عبارة

التّرجمة
إعداد: العميد علي قانصو
مدير التوجيه


أدّت التّرجمة دورًا حيويًا رائدًا على صعيد التّقدم والتّطوير، في مجتمعات كثيرة، خصوصًا في العصور القديمة حينما كانت اللّغات محكومة بمحليّتها وضيق انتشارها، وكان عدد من يتقنون لغات غيرهم من الشّعوب قليلاً، ومحصورًا بأهل الاختصاص والاهتمام.
وبرزت أهمية التّرجمة اكثر ما برزت في بداية الدّولة العربّية، واتصال افرادها بالعالم الخارجي المتمدّن، خصوصًا ما يتعلّق بالحضارة اليونانيّة علمًا وفلسفة ومعرفة، حيث انكبّ المترجمون على تعريب أمهّات الكتب مقابل اجور كبيرة شجعّتهم على الاستزادة والمتابعة، ممّا كان له أبعد الأثر في تحقيق انطلاقة فعّالة في آفاق التّنوير، ووثبة طويلة في طريق التقّدم. وقد تبع ذلك بلوغ درجات معرفيّة بات معها التّبادل الحضاري ممكنًا متيسرًا، فتم الانتقال إلى مرحلة جديدة من الأخذ والرّد، وبدأت الاصابع الاوروبيّة تشير إلى المعارف العربيّة، وتنقل ما يناسبها من انجازاتها العلميّة إلى ألسنة شعوبها، ولم تعد المسألة مقتصرة على التعريب وحسب، إنما تعدّتها إلى الترّجمة الشّاملة باللّغات الرئيسة أينما كانت.
إلاّ أنّ التّرجمة لا تقتصر في آثارها على الايجابيّ المفيد، بل تنتقل أحيانًا إلى الجانب الشّرير والمشبوه، فتنشر الفتن وتأججّ الصّراعات وترفع منسوب التحرّيض والتّخريب،  وقد يصبح استئصال ترسّباتها مكلفًا وصعبًا، ما لم يتم التنبّه لها، وضربها في المهد، وهنا ما أشار إليه حضرة العماد قائد الجيش في لقائه السّنوي مع الملحقين العسكرييّن العرب والاجانب، بالقول: إننا في الجيش اللبّناني مصروّن على منع تحويل لبنان إلى ساحة « تترجم « فيها الصّراعات الاقليمية... بالتّزامن مع هذه السّنة الحافلة بالاستحقاقات والمحطّات التّاريخيّة على كلّ صعيد... إنّ لهذا التّعبير دلالات واسعة تنبع من صميم الواقع الذّي تحيا فيه منطقتنا بأسرها بعد المخاض السّياسي والعسكري والاجتماعي الّذي تخضع له في اكثر من ناحية، والّذي لم يبقَ وطننا في منأى عن شراراته وتسريبات شقوقه وثقوبه. ولبنان بحكم انفتاحه على العالم يتلقّى الكثير من تأثيرات الازمات الحاصلة في بعيد النواحي، وفي قريبها على وجه الخصوص، والمطلوب من مؤسّساته كاملة، ومؤسّسة الجيش في الطّليعة، أن تحمي السّاحة الدّاخلية من تلك التأثيرات خصوصًا على الصّعيد الأمني، الذّي لن يكون للتقّدم الحضاري والبحبوحة الاقتصادية حظّ في الحياة من دونه.