- En
- Fr
- عربي
قانون دولي إنساني
بعيدًا من القانونية، سنعود في هذا المقال إلى محطات في التاريخ العسكري، ونتوقف عند أحداث ومعارك حربية، لنستعرض كيف تصرّف خلالها قادة احترموا الإنسانية باحترامهم لقواعد سير العمليات العدائية، وكيف تصرّف آخرون أهملوها، ففقدوا بذلك احترام التاريخ والبشرية.
فعلى مرّ العصور نجد قادة ثبتوا أقدامهم بين صفوف الفرسان والنبلاء، كما نجد آخرين اختاروا بأفعالهم، إمّا عن عمد أو عن إهمال، أن ينتقلوا إلى صفوف القتلة والسفاحين.
على كل جندى تحت العلم أن يتذكر دائمًا وأبدًا أنه «مقاتل وليس قاتلًا».
الأعراف الحربية في الأزمنة الغابرة
حتى في الأزمنة القديمة كانت الحرب تشنّ بما يتفق والممارسات والاتفاقيات التي تحترم الاعتبارات الإنسانية لحماية المشاركين فيها. ورغم أن تلك الأعراف قد تم تبنيها بشكل رئيس لأغراض عملية أو تكتيكية أو اقتصادية، فإن الآثار الناتجة عنها كانت إنسانية وحميدة. على سبيل المثال، فإن حظر تسميم الآبار هو أحد الأعراف القديمة جدًا، وكان سائدًا في القانون الأفريقي التقليدي. كانت تلك القاعدة عملية وتفيد طرفي النزاع, فقد تحتاج أنت نفسك إلى الماء في يوم من الأيام. وعلى نحو مماثل، كان محظورًا قتل أسرى الحرب لضمان توافر العبيد في المستقبل أو طلب فدية أكثر. هذه الأعراف، وممارسات أخرى مماثلة، وجدت في ثقافات ومناطق وحضارات متباينة، تباين آسيا وأفريقيا وأميركا ما قبل كولومبس وأوروبا. وفي ما يلي أمثلة أخرى على ذلك.
تضمنت الملحمة الهندية القديمة ماهابهاراتا (400 ق.م.) وقوانين مانو، نصوصًا حظّرت قتل العدو الذي استسلم، وحرّمت استخدام وسائل معيّنة في القتال، مثل السهام المسمومة أو الحارقة، ونصت على حماية ممتلكات العدو وأسرى الحرب.
كذلك، أقرّ الدين الإسلامى المتطلبات الإنسانية الأساسية خلال الحروب. فقد وضع الرسول محمد (صلعم)، الذي كان هو نفسه قائدًا عسكريًا، قواعد صارمة لإدارة القتال، تتضمن احترام المحاربين المهزومين والنساء والأطفال والممتلكات. كذلك اشترط الخليفة أبو بكر (632 ميلادية) أول الخلفاء الراشدين على قادته، ألّا تلطخ دماء النساء والأطفال والشيوخ انتصارهم، وألّا يدمروا نخلة وألّا يحرقوا المنازل والحقول وألّا يقطعوا أي أشجار مثمرة، وألّا يذبحوا أي أسراب من الطير أو قطعان من الماشية، إلّا ما هو ضروري لطعامهم. وفي أقصى الشرق تضمنت البوشيدو، وهي لائحة الشرف لفرق المحاربين في اليابان في العصور الوسطى، قواعد ونصوصًا عديدة لاحترام الإنسانية في أثناء المعركة.
ويقول فيلسوف الحرب البروسي كارل فون كلاوزفيتز: «إذا وجدنا أن الأمم المتحضرة لا تقتل أسراها ولا تدمّر المدن والبلدان، فإن هذا يعود إلى أن ذكاءهم يؤثّر بشدّة على الطريقة التي يحاربون بها، وأنه قد علّمهم وسائل أكثر فاعلية في استخدام القوة من الأفعال الوحشية الفجّة».
التناسب
يقدّم جيم ماسترز مثالًا على احترام قاعدة التناسب. ففي العام 1945 كانت كتيبته قد أتمت هجومًا ناجحًا على موقع يدعى «منزل بيد» في العراق، وشوهدت قوارب للعدو تم إنزالها إلى القنوات الداخلية القريبة من الموقع. كانت الكتيبة على وشك طلب دعم من المدفعية، لقصف القوارب ولكن القائد ماسترز أمر بالانتظار لأنه قد يكون هناك نساء وأطفال على متن تلك القوارب. وسواء كانت القوارب تحمل النساء والأطفال أم لا، فهي بالتأكيد تحمل جنودًا للعدو. على الرغم من هذا، أصدر القائد أوامره بعدم إطلاق النار، وتصرف بطريقة صحيحة من الوجهة القانونية. فقد افترض وجود مدنيين في تلك القوارب إضافة إلى جنود العدو، واستخلص أن قتل أولئك المدنيين لم يكن ليتناسب مع المكسب العسكري الذي سيتحقق بقتل جنود العدو الذين لم يعودوا يمثلون أي خطر فوري على وحدته. لقد قام بتطبيق مبدأ التناسب.
الأعيان الثقافية
- الحرب العالمية الثانية: أعطى الحلفاء أثناء العمليات الحربية التي دارت في إيطاليا، تأكيدات متعددة بأنهم سوف يحترمون الكنائس والمؤسسات الدينية، بشرط ألّا تكون مستخدمة لأغراض عسكرية. وشملت قائمة المباني المتمتعة بالحماية دير القديس بنيدكتي القديم في مونت كاسينو، الذي أعطت السفارة الألمانية في الفاتيكان بدورها تأكيدات بأن القوات الألمانية لن تستخدمه. وفي التاسع والعشرين من كانون الأول 1943 ، أصدر الجنرال إيزنهاور أمرًا لكل القادة العسكريين يلفت انتباههم فيه إلى أهمية الآثار الثقافية في إيطاليا، ولكن إذا تحتم المفاضلة بين المباني وأرواح الجند، فإن البقاء للجنود أولى وعلى المباني أن تذهب. وكانت القوات الألمانية قد أدرجت سلسلة التلال المقام عليها الدير في خطة دفاعاتها، لكنها أعطت تعليماتها بألّا يستخدم الدير نفسه لأغراض عسكرية. وعلى الرغم من ذلك اتخذ الحلفاء قرارًا بقصف الدير بالقنابل والمدافع. وكان القرار قد بُنيَ على تقارير استخبارية خاطئة عن رؤية مدافع رشاشة وهوائيات وتلسكوبات وتحركات لقوات العدو داخل الدير، إضافة إلى افتراض أن الدير ذو موقع مثالي لعمل مركز مراقبة لا يمكن لأي جيش أن يتردد في استخدامه. وفي الخامس عشر من شباط (1943) تمّ قصف الدير بالقنابل والمدفعية، ما أسفر عن تحويله إلى ركام ومصرع حوالى 400 من اللاجئين المدنيين الذين كانوا يحتمون به، في حين لم يقتل أحد من الجيش الألمانى.
المصدر: إيه. بي. في روجرز، القانون على أرض المعركة، مطبعة جامعة مانشستر 1996، صفحات 54-55.
- حرب الخليج، 1991: استخدمت حكومة العراق الأعيان الثقافية لحماية أهداف عسكرية يحق للخصم مهاجمتها. وكان النموذج التقليدي لذلك هو وضع طائرتين مقاتلتين بجوار معبد أور على أساس الاعتقاد بأن قوات التحالف سوف تحترم الحماية المكفولة للأعيان الثقافية، وتمتنع بالتالي عن الهجوم على هذه الطائرات.
المصدر: تقرير أميركي/ بريطاني حول إدارة حرب الخليج.
- حرب يوغوسلافيا السابقة: كانت دوبروفنيك واحدة من أجمل المدن المحاطة بأسوار بالغة الدقة والجمال في أوروبا، إضافة إلى أنها تعدّ موقعًا تراثيًا عالميًا. وفي السادس من كانون الأول 1991 ضُرِبت دوبروفنيك بأكثر من خمسمائة صاروخ، ما أدّى إلى تدمير 45% من مبانها القديمة و10% من قصر ريكتور الذي يعود إلى القرن الخامس عشر، إضافة إلى إصابة كنيسة سانت سيفيور بأضرار بالغة.
المصدر: إيه. بي. في روجرز، القانون على أرض المعركة، مطبعة جامعة مانشتسر، 1996 ص84.
البيئة الطبيعية
- الحرب الفيتنامية (بين 1965 و1975): قامت طائرات الجيش الأميركي برش ملايين الأطنان من المواد الكيميائية المبيدة للأعشاب على أدغال فيتنام، بهدف حرمان قوات الفيتكونغ وجيش فيتنام الشمالية من الاختباء فيها. وأسفرت هذه الاستراتيجية عن إزالة كل أنواع النبات في مناطق شاسعة من مقاطعة كوانج تري وفي قطاع عريض من الأرض في مقاطعة تاي نينه غربي سايغون. وبعد وقت قليل من انتهاء الحرب الفيتنامية، اتضح أن عددًا لا يستهان به من المحاربين الفيتنامييين والمدنيين مصابون بسرطانات الغدد اللمفاوية والجلد. وأرجعت مراكز علاج المرض في وقت لاحق السبب إلى المواد الكيميائية التي تمّ رشها سابقًا.
المصدر: إم بيري وإي مايلز في جرائم الحرب: ماذا يجب أن يعرفه الجمهور، آر جوتمان و دي ريف )محررون(، دبل يو دبل يو نورتون وشركاؤه، نيويورك/ لندن صفحة 132.
- حرب الخليج، 1991: في كانون الثاني، فتح العراق صمامات الزيت في نهاية خط النفط بالجزيرة البحرية بالكويت، إضافة إلى نهاية خط ميناء البكر في العراق، ما أدى إلى تدفق نفطي هائل في الخليج. وفي شباط من العام نفسه قام بتخريب مئات من آبار النفط الكويتية وأشعل النار في أكثر من خمسمائة بئر، ما نجم عنه تسرّب يومي هائل لثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النتروز وثاني أكسيد الكربون. وتسببت سحب الدخان البالغة الكثافة في أن تعيش مدينة الكويت في ظلام دامس استمر لعدة أسابيع بعد ذلك. وامتدت سحب الدخان إلى الهند وهطلت أمطار سوداء على مسافة ستمائة ميل على تركيا وتساقطت ثلوج سوداء على منطقة جبال الهملايا. وقد وصفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) حرائق النفط في الكويت بأنها أكبر كارثة بيئية منذ انفجار مفاعل تشرنوبيل.
المصدر: إيه. بي. في. روجرز، القانون على أرض المعركة، مطبعة جامعة مانشتسر، 1996، صفحات 120-121.
المناطق الآمنة
- الحرب الصينية – اليابانية، 1937: اتفقت كل من الصين واليابان على إقامة مناطق لجوء للمدنيين في شمال الصين. وقد احتُرِمت هذه المناطق بشكل عام. فعلى سبيل المثال، أُخْلِيَت في تشرين الثاني 1937 مقاطعة نانتاو من كل القوات ومصانع الذخائر، وغير ذلك من المنشآت العسكرية، وعُلِّمَت حدودها بالرايات. وقد لجأ ما يقارب من ربع مليون صيني إلى هذا الملاذ المحمي الذى أخلي من كل الاهداف العسكرية.
المصدر: واي ساندوز: إقامة مناطق آمنة للأشخاص النازحين داخل بلادهم الأصلية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جنيف 1995.
وفي جمهورية الدومينيكان، أقيمت منطقة آمنة دولية (1965) في سانت دومنجو خلال قتال نشب هناك. ومن أجل إنشاء هذه المنطقة تعاونت الأطراف المتحاربة مع كل من الولايات المتحدة الأميركية ومنظمة الدول الأميركية (OAS).
المصدر: واي ساندوز، إقامة مناطق آمنة للأشخاص النازحين داخل بلادهم الأصلية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جنيف 1995.
- حرب فيتنام، 1975: تمكّنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العام 1975 من إقامة منطقة مُحيَدة في بنوم بنه بكمبوديا خلال المعركة النهائية الحاسمة للاستيلاء على هذه المدينة. وسُمِح لنحو ألفين من الأجانب باللجوء إلى فندق لي بنوم الذي حددت فيه واحْتُرِمَت المنطقة المتفق عليها.
المصدر: واي ساندوز، إقامة مناطق آمنة للأشخاص النازحين في أوطانهم الأصلية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جنيف 1995.
الأشغال الهندسية والمنشآت الحيوية المحتوية على قوى خطرة
- حرب فيتنام، 1972: خططت الولايات المتحدة لشن هجوم على المحطة الكهرومائية لتوليد الكهرباء في لانج تشي والتي تزود هانوي بنحو 75% من احتياجاتها الصناعية والدفاعية. إلا أن التقديرات أشارت إلى أن ما يقارب ثلاثة وعشرين ألفًا من المدنيين قد يلقوْن حتفهم إذا ما انهار السدّ الموجود في المنطقة من جراء هذا الهجوم. وقال المستشارون العسكريون للرئيس الأمريكي نيكسون إن استخدام القنابل الموجهة بأشعة الليزر يعطي العملية نسبة نجاح تصل إلى 90% ومن دون تدمير السدّ. وافق الرئيس نيكسون على شن الهجوم على هذا الأساس، وتم فعلًا تدمير محطة توليد الكهرباء بنجاح، من دون إلحاق الأذى بالسدّ وبالتالي تمّ الحفاظ على أرواح المدنين.
المصدر: باركس، الحرب الجوية، صفحات 168-169.
- يوغسلافيا السابقة، 1993: سدّ بيروكا هو عمل إنشائي ضخم، وكان قبل تفكّك يوغسلافيا يعدّ ثاني أكبر مجمع كهرومائي فيها. وقد سيطرت عليه قوات الصرب منذ بداية الحرب في العام 1991. كانت القوات الكرواتية تحشد صفوفها لشن هجوم على بيروكا حيث يحتجز السدّ أمامه كمية هائلة من المياه مقدارها ستمائة وواحد وأربعون مليون مترًا مكعبًا، تمثّل خطرًا داهمًا وقاتلًا على سكان مدينة أومنيس الواقعة في اتجاه مجرى النهر على مسافة نحو أربعين كيلومترًا من السدّ. وفي 28 كانون الثاني 1993، قامت قوات الصرب المسيطرة على السدّ بتفجير ما بين ثلاثين وسبعة وثلاثين طنًا من المتفجرات في أجزاء مختلفة منه. هزت الانفجارات السدّ من أساسه، إلّا أنه ظل صامدًا في مكانه. ولو نجحت التفجيرات في فتح ثغرات فيه، لكانت كتلة بالغة الضخامة من الماء قد اندفعت بسرعة هائلة إلى الأخدود، لتجتاح جميع القرى أسفل النهر، وتزيل من الوجود أومنيس. ولحسن حظ سكان أومنيس نجح الهجوم الكرواتي المضاد، وعندما وصل فريق من المهندسين العسكريين الكروات إلى السدّ قاموا بفتح بوابات التحكم لتصريف المياه وخفض مستواها، وبالتالي تمّ تخفيف الضغط على جدار السدّ. إن ما قام به هذا الفريق من عمل، بالاشتراك مع النقيب مارك جراي (ضابط بريطاني يعمل مع الأمم المتحدة كمراقب عسكري)، كان على الأرجح من أسباب إنقاذ أرواح ما بين عشرين ألفًا وثلاثين ألفًا من السكان.
المصدر: إيه راثفيلدر في جرائم الحرب: ماذا يجب أن يعرفه الجمهور، آر جوتمان ودي. ريف )محررون(، دبل يو دبل يو نورتون وشركاؤه، نيويورك/ لندن، صفحة 116.
شارات الصليب الأحمر
- نيكاراغوا، 1997: نشرت مجلة نيوزويك الأميركية الأسبوعية في عددها الصادر في أول حزيران 1997، مقالًا حول القوات الثورية المناوئة للحكومة في نيكاراغوا بعنوان «الكونترا الجدد»، واحتوت المقالة على صورة فوتوغرافية تظهر مجموعة من الجنود يهبطون من الطائرة وهم يحملون شارة الصليب الأحمر. وذكر التعليق على الصورة أن الطائرة المروحية كانت تحمل في واقع الأمر إمدادات عسكرية.
المصدر: فتشنياك، لوموند، 19 يونيو/ حزيران 1987.
انتقاء الأهداف: الاستخدام المزدوج للأعيان المدنية
- حرب الخليج، 1991: كان على قوات التحالف مهاجمة كل قطاعات نظام الاتصالات العراقي حتى يتم تدمير نظام القيادة والسيطرة الضروري لنظام الدفاع الجوي المتكامل وللقوات البرية في العراق. وهو كان مركزيًا جدًا، بحيث لم يكن مسموحًا للقادة العسكريين بالقيام إلّا بما تأمرهم به السلطات العليا. لذلك، فإن تدمير قدرات نظام القيادة والسيطرة كان هدفًا حيويًا لقوات التحالف لمنع القوات العراقية المقاتلة غير القادرة على الردّ بسرعة على مبادرات هذه القوات. وكانت الجسور فوق نهر الفرات تحتوي وصلات متعددة من الألياف الضوئية التي توفر للقيادة العليا اتصالات مضمونة بقواتها الجنوبية. وقد قطعت الهجمات التي شنت على تلك الجسور وصلات الاتصالات الآمنة تلك، وقيدت حركة القوات العسكرية العراقية. في المقابل، كان المدنيون الذين يستعملون الجسور في وقت الهجوم عرضة لخطر الإصابة بشكل عارض نتيجة للهجوم المشروع على تلك الأهداف. وبالفعل، أدت الهجمات ذات الاستخدام المزدوج إلى نتائج مؤسفة على صعيد الإصابات المدنية. فقد قتل في الناصرية 100مدني، وفي الفلّوجة 130مدنيًا، وفي سامافا قتل أيضًا أكثر من 100 مدني.
المصدر: تقرير الولايات المتحدة / المملكة المتحدة عن إدارة حرب الخليج.
الدروع البشرية
أحد أسباب إلحاق الضرر الإضافي بالأعيان المدنية وإصابة المدنيين في أثناء عملية عاصفة الصحراء هو سياسة الحكومة العراقية التي استخدمت عن عمد المدنيين العراقيين والكويتيين والأعيان المدنية، كدروع للأهداف العسكرية. فقد تمّ وضع الأصول العسكرية كالأفراد والأسلحة والمعدات في مناطق آهلة بالمدنيين وبالقرب من الأعيان المحمية، كالمساجد والمنشآت الطبية والمواقع الثقافية، وذلك في محاولة لحمايتها من الهجوم. وللغرض نفسه تمّ نشر الطوافات العسكرية العراقية في المناطق السكنية، وتمّ تخزين الإمدادات العسكرية في المساجد والمدارس والمستشفيات (في العراق وفي الكويت). على نحو مماثل، تم العثور على مخزون من صواريخ «سلك وورم» العراقية داخل مدرسة في منطقة مأهولة في مدينة الكويت. كذلك اكتشف مفتشو الأمم المتحدة معدات لإنتاج القنابل الكيميائية في مصنع للسكر في العراق، حيث تمّ نقل المعدات إلى الموقع للهروب من الضربات الجوية للتحالف. من الطبيعي أن هذا الخلط المتعمد بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية يعرّض السكان المدنيين الذين يقيمون في الجوار ويعملون في تلك الأعيان المدنية أو يستخدمونها، لخطر الهجمات العسكرية المشروعة على تلك الأهداف العسكرية.
المصدر: تقرير الولايات المتحدة / المملكة المتحدة عن إدارة حرب الخليج.
- يوغوسلافيا السابقة: في مواجهة تهديدات حلف شمال الأطلسي بالقصف، قامت قوات صرب البوسنة بأخذ عدد من جنود الأمم المتحدة واحتجازهم كدروع بشرية. بيّنت اللقطات التلفزيونية في ذلك الوقت الجنود الكنديين وقد تم ربطهم بسلاسل في باب مصنع للذخيرة. كما تمّ تقييد ضابط بولندي بالأصفاد خارج موقع للرادار. وفي حالة أخرى، أمضى ضابط أسباني عشرة أيام جالسًا وسط ممر للإقلاع في القاعدة الجوية الرئيسية لصرب البوسنة على أمل ألّا يقوم حلف شمال الأطلسي بتحدي الصرب. وقد نفّذ حلف شمال الأطلسي حملة القصف التالية التي أدت إلى عقد اتفاق دايتون، عندما لم يعد جنود الأمم المتحدة عرضة للأسر.
المصدر: التغطية الصحفية والتلفزيونية في ذلك الوقت.
الاستخدام غير المناسب لملابس العدو
- الحرب العالمية الثانية، محاكمة أوتو شورزيني وآخرين: «كان المتهمون العشرة في تلك المحاكمة كلهم ضباط في اللواء 150 المدرع التابع للجيش الألماني الذي يتولى قيادته المتهم شورزيني. وقد تمّ اتهامهم بالاستخدام غير المناسب للملابس الأميركية بالاشتراك في القتال متخفين فيها، وإطلاق النار غدرًا على أفراد القوات المسلحة التابعة للولايات المتحدة وقتلهم». كذلك تمّ اتهامهم بالمشاركة في الحصول بغير حق، من معسكر لأسرى الحرب، على الملابس العسكرية الخاصة بقوات الولايات المتحدة وطرود الصليب الأحمر الموجهة إلى أسرى الحرب الأميركيين. كان على القوات الخاصة التابعة لشورزيني اختراق الخطوط الأميركية كجزء من الهجوم على الأردين، وقد أمروا بارتداء الملابس العسكرية الأميركية ومهاجمة أهداف محددة في الخطوط الخلفية للعدو. تلقّى اللواء الخاص الذي نفّذ المهمة، تدريبًا على اللغة الإنجليزية وعلى قواعد التصرف وقيادة المركبات واستخدام الأسلحة الأميركية. وفي أثناء العمليات التي تلت، شاهد عدة شهود أفراد من لواء شورزيني يرتدون الملابس العسكرية الأميركية، ولكن الأدلة تضمنت حالتين فقط للقتال الفعلي في أثناء ارتداء هذه الملابس. وقد تمت تبرئة المتهمين من كل التهم التي وجهت إليهم.
المصدر: لجنة الأمم المتحدة بجرائم الحرب، التقارير القانونية لمحاكمات جرائم الحرب، المجلد رقم 9، 1949، الصفحات 90- 93.