- En
- Fr
- عربي
كلمات... ليست كالكلمات.
بعيداً عما تنشره بعض وسائل الاعلام من تصريحات تنتقد خدمة العلم, وتدعو الى إلغائها, أو الى خفض مدتها أو تغيير نوعيتها... وهي طروحات تلقيها بعض الجهات توسلاً لتعاطف الشباب ومشاعر الأهل, تماشياً مع قاعدة “أريد ان اريحكم من كل شيء.. اتبعوني”, وبعيداً عما يتهامسه الناس احياناً عن جدوى خدمة العلم, وعن انّ فلاناً امضى الخدمة ولم يستفد من أي شيء, وانّ فلاناً امضاها وعانى وتعذب, وبعيداً عما يصل الى الشباب اللبناني في ديار الاغتراب من أن كل شاب يصل الى المطار توضع القيود في يديه ويساق الى الخدمة العسكرية.. وكل هذه شائعات مغرضة وخاطئة, تم نفيها في غير مناسبة, لكنها مع الأسف سارية في اوساط عديدة.
بعيداً عن ذلك كله, لفتت نظر الجميع في هذه الفترة طلبات وساطة من اجل حجز الأمكنة والمقاعد في معسكري خدمة العلم, وقد ذكّرني ذلك بقاعدة overbooking التي كانت تعتمدها شركات الطيران, فتحجز اكثر من إمكانية استيعاب الطائرة, وتدور المشاكل على المطار ويكون من يحظى بالمقعد ويسافر, سعيد الحظ موفور الهناء.
توالت الاتصالات على قدم وساق للانخراط في الدورة الأخيرة لخدمة العلم, حتى باتت مديرية التعبئة ومعسكرا خدمة العلم محور جهود واعمال لم نعهدها من قبل. وبالفعل, تمت تلبية طلبات الجميع, وتم استيعاب الجميع, بقدرة تنظيمية ممتازة اظهرتها أجهزة القيادة.
ما يعبّر عنه هذا الواقع هو اقتناع دفين لدى الشباب اللبناني بخدمة العلم, فباتوا يحسبون لها كل حساب في تنظيم حياتهم ودراستهم واعمالهم, كما ان اصوات الاعتراض لم تكن مسموعة تماماً, إذ انه غالباً ما واجهها منطق مسؤول يقول: إذا لم يخدم شباب لبنان علم بلادهم, فمن يخدمه؟ وما لم يذد الشباب عن حياض وطنهم, فمن له غيرهم؟ وان لم يضع الشباب اللبنة والمداميك في هيكل المستقبل, فمن يضعها؟
للشباب الدور الاساس, وخدمة العلم هي الطريق الصحيح التي تؤدي الى هذا الدور. أما وقد تهافت الشباب على الانخراط في خدمة العلم, فإن الطروحات المناوئة تراجعت وهوت, وتقدم الحس الوطني العام على ما عداه من احساسات شخصية ومصلحية وآنية.
رب قائل إن خدمة العلم هي بمثابة ضريبة سنة خدمة يسارع الشباب الى تسديدها والخلاص منها... نعم, وما الخجل في ذلك؟ فالوطن يقدم لنا الكثير, وقليل علينا إذا ما خدمناه سنة؟ أما ندفع الضرائب والرسوم لنغذي الخزينة كي تنفق على جوانب مختلفة في الحياة العامة؟ أما تستوفي الدولة غرامات تأخير على هذه الضرائب إذا لم تسدد في اوقاتها القانونية المحددة؟
... ليس من طبع شعبنا ان نقارن بين المال والقيم, لكن من طبع هذا العصر ان يتم الحصول على كل شيء بالمال. ان مقارنة ضريبة المال بضريبة خدمة العلم هي من الواقعية بحيث تتباهى الضريبتان بأنهما تُدفعان مقابل تقديم خدمات, لكنهما تتعارضان من حيث أن مبدأ خدمة الوطن والذود عن حياضه هو مبدأ وطني إنساني على درجة عالية من السمو لا تسمح بتقدير قيمته أو سعره, وقد تصل خدمة الوطن الى التضحية في سبيله بالنفس والدم, وهكذا يسقط الشهداء الذين يصنعون امجاد الأمة, ويلهمون ابناءها ويلهبون حماستهم.
إن في الاندفاع لخدمة العلم اشياء كثيرة, لكن في يقيني هناك شيء أكيد يتصدر ذلك كله هو إيمان الشباب بوطنهم وجيشهم ودولتهم.
إن صوت العقل وصوت الضمير وصوت الإيمان عندما تخاطب الشباب, نراه يصغي باهتمام ويتلقى ما تحمله, فيما اصوات المجون والتفرقة والدسائس لم تعد مسموعة, وخصوصاً تلك التي تدعو الى الخضوع للغرائز والنزوات والعصبيات, وهذه الاخيرة هي الأخطر على الشباب وعلى الوطن.
تهافت الشباب على خدمة العلم, وازدحمت مداخل المعسكرين, وتدافع المجندون للدخول الى ثكنات جيشهم, كل ذلك بفضل علو صوت العقل, وخفوت اصوات الغرائز.
أهلاً بالشباب في جيشهم, جيش الوطن بأكمله. أهلاً بهم في مدرسة الرجولة. أهلاً بهم في مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء. أهلاً بهم نحو الانصهار الوطني, نحو الإيمان بالوطن والالتفاف حول الدولة وهي المؤسسة الارقى والأعدل. أهلاً بهم في رحاب الوطن الواسعة, وفي التفكير الوطني السليم الساعي الى المصلحة الوطنية العليا.
نعم أيها الشباب, تدافعوا وتهافتوا, فالوطن اهل للخدمة وارضه اهل للتضحية, والوفاء شيمة الكرام... وانتم كرام.