- En
- Fr
- عربي
إقتصاد ومال
تراوح بين 10 و20 في المئة أما أزمة السكن فمكانها تراوح
تعتبر أزمة السكن معضلة وطنية خطرة، لأنها تهدّد الإستقرار الإجتماعي، وتضعف الإستقرار الإقتصادي، وتزعزع الإستقرار الأمني.
وهذه الأزمة مرشّحة للتفاقم في ظل بقاء أسعار الشقق في المستويات العالية، وإن كانت السوق قد شهدت نوعًا من الهدوء وقليلاً من التراجع بعد فترة من الجنون في السنوات الأخيرة. ما هو واقع الأسعار اليوم وفي أي إتجاه يمكن أن تسير وفق المعطيات المتوافرة، وما الحلول الممكنة لأزمة السكن؟
العودة إلى المنطق بعد موجة الجنون
يرى رئيس جمعية منشئي وتجار الأبنية في لبنان إيلي صوما أنّ الارتفاع المبالغ به الذي شهدته السوق بين العامين 2005 و2010 لم يكن خياليًا، ويدعو إلى الإطلاع على أسعار العقارات في الدول المجاورة، حيث ارتفعت في الأردن وسوريا، على سبيل المثال، من 5 إلى 9 أضعاف في السنوات الأخيرة. مشيرًا الى إنّ الأسعار سترتفع أكثر في الأيام القادمة.
مدير عام شركة رامكو (العقارية) السيد رجا مكارم يوضح أن «السوق العقاري هادىء اليوم، فالحركة العقارية التي شهدتها الأسواق في السنوات الخمس الأخيرة انحسرت إلى حد ما. علمًا أنّ هناك تمايزًا بين سوق الشقق السكنية وبين سوق الأراضي، إذ توقّفت أسعار الأولى عند مستويات العام 2010 ولم تنخفض، بينما الثانية استمرت في الصعود، ولكن بنسب ضئيلة وعمليات بيع قليلة».
ويضيف: «أمام جنون الأسعار، إمتنع الناس عن الشراء، الأمر الذي دفع المطوّرين إلى تخفيض الأسعار العالية والإبقاء على الأسعار العادلة والمنطقية».
ويعتبر مكارم أنه «من الأفضل إستعمال كلمة تصحيح أسعار بدلاً من كلمة «إنخفاض»، فمن كان يريد أن يبيع الشقة بمليون دولار وخفّض السعر إلى 800 ألف دولار، هو في الواقع لم يخفّضه بل عاد إلى المنطق، وبهذا المعنى حصل تصحيح تراوح نسبته بين عشرة وعشرين في المئة».
ويشير إلى «ركود في حركة البناء بدليل وجود «ستوك» كبير في سوق الشقق السكنية، موضحًا أن نسبة مبيع الشقق في المشاريع قيد الإنشاء كانت تسجّل مئة في المئة بين 2005 و2010، أما اليوم فهي لا تتجاوز الـ60 في المئة في الكثير من المشاريع التي شارفت الإنتهاء».
ويستنتج السيد مكارم من هذه المعطيات أن «الفقاعة العقارية التي تنبّأ بها الكثيرون لم تتحقق، وأن القطاع العقاري ما زال يستقطب مستثمرين. لكن ما يجري الآن هو أنّ من يريد أن يشتري يطلب الشراء بسعر أقل بكثير مما هو معروض، ومن يريد أن يبيع يقول إنّه لن يخفض سعره، والطرفان ينتظران، ما سيؤدي إلى إطالة الجمود، ربما وصولًا إلى نهاية الصيف الجاري».
وعن تأثير الظروف السياسية والأمنية على القطاع قال مكارم: «من الطبيعي أن تكون ظروف المنطقة العربية غير مؤاتية للإستثمار، وبالتالي فإن أي تحسّن في هذه الظروف سوف ينعكس إيجابًا على الإقتصاد اللبناني، وسوف يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بوتيرة محدودة.
والجدير بالذكر هنا أن أهم تغيير حدث في السنوات الست الأخيرة (2006-2012)، هو إنخفاض عدد عمليات الشراء من قبل الأجانب، ولا سيما الخليجيين منهم، بسبب الأزمة المالية والوضع السياسي الإقليمي والداخلي».
وختم بالقول «إن هدوء الأسواق العقارية مفيد للجميع، مشترين ومطوّرين، خصوصًا وأن الأزمة الإجتماعية مرتبطة بالقدرة الإنتاجية والرواتب، وهناك هوّة كبيرة بين مدخول الفرد والحاجة المعيشية وتملّك مسكن...
والحل يكمن أولًا وآخرًا بالإستقرار السياسي والأمني، الذي يجعل جميع الحلول متاحة».
«أزمة السكن إلى التفاقم»
يؤكد الخبير الإقتصادي الدكتور غازي وزني أنّ «تفاقم أزمة السكن يعود الى عدة عوامل، منها، تضاعف أسعار العقارات ما جعل فئة واسعة من الأسر اللبنانية عاجزة عن إيجاد مسكن لها، كما دفع بفئة أخرى الى الخروج من العاصمة والتوجّه الى السكن في المناطق المجاورة والبعيدة. ومن الأسباب أيضًا ضعف سوق الإيجار وارتفاع كلفة المساكن المعروضة، إضافة إلى حاجة قطاع الإسكان سنويًا إلى أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية جديدة لتغطية حاجات الأسر، ناهيك عن التفاوت الحاصل بين مداخيل الأسر وكلفة الإسكان، وتزايد الطلب على السكن في العاصمة والمناطق المجاورة، وغياب القوانين والتشريعات المحفزة للإيجار والتي تحدّ من ارتفاعات الأسعار، وإفتقار الدولة الى الاستراتيجية الاسكانية او للتخطيط المدني».
ويعتبر وزني أن «حلّ أزمة السكن يحتمّ اتخاذ عدة إجراءات في طليعتها الإجراءات القانونية، حيث لا بدّ من وضع قانون جديد للإيجارات يحفظ من ناحية حقوق أصحاب الملك الذين لا يفيدون من ملكيتهم بشكل منصف وعادل، وليست لديهم القدرة أو الرغبة في ترميم مبانيهم، كما يحفظ من ناحية أخرى حقوق أكثر من 170 الف عائلة مستأجرة.
كما أن إقرار مشروع جديد للإيجار التملكي يعدّل القانون الرقم 767 (تاريخ 11/11/2006)، يلبّي من جهة حاجات فئة واسعة من الطبقة المتوسطة والمحدودة الدخل، ومن جهة أخرى يلبّي حاجات المستثمرين والمقاولين، إذ يتضمن إجراءات تحفيزية على صعيد الإعفاءات الضريبية والضمانات والتسهيلات وزيادة عامل الاستثمار...».
كما تحدّث عن إجراءات تتعلّق بقروض الإسكان، معتبرًا أن «إعتماد الحكومة والمصرف المركزي سياسة منح القروض الإسكانية المدعومة، ساهم في رفع قيمة القروض السكنية في نهاية العام 2011 بنسبة 32.6 في المئة مقارنة بالعام 2010، لتبلغ نحو 6 مليارات دولار. ومن الضروري والملحّ منح القروض السكنية المدعومة للطبقة المتوسطة والمحدودة الدخل وليس للتجار والمضاربين. وكذلك، بناء مجمعات سكنية على مشاعات الدولة والبلديات بالتمويل الذاتي أو بالشراكة مع القطاع الخاص، تكون مخصصة لذوي الدخل الضعيف والمتوسط. ومن شأن هذا الإجراء توفير آلاف المساكن للأسر وفي جميع المناطق. وفي الإطار نفسه فإن تطوير البنية التحتية في المناطق (طرق، كهرباء، مياه، اتصالات...) يدفع المقاولين والمستثمرين إلى تشييد مبانٍ بأسعار مقبولة خارج العاصمة تتناسب مع مداخيل الطبقات المتوسطة والضعيفة الدخل. وهناك ضرورة لزيادة عامل الإستثمار في بعض المناطق والعاصمة بنسب تراوح بين 30 و50 في المئة لمدة ثلاث سنوات مع إجراء تعديلات في قوانين البناء (المساحات والارتفاعات...)».
وفي ما يخص الإجراءات الضريبية، رأى أنّ «هناك ضرورة لإدراج ضرائب تحدّ من إرتفاع أسعار العقارات، وأخرى هدفها التحفيز على البناء والإسكان، مثل إدراج ضريبة على الأراضي غير المبنية وتطبيق الضرائب على الشقق الشاغرة على غرار الشقق الشاغلة...».
وختم الدكتور وزني بالقول «إن أزمة السكن متجهة في المرحلة المقبلة الى التفاقم، لذلك، يجب أن تكون من أولويات الحكومة، حفاظًا على الإستقرار الإجتماعي والإقتصادي والأمني».
الأسعار بين المنطق والجنون
كان ثمن الشقة العادية، ذات الأربع غرف، في منطقة شعبية مثلاً، يراوح بين 25 و35 ألف دولار في منتصف التسعينيات، وفي مناطق أخرى كان ثمن الشقة نفسها يبلغ الضعفين، بحسب المنطقة والمواصفات.
استمرّ الارتفاع التدريجي و«العادي»، ضمن النسب المعقولة، بوتيرة عشرة إلى عشرين في المئة سنويًا. وكانت تمرّ أشهر من الركود فتتجمّد الأسعار ثم تعود إلى الارتفاع.
منذ 2005 بدأت الأسعار ترتفع بشكل غير مسبوق، ولامس الإرتفاع ذلك العام الثلاثين في المئة. فالشقة ذات الغرف الأربع، على سبيل المثال، بلغ ثمنهـا أكثر من 60 ألـف دولار في المناطق الشعبية، والضعفين في مناطق أخرى، واستمرّ الارتفاع إلى أن وقعت حرب تموز 2006.
العام 2007 تعاظم الإرتفاع بدلاً من أن يعود إلى وتيرته العادية، وتجاوز الثلاثين في المئة. ومع إرتفاع أسعار مواد البناء في العالم كلّه، وارتفاع أسعار المحروقات، وارتفاع سعر صرف اليورو بإزاء الدولار إلى مستويات قياسية، استمرّ الارتفاع في أسعار الشقق إلى بداية 2008 حيث بلغ خمسين في المئة.
واستمرّ الارتفاع بشكل شهري، حتى إن بعض المطوّرين (تجار البناء) توقّف عن البيع طمعًا بتحقيق أرباح خيالية، الأمر الذي يؤكده بعض المهندسين.
على مشارف الأزمة العالمية بدأت الأسعار تتجمّد، لكن من دون أن تنخفض إذ بدأ الهدوء يعود بعد «همروجة الجنون»، وصار طلاب الشراء يسألون عن عقارات بأسعار منطقية، وهذا حقّهم، لأنّ المطورين كانوا قد بالغوا في أسعارهم إلى درجة الجنون.
ما يجري اليوم هو انخفاض ولكنه ليس حقيقيًا أو بالأحرى هو تصحيح لخطأ فالأسعار بدأت تعود إلى المنطق في عملية خفّضت الأسعار بنسبة تراوح بين عشرة وعشرين في المئة.