- En
- Fr
- عربي
ظواهر طبيعية
إذا كان الربيع بهجة الفصول وملكها، فالثلج بهجة الشتاء وملك الجبال، لكن حين يأتي الأبيض الوقور برفقة هوجاء، مثل «أولغا» فالبهجة تنحسر أمام السيول والفياضانات والأضرار التي تخلفها العاصفة.
عاصفة إستثنائيّة
في ظاهرة لم يشهد لها لبنان مثيلًا منذ سبعينيات القرن الماضي، إجتاحت العاصفة «أولغا»، الآتية من روسيا، الأراضي اللبنانية مع بداية العام الجديد، مخلّفة خسائر بشرية وأضرارًا ماديّة في الممتلكات والمزروعات والبنى التحتيّة. في ما يلي بعض الأضواء على «أولغا» وبعض أخواتها.
لم تكن العاصفة «أولغا» أول عاصفة ثلجية تجتاح لبنان في العقدين الأخيرين، فخلال العامين 1992 و1993، غطّت الأراضي اللبنانية كميات كبيرة من الثلوج، والعام 2002، انخفضت درجة الحرارة في البقاع إلى 2 تحت الصفر من جراء عاصفة ثلجيّة، كما شهدت المنطقة نفسها أمطارًا غزيرة وسيولًا العام 2003. لكن ما يميّز «أولغا» ويجعلها «استثنائية» هما عاملا السيول والتبدّل المناخي السريع، كما أكّد المدير العام لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية السيد ميشال افرام في حديث لمجلة «الجيش». فقد أشار إلى أن معدّل السيول بلغ 200 ملم خلال أربعة أيام فقط، وهو معدّل لم يسجّل في لبنان منذ أربعة عقود. ومن جهة اخرى، انخفضت درجة الحرارة على الساحل بسرعة مفاجئة من 21 درجة إلى درجتين خلال أسبوع واحد، وهو أمر غير مألوف، ويعود إلى عملية التغيّر المناخي التي يشهدها العالم بأسره. فتضخّم العوامل المناخية، بمعنى الفارق الشديد في معدل الحرارة ما بين الليل والنهار، وغياب الإعتدال في الطقس، أدّيا إلى تغيّرات سريعة في المناخ، حتى أن النشرة الجويّة باتت تتغيّر أحيانًا في اليوم الواحد.
أضرار لا كوارث
في ما خص الأضرار البشرية والماديّة التي خلّفتها العاصفة، اعتبر افرام أن الخسائر التي تكبّدها لبنان مقبولة نسبيًّا مقارنة مع ما يمكن أن تسبّبه عاصفة مماثلة من خسائر فظيعة، مؤكّدًا أنّ العاصفة لم تتسبّب بكوارث طبيعيّة وإنما بأضرار جاء معظمها نتيجة المعدل العالي للسيول. كما أشار إلى أن معظم الممتلكات المتضرّرة هي المتعدّية في بنائها على مجاري الأنهر والمياه ما يجعلها عرضة للخطر بشكل دائم.
أما بالنسبة إلى الأضرار التي لحقت بالمزروعات، فأشار إلى أن الرياح الشديدة قضت على عدد من البيوت البلاستيكيّة، على الرغم من أن معظم المزارعين اتخذ تدابير الحيطة بناءً على التحذيرات التي عمّمت عبر وسائل الإعلام في الأيام التي سبقت العاصفة، إضافة إلى الإرشادات التي رافقتها بشكل يومي. وأضاف السيد أفرام أن الثلج الذي يتساقط شتاءً على المرتفعات لا يؤذي المزروعات، وإنما انتقاله مع الصقيع إلى المناطق الساحليّة هو ما يؤذي الحمضيّات والموز والفاكهة الإستوائية.
وأوضح أن السيول والصواعق والرياح العاتية هي عوامل خطر على الأبنية والمنازل في أثناء العواصف، فالرياح تؤدي إلى قطع الأشجار وإلى انقطاع التيار الكهربائي، في حين تهدّد العواصف الرعدية أجهزة التقاط البث التلفزيوني (الدش) والإنترنت. أما السيول فتشكّل خطرًا كبيرًا على المنازل المبنيّة في المنخفضات وعلى مجاري الأنهر.
من جهة أخرى، أشار السيد أفرام إلى النتائج الإيجابية للعواصف الثلجيّة، فالثلج يقتل الحشرات الزراعية وفئران الحقل، كما يساعد الأشجار المثمرة لكي تعطي ثمرًا، إضافة إلى أهمّيته في زيادة مخزون المياه الجوفية الضرورية لمياه الشفة والري في أيام الصيف الحار.
العواصف الشتوية
تندرج العاصفة «أولغا» في خانة العواصف الشتويّة التي تضم إلى العواصف الثلجية، عواصف الجليد، وعواصف الرعد والأمطار. وتعتبر جميعها من الأخطار الطبيعيّة التي تتحوّل إلى كوارث طبيعيّة إذا ما خلّفت وراءها خسائر بشريّة وماديّة فادحة.
تجمع العواصف الثلجية العنيفة ما بين درجات الحرارة المنخفضة والتي تصل إلى ما دون درجة التجمد، والرياح العاتية التي تزيد سرعتها عن 100 كلم في الساعة، إضافة إلى تراكم الثلوج التي يمكن أن تتجمّع في مجروف ثلجي ضخم. وتتّسم هذه العواصف بآثارها السلبيّة على الإنسان والممتلكات والبنى التحتية. فقد يتسبّب تراكم الثلوج في انهيار طرقات وسقوط أشجار وانقطاع التيار الكهربائي.
«تنذكر ما تنعاد»...
شهدت عدّة مدن منذ التسعينيات وحتى اليوم، عواصف ثلجيّة مدمّرة خلّفت أضرارًا فادحة على المستويين البشري والمادي. من أبرز هذه العواصف:
- العاصفة الثلجيّة التي ضربت ولايات المسيسيبي وتينيسي وألاباما العام 1994، وتسبّبت بخسائر فاقت المليار دولار.
- العاصفة التي ضربت أميركا الشمالية العام 1998، وكانت الأعنف في تاريخ القارة. فقد تسبّبت بانقطاع التيار الكهربائي عن معظم الولايات الشرقية للولايات المتحدة. أما الضرر الفادح فقد وقع في مقاطعتي كييبك وأونتاريو الكنديتين، حيث بقي السكّان الذين يزيد عددهم عن الثلاثة ملايين نسمة من دون كهرباء لمدة تزيد عن الشهر والنصف وسط البرد القارص، بعد أن اقتلع الجليد جميع أعمدة الكهرباء ومعظم الأشجار. وقد انتدبت السلطات الكنديه 11 ألف عنصر من قوات الدفاع المدني لإيصال المعونة للسكان، فيما عمل الجيش على فتح الطرقات ورفع الأنقاض في عملية غير مسبوقة في تاريخ كندا بأكمله. خسرت كندا في هذه العاصفة ما قيمته مليار وربع المليار دولار، وقد عثر بعدها على الكثير من الجثث التي قضى أصحابها من جرّاء التجمّد.
- العام 2008، ضربت عاصفة جليدية بسماكة نصف إنش، شمال شرق الولايات المتحدة الأميركية فخلّفت ما يزيد عن المليون منزل ومعمل من دون كهرباء، عدا عن باقي الأضرار الماديّة. والعام 2009، ضربت عاصفه أخرى بسماكة إنشين ولايتي أركنساس وكنتاكي فتركت ما يقارب المليوني شخص من دون كهرباء وأدت إلى مقتل 55 مواطنًا في أركنساس و24 في كنتاكي نتيجة التجمد إلى حد الموت.
- ضربت موسكو العام 2010 عاصفة ثلجية، فسبّبت الكثير من الحوادث عدا عن أنها تسبّبت في إقفال المطارات وعطّلت خطوط السكك الحديد فشلّت الحركة في جميع أنحاء المدينة، عندها أصبحت أجرة الساعة الواحدة في سيارة التاكسي ما يزيد على 3 آلاف دولار أميركي.
إرشادات وتحذيرات
في أثناء العواصف الثلجية، يتعرّض المواطنون أحيانًا لحوادث خطيرة ناتجة عن عدم الوقاية والحيطة. في ما يلي بعض الإرشادات التي تقي من مخاطر الثلج والرياح في المنزل وعلى الطريق.
• إرشادات خاصة بالمزارعين:
- تدعيم البيوت البلاستيكية وإحكام إغلاقها، إضافة إلى تأمين تدفئتها قبل تراكم الثلوج.
- تشحيل الأشجار المثمرة والكرمة، وتدعيم سقالاتها عند الحاجة.
- قطف الحمضيّات قبل هبوب العواصف منعًا لتساقط الثمار.
- وضع مانع التجميد (Antigel) في مبرّد الجرارات الزراعية (Radiateur) والمولدات الكهربائية ومضخَات المياه.
- تدفئة المزارع وتخزين كمّية العلف الضرورية لمدّة أسبوع على الأقل.
• تحذيرات للمواطنين:
- وضع مانع التجميد (Antigel) في مبرّد السيارات (Radiateur).
- عدم سلوك الطرقات الجبلية إلّا عند الضرورة وبالسيارات الرباعيّة الدفع أو المجهّزة بالسلاسل المعدنية.
- عدم سلوك الطرقات التي تتعرض للسيول، والحذر من الإنهيارات الترابية والإنزلاقات.
- تزوّد المواد الغذائية والمياه، إضافة الى الأغطية والقبعات والقفازات عند سلوك الطرقات الجبلية.
- الإبتعاد عن خطوط الكهرباء والأشجار واللوحات الإعلانية عند هبوب الرياح القويّة، إضافة إلى تثبيت الأشياء التي يمكن أن تتطاير عن الأسطح والشرفات.
- تجهيز المنازل الجبلية بالمواد الغذائية والمياه ولوازم التدفئة قبل هبوب العاصفة، مع الإنتباه إلى تهوئة المنزل عند استخدام وسائل التدفئة التي تعمل على الغاز أو الحطب، وعدم إبقاء المدفأة مشتعلة في أثناء الليل منعًا للإختناق بفعل ثاني أوكسيد الكربون.
بين الصح والخطأ
• للأمطار والعواصف تأثير على استقبال الصحن اللاقط (الدش):
صحيح، فهي ئؤثّر على الموجات الراديوية بكل أشكالها وتختلف درجة التأثير وفق كثافة السحب وغزارة هطول المطر الذي يسبب ما يسمى وهن الأشاره (Signal Fade) والذي تختلف حدّته بحسب نطاق التردد وقوة الإشارة، حيث أن الترددات التي تكون في نطاق الـ Ka تكون الأشدّ تأثراُ ويليها Ku ثم C ثم الـ S.
• لا يجوز استخدام الهاتف في أثناء العواصف:
خطأ، فاستخدام الهاتف لا يسبب أي ضرر، والمشكلة الوحيدة هي انقطاع الخطوط السلكية واللاسلكية بفعل العاصفة.
• يمكن للصواعق أن تحدث أضرارًا بالغة في الأدوات الكهربائية:
صحيح، لذلك يستحسن عدم تشغيل أي منها في أثناء العواصف الرعدية، وسحب الشريط من مفتاح الكهرباء منعًا للتسبب بتلف في الجهاز.
• يجب البقاء في السيارة في حال حوصرت بالثلج وتشغيل التدفئة باستمرار للوقاية من البرد:
خطأ، فتشغيل التدفئة المتواصلة من دون تهوئة السيارة يؤدي الى الإختناق، كما يؤدي إلى نفاذ الوقود، لذا فمن المستحسن إيقاف التدفئة بين الحين والآخر، والإتصال بأرقام الطوارىء طلبًا للمساعدة.
مطبوخ الأرمن والصليبيات
من بين المعتقدات الشعبية السائدة والمتعلّقة بالتوقعات المناخية، التقويم الفلكي المعروف بـ«مطبوخ الأرمن»، وهو نتيجة دراسة وأبحاث الرهبان المخيتاريين الأرمن النازلين في مدينة البندقية بشمال إيطاليا، وتشمل توقعاته التغيرات الجوية السنوية حول محيط البحر الأبيض المتوسط مع بعض الفروقات، نظرًا إلى التفاوت بين المواقع الجبلية والساحلية.
وثمة حسابات أخرى لتوقع الأحوال الجوية تعرف بـ«الصليبيات»، إذ كان الناس يراقبونها في الأيام التي تلي عيد الصليب، ويبنون حساباتهم للطقس على أساسها.
عن هذه المعتقدات السائدة يقول السيد افرام إن هذه التوقعات الشعبية غير دقيقة، قد يصدف أن تنجح أحيانًا من دون أن يجعل ذلك منها قاعدة موثوق بها. ويضيف أن التغيرات المناخية التي يشهدها العالم بأسره تجعل التوقّع المسبق لحالة الطقس عملية دقيقة تنحصر بالمراصد العلمية، علمًا أن الأخيرة لا يمكن أن تعطي توقعات لأبعد من الأيام الأربعة التي تلي التقرير، أو لأسبوع على أبعد تقدير.