-30 أيار (1998) المنصرم، على نحو أوضح أن القضية النووية لا تزال "معلقة"، وأن تمديد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) إلى ما لا نهاية، وتوقيـع معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBT)، مجرد تطورات تنظيمية هامة لا تستند إلى قاعدة ستراتيجية ثابتة.([1])
وعادة ما تكتسب أية تجربة نووية أولى لأية دولة طوّرت قدرات عسكرية نووية "بعداً ستراتيجياً"، إذ تُعلن الدولة من خلالها دخولها النادي النووي بامتلاك سلاح نووي، أو قدرة مؤكدة على إنتاجه، واستعداداً للمضي في هذا الاتجاه. كما أن التجربة النووية الأولى تحمل في طياتها مضمون الرسالة الستراتيجية التي تهدف الدولة إلى توصيلها "إلى من يهمه الأمر". فاستعراض القوة بالتفجير النووي، هو مجرد تعبير عام عن استخدام معقد للقدرات النووية العسكرية، يتحدد مضمونه وفقاً للأهداف الستراتيجية المحددة سلفاً للدولة النووية. ولا يهم كثيراً، بالنسبة للتفجير الأول، ماهية النتائج الفنية الدقيقة لعملية التفجير، فالمهم أن القنبلة قد انفجرت.
ويشير العدد الهائل للتفجيرات النووية التي أجرتها الدول المالكة للأسلحة النووية في العالم، إلى أن مسألة التفجيرات ذات أبعاد فنية-عسكرية ترتبط بما يلي:
1- التأكد من قابلية الرأس النووي الذي تم إنتاجه للانفجار. فكل نوع جديد من الأسلحة يقتضي عادة استحداث رأس جديد.
2- الحصول على نتائج متوالية في إطار تطوير نوع جديد من الأسلحة النووية للتأكد من صلاحية التصميم، ومطابقة الطاقة التدميرية الواقعية للقوة التدميرية المفترضة. وقد اشارت مصادر مختلفة إلى أن تصميم سلاح جديد يتطلب إجراء ستة تفجيرات نووية.
3- قياس الآثار التدميرية للأسلحة النووية، كتحديد أثر الإشعاع على المعدات العسكرية، والتحولات التي يحدثها في مسرح العمليات، وما إلى ذلك.
4- التأكد من استمرار قابلية الأسلحة النووية للانفجار، وهي نوعية من الاختبارات الروتينية أو الدورية لفحص الأسلحة بعد خروجها من خط الإنتاج، أو للوصول بها إلى المستودع، أو بعد تخزينها لفترات طويلة.([2])
لكن عصر هذه السلاسل المكثفة من التفجيرات النووية قد انتهى. فقد خلق هذا العدد الهائل من التجارب في إطار ارتياد البرامج النووية لتلك الدول، آفاقاً مجهولة بالنسبة لها فنياً، وفي ظل مناخ الحرب الباردة الذي كان يسمح بذلك. وكانت فرنسا والصين هما الدولتان اللتان قاومتا الوقف الشامل للتجارب النووية لفترة أطول من الدول الأخرى، وقامتـا بإجراء عدة اختبارات متوالية ترتبط ببرامج نووية كانت قيد التنفيذ في ظل احتجاجات دولية، وحصلتا على النتائج المطلوبة قبل أن تتوقف التجارب النووية تماماً... إلى أن وقعت التفجيرات النووية الهندية-الباكستانية ليُعاد فتح الملف النووي من جديد.
والمثير في الحالتين الهندية-الباكستانية، هو أن الدولتين لم تدخلا النادي النووي من خلال تفجير واحد كبير، كما حدث من قبل، فقد قررت الهند إجراء خمسة تفجيرات نووية مرة واحدة، بهدف تحقيق الأبعاد الستراتيجية والفنية-العسكرية مرة واحدة. فقد كانت الهند تدرك أنها تتحرك خارج "حقبة التفجيرات النووية"، وأنها في الغالب سوف تتوقف عن أعمـال التفجير بعد "الاختبار الأول"، لذا قررت أن تجعله "اختبارات" لتصل الرسالة السياسية التي تريدها، ولتحصل أيضاً على النتائج الفنية المطلوبة لعمليات التطوير النووي اللاحقة. لذلك كانت هناك نوعيات مختلفة من التفجيرات النووية الانشطارية (الذرية) والاندماجية (الهيدروجينية) بعيارات وأشكال مختلفة للرؤوس المستخدمة في التفجير. ولاعتبارات الموازين الستراتيجية-النفسية، كان على باكستان أن ترد بالعـدد نفسه من التفجيرات، واحدة منها كانت من عيار كبير (35-40 كيلو طن)، والرؤوس الأخرى تكتيكية، كما لم تتم تجربة رؤوس هيدروجينية .([3])
وهناك اتجاهان رئيسيان بشأن الأهمية التكنولوجية للتجارب النووية:
الأول:اتجاه يرى أنه ليس من الضروري في الوقت الراهن القيام بتجربة الأسلحة النووية كطريقـة للتأكد من صلاحيتها للاستخدام في أعمال القتال الفعلية، ما دام تصميم هذا السلاح وتركيبـه قد تم وفقاً لطرق إنتاج وتصميم الأسلحة النووية التي ثبتت صلاحيتها ودقتها. وتشير الحالة الهندية-الباكستانية عموماً إلى مصداقية مقولة شائعة هي أنه لم تفشل، على الإطلاق، أية تجربة نووية أولى، بل إن قنبلة اليورانيوم الأميركية التي أُسقطت على هيروشيما لم تُجرَّب قبل إسقاطها، وانفجرت، وما تمت تجربته هي قنبلة البلوتونيوم (ناكازاكي). علماً أن تصميمات قنابل اليورانيوم مثل القنابل الباكستانية هي أكثر تعقيداً من قنابل البلوتونيوم. فمن الممكن، إذن، الاعتماد على التصميمات الدقيقة أو التقديرات النظرية. كما أن من الممكن الاعتماد على الحاسبات الإلكترونية العملاقة (السوبر كومبيوتر) في تقدير صلاحية تصميم الجهاز النووي للانفجار، وتقدير قوة الانفجار، دون الحاجة إلى إجراء تجارب نووية فعلية.
الثاني: اتجاه يرى ضرورة إجراء اختبارات نووية متعددة للتأكد من قابلية الأسلحة النووية للانفجار، والتأكـد من قوة انفجارها، واختبار صلاحية الأسلحة النووية الحديثة، كأمر ضروري للاحتفاظ بقوة ردع ذات مصداقية. ويرتبط هذا الاتجاه عادة بقناعات بعض العسكريين في إطار ما يلي:
- تم الحديث عن ترسانة نووية هائلة الحجم لدى الدول العظمى أو الكبرى في العالم كالولايات المتحدة.
- يتم الحديث عن عمليات تطوير مستمرة لعيارات وأشكال متعددة من الرؤوس النووية التكتيكية تحديداً.([4])
وفي هذا السياق، قد لا يوجد خلاف حول أهمية التجارب النووية، لكن الخلاف الحقيقـي يتركز حول ما إذا كانت التجارب النووية ضرورية لكافة أنواع التسلح النووي أم لا؟ فلا يوجد خلاف تقريباً حول عدم الحاجة إلى الرؤوس الذرية الانشطارية للاختبار، فتصميماتها شائعة وغير معقدة إلا إذا قررت الدولة لأسباب سياسية لا تكنولوجية إجراء تجربة نووية بهدف الحصول على تأثيرات نفسية مرغوب فيها على الخصوم والأصدقاء أحياناً، على حد سواء. لكن ثمة خلافاً حول ما إذا كانت فئة الأسلحـة النووية التكتيكية والأسلحة النووية الحرارية (الهيدروجينية) تحتاج إلى اختبار أم لا؟ لكن ثمة توجهات تشير إلى إمكانية الاعتماد على التصميمات الدقيقة، ونتائـج تجارب أطراف أخرى، في إنتاج هذه النوعيات من الأسلحة أيضاً، ومن الممكن إجراء اختبارات لها عن طريق الكمبيوتر. وتشير التجارب الهندية-الباكستانية إلى أن اختبارات هذه الأسلحة قد نجحت، ولم يحدث فشل نووي.([5])
والجدول التالي يُبيّن عدد التجارب النووية التي أجرتها الدول النووية في العالم:
الدولة
|
الولايات المتحدة |
الاتحاد السوفياتي |
بريطانيا |
فرنسا |
الصين |
---|---|---|---|---|---|
عدد التجارب |
1032 |
715 |
45 |
210 |
44 |
المصدر: مجلة نيوزويك، عدد 25 أيار 1998،ص.18.
القدرات النووية الهندية... وتطورها
في ظل وجود اتفاقيـة عدم انتشار الأسلحة النووية (N.P.T.)، تلك الاتفاقية التي تُكيل بمعيارين في قضايا هامة تتعلق بالأمن القومي، وتعجز عن إلزام كل الدول بالانضمام إليها أو قبول التفتيش الدولي على منشآتها النووية، وتترك المجال لدول معينة، إسرائيل مثلاً، لتملك أسلحة الدمار الشامل، وتطالب دولاً أخرى بالالتزام الصارم ببنود الاتفاقية؛ قامت كل من الهند وباكستان في أيار 1998 بإجراء تجاربه النووية الأخيرة.
وكان إنتاج سلاح نووي يمثل بالنسبة لكل من الدولتين هدفاً ستراتيجياً، وذلك للأسباب التالية:
- توازنات القوى في شبه القارة الهندية.
- عداوات قديمة بين الهند وباكستان، بدءاً من انفصال باكستان عن الهند عام 1947، ومروراً بصدام مسلح تكرر ثلاث مرات خلال العقود الأربعة الأخيرة، وانتهاء بنزاع مستمر على قضية كشمير، والذي يزداد حدة وعنفاً بمرور الأيام.
- الرغبة في حصول الهند على مكانة دولية تتناسب مع حجمها كبلد كبير يبلغ عدد سكانه 950 مليون نسمة.([6])
- ما يقال عن الفقر الذي يسود أغلبيـة الهنود لا يمنع أن تبرز الهند كقوة إقليمية عظمى في جنوب آسيا، قادرة على أن تنافس باكستان الأقل منها حجماً وسكاناً، والصين ذات المليار والربع نسمة والتي تمتلك قدرات نووية كبيرة.
- تتطلع الهند بعد التحاقها بالنادي النووي، إلى أن تحتل مقعداً دائماً في مجلس الأمن يتلاءم مع مكانتها الإقليمية والدولية.
- إن تأكيد الهند على امتلاكها قدرات نووية ضخمة سوف يشكل، بالضرورة، رادعاً ستراتيجياً قوياً في مواجهة كل من الصين وباكستان.
- على صعيد السياسة الداخلية في الهند، فإن الائتلاف الحاكم يمثل ائتلافاً ضعيفاً، ويصعب عليه إدارة البلاد في ظل التحديات السياسيـة والاقتصادية والاجتماعية الكثيرة التي تواجه الهند، في الوقت الذي تتمتع فيه القضية النووية بجاذبية وشعبية خاصـة لجميع أفراد الشعب الهندي، فيشعر جميع الهنود بالفخر والاعتزاز حيال قدرات بلادهم النووية.
- من شأن تلك التجارب النوويـة أن تزيد من حجم المؤيدين والمساندين لسياسة حكومة "جاناتا" بما يُمكِّنها من تشديد قبضتها في الداخل في مواجهة القوى المعارضة لها، كما تلبي التجارب أيضاً مطالب القوى المتشددة في المؤسسة العسكرية التي تطالب بشدة بأن تعلن الهند عن نفسها رسمياً كقوة نووية، ضماناً لاحتفاظها بمكانة محترمة في مطلع القرن الحادي والعشرين.
1- التجارب النووية الهندية
في نيسان 1998، قامت الهند بنشر صواريخها من طراز "برزفي-2"، التي يبلغ مداها 250 كلم، على حدودها المتاخمة لباكستان، وأعلن وزير الدفاع الهندي "جورج فرناندس" أن بلاده تسعى لتطويـر برنامجها النووي، وأن صواريخها "برزفي-2" تتميز بطول المدى الذي يمكنها من إصابة أي هدف داخل باكستان.
وكرد فعل مباشر، قامت باكستان بإجراء تجربة على صاروخها البعيد المدى "جوري" (1490 كلم)، وهو قادر على إصابة العاصمة الهندية نيودلهي. وأحدث إطلاق اسم "جوري" على الصاروخ الباكستاني موجةً من الاستياء الشديد حيث لأن الاسم هو لأحد ملوك أفغانستان القدامى الذي تغلب على حاكم الهندوس في نيودلهي.
وفي تطور مفاجئ، أعلـن رئيس "لجنة الطاقة الذرية" الهندية "تشيد أمبارام" أن الهند قامت يوم 11 أيار باختبار ثلاث قنابل نووية من أعيرة 45 كيلو طن للقنبلة النووية الحرارية، وهي تماثل أكثر من ضعفي قنبلة هيروشيما، 10 كيلو طن للقنبلة الانشطارية و2 كيلو طن للقنبلة منخفضة العيار. أما القنبلتان منخفضتا القوة اللتان تمت تجربتهما يوم 13 أيار فكانتا بقوة 0.5و0.3 كيلو طن على التوالي.([7]) وقال "تشيد أمبارام": "إن التجارب النووية التي أجرتها الهند في ولاية "راجستان" الهندية عملت على دعم الهند على تصميم سلاح نووي جديد عن طريق المحاكاة بالحاسب الآلي، وإن التجارب هي محصلة برنامج تسليح نووي بدأ في البلاد منذ سنوات عديدة".
أما المستشار العلمي لوزارة الدفاع الهندية فقد أكد أن الهند أصبحت، بالفعل، دولة نوويـة، وأن برنامج التسليح الهندي مكتمل، غير أن نظام السيطرة والتحكم القائم يحتاج إلى تطوير، بالإضافة إلى أن التجارب الأخيرة وفَرت معلومات حيوية تؤكد قدرة الهند على تصميم أسلحة نووية بقوى مختلفة لاستخدامات مختلفة ووسائل إطلاق متعددة. وإن هذه التجارب دعمت، إلى حد كبير، من قدرة الهند في مجال المحاكاة بالحاسب الآلي لتصميمـات جديدة تمكن البلاد من إجراء اي تجربة نووية بدون التفجير الفعلي.
وأثبتت الهند، بعد قيامها باختبار قنبلة هيدروجينية بالإضافة إلى قنابل نووية انشطارية منخفضة القوة، أنها أصبحت أول دولة من دول العالم الثالث تقترب مكانتها النووية من الدول النوويـة الخمس الكبرى، مما يعكس تقدماً تكنولوجياً كبيراً في المجال النووي.([8])
2- البرنامج النووي الهندي
إن العناصر الأساسية التي مكّنت الهند من الوصول إلى القدرة النووية هي:
1- البنية الأساسية وتشمل:
أ- قاعدة بشرية علمية وتكنولوجية.
ب - مراكز الأبحاث العلمية والمعاهد والمعامل المتخصصة.
ج - المفاعلات النووي.
د - تدبير الخامات النووية اللازمة.
3- القدرة الاقتصادية لتنفيذ برنامج نووي
مرّ البرنامج النووي الهندي بالتطورات التالية:
- منذ الأربعينات، بدأت الهند بإعداد العلماء والمتخصصين والفنيين، بالإضافة لإقامة معهد "تانا" للبحوث الأساسية وتكوين أول مجمع هندي في العلوم النووية. كما قامت بتشكيل لجنة الطاقة الذرية الهندية، وأنشأت مركز تدريب للعلوم النووية. كذلك أقامت معهد البحث العلمي والتطوير الذي يُعنى بالبحث العلمي والتنمية التكنولوجية.
- في العام 1948، صدر قانون الطاقة الذرية الهندي، وأنشأت لجنة الطاقة الذرية التابعة لرئيس الوزراء.
- في العام 1949، أُنشئَت الهند مؤسسة الطاقة الذرية التي تشتمل على المفاعل النووي والمنشآت التحتية والمعملية، وقد سُمِّيت في ما بعد مركز "بهابو" للبحوث الذرية.
- في العام 1955، تم إنشاء أول مفاعل نووي بقدرة 1 ميغاوات يعتمد على وقود نووي عالي الإغنـاء تم استيراده من كل من إنكلترا وفرنسا وبدأ تشغيله عام 1956.([9])وفي كانون الأول من العام نفسه، بدأ تنفيذ برنامج التعاون بين الهند وكندا بإنشاء المفاعل النووي الكندي الصنع بقوة 40 ميغاوات الذي يتم تشغيله باليورانيوم الطبيعي.
- في العام 1957، تم تشغيل مصنع لإنتاج اليورانيوم المخصّب من خامات محلية. وفي العام 1960، تم تحضير الوقود النووي اللازم لتشغيل المفاعل النووي الكندي الصنـع، وبذلك تكون الهند قد أتمت استكمال دورة الوقود النووي على المستوى البحثي والتجريبي معتمدة على نفسها، وكذلك أصبحت أول دولة تمتلك التكنولوجيا النووية كاملة بعد الدول النووية الكبرى.
- خلال الفترة 1964-1974، بدأت الهند بإجراء عمليات فصل البلوتونيوم. وقد تم تقدير طاقـة إنتاج البلوتونيوم من المفاعل النووي الكندي الصنع بنحو 10.5 كيلوغرام، وبلـغ مجموع ما أنتج بحوالى 80 كيلوغراماً، أي ما يكفي لصنع حوالى 16 قنبلة نووية.([10])
هذا، وقد تميز البرنامج النووي الهندي بدرجة عالية جداً من درجات الاعتماد على الذات والاستفـادة من الخبرة والمعرفة في تطوير التكنولوجيا. وفي العام 1975، قامت الهند بإنشاء مفاعل بطاقة 100 ميغاوات لإنتاج البلوتونيوم، بدأ تشغيله في العام 1985، وقد تم تصنيع الوقود النووي اللازم لتشغيل هذا المفاعل محلياً.
4- وسائل توصيل الرؤوس النووية
تمتلك الهند عدة أنواع من الصواريخ أرض-أرض أهمها:
أ- الصاروخ برتيفي (PRISIVI) ويصل مداه إلى 250 كلم ويبلغ وزن رأسه المدمر 1.5 طن. ويمكنه ضرب بعض الأهداف في عمق باكستان.
ب- الصاروخ أجني (AGNI) ويصل مداه إلى 1560 ميلاً، ووزن رأسه المدمر 1 طن.
ج- الصاروخ (ARBM) ويصل مداه إلى 2500 كلم.([11])
وبذلك أصبحت الهند دولة نووية هجومية بعد امتلاكها للصواريخ متوسطة المدى والتي يمكنها حمل رؤوس نووية يصل مداها إلى كل أعماق الصين وباكستان. كما تقوم الهند بتطوير قدرات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ليصل مداها إلى حوالى 5000 كلم. كما قامت بتطوير برنامجها للفضاء من خلال إنتاجها صواريخ الإطلاق (P.S.L.V) و (G.S.L.V). وامتلاك الهند لهذين النظامين يمكنها من إنتاج صواريخ عابرة للقارات (I.B.C.M) في العام 2002.([12]) إن التجارب النووية الهندية والباكستانية المستندة على قاعدة من القدرات النووية العسكرية المتطورة، قد خلقت نموذجاً جديداً من الدول النووية تختلف عن الدول النووية المعلنة ودول العتبة النووية. وسوف تتضح ملامح هذا النموذج خلال المرحلة القادمة.
القدرات النووية الباكستانية وتطورها
نجحت باكستـان محلياً وإقليمياً وعالمياً في أن تحرم الهند من الاستمتاع بفترة الزهو النووي لمدة تزيد عن أسبوعين بإجراء تفجيراتها النووية الخمسة في صحراء "بوخاران" المخصصة للتجارب النووية الهندية منذ العام 1974. وأصرت على عدم تمكينهـا من تحقيق أي استفادة ستراتيجية تُحسب لها في هذا الصدد في إطار ما يُعرف ستراتيجياً بـ"الحرب الوقائية السياسية" أي استخدام الرادع العسكري عند حده الأقصى باعتماد سياسة "التخويف" لتحقيق أكبر فائدة ستراتيجية ممكنة بمفهومها الشامل دون خوض غمار الحرب نفسها، وقامت في إطار ما يُسمى بتبادل الحرب الوقائية السياسية، بإنهاء فترة امتداد الكبرياء القومي الهندي عند هذا الحد. وتكاد التجارب الباكستانية تعادل في قوتها التجارب الهندية وتتفوق عليها من حيث سرعة رد الفعل الستراتيجي، بحيث يمكن تصنيف باكستان بالدول النووية الخمس الكبرى في العالم، باعتبار أن فترة الأسبوعين بين التجربة الهندية الثانية والأولى الباكستانية، أي بين 13و28 أيار، هي فترة لا تكفي فنياً لاستكمال أي نقص في البرنامج النووي الباكستاني، أي أن سرعة الرد تعني ستراتيجياً مدى رقي البرنامج النووي الباكستاني، الذي كان جاهزاً ومستعداً لاستغلال أي ظروف إقليمية أو دولية للإعلان عن نفسه. ولعل ما يميز مدى رقي ورشد رد الفعل الباكستاني على المستوى الستراتيجي، ومدى رشد القيادة الباكستانية التي لم تبدأ بإجراء التجارب للتعبير عن توجهاتها نحو السلام والاستقـرار، وأثبتت بذلك أنها تقوم في إطار تأمين الدفاع عن الأمن القومي الباكستاني في مواجهة الهند التي ترفض دائماً الوساطة لحل مشكلة كشمير، في محاولة لوضع المفاوض الباكستاني في أصعب الظروف الممكنة. في حين أن الهند قامت بإجراء تجاربهـا بمجرد توصلها إلى معادلات الكتلة الحرجة، معملياً وحسابياً من خلال أجهزة المحاكاة.([13])
1- البنية النووية الباكستانية
أهم المنشآت النووية الباكستانية هي:
أ- مفاعل أبحاث أميركي في إسلام أباد العاصمة يعمل منذ كانون الأول عام 1965 بقوة خمسة ميغاوات.
ب- مفاعل نووي قوي كندي يعمل في كراتشي منذ العام 1973 بقوة 125 ميغاوات ويبلغ إنتاجه السنوي من البلوتونيوم 30 كيلوغراماً.
ج- مفاعل تشازمـا الفرنسي في إسلام أباد وقد طلبته باكستان في العام 1975 انسحبت بعد ذلك من الصفقة في آب عام 1978، ولم يغادر بعض فنيِّيها باكستان إلا في صيف عام 1979. وقد حاولت باكستان، اعتماداً على إمكانياتها الذاتية، بناء الوحدة الأساسية الحارة بمعهد العلوم والتكنولوجيا.
د- محطة "إغناء" رئيسية ذات قدرة غير معروفة في منطقة "سهالا"، كما يوجد هناك منشأة نووية كبيرة في "كاهوتا" فيها معمل لتخصيب اليورانيوم يعمل بنظرية الطرد المركزي قادر على إنتاج 45 كيلوغراماً من اليورانيوم 235 كل عام، أي ما يكفي لإنتاج قنبلة نووية عيار 20 كيلو طن. كما أكد الدكتور عبد القادر خان، كبير العلماء الباكستانيين، أنه هناك منشآت نووية متعددة ومدافَع عنها جيداً ضد الطيران والأعمال البرية. وقد أكد العالم البلجيكي (برابرز) أنه يوجد معمل آخر في مطار إسلام أباد، وأن "كاهوتا" هي مدينـة علمية كبيرة تضم مجموعات كبيرة من العلماء والمهندسين والفنيين في مجالات المعادن والطبيعة والكيمياء والإلكترونيات، يبلغ عددهم حوالى ثلاثة آلاف شخص.
هـ- محطة قوى نووية قامت إيطاليا ببنائها عام 1980 بقدرة 600 ميغاوات.([14])
هذا، وقد أفادت تقارير الاستخبارات الأميركية والغربية بأن باكستان قد قامت بإجراء تفجيرات نووية في حزيران عام 1983 وتفجير آخر أُجري لحساب في الصين في شهر تموز عام 1985، وتفجير ثالث عام 1986.
2- القدرات النووية الباكستانية
أ- في مجال الوقود النووي والقنابل النووية:
تمكنت باكستان من الحصول على وقودها النووي من الوقود الخام من كل من الولايـات المتحدة وكندا وفرنسا والنيجر والصين، فضلاً عن جنوب إفريقيا، إضافة إلى ما تستخرجه من خام الفوسفات من اليورانيوم كما في الأسلوب الإسرائيلي، هذا فضلاً عن توافر اليورانيوم في منطقة "بلوشتان" الباكستانية. ولدى باكستان حوالى 250 طناً من الوقود المحترق، فضلاً عن إنتاجها حوالى 22 طناً سنوياً. وتفيد المصادر الغربية بأن لدى باكستان القدرة على إنتاج من 10-20 قنبلة نووية قدرة كل منها من 5-10 كيلوات، أو عشر قنابل عيار 20 كيلو طناً.
والجدير بالذكر أن باكستان تتبع الأسلوب الصيني في تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم 235، وليس فصل البلوتونيوم 239، ممـا يسهل تماماً عمليات التعاون النووي والعلمي والفني والهندسي والكيمياوي والإلكتروني بينهما.([15])
ب- في مجال تصغير الكتلة الحرجة للقنبلة العيارية:
لقد نجحت باكستان في امتلاك حواسيب إلكترونية فائقة القدرة تمكنها من تصغير الكتلة الحرجة حتى نصف كيلو طن، بما يسهِّل وضعها على الصواريخ أرض-أرض والمدافـع صغيرة العيار. وهذه الحواسيب يمكنها توفير إجراء تجارب نووية لتقدير قوة الانفجار الصغيرة المطلوبة. ولعل عدد التجارب الميدانية التي تمت في الدول العظمـى والكبرى للوصول إلى الكتلة الحرجة، قد بلغ حوالى ألفين من التجارب في كل من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين، إضافة لتجارب الهند وباكستان وإسرائيل.
ج- وسائط إيصال الأسلحة النووية:
1- الطائرات: يمكن للطائرات والمتعددة الجنسيات الموجودة لدى باكستان من إيصال القنابل النووية لأهدافها، مثل الطائرات الروسية من طراز "سوخوي" والطائرات الصينية من طراز "كيو-5" والفرنسية من طراز "ميراج" بأنواعها، وكذلك الأميركية "إف-16" في حال حصولها عليها.
2- في ميدان الصواريخ، لدى باكستان الصاروخ "حتف" (HATF) بمدى 1000 كيلـو متر متوسط المدى، والصاروخ بعيد المدى "غوري" بمدى حوالى 1500 كيلو متر، فضلاً عن الصاروخ الصيني "أم-11"، والصاروخ "غوري" الخليط ما بين "أم-9" و"أم- 11" الصيني.
3- تطور باكستـان الآن صاروخ "غوري" ليصل إلى مدى الصاروخ الهندي "أجن" (2500 كلم) ليستطيع ضرب معظم المدن الهندية الستراتيجية.([16])
د- نشر الصواريخ:
لدى باكستان شبكة ممتدة على طول الحدود مع الهند من الصواريخ الميدانية من طراز "حتف-1" (100 كلم)، و"حتف-2" (300 كلم). وكل من النوعين يحمل رأساً مدمرة حوالى 500 كلغ. وقد قامت باكستان بتطوير الصاروخ "حتف-3" ليصل إلى مدى 600 كلـم. هذا فضلاً عن منظومات كاملة من الصواريخ "أم-11" الصينية الصنع والتي يبلغ مداها من 300 إلى 600 كلم وتحمل رأساً مدمراً بزنة 500 كلغ. وهذه الصواريـخ ميدانية ومنشورة على مسافات مختلفة من خط الجبهة تزيد وتقل طبقاً لمراميها ولتحقيق الأمن الكافي لها.([17])
ويمكن القول إن باكستان قد حققت لنفسها مجداً عسكرياً كبيراً في مجال الردع وتبادل الردع بمواجهة دولة كبيرة مثل الهند، بالرغم من أن القوات التقليدية لباكستان تساوي تقريباً نصف القوات الهندية، برغم فارق التعداد بين المليار تقريباً وأكثر قليلاً من المائة مليون نسمة. ويبقى السؤال دائماً هو: هل حقق السباق النووي هامشاً أمنياً مناسباً لكلا البلدين: وهل هذا في صالح الأمن الإقليمي والدولي؟
الجدول رقم (2 )
ترسانة الأسلحة النووية في العالم
مقذوفات غير ستراتيجية |
مقذوفات القاذفات الجوية |
مقذوفات الغواصات |
مقذوفات القواعد الأرضية |
إجمالي رؤوس العمليات الحربية |
الدولة |
---|---|---|---|---|---|
2800.([i]) |
806 |
1824 |
4810.([ii]) |
10240 |
1- روسيا الاتحادية |
970 |
1800 |
3456 |
2000 |
8420.([iii]) |
2- الولايات المتحدة |
- |
20 |
384 |
46 |
450 |
3- فرنسا |
125 |
150 |
12 |
113 |
400 |
4- الصين |
- |
100 |
160 |
- |
260 |
5- بريطانيا |
- |
- |
3 غواصات ألمانية |
أريحا-1 واريحا-2 |
70-125 |
6- إسرائيل |
- |
- |
- |
أجني، بيرتيفن |
حتى 74 |
7- الهند |
- |
- |
- |
حتفا-1 وحتفا-2 أم-11 الصين |
حتى 10.([iv]) |
8- باكستان |
[i] تتضمن 1200 (ABMS) (SAMS).
[ii] تتضمن قطع الغيار فضلاً عن 2300 رأس حربي في الاحتياط
[iii] بحد اقصى عشرة
[iv] الوسط" ، لندن، العدد 329، 18/5/1998
المصدر:Military Balance 1998.
أهداف التجارب النووية الهندية والباكستانية
ترتبط السياسة النووية لكل من الهند وباكستان بحسابات معقدة للغاية، بعضها سياسي داخلي، وبعضها الآخر عسكري ستراتيجي. وكانت هذه الحسابات واضحة بقوة لدى إقدام كل دولة من هاتين الدولتين على إجراء التجارب النووية في شهر أيار المنصرم 1998. والحقيقة أن الموقف الأكثر تعقيداً في هذه المعادلة يتمثل بالأساس في الموقف الهندي، فالسياسة النووية الباكستانية ظلت محكومة دوماً بالسعي إلى تحقيق التكافؤ النووي مع الهند، بينما يبدو الموقف الهندي محكوماً باعتبارات شديدة التعقيد، بعضها يرتبط برغبة الحكومة الهندية المتطرفة برئاسة أتال بيهاريي فاجباي في التصدي لما تراه تهديداً ناشئاً عن التعاون الستراتيجي-النووي بين الصين وباكستان، وهو التعاون الذي تعتبره الهند خطراً عليها، كما أن البعض الآخر من الحسابات الهندية يرتبط بمحاولة الحكومة الهنديـة ممارسة سياسة الترهيب ضد باكستان. ثم إنَ الحسابات الحزبية الداخلية لا تبدو بعيدة عن إقدام الحكومة الهندية على إجراء التجارب النووية، إذ يبدو أن الحكومة الهندوسية المتطرفة أقدمت على إجراء هذه التجارب في إطار رغبتها بتعزيز وضعها السياسي الداخلي في ظل هشاشة وضعها داخل البرلمان الهندي، وكذلك في ظل التردي المستمر للأوضاع الاقتصادية.
أولاً: الهند ومحاولات احتواء التهديد النووي الصيني:
إرتبطت التجارب النووية الهندية، إلى حد كبير، برغبة حكومة بهاراتيا جاناتا الهندوسيـة في نيودلهي في تحقيق قدر من التكافؤ النووي مع الصين، سيما أن البرنامـج الانتخابي لحكومة جاناتا ذاته كان يركز على تحويل الهند إلى قوة نووية، من دون الاقتصار على الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. والملاحظ أن الحكومة الهندية اتجهت منذ توليها الحكم في شهر آذار الماضي (1988) نحو اتخاذ مواقف متشددة تجاه الصين، وبدا ذلك واضحاً في تصريحات وزير الدفاع الهندي التي أشار فيهـا إلى أن السياسة الهندية ظلت لفترة طويلة من الزمن تركز على التهديد الباكستاني، وتجاهلت التهديد الصيني، رغم أن الصين تمثل برأيه التهديد الرئيسي للهند. وفي الوقت نفسه، كانت التجارب النووية الهندية تمثل أيضاً رسالة واضحة موجهة إلى باكستان.([22])
1- مبادئ السياسة النووية الهندية:
كان تطور القدرة النووية الهندية مرتبطاً على الدوام بالتطورات الجارية في الترسانة النووية الصينية، إذ ظلت الهند تشعر دوماً بالقلق من القدرة النووية الصينية منذ أن أجرت الصين أول تفجير نووي لها في العام 1964. ورغم أن تطوير القدرة النووية الصينية كان موجهاً في الأساس ضد الاتحاد السوفياتي السابق، إلا أن الهند شعرت بقلق شديد من ذلك، مما دفعها إلى تطوير قدرة نووية ذاتية. ولذلك، ارتكزت السياسة النووية الهندية دوماً على عاملين رئيسين، أولهما: رغبة الهند الدائمة في مجاراة الصين وتحقيق تكافؤ ستراتيجي معها، وثانيهما: رفض الهند لحالة عدم التوازن واللامساواة القائمة في الساحة الدولية في مجال الانتشار النووي.
وعلى أساس هذين العاملين الرئيسين، ظلت السياسة النووية الهندية تقوم منذ الخمسينات على مبدأين متناقضين، إلى حد ما من الناحية الشكلية، أولهما: الدعوة القوية إلى نزع السلاح النووي في العالم، وثانيهما: التأكيد على حق الهند في الاحتفاظ بخياراتها النووية مفتوحة بحيث تستغلها كما تشاء. وقد أدت التجارب النووية الصينية في العام 1964 إلى إحداث تغيير جذري في السياسة الهندية، إذ شعرت نيودلهي بعد ذلك بأنها مختلفة عن الصين من حيث القوة والوضع الستراتيجي، لاسيما أن هذا التفجير جاء بعد أن كانت الصين قد ألحقت هزيمة عسكرية بالهند عام 1962، مما دفع الحكومة الهندية وقتذاك إلى بدء تنفيذ برنامج لبناء السلاح النووي.([23])
وفي الوقت نفسه، تقوم السياسة النووية الهندية على رفض معاهدة 1968 منع الانتشار النووي وذلك لاعتبارات عديدة، أبرزها أن الهند رأت أن هذه المعاهدة لا تخدم إلا مصالح الدول المالكة للأسلحة النووية، كما رفضت أي اتفاقية تكرس الوضع النووي القائم الذي يقسّم العالم إلى فئتين هما: فئة الذين يملكون السلاح، وأولئك الذين لا يملكونه. كما رفضت هذه المعاهدة بسبب امتناع الدول الكبرى الأخرى عن الالتزام بجدول زمني للتخلص من ترسانتها النووية. وقد ازداد الرفض الهندي للمعاهدة بعد الحرب الهندية-الباكستانية عام 1971، التي كشفت تبلور ما عُرف بـ"محور بكين-إسلام أباد-واشنطـن". أما في ما يتعلق بالتجارب النووية، فإن الحكومات الهندية السابقة ظلت تستبعد احتمال إجراء تجارب نووية، ولكنها كانت تؤكد أن هذا الاحتمال يمكن أن يكون مطروحاً إذا دعت الحاجة إليه. وفي الوقت نفسه، لم تلق الهند بالاً لاقتراحات إنشاء منطقـة خالية من السلاح النووي في جنوب آسيا، كما رفضت التوقيـع على أي معاهدة لنزع السلاح النووي تستثني الصين، إذ رأت أن انضمامها إلى معاهدة حظر التجارب النووية سوف يمنعها من إجراء التجارب اللازمة لتطوير قدراتها النووية.
وقد بدأ ت قضايا التسلح النووي تأخذ حيزاً كبيراً في حركة التفاعلات الداخلية في الهند منذ أوائل التسعينات. وخلال الآونة الأخيرة، كانت المسألة النووية إحدى أهم قضايا الجدل والنقاش في الحملات الانتخابية في الهند، في كانون الثاني المنصرم، وهي الانتخابـات التي أسفرت عن فوز حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف، حيث تبنت الأحزاب الرئيسية المتنافسة مواقف متناقضة في هذا الصدد. وقد تعهد حزب بهاراتيـا جاناتا في برنامجه الانتخابي بتحويل الهند إلى قوة نووية بمجرد وصوله إلى السلطة، كما أعلن أنه سوف يتخذ كل الإجراءات اللازمة لتوفير الأمن للهند، بما في ذلك خيار السلاح النووي. وفور تشكيل الحكومة، أعلن مسؤولون هنود أن إجراء تجارب فعلية بالأسلحة النووية يعتبر ضرورياً للحصول على قاعدة معلومات عريضة يمكن بواسطتها إجراء محاكاة عن طريق الكمبيوتر للتفجيرات النووية. وقد شكلت هذه التوجهات تطوراً جديداً في السياسة النووية الهندية، إذ كانت سياسة الحكومات الهندية السابقة تقوم على مواجهة التطورات الإقليمية والدولية من خلال تكثيـف الدعوة إلى النزع الشامل للسلاح النووي في العالم. ولكن حكومة بهاراتيا جاناتا تبنت، منذ البداية، موقفاً يقوم على مواجهة التطورات المشار إليها، من خلال تعزيز القدرة النووية الهندية في مواجهة كل من الصين وباكستان، أو في مواجهة أي قوة دولية أخرى.([24])
2- الأمن القومي الهندي:
لقد أصبح التفكير الستراتيجي النووي الهندي محكوماً، إلى حد كبير، في الفترة الحالية، بالتطورات الراهنة والمستقبلية للقوة العسكرية الصينية، بالإضافة إلى التعاون الستراتيجـي والنووي بين الصين وباكستان الذي يهدد الأمن القومي الهندي. فالمفكرون الستراتيجيون الهنود يرون أن التهديد الخارجي الحقيقي الذي يواجه الهند، في الوقت الراهن، لا يتمثل في كلَ من الصين أو باكستان على حدة، بل في علاقات التعاون الستراتيجي والنووي القائمة بين هاتين الدولتين. وعلى الرغم من أن القادة العسكريين الهنود لم يطوروا عقيدة نووية متكاملة، فإنهم ينظرون إلى السلاح النووي الهندي باعتباره أداة لـ "ضربة انتقامية ثانية" رداً على استخدام السلاح النووي من جانب الصين مثلاً ضد الهند، ويؤكدون على أن السلاح النووي الهندي ليس مهماً لإصابة أهداف دقيقة، وإنما لضرب أهداف كبيرة نسبيا،ً مثل المدن والتجمعات السكانية الضخمة، وهو ما يعني، من وجهة نظرهم، أن السلاح النووي الهندي يمكن أن يلحق أضراراً بالخصم مماثلة لتلك التي لحقت بالهند.([25]) وفي هذا الإطار، ينبع الاهتمام الهندي الجارف قي الوقت الحالي بالسلاح النووي، ليس فقط من استمرار التعاون النووي والستراتيجي الصيني-الباكستاني، ولكن أيضاً من طبيعة التوازن الستراتيجي الدولي في القارة الآسيوية. فعلى الرغم من أن الصين اهتمت، منذ البداية، بتطوير قدراتها النووية لمواجهة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق في الأساس، فإن الهند شعرت بقلق شديد من هذه التطورات، واهتمت بامتلاك السلاح النووي لردع الولايات المتحدة وتعزيز مكانتها الدولية. ويتوقع الساسة الهنود أن تحاول الصين تعويض النقص الذي تعاني منه في عناصر الدفاع المضاد للصواريخ الباليستية. فهي لا تملك نظاماً متطوراً للإنذار المبكر مرتبطاً بالأقمار الصناعية. ويعتقد الستراتيجيون الهنود أن الولايات المتحدة لا بد أن تقوم في المستقبل القريب بمد مظلة الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ إلى حلفائها في آسيا. وهكذا، راح الفكر الستراتيجي الهندي عموماً، كما تعبر عنه النخبة المثقفة وصانعو القرار السياسي، ينظر بقلق شديد إلى التطورات الحالية والمحتملة في البيئة الستراتيجية الإقليمية المحيطة بالهند، لاسيما التعاون النووي والستراتيجي بين الصين وباكستان، بدرجة أكبر من أي وقت مضى.([26])
3- التجارب النووية وقائمة الاهتمامات السياسية الهندية:
ترتبط التجارب النووية الهندية الخمس، بالإضافة إلى ما سبق ذكره، برغبة الحكومة الهندوسية المتطرفة في تحقيق أهداف متعددة، بعضها داخلي، والبعض الآخر يتعلق بالبيئة الإقليمية، والبعض الثالث يتعلق بالنظام الدولي ككل. وقد انعكس الإهتمام الداخلي في تصريحات لوزير الدفاع الهندي زعم فيها أن التجارب النووية الهندية تهدف إلى التجاوب مع هواجس داخلية في مجال الأمن القومي أكثر مما ترتبط برغبة الهند في ردع الصين أو باكستان. وبالتالي، فإن من الممكن أن تكون الحكومة الهندية المتطرفة قد أقدمت على إجراء هذه التجارب النووية من أجل زيادة شعبيتها في الداخل، لاسيما وأنها وصلت إلى الحكم بأغلبية ضئيلة. وكانت سياستها، منذ البداية، تقوم على التشدد من أجل مغازلة الشارع السياسي الهندي. ويتصور وزير الدفاع أن الحكومة الهندية أقدمت على إجراء التجارب النووية الخمس في إطار المناورات السياسية الداخلية، ومن أجل زيادة شعبيتها، بما يؤدي إلى تمكينها من الفوز بأغلبية ساحقة في أية انتخابات برلمانية قادمة.
من ناحية أخرى، فإن الدافع الآخر للتجارب النووية الهندية يتمثل في أن هذه التجارب تُعتبر واحدة من الأدوات الرئيسية للهند في صراع القوى في جنوب شرق آسيا، بل على مستوى القارة الآسيوية كلها. فالصراع يبدو محتدماً بين الهند وكل من الصين وباكستان على النفوذ والأدوار الإقليمية في المنطقة. وبطبيعة الحال، فإن الطرف الذي يملك قدرات شاملة أكبر، من النواحي الاقتصادية والعسكرية والنووية، سوف يصبح أوفر حظاً في اكتساب النفوذ الإقليمي في جنوب شرق آسيا. وبالفعل، فإن الهند باتت تمتلك قدراً كبيراً من مقومات القوة الدولية الكبرى، وأصبحت واحدة من أهم القوى الصاعدة في النظام الدولي.([27])
ثانياً: باكستان وسياسة التكافؤ النووي مع الهند:
لم تكن التجارب النووية الباكستانية تطوراً مفاجئاً، بل كانت متوقعة تماماً عقب إجراء التجارب النووية الهندية. وعلى الرغم من الضغوط الدولية والأميركية التي طالبت الحكومة الباكستانية بضبط النفس والامتناع عن إجراء تجارب نووية، بل وتهديد الإدارة الأميركية لباكستان بأنها ستتعرض لعقوبات اقتصادية مماثلة لتلك التي فُرضت علـى الهند، في حالة إجراء تجارب نووية، فإن مسألة إجراء تجارب نووية كانت تمثل ضرورة حتمية لباكستان من أجل صيانة الأمن القومي ومواجهة الواقع الإقليمي الجديد الذي نشأ عن التجارب النووية الهندية. ولذلك، فإن فهم مختلف أبعاد التجارب النووية الباكستانية يقتضي التعرف، أولاً، على مبادئ السياسة النووية الباكستانية، والدوافع المختلفة الكامنة وراء إجراء تجاربها النووية.
1- مبادئ السياسة النووية الباكستانية:
ربطت باكستان دوماً سياستها النووية بالسياسة الهندية، وكان اتجاهها نحو تطوير قدراتهـا النووية مرتبطاُ برغبتها في مجاراة الهند، وتحقيق التكافؤ الستراتيجي معها في المجـال النووي. فقد بدأ البرنامج النووي الباكستاني منذ عام 1955 مع إنشاء وكالة الطاقة الذرية الباكستانية، بهدف تمكين باكستان من الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. وكان تطور البرنامج النووي الباكستاني مرتبطاً، إلى حد كبير، بتطور البرنـامج النووي الهندي، كما كانت معظم التطورات الجارية في المجال النووي لباكستان بمثابة رد فعل للتطورات الجارية في الجانب الهندي. وفي هذا الإطار، ربطت باكستان دائماً موقفها من الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي ومعاهدة حظر التجارب النووية، بالموقف الهندي. فباكستان ليس لديها، من حيث المبدأ، أي تحفظات على الانضمام إلى هاتين المعاهدتين، ولكنها تشترط أن تنضم الهند أيضاً إليهمـا. فهي عرضت، في العديد من المناسبات، الانضمام إلى هاتين المعاهدتين، ولكن شرط أن يمارس المجتمع الدولي ضغوطاً على الهند من أجل الانضمام أيضاً إليها.([28])
وقد أدت الجهود الهندية المكثفة، في المجال النووي، خلال الفترة 1965-1975، إلى إثارة اهتمام مماثل من الجانب الباكستاني. ولذلك، قامت باكستان في العام 1972 بإنشاء أول محطة للطاقة النووية في كراتشي، بالتعاون مع كندا، بطاقة كهربائية تبلغ 137 ميغاوات. وفي العام 1976، وافقت فرنسا على بيعها مفاعلاً نووياً قادراً على إنتـاج اليورانيوم، كما قامت خلال العام نفسه بإنشاء معمل أبحاث "كاهوتا" جنوب إسلام أباد لتأسيس وحدة لتخصيب اليورانيوم، وهو ما أتاح لباكستان أن تعلن أنها أصبحت واحدة من الدول المتميزة القادرة على إنتاج الوقود النووي المخصب محلياً. كما أعلنت، منذ العام 1984، قدرتها على إنتاج السلاح النووي في أي وقت ترغب في ذلك.
وفي هذا السياق، شكل التعاون بين باكستان والصين حجر الزاوية في تطوير القدرات النووية الباكستانية، وارتكز هذا التعاون على الندية والشراكة وتبادل المنافع، سيما وأن باكستان كانت تمتلك خبرات نظرية وعملية هامة ومتطورة في المجال النووي. ولذلـك، مدَت الصين البرنامج النووي الباكستاني بالعديد من المكونات الحيوية. ومع ذلك، فإن التعاون النووي بين باكستان والصين كان غير كاف لتلبية الاحتياجـات الباكستانية، لأن القدرات النووية الصينية كانت مختلفة إلى درجة لم تسمح لباكستان ببناء المفاعلات اللازمة للحصول على المادة الكيماوية الخام لليورانيوم، ولذلـك اضطرت باكستان إلى المزاوجة بين التعاون مع الصين والاعتماد على مصادر التوريد الأجنبية.([29])
وعلى الرغم من أن جهود التطوير النووي الباكستاني إرتبطت، في الأساس، بالأوضاع الستراتيجية في جنوب آسيا وشبه القارة الهندية، فإن الساسة الباكستانيين حاولوا في العديد من الفترات إعطاء بُعد إسلامي لمحاولة إنتاج قنبلة نووية باكستانية. وكان رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق، ذو الفقار علي بوتو، قد استخدم مرات عديدة مصطلح "القنبلة الإسلامية". وهو ما فُسِّر في العديد من الحالات بأن باكستان يمكن أن تعطي خبرتها النووية أو أسلحتها النووية لدول عربية لاستخدامها في الصراع ضد إسرائيل. وفي هذا الإطار، إعتمدت السياسة النووية الباكستانية على الدعم المالي من بعض الدول العربية.
على أية حال، فإن التطورات التي أعقبت التجارب النووية الهندية والباكستانية دفعت المسؤولين الباكستانيين إلى التأكيد صراحة على أن هذه التجارب ارتبطت، في الأساس، بالظـروف الأمنية والسياسية والستراتيجية في شبه القارة الهندية، وأن باكستان لن تزود أي دولة عربية أو إسلامية بالسلاح النووي. ومن ناحية أخرى، أشار عدد من التقارير المخابراتية إلى أن باكستان قدمت تطمينات قوية للإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية بأنها لن تنقل خبرتها النووية إلى أي جهة ثالثة. وقد جاءت هذه التطمينات الباكستانية عقب شيوع احتمالات بأن من الممكن أن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الباكستانية. ولذلك، يبدو أن هناك صفقة ما جرى الاتفاق عليها بين هذه الأطراف الثلاثة، تلتزم بموجبها باكستان عدم تقديم خبرتها أو تكنولوجيتهـا النووية إلى إيران أو الدول العريبة، في مقابل التزام إسرائيل بعدم مهاجمة المنشآت النووية الباكستانية، رغم أنه كان من غير المنطقي أصلاً أن تقدم إسرائيل على مهاجمة تلك المنشآت لأن ذلك قد يسبب كارثة بيئية مروعة في منطقة جنوب آسيا وفي القارة الآسيوية بأسرها، كما أن هذه الخطوة الإسرائيلية يمكن أن تسبب درجة عالية من التوتر وعدم الاستقرار الإقليمي.([30])
2- الحسابات الأمنية والسياسية في باكستان:
كانت التجارب النووية الباكستانية محكومة بدوافع أمنية وسياسية معقدة، لأن التجارب النووية الهندية أوجدت خللاً خطيراً في الميزان العسكري بين الهند وباكستان، لمصلحة الهند. وفي الوقت نفسه، فإن التجارب النووية الهندية خلقت ضغوطاً شعبية هائلة من الرأي العام الباكستاني على حكومته، من أجل إجراء تجارب نووية رداً على التجارب الهندية.
وعلـى الرغم من أن الحكومة الباكستانية كانت قد وصلت إلى الحكم بأغلبية كاسحة في العام 1997، إلا أن امتناعها عن إجراء تجارب نووية رداً على التجارب النووية الهندية، كان يمكن أن يؤدي إلى وقوع انقلاب عسكري ضدها، أو اندلاع انتفاضة شعبية. وقد شعر الرأي العام الباكستاني عقب إجراء التجارب النووية الهندية بتهديد شديد. ولذلك، فإن أحزاب المعارضة الباكستانية كثّفت انتقاداتها للحكومة، ولاسيما من جانب السيدة بنازير بوتو، كما أن عدداً من كبار القادة العسكريين الباكستانيين المتقاعدين هددوا بأن القوات المسلحة الباكستانية قد تُقدم على الإطاحة بحكومة نواز شريف إذا تأخرت في إجراء التجارب النووية. ولذلك، وجدت الحكومة الباكستانية نفسها مضطرة لإجراء التجارب النووية، رغم كثافة الضغوط الدولية التي دعتها إلى عدم إجراء هذه التجارب. وكانت هذه الحكومة مدركة، بطبيعة الحال، أن إجراء التجارب النووية سوف يعرضها لعقوبات اقتصادية لا تحتملها، إلا أنها كانت مستعدة لتحمل هذه العقوبات مهما كانت النتائج والتكاليف.
ثالثاً: أزمة كشمير شرارة آسيا النووية:
للمرة الأولى، منذ خمسين عاماً، تقفز الأزمة الكشميرية إلى مقدمة الأزمات في العالم، مهددة باندلاع حرب رابعة بين الهند وباكستان قد تكون هذه المرة حرباً نووية لا تقليدية على غرار الحروب الثلاث الماضية (1948و1965و1971). وللحؤول دون ذلك، تدافع المجتمع الدولي للتوسط بين البلدين، خصوصاً إثر تفاقم التوتر في أعقاب التفجيرات النووية التي أجراها البلدان.
وجاءت اللهجة المتشددة من جانب الهند وباكستان، مهدَدة بالحسم العسكري، سبباً إضافياً لدفع المجتمع الدولي للبحث عن تسوية لأزمة كاشمير التي يطالب أهلها منذ نصف قرن بالحرية التي فقدوا لنيلها خلال الثماني سنوات الماضية 25 ألف مدني حسب تقارير المنظمات الإنسانية الدولية.([31])
وقد دعت نيودلهي إلى حوار ثنائي لحل النزاع، وهو ما شدد عليه رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجباي مرات عديدة آخرها في رسالة إلى رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف دعاه فيها إلى مفاوضات ثنائية في العاصمة السريلانكية على هامش لقاء رابطة دول جنوب آسيا. إلا أن المراقبين يعولون كثيراً على مثل هذه اللقاءات التي عجزت طوال العقود المنصرمة عن إيجاد حل لهذه الأزمة. وعكست هذه المخاوف رسالة وجهها نواز شريف إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، جاء فيها إن المحادثات الثنائية لم تحقق حتى الآن أي نتيجة. وترى إسلام أباد، بحكم خبرتها فـي التفاوض مع القادة الهنود، أن الهند طالما ماطلت وتراجعت عن تعهداتها، لذا لا بد من حضور طرف ثالث يُلزم الطرفين، وإن أخلاقياً، بما يتفقان عليه. إلا أن نيودلهي تدرك مغزى تدويل الأزمة الكشميرية ومخاطر ذلك على وضعها الداخلي، إذ أن قوميات عديدة داخلها تطالب بالانفصال. فكشمير قضية أخرى، إذ أن المسلمين يشكلون 85 بالمائة من السكان، ولم تكن جزءاً من الهند طوال تاريخها إلا بعد الانضمام القسري للهند بعدما باعها الحاكم السيخي لنيودلهي. وفي استطلاع أجرته مجلة "أوت لـوك" الهندية على شريحة من سكان كشمير تبيَن أن 19 بالمائة منهم يؤيدون الإنضمـام إلى باكستان، وقال 4 بالمائة فقط إنهم يرغبون بالبقاء مع الهند، في حيث قال 72 بالمائة إنهم يريدون الاستقلال.([32])ويذكر أن قرارات الأمم المتحدة لا تنص على استقلال كشمير، لكنها تخيّر السكان الانضمام إلى الهند أو إلى باكستان.
ولكن المشكلة أن الهند لم تقبل، منذ البداية، نظرية القوميتين التي أنشئت على أساسها دولتا الهند وباكستان. ولعل هذا ما حثها على فصل بنغلادش عن باكستان في حرب 1971، للبرهنة على فشل نظرية القومية التي تبنتها هذه الأخيرة. فالهند تحلم بـلعب دور متعاظم في المنطقة، ويبدو أن باكستان هي العقبة الأخيرة في وجه مطامعها بعد أن أخضعت نيودلهي سري لانكا والمالديف وبنغلادش ونيبال وبوتان فباتت تدور في فلك الهند. وقد برز هذا الطموح الهندي في كتابات مؤسسي الهند الحديثة، إذ كتب رئيس أول حكومة هندية بعد الاستقلال، جواهر لال نهرو، في 1944 في كتابه المعروف "اكتشاف الهند": "إن الهند إحدى الدول الرئيسية الأربع في العالم بعد أميركا وروسيا والصين". وأضاف: "إنها ستكون الدولة المسيطرة في جنوب آسيا". وقد جاءت التفجيرات الهندية النووية لتؤكد هذا التوجه.
وتدرك نيودلهي أن إسلام أباد تقف عقبة جدية أمامها. ولعل هذا ما قصده رئيس الوزراء الهندي فاجباي في قوله أخيراً إن على باكستان أن تدرك الحقائق الجغرافية الستراتيجية الجديدة بعد التفجيرات النووية الأخيرة. ودعا وزير داخليته المتطرف لال كريستان أدفاني إلى غزو كشمير الباكستانية، لكن هذه اللهجة سرعان ما تراجعت بعد أن عرضت باكستان عضلاتها النووية.
ويرصد المعنيون بالصراع الهندي-الباكستاني ثلاثة عوامل قد يفضي أحدها إلى مواجهة نووية تُعزى إلى الصراع على كشمير أساساً، وتلك العوامل هي:
الأول: الاتهام الباكستاني للهند بالرد على ما تدعوه نيودلهي تورطاً باكستانياً في دعم الانفصاليين الكشميريين، وتمثل أخيراً، حسب التصريحات الباكستانية، في سلسلة تفجيرات دموية داخل المدن الباكستانية الرئيسية.
الثاني: عدم وجود خط ساخن بين البلدين، وعدم تبادل معلومات عن التحركات العسكرية على غرار ما كان يحصل بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في الماضي. وهو عامل يشكل خطراً جدياً قد يُفضي إلى مواجهة نووية لا تُعرف عقباها. ويحتم ذلك حل المسألة الكشميرية باعتبارها السبب الرئيسي للنزاع، ثم الانتقال إلى ترتيبات أمنية. وترى إسلام أباد أن كشمير "عنق باكستان"، حسب تعبير مؤسس الدولة الباكستانية الحديثة، محمد علي جناح، إذ أن الأنهر الخمسة التي تجري في باكستان تنبع من كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية، وتمارس الهند لعبة خطرة بقطع المياه وبناء السدود، مخالفة بذلك الاتفاقات التي وقعتها مع إسلام أباد العام 1960 برعاية البنك الدولي.
الثالث: إستمرار النزاع بين الهند وباكستان سيدفع المنطقة إلى مزيد من الاستقطاب والتجاذب والتحالفات والمعسكرات، إذ أن موسكو زودت نيودلهي أخيراً مفاعلين نوويين، وثمة اتهامات للصين بتزويد إسلام أباد التقنية العلمية للصواريخ والمفاعلات النووية. وهناك اتهامات باكستانية لإسرائيل بالدخول إلى جانب الهند، وحضور طائراتها، عشية التفجير النووي الباكستاني، لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الباكستانية.
وكل هذا يعيد المنطقة إلى عصر الحرب الباردة، وربما يؤدي إلى حرب كونية في حال اندلاع نزاع هندي-باكستاني على كشمير.([33])
وينطوي السباق النووي بين الهند وباكستان على مخاطر بالغة على الأمن الإقليمي في منطقة جنوب آسيا، لأن السباق النووي بينهما يمكن أن يتحول إلى مواجهة عسكرية فعلية مدمرة لا سيما في ظل وجود حكومة متشددة في الهند. والحقيقة، أن احتمالات هذه المواجهة تبدو واردة بقوة في ظل التصعيد العسكري الشديد بين البلدين، ولا سيما في ظل قيامها. بنشر صواريخ باليستية متطورة في المناطق الحدودية. كما تردد أن القوات المسلحة للدولتين قامت بتركيب رؤوس نووية على الصواريخ التي جرى نشرها في تلك المناطق. وقامت الحكومة الباكستانية أيضاً بإعلان حالة الطوارئ في البلاد تحسَباً لأي مواجهة عسكرية مع الهند، في الوقت الذي كثفت فيه القوات المسلحة الهندية وجودها العسكري في الجزء الذي تحتله من إقليم كشمير. والحقيقة، أن المواجهة العسكرية يمكن أن تندلع تحت تأثير مجموعة من الاعتبارات، أبرزها المخاوف القوية لدى باكستان من إمكانية إقدام الهند، منفردة أو بالتعاون مع إسرائيل، على قصف منشآتها النووية، على الرغم من التطمينات القوية التي حصلت عليها من الولايات المتحدة بعدم إمكانية وقوع هذا الاحتمال. وفي الوقت نفسه، هناك احتمال أن تُقدم الحكومة الهندية، في ظل سيطرة الجناح الهندوسي الأكثر تطرفاً في الحكومة، على شن الحرب ضد باكستان، من أجل إلحاق الهزيمة العسكرية بها، في ظل الخلافات الدينية والسياسية العنيفة القائمة بين الجانبين، سيما وأن الهند تتمتع بتفوق كاسح على باكستان في الميزان العسكري في كافة مجالات القوة العسكرية.([34])
وحتى بعيداً عن احتمالات اندلاع حرب محسوبة ومخطط لها بين الجانبين، فإن هناك احتمالات قوية لوقوع حرب نووية بينهما عن طريق الخطأ أو سوء التقدير أو المصادفة. ويبدو هذا الاحتمال وارداً في ضوء التوتر الشديد الذي يُخيّم على العلاقات بين البلدين، وافتقارهما إلى الخبرة العسكرية والفنية الكافية، بالإضافة إلى نقص التكنولوجيا اللازمة لضمان الكفاءة في تشغيل الأسلحة النووية، وعدم بلورة ستراتيجيات عسكرية وعقائد متتالية واضحة لاستخدام السلاح النووي. وكل ذلك يعرّض المنطقة لأخطـار اندلاع الحرب النووية عن طريق الخطأ أو الصدفة. وبالتالي، فإن الآراء التي ذهبت إلى أن الردع النووي يمكن أن يضمن استقرار الأوضاع في جنوب آسيا، تبدو آراء غير سليمة.
ومع ذلك، هناك متغيرات أخرى قد تقلل من احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية بين الجانبين، أبرزها أن هيكلية النظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة لم تعد تسمح باندلاع حروب واسعة النطاق، ولا سيما في المناطق الحساسة مثل جنوب آسيا. وهناك العديد من الآليات التي تستطيع الدول الكبرى، وبالذات الولايات المتحدة، استخدامها للحيولة دون تدهور الأوضاع في اتجاه الصراع المسلح بين الهند وباكستان، أبرزها العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية، علماً أن أي حرب واسعة النطاق بين الهند وباكستان سوف تتطلب تكاليف مادية هائلة، ليس بمقدور أي منهما أن يحتملها. وبالتالي، ربما كان من الجائز القول إن السباق النووي بين الهند وباكستان يرمي، في نهاية المطاف، إلى الردع أكثر من كونه مؤشراً على إمكانية نشوب صراع مسلح بينهما في المستقبل القريب.
الآثار الستراتيجية الإقليمية للتجارب النووية الهندية-الباكستانية
أثارت التفجيرات النووية التي أجرتها كل من الهند وباكستان في أيار المنصرم العديـد من التساؤلات حول آثارها الستراتيجية في منطقة جنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية. ولعل محاولة التنبؤ بالآثار المنتظرة لتلك التفجيرات، في ظل حقائق الموقف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المتدني لكلتا الدولتين، وتأثير دول الجوار الفاعلة في الصراعات والخلافات بينهما، تفرض دراسة عدة اعتبارات ستنعكس على هذه الآثار الستراتيجية نتيجة التسابق النووي، وأهمها:
أولاً: إن الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتردية للدولتين، وحجم الأزمات الداخليـة في كل منهما، لم تقف حائلاً دون إنتاج وامتلاك السلاح النووي عن قناعة بأنه السبيل الوحيد لدرء التهديدات الخارجية وحل المشاكل الحدودية والخلافية بين الدولتين.
ثانياً: إن هناك حدوداً لتطوير البرامج النووية للدولتين، واستمرار إجراء التجارب للحصـول على القنابل الهيدروجينية وقنابل النيترون التي تُعتبر مكملة لمنظومة الأسلحة النووية، إلى جانب وسائط الإيصال المتطورة، خاصة في مجال الصواريخ الستراتيجية، وذلك للضغوط الاقتصادية المتزايدة في الدولتين، من جانب، وللقيود الدولية المنتظر فرضها عليهما للحد من تطويرهما لتلك البرامج، من جانب آخر، وبالتالـي، فالمتوقع أن تكتفي الدولتان بإنتاج أعداد محدودة من الرؤوس والقنابل النووية بما يكفي فقط لتدمير الأهداف ذات الطبيعة الستراتيجية للطرف الآخر.
ثالثاً: إن القيادة السياسية الباكستانية تعي المخاوف الغربية من انتشار الأسلحة النووية في بعض الدول الإسلامية المجاورة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك سارعت الحكومة الباكستانية فأعلنت "أن القنبلة النووية ليست للتصدير، وأن برنامجها النووي سيبقى في أيد سليمة". هذا إضافة إلى استحالة القيام بذلك التصدير، إذ أن إنتاج القنبلة النووية يتطلب مراحل فنية وتكنولوجية ومواد ومستلزمات إنتاج ووسائط إيصال، من طائرات مقاتـلة وصواريخ ومدافع، في إطار منظومة متكاملة لا تسمح بتصدير السلاح النووي، إلا إذا توافرت الإمكانات بفعل الخبرة التكنولوجية والفنية فقط.
رابعاً: إن امتلاك الهند وباكستان للسلاح النووي سيكون حافزاً لحل الخلافات والمشاكل القائمة بين الدولتين بالوسائل السياسية. وبالتالي، فإن امتلاكهما القنبلة النووية سيدعم موقف المفاوض السياسي من كل منهما للحصول على أفضل النتائج والحلول لصالح قضيته.
خامساً: إن حدود استخدام القنبلة النووية من أي طرف، سيكون مقتصراً على الدفاع عن الدولة والرد على استخدامها من قبل الطرف الآخر، مما يؤكد تبني الدولتين لستراتيجية الردع والتي تعني التلويح فقط بالاستخدام، وبالتالي تمنع نشوب صراع مسلح منتظر بينهما، ارتباطاً بحجم التدمير الذي يمكن أن يحدثه الاستخدام الحقيقي على القدرات الستراتيجية للدولتين.
سادساً: إن امتلاك الدولتين للقنبلة سيغيّر بشكل رئيسي خريطة التحالفات الإقليمية والدولية في شبه القارة الهندية بشكل عام، وفي الهند وباكستان بشكل خاص، مما سيؤدي إلى توازن أكثر في القوى الإقليمية في جنوب آسيا بالقدر الذي يُشير إلى أن احتمالات التوجه إلى الحلول السلمية للمشاكل الإقليمية القائمة أقرب منه للحلول العسكرية. كما يؤكد أن أي صراع مسلح قادم، نتيجة فشل الحلول السياسية، سيقتصر على استخدام الأسلحة التقليدية دون استخدام الروادع الستراتيجية النووية المدمرة[35].
وعلى ضوء هذه الاعتبارات، فإنه يمكن تلخيص الآثار الستراتيجية الإقليمية للتجارب النووية الهندية-الباكستانية بالآتي:
أولاً: قضية كشمير: لعل أهم الآثار الممكن أن تنتج عن امتلاك الدولتين للسلاح النووي واحتمـال اشتعال مواجهة نووية في شبه القارة الهندية، وما قد يعكسه ذلك على مصالح القوى الكبرى والعظمى، قد يدفع هذه القوى إلى إعادة النظر في سياستها، سواء الولايات المتحدة أو الصين أو روسيا، بالقدر الذي يمكن أن يؤدي إلى تسوية هذه القضية مستقبلاً.
ثانياً: قضية سباق التسلح: إن الضغوط الدولية، سواء من مجلس الأمن أو العقوبات الدولية على الدولتين، مستمد بشكل قاطع من سباق التسلح الإقليمي، خاصة مع تصدع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي، وقد يؤدي أيضاً إلى احتمال التخفيض المشترك لموازنات الدفاع.
ثالثاً: مستقبل العلاقات الهندية-الباكستانية: إن التفجيرات الأخيرة من جانب باكستان، قد تؤدي إلى السعي نحو إرساء أسس ثابتة، للتوصل إلى حلول جذرية للقضايا الخلافية بيـن كل من الهند وباكستان، سواء في مجال سباق التسلح أو قضية كشمير، خاصة مع التردي الكبير في المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدولتين. هذا إلى جانب فرض تغيير مواقف القوى الكبرى التي يبدو أنها كانت لا تريد توصل الدولتين إلى حل لخلافاتهما، باعتبار أن ذلك مرتبط بترتيب الأوضاع في منطقة جنوب آسيا بشكل عام.
رابعـاً: الحد من التسلح النووي الإقليمي: إن خيار إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في النطاق الإقليمي، خاصة في المناطق التي تشهد سباقاً نووياً مثل حالة الهند وباكستان، أو حالة انفراد دولة بامتلاك تلك الأسلحة، مثل حالة إسرائيل في الشرق الأوسط؛ تجعل من هذا الخيار الحل الواقعي الوحيد لوقف سباق التسلح النووي.[36]
الأبعاد الستراتيجية الدولية للتفجيرات النووية الهندية والباكستانية
لقد أثارت التجارب النووية الهندية والباكستانية موجة من السخط العالمي، إذ أدانتها معظم دول العالم، بالإضافة إلى فرض عقوبات اقتصادية على الهند وباكستان من بعض الدول، مثل الولايات المتحدة الأميركية واليابان وكندا. بالإضافة إلى العديد من الانعكاسات على المستوى الدولي والتي نستعرضها تباعاً:
1- أوضحت التجارب النووية الهندية والباكستانية أن نظام منع الانتشار النووي ما زال يعانـي من قصور واضح وعلى الرغم من تدعيمه والعمل على زيادة فعاليته، فقد واجه نظام منع الانتشار النووي قصوراً في بداية التسعينات باكتشاف قدرات العراق النووية وعملت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على تدعيم نظام الضمانات النووية، وهو ما تم التوصل إليه بالفعل في أيلول 1997، وسمي بالبروتوكول النموذجي الإضافي. إلا أن هذا البروتوكول ينطوي أيضاً على تمييزية واضحة، مثل معاهدة منع الانتشار النووي، حيث أنه سيُطبق فقط على الدول التي ما زالت خارج نظام منع الانتشار النووي، وهي إسرائيل والهند وباكستان، لا على منشآتها الخاضعة للضمانات.
2 - أوضحت التفجيرات النووية الهندية والباكستانية أن وجود دول خارج نظام منع الانتشار النووي تمتلك قوة نووية بصورة غير معلنة، يمكن أن تشكل تهديداً للنظام الدولي ككل وللأمن والسلم الدوليين. فلقد وجًهت الهند وباكستان، بتجاربهما النووية، لكمة للنظام الدولي لمنع الانتشار النووي، وأنشأتا وضعاً للإقدام على خطوات مماثلة. كما أثارت هذه التفجيرات مسألة "العالمية" المفقودة في سياسات منع الانتشار النووي.([37])
3 - إن إجراء التجارب النووية الهندية والباكستانية، ورفض الدولتين الانضمام إلى معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ودعوة الهند إلى إجراء مباحثات للخروج بمعاهدة لحظر الأسلحة النووية تسري على الدول دون تمييز، مثل معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية؛ يكفي لوضع علامة استفهام حول مستقبل معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، على الرغم من أن المعاهدة لم تدخل بعد حيَز التطبيق. فلقد مثلت التجارب النووية انتكاسة خطيرة للمعاهدة من الممكن أن تؤجل دخولها حيّز التنفيذ لسنوات طويلة.
4- ذكرت بعض التقارير أن الصين قد ساعدت باكستان فنياً في برنامجها النووي، ومن أمثلة ذلك إمدادها بـ5000 مغناطيساً حلقياً لتطوير وحدات الطرد المركزي الخاصة بإغناء اليورانيوم ومساعدتها في تشييد وحدة استخلاص البلوتونيوم في كاسما بالبنجاب.([38])والجدير بالذكر أنه منذ الغزو السوفياتي لأفغانستان، استأنفت الولايات المتحدة مساعدتها لباكستان رغم مخالفة ذلك للقوانين الأميركية. وهكذا يكون البرنامج الباكستاني قد حظي بدعم دولتين نوويتين في أوقات مختلفة.
5 - طرح قضية الانتشار النووي على قمة جدول الأعمال الدولي وذلك من خلال مجلس الأمن الذي اجتمع أكثر من مرة لمناقشة الموضوع، وكذلك على مؤتمر نزع السلاح بجنيف الذي سيطرت التجارب النووية الهندية والباكستانية على مداولاته وأصدر بياناً يدعو الدولتين إلى التوقيع التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النوويـة.([39])
هذا، بالإضافة إلى اجتماع الدول النووية الخمس لبحث الموضوع وإصدار بيـان يُدين التجارب النووية ولا يعترف بالهند وباكستان كدول نووية، ويدعوها للانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي الشامل والحظر الشامل للتجارب النووية دون قيد أو شرط.
6- كشفت التجارب النووية جانباً هاماً من سياسات الدول الكبرى في منع الانتشار النووي فعندمـا نادى الزعيم الهندي نهرو في نيسان 1954 بالتوصل إلى اتفاقية للحظر الشامل للتجارب النووية، عارضت الولايات المتحدة والدول النووية الأخرى ذلك وفضلت عليه الاتجاه نحو التوصل إلى اتفاقية للحظر الجزئي للتجارب النووية العام 1963، لأن تلك الدول كانت ولا تزال في مرحلة الحرب الباردة وتطوير سلاحها النووي، ولم تكن قد توصلت إلى تكنولوجيا التجارب المعملية.
7 - إن التفجيرات النووية الهندية والباكستانية، هي ثمرة السياسة الانتقائية وازدواجية المعايير التي تتبعها دول السلاح النووي وخاصة الولايات المتحدة. وإن استمرارها يمكـن أن يؤدي إلى مزيد من الانتشار النووي، بالإضافة إلى عدم وجود سياسة أميركية فعَالة لمنع الانتشار النووي تقتضي تنفيذ التزامات للدفاع عن الدول غير النووية ضد هجوم الدول غير الأطراف في معاهدة منع الانتشار النووي، كما أن عدم توافر ضمانات أمن إيجابية للدول غير النووية يُعد من أسباب زيادة الانتشار النووي.
8 - أثارت التجارب النووية الهندية والباكستانية القلق الياباني التي تتمتع بمظلة نووية أميركية وتُلزم نفسها بعدم امتلاك أو إنتاج أسلحة نووية. والتساؤل هو: هل يُمكن أن تدفع تلك التفجيرات النووية اليابان لإنتاج سلاح نووي؟ المهم أن اليابان ردّت سريعاً على التفجيرات النووية الهندية لفرض عقوبات اقتصادية، وكذلك وجَهت رسالة إلى باكستان بضرورة ضبط النفس وعدم إجراء تجارب وإلا ستفرض عليها عقوبات مثل الهند، وهو ما سارعت اليابان إلى تنفيذه بعد التجارب الباكستانية.([40])
9 - إن التطورات الأخيرة بين الهند وباكستان قد تؤدي إلى سباق تسلح نووي في شبه القارة الهندية، وتزايد احتمالات وقوع حرب نووية في منطقة يزيد عدد سكانها عن 2 مليار نسمة. وهو ما يُنذر بخسائر بشرية في حال وقوعها ويترتّب عليها آثاراً عالمية وإقليمية هامة.
10- تثير قضية الردع النووي الإقليمي القائم حالياً بين الهند وباكستان مسألة إدارة سياسة الردع النووي. وهل ستتمكن الدولتان من إدارة الردع بكفاءة مشابهة للردع النووي الدولي بين القوى العظمى السابقة. ومن المعروف أن إدارة الردع النووي تحتـاج إلى وسائل تكنولوجية متعددة، مثل الأقمار الصناعية والخطوط الساخنة وغيرها من الوسائل التي تمنع وقوع حرب نووية بطريق الخطأ، وتحول دون التحول من الردع النووي إلى استخدام السلاح النووي.
رابعاً: الدلالات بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط
تنطـوي التفجيرات النووية الهندية والباكستانية على دلالات هامة بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط. التي يوجد فيها قوة نووية متمثلة بإسرائيل التي لم تُلزم نفسها بالنظام النووي. ولا بنظام إقليمي لمنع الانتشار، وما زالت تعرقل إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
وكانت السياسات التمييزية لمنع الانتشار النووي، إبتداءً من معاهدة منع الانتشار النووي وانتهـاءً بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، أحد دوافع التفجيرات النووية الهندية. وكذلك كان ضعف مستوى الرد الدولي على التفجيرات الهندية، وعدم توفير مظلة أمنية، من دوافع التفجيرات الباكستانية. علماً أن استمرار ازدواجية المعايير في التعامـل مع المسألة النووية الإسرائيلية يُصيب دول منطقة الشرق الأوسط بالإحباط وخيبة الأمل تجاه سياسات منع الانتشار النووي، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى محاولة بعض الدول الخروج من ذلك النظام طالما استمر الخلل الأمني في المنطقـة والذي لا يمكن قبوله سواء على المستوى السياسي أو الجماهيري. وتشكل هذه الاتجاهات عوامل ضغط على حكومات دول المنطقة للخروج من ذلك النظام التمييزي الذي يكرّس أوضاعاً استثنائية لدولة معيّنة بحيث يتهدَّد أمن دول المنطقة بأسرها، وهو وضع لا يمكن معه تحقيق توازن ستراتيجي، الأمر الذي يدفع إلى محاولة الخروج من ذلك النظام لتحقيق التوازن على المدى الطويل.([41])
كما تشير التفجيرات النووية الهندية والباكستانية إلى المخاوف الغريبة من إمكانية اتجاه إيران إلى السعي بجدية لامتلاك سلاح نووي، وإمكانية انتقال التجارب إلى منطقة الشرق الأوسط بقيام إسرائيل بتجربة نووية بعد التجارب الباكستانية. والجدير بالذكر أن إسرائيل تنظر دائماً إلى القدرة النووية الباكستانية كمصدر تهديد منذ العام 1972، عندما تحدّث ذو الفقار بوتو عما أسماه القنبلة الإسلامية. وقد أعلنت إسرائيل مراراً أنها لن تسمح لباكستان أو غيرها من الدول الإسلامية بامتلاك السلاح النووي، نظراً للخوف من نقل المعرفة والتكنولوجيا النووية إلى الدول العربية.([42])
وقد ذكرت بعض وكالات الأنباء أن باكستان حذرت الولايات المتحدة من قيام إسرائيل بشن هجوم وشيك على منشآتها النووية، وأن مسؤولين باكستانيين أجروا اتصالات مع الإدارة الأميركية والأمين العام للأمم المتحدة وأبلغوها أن طائرات إسرائيلية قد هبطت في الهند، لكن السفير الإسرائيلي في واشنطن طمأن بأن إسرائيل لن تشن هجوماً على المنشآت النووية الباكستانية.([43])
قمر التجسس الإسرائيلي يزود الهند معلومات
كشفت نشرة تُصدرها مجموعة "جينز" البريطانية أن إسرائيل تقوم بتزويد الهند بمعلومات استخباراتية عن باكستان مصدرها قمر التجسس الصناعي الإسرائيلي "اوفيك-3" (أفق-3). وفي المقابل، سمحت الهند لخبراء التجسس الإسرائيليين باستخدام أراضيها لتنفيذ مهمات خاصة بهم. وتوقعت النشرة التي تحمل اسم "فورين ريبورت" أن يستمر التعاون العسكري الإسرائيلي-الهندي .([44])
وأوضحت النشرة الآنفة الذكر، التي تُعتبر مرجعاً عالمياً في الشؤون العسكرية والمخابراتية، أن التعامل مع الهند يتم على ثلاثة مستويات في إسرائيل هي: جهاز "الموساد" والاستخبارات العسكرية ووزارة الدفاع التي تسعى إلى بيع نيودلهي أسلحة. وأفادت النشرة أن الاستخبارات العسكرية هي التي تزوّد الهند معطيات جديدة عن باكستان، مستقاة من القمر الاصطناعي الإسرائيلي "أفق" المخصص لأغراض التجسس.
واستناداً إلى "فورين ريبورت"، لا يستبعد المراقبون العسكريون في لندن أن يكون الإسرائيليون ينتشرون في منطقة كشمير التي تحتلها الهند، وفيها يقع قسم من جبال الهملايا الأكثر ارتفاعاً في العالم.
ورأت النشرة كذلك أن "الموساد" يملك هدفاً هو الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات عما يُطلق عليه اسم "القنبلة الإسلامية"، في أعقاب التفجيرات النووية التي أجرتها باكستان. وأضافت "فورين ريبورت" أن "إسرائيل قلقة من تسرب الخبرة الباكستانية إلى دول إسلامية مجاورة"، علماً أن النشرة أشارت إلى عدم العثور على أدلة على ما يوصف بـ "محاولات إيرانية للحصول على التقنية الباكستانية في مجال التسلح النووي".([45])
التجارب الهندية-الباكستانية تحفز إسرائيل على رفع النقاب عن قدرتها النووية
على الرغم من العناوين المستعرة التي أشعلتها في الشرق الأوسط أنباء التجارب النووية في الهند وباكستان، فإن هذه التجارب تحفز إسرائيل على إلقاء نظرة باردة وصارمة على سياسة "الغموض المتعمدة" المتبعة بالشأن النووي الإسرائيلي. ومع أن إسرائيـل أعلنت منذ مدة طويلة أنها لن تكون البادئ في إدخال أسلحة نووية إلى الشرق الأوسط، فإن باكستان تتهمها بتوفير مكوّنات حسّاسة للهند مكّنت هذه الأخيرة إجراء تجاربها.([46])
تقول كريستيان ساينس مونيتور: "لقد كانت إسرائيل أول دولة في الشرق الأوسط سعت للحصول على قدرات ذرية، إبتداءً من الخمسينات. ومؤخراً تخطى رئيس الحكومة السابق شمعون بيرس جميع المسؤولين الإسرائيليين بالإقرار بوجود برنامج أسلحة نووية في إسرائيل التي "شاءت خياراً نووياً مستتراً لمنع وقوع الحرب".
وتمضي المجلة قائلة: "لقد أدى ما كُشف عنه في الثمانينات إلى جعل خبراء يعتقدون أن لدى إسرائيل ترسانة متطورة من 200 رأس نووي على الأقل. وسواء كان هذا صحيحاً أم لا، فإن تفشي الاعتقاد بأن لدى إسرائيل مثل هذه الأسلحة يُشكل أساساً لستراتيجية الردع الإسرائيلية. "وإسرائيل لم توقع حتى الآن على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية (NPT). وهذه نقطة نزاع بين بعض الدول العربية التي تشعر بأنها مجبرة على الرد بامتلاك أسلحة كيماوية .([47])".
وتضيف المجلة: "ربما ستؤدي التجارب الهندية والباكستانية في نهاية الأمر إلى إعادة صوغ سياسة نووية لإسرائيل، إذ جاءت تلك التجارب في الوقت الذي تستغرق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في إعادة تفكير ستراتيجي من القمة إلى القاعدة لأول مرة في تاريخها".
ويقول جيرالد شتاينبرغ، الخبير بأمن الأسلحة ومراقبتها في مركز "BESA" في جامعة بار-ايلان في تل أبيب: "إذا انهارت اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية بسبب هذه التجارب الجديدة، فإنها سترغم إسرائيل على تغيير سياسة الغموض المتعمد وموقفها الردعي".([48])
الأهداف النووية التي من الممكن أن تقوم إسرائيل بضربها وعلى ذكر الردع الإسرائيلي، ما هي "كريستيان ساينس مونيتور" أجابت على هذا السؤال بقولها: "من وجهة النظر الإسرائيلية، إن عدد الأهداف وفير، فإيران تُشغّل مفاعلات نووية علانية محميـة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA في فيينا، غير أن كثيرين في الولايـات المتحدة وإسرائيل يقولون إن الجمهورية الإسلامية تُحاول سراً أن تصنع قنبلة نووية. وفي العراق، يُرجح أن تعلن "أونسكوم" أن برنامج بغداد الذي كان متقدماً في مجال الأسلحة النووية قد تم تفكيكه. لكن إسرائيل تخشى أن تكون فرق المصممين في العراق لا تزال على حالها، وأن تصبح القنبلة في متناولهم في غضون عام أو عامين في حال رُفعت عقوبات الأمم المتحدة".
وتنهي مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" مقالتها عن أثر التفجيرات النووية الهندية-الباكستانية على ستراتيجية إسرائيل النووية، قائلة: "كان لتجارب جنوب آسيا نتيجة أخرى، تمثَّلت بالجدل في إسرائيل بشأن ما إذا كان الوقت قد حان كي تُعلن الدولة العبرية نفسها قوة نووية بشكل صريح، وهو أمر يحول دون اعتمادها على أميركا ستراتيجياً. فبموجب القانون، تمتنع الولايات المتحدة من تقديم مساعدات إلى دول تجري تجارب نووية. وهذا يعني بالنسبة إلى إسرائيل، وقف المساعدة السنوية لإسرائيل التي تبلغ في مجموعها 3 مليارات دولار. وفي هذا المجال، يقول المحلل الستراتيجي فيلدمان "سينجم عن قيام إسرائيل بتجارب نووية، توقف فوري وكامل للعلاقات العسكرية الوثيقة التي تربطها بالولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، ستتآكل قدرة إسرائيل على مجابهة التهديدات الستراتيجية التي تواجهها الآن".
السياسة الإسرائيلية لإجهاض المشروعات النووية العربية
نزعت الدوائر الحاكمة في إسرائيل، على مدار الخمسين عاماً الماضية، إلى تحذير الدول العربية من مغبة تبني برنامج نووي، حتى وإن كان للأغراض السلمية. ولم يتورع جميع قادة إسرائيل، بلا استثناء، عن التهديد بضرب أية منشآت نووية تُقام في أي بلد عربي حتى وإن كان من بلدان العمق العربي البعيد عن دول المواجهة، كما فعلوا في قصف مفاعل "اوزيراك" العراقي في أيلول 1981. وقد اعتبر قادة إسرائيل أن قصف وتدمير هذا المفاعل يُشكل سابقة ستتكرر ضد أية دولة عربية تحذو حذو العراق في تطوير قدرة نووية، أو حتى تطويع التكنولوجيا النووية لخدمة خطط تنموية. بل وصل الأمر إلى تهديد إسرائيل باستخدام سلاحها النووي ضد أي دولة عربية تصمم الاستمرار في برنامجها النووي.
وفي دراسة أعدها مركز "جافي" للدراسات الستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب، نجد مجموعة من الباحثين في الشؤون النووية قد استخلصوا النتائج التالية:
1- إن امتـلاك العرب للخيار النووي، يعني نشوء وضع ستراتيجي جديد بكل ما يحمله من مخاطر تُهدد وجود إسرائيل، بعد أن يُفقدها أهم عامل هو عامل التفوق المستنـد في أسسه على عنصر الردع. وهذا يعني بداهة فقدان إسرائيل لقدرتها التأثيرية على مجريات الأحداث في المنطقة.
2- إنعاش المدرسة العربية القائلة بضرورة إسترداد الحقوق العربية بالكفاح والحرب وأساليب العنف والقضاء على إسرائيل.
3- يتعين على إسرائيل، إزاء المخاطر الناجمة عن امتلاك العرب لبرنامج نووي، أن تتخذ الوسائل الممكنة والمتاحة لديها لمنع نشوب هذا الاحتمال حاضراً ومستقبلاً، لا يمكن أن تقف موقف المتفرج، وتنتظر حتى ترى العرب وقد أصبح في حوزتهم مخزون من السلاح النووي يُهدد مصيرها ويعرّضها للزوال.([49])
[1] وثائق الأمم المتحدة، نيويورك، 1998
[2] وثائق الأمم المتحدة، نيويورك، 1998
[3] NEWSWEEK, May 25,1998
[4] TIME and NEWSWEEK, May 25, 1998
[5] TIME, May 25, 1998
[6] U.S NEWS and World Report, May 25, 1998
[7] U.S NEWS, May 25, 1998
[8] JANE'S WEEKLY DEFENSE, May 14, 1997, P.8
[9] WEEKLY DEFENSE , May 14, 1997
[10] السياسة الدولية، القاهرة، عدد 133، تموز 1998
[11] المصدر السابق
[12] U.S NEWS and World Report, May 25, 1998
[13] السياسة الدولية، القاهرة، تموز 1998
[14] المصدر السابق
[15] TIME, May 25, 1998
[16] المصدر السابق
[17] بالإضافة إلى عدد 1200 أخرى من المحتمل أن يكونوا في الاحتياط أو في انتظار الفك
[18] تتضمن 1200 (ABMS) (SAMS).
[19] تتضمن قطع الغيار فضلاً عن 2300 رأس حربي في الاحتياط
[20] بحد اقصى عشرة
[21] الوسط" ، لندن، العدد 329، 18/5/1998
[22] الوسط، المصدر السابق
[23] NEWSWEEK, May 25, 1998 + WEEKLY DEFENSE, May 14,1997 P.6
[24] International Defense Review, November 11, 1996
[25] Jane's Intelligence Review, March 1, 1997
[26] TIME, May 25, 1998
[27] "أسلحة الدمار الشامل"، دار الجليل للنشر، عمان، 1998، الفصل الثالث
[28] Jane's Intelligence Review, March 1, 1997
[29] السياسة الدولية، القاهرة، العدد 133، تموز 1998
[30] المصدر السابق
[31] المشاهد" الصادرة عن BBC، لندن، 25 أيار 1998
[32] مجلة "الوسط" ، لندن، العدد 338، 20/7/1998
[33] الحياة، لندن، واحد حزيران، 1998
[34] السياسة الدولية، القاهرة، تموز 1998
[35] المشاهد السياسي، لندن، العدد 115، 24-30 أيار 1998
[36] Model protocol additional to the agreement(s) between ... and the international atomic agency for the application of life guards. In FCIRC/540, Austria, IAEA, 1997
[37] د. حماد فوزي "رغم المعاهدة ورقابة الكبار، الهند اقتحمت نادي السلاح النووي"، مجلة المصور، العدد 3841، 22 أيار 1998
[38] سباق الرعب النووي في آسيا"، صحيفة الأهرام، 29 أيار 1998
[39] صحيفة "الأهرام" ..، 3 حزيران 1998
[40] الحياة، لندن، 30 أيار 1998
[41] السياسة الدولية"، القاهرة، العدد 133، تموز 1998
[42] Newsweek, May 25 1998, P 17
[43] Newsweek, May 25 1998, P 17
[44] Foreign Report, London, June 10 1998
[45] Foreign Report, London, June 10 1998
[46] Christian Science Monitor, July 22 1998
[47] الحياة، لندن، رقم 12899، 28 حزيران 1998
[48] المصدر السابق
[49] مركز "جافي" للدراسات الستراتيجية، تل أبيب، 1997