الجيش وفنون القتال عند الفرس

الجيش وفنون القتال عند الفرس
إعداد: العميد الركن محمد صبحي الحجار
دكتوراه في التاريخ واجازة في ادارة الاعمال من الجامعة اللبنانية.

مقدمة

الفرس أمة متجذِّرة في التاريخ، لهم في الحضارة الإنسانية أصالة يشهد لها تراثهم، وفي الحرب دراية وخبرة وفنون أثبتتها حروبهم مع العرب والروم والهياطلة، وهي حروب وُصِفت بأنها «استولت على عقول ملوك آل ساسان، فلم يستريحوا منها ولم يريحوا الشعب حتى أنّ الملك الواحد كان يحارب الروم سنوات، ثم تعلن الهدنة ربما يستجمع قواه ويعدّ لها وقودًا جديدة»[1].

أولاً: تنظيم الدولة العسكري

كان الفرس في تاريخهم القديم «أمّة مسلحة» وشعبًا محاربًا، ولذلك تمكّن الأشكانيون «نظرًا إلى تربيتهم العسكرية من الاستيلاء على «بارتا»، ثم خلقوا بالغزو دولة إيرانية جديدة»[2] أسموها «الدولة البرتية».

ويبدو أنّ الإمبراطورية الفارسية نظَّمت المجتمع الفارسي ليكون مجتمع حرب، فاعتمدت نظامًا أسريًا وإقليميًا يرتكز على أربع وحدات «البيت (غانة) والقرية (ويس) والقبيلة (زنتو) والإقليم(دهيو)»[3]. كان رؤساء القرى يضطلعون بدور أساسي في هذا التنظيم، «فهم كانوا كبار أمراء الملك...، وكانوا يُنشّئون رعاياهم على الحرب»[4].

وخضع تركيب المجتمع الفارسي إلى النظم الاقطاعية والطبقية لكي يأتي متوافقًا مع النظم الحربية للدولة. ويشير تنسر إلى تقسيم الهيكل الإجتماعي الذي كان سائدًا أيام الساسانين «إلى أعضاء أربعة منهم الملك: العضو الأول هو أهل الدين (آثروان Athravan)، والعضو الثاني المقاتلة (إرتشتاران Rathaestar) والعضو الثالث الكتَّاب (دبيران) والعضو الرابع المهنة (الفلاحون (وستريوشان) والصناع (هو تخشان)»[5].

وظهرت في الدولة الساسانية تقسيمات إجتماعية أخرى منها ما أورده الجاحظ في كتابه «التاج» بقوله: «جعل أزدشير الناس على أقسام أربعة، وحصر كل طبقة على قِسْمَتِها: فالأول الأساورة من أبناء الملوك، والقسم الثاني النسّاك وسدنة بيوت النيران، والقسم الثالث الأطباء والكتاب والمنجِّمون، والقسم الرابع الزرّاع والمهان وأضرابهم»[6]. ويقول المسعودي أن أزدشير رتَّب ندماءه في طبقات «وكان يرى أن ذلك من السياسة ومما يرمُّ عمود الرئاسة، فالأولى الأساورة وأبناء الملوك، وكانت الطبقة الثانية وجوه المرازبة وملوك الكور المقيمين بباب أزدشير والأصبهبذية ممن كانت له مملكة الكور في أيامه، وأهل الطبقة الثالثة المضحكون وأهل البطالة وأهل الهزل»[7].

ومهما كانت تسمية الطبقات التي اعْتُمِدَتْ في فارس فإنّ هذا التنظيم أوحى بالطبيعة الحربية التي بُنِيَتْ عليها دولة الفرس. فالملك الذي كان يقف على رأس هذه الطبقات، كان عسكريًا بطبعه وتربيته، ويقول كريستنسن «إن أكثر ملوك الساسانيين شغوفون بالحرب واشتركوا فعلاً في أعمالها»[8]. إلاّ أنّ الذي يثير الإستغراب هذا التضارب في أولويات تصنيف الطبقات، فكتاب «تنسر» يجعل المقاتلة في الطبقة الثانية بعد أهل الدين، ويحصر تكوينها بالفرسان والرجّالة برتبهم وموظفيهم كافة، أما الجاحظ فيجعل الأساورة من أبناء الملوك في المقدمة. ومصطلح الأساورة يرد في كتاب كريستنسن في سياقين، الأوّل «أنّ ضباط الجيش كانوا يسمّون الأساورة»[9]، والثاني يُحَدِّدُه بسلاح الفرسان ويصفهم «بصفوة الجيش من الأساورة (الفرسان) المصفّحين»[10]. أما تنسر فيجعل في الطبقة الرابعة من تقسيمه الزرّاع والرعاة والتجار وأصحاب المهن، وهي طبقه ليست في وجهها الآخر سوى «مصدر الرجال للحرب»[11]، الذين وصفهم كريستنسن بأنهم «طبقة سيئة التكوين ومؤلفة من جند غير أكفياء»[12].

وفيما تبدو صورة المجتمع الحربي الفارسي ظاهرة في ترتيب طبقاته، يأخذ التقسيم الإداري لبلاد فارس طابعًا عسكريًا واضحًا باعتماده «نظام المرازبة الأربعة». وفي هذا الإطار حفظ لنا تنسر تنظيم الدفاع عن فارس بتطبيق «نظام الثغور» مستندًا إلى قول أزدشير: «لا يجوز أن يُطْلَق لقب المَلِك على أحد من غير أهل بيتنا عدا أصحاب الثغور، وهي آلان وناحية المغرب وخوارزم وكابل»[13]. ويطلق المسعودي على حكام الثغور لقب «أصبهبذ» و«جعل الأصبهبذين أربعة «الأول بخراسان والثاني في المغرب، والثالث ببلاد الجنوب، والرابع ببلاد الشمال، فهؤلاء هم أصحاب تدبير الملك، كل واحد منهم قد أُفْرِدَ بتدبير جزء من أجزاء المملكة، وكل واحد منهم صاحب ربع، ولكل واحد من هؤلاء مرزبان وهم خلفاء هؤلاء الأربعة»[14].

ويشير الطبري الى أن تنظيم الثغور الأربعة جرى زمن كسرى أنوشروان حين ألغى رتبة «إيران - سباهبذ» بقوله: «وكان يلي الأصبهبذة – وهي الرياسة على الجنود – قبل مُلْكِهِ رجل، وكان اليه اصبهبذة البلاد، ففرّق كسرى هذه الولاية والمرتبة بين أربعة إصبهبذين، منهم إصبهبذ المشرق وهو خراسان وما والاها، وإصبهبذ المغرب، وإصبهبذ نيمروز، وهي بلاد اليمن، وإصبهبذ أذربيجان وما والاها، وهي بلاد الخزر وما والاها، لِمَا رأى في ذلك من النظام لِمُلْكِه»[15].

وتحفظ كتب التاريخ، إلى جانب الاصبهبذين، وجود مرازبة يحكمون الأقاليم ويقيمون فيها. ويشير كريستنسن إلى «أن معظم المرازبة كان يغلب فيهم الطابع الحربي على الطابع المدني، وفي أثناء الحرب كان المرازبة يعملون قوادًا في الجيش تحت رياسة الأصبهبذين»[16].

 

ثانياً: تنظيم الجيش الفارسي

نظم الأكاسرة جيوشهم لتكون متناسبة مع اتساع أمبراطوريتهم. كما حدَّد ملوك فارس عقيدة جيوشهم فجعلوا مهمتها الأساسية المحافظة على مُلْكِهم، فكانت أول خطوة لأزدشير حربه للانتقال من ملوك الطوائف إلى الدولة الموحَّدة التي أراد صورتها وفق قوله: «ردُّ المُلكِ إلى أهله وجَمْعُه لرئيس واحد وملك واحد»[17]. وتمثَّلت خطوة الساسانيين الثانية، بعد تحقيق وحدتهم، في انصرافهم إلى وضع استراتيجية لدولتهم مستمدة من تاريخهم، وحروبهم مع اليونان والروم... وأصبحت سياسة الفرس منذ عهد أزدشير وخلفائه الاوائل متجهة إلى حماية الحدود من الشرق والشمال والغرب والتي كانت على ما يبدو مهدَّدة بصورة دائمة بحيث وجّهوا «عنايتهم كلها إلى غزو الروم وقتالهم، ولن يستريح ملكهم ما لم ينتقم لدارا من الإسكندريين»[18].

واهتم الفرس بتنظيم «جيش أمبراطوري قوي»، وربطوا وجود دولتهم بقوته وتماسكه، فأغدقوا المال على إعداده متبعين سياسة انوشروان: «الملك بالجند والجند بالمال»[19]. وفي هذا الإطار كان جيش فارس يشمل الصنوف كافة المتعارف عليها في ذلك العصر، فجعل تنسر المقاتلة قسمين: «الفرسان والرجّالة وهم يتفاوتون بأعمالهم ومراتبهم». بينما يشير المسعودي إلى تنظيم الجيش الفارسي في وصفه لاستعراض أبرويز لصفوف جيوشه بقوله «وقد صُفَّت له الجيوش والعدد والسلاح فيما صُفَّ له ألف فيل، وقد أَحْدَقَتْ به خمسون الف فارس دون الرجّالة»[20].

أ-  فرقة الفرسان

عرف الفرس الفروسية منذ القدم حتى أصبحت رمزًا للبطولة، يفتخر تنسر بها في كتابه بقوله: «إن الله تبارك مُلْكُه جمع في الفرس فروسية الترك وفطنة الهند وصناعة الروم»[21]. ومن الطبيعي أن يكون لسلاح الفرسان مكانة عالية في المجتمع الفارسي حتى أصبح «لقب فارس (سوار) قيمة اجتماعية أعلى شأنًا»[22]، ولا عجب بذلك فقد جاء في «مروج الذهب» أنّ أزدشير جعل الطبقة الأولى من خاصَّته من «الأساورة وأبناء الملوك» كما لقّب الأساورة في كتبه بأنهم «حماة الحرب»[23].

وتُشَكِّل فرقة الفرسان الدارعين نخبة الجيش الفارسي وعماده، بحيث كانت ترتبط نظرًا إلى أهميتها بالملك مباشرة وعليها يرتكز سلطانه ونظامه. ويصف أربري هذه الفرقة بأنها «طبقة الفرسان ذوي الأسلحة الثقيلة التي أصبحت من أهم الفرق الحربية، وكانت تتكوّن من النبلاء المتواضعين، وتعتمد على المَلِك مباشرة، وبذلك لا يمكن لأحد الحكام الثائرين في الولايات أن يستخدمها ضدّ مولاه»[24].

ويُحَدِّثُنا كريستنسن عن وجود «فرقة ثانية من الفرسان المختارين تسمى «فرقـة الخالديـن، من عشرة آلاف رجل، و«الفدائيين» وهي فرقة أخرى من الفرسان «تمتاز بالجرأة وتتحدّى الموت»[25]. ولعلّنا نقول إن هذه الفرق كانت تشكل الوحدات الخاصة التي تقف قرب الملك وتنال ثقته.

وكانت الخيالة الثقيلة في الجيش الفارسي السلاح الحاسم في المعركة، ويشير ستروكوف في دراسته لموقعة ماراتون (490 ق.م) إلى «أن تفوّق الفرس يكمن في خيّالتهم القوية التي كانت جاهزة لشن الضربات العنيفة على أجناب الترتيب القتالي اليوناني»[26]. ويصف كريستنسن بقوله: «كان الإيرانيون يلقون ضدّ الرومان بأفواج منظمة من الفرسان الدارعين في صفوف كثيفة، فكان بريق الدروع التي كانت تتبع اتجاه الجيش يعكس هيبة تبهر الأبصار»[27]. ومن هذا المنظور، حافظ ملوك الفرس على وحدات الخيالة وعزَّزوها وأهتموا بتجهيزها، فكان كسرى «يتفقد الأساورة فمن لم يكن له منهم يسار قوّاه بالدواب والعدّة وأجرى لهم ما يُقوِّيهم»[28]. ولقد أشار الطبري إلى أنّ سلاح الفارس أيّام كسرى «كان يتكوَّن من تجافيف، ودرع، وجوشن، وساقين، وسيف، ورمح، وترس، وطبرزين، وعمود، وجعبة فيها قوسان بوتريهما وثلاثين نشابًا ووترين يعلقهما الفارس في مغفر له ظهريًا»[29].

وكانت وحدات الفرسان محطّ اهتمام ملوك الفرس وعنايتهم. فقد أفادوا من خبرات أعدائهم الأغريق في تدريبها على حدّ قول ايريك موريز: «إن الفرس تعلّموا، وحوالى العام 400 ق.م، أسس المدرسة الإغريقية. وطوَّعوا من شعب السيت خيالة الاستطلاع»[30]. أمّا قيادة الفرسان فقد جعلها الأكاسرة «من المناصب العامة التي تورَّث بين أفراد الأسر السبع، ورياسة الفرسان كانت واحدة من ثلاث وظائف حربية وراثية»[31]. ويذكر الطبري أن الخيّالة الفارسية في معركة القادسية «كانت في الصفوف الأولى، يليها، «الفيلة، ثم المشاة»[32].

ب- فرقة الفيَّالة

تعتبر الفيَّالة فرقة أساسية في الجيوش الفارسية وتشكِّل عمادًا لنظامها العسكري، ويشير المسعودي إلى أنه كان «في مربط أبرويز ألف فيل. وقد صُفَّت له الجيوش والسلاح، وفيما صُفَّ له الف فيل»[33]. ويبدو أن الأكاسرة إستقدموا الفيلة من الهند التي كانت «تتخدها في بلادها، وليس فيها وحشية وإنما هي حربية»[34]، وتمنُّوا كما جاء على لسان أبرويز «ليت أنّ الفيل لم يكن هنديًا وكان فارسيًا»[35].

وتؤدي الفيَّالة في حقل المعركة دور الدروع في معركة اليوم، ونجد مركزها في خطة عمليات الفرس كما أوردها ستروكوف في وصف لموقعة كافكامل العام 331 ق.م بين الفرس ومقدونيا: «تمركزت العربات والفيالة أمام الجبهة»[36]، بينما كانت تلي صفوف الفرسان في معركة القادسية، حيث «عبئ رستم في القلب ثمانية عشر فيلاً، عليها الصناديق والرجال، وفي المجنبتين ثمانية وسبعة، عليها الصناديق والرجال»[37]. وكانت مهمة هذه الأفيال خرق صفوف العدو والالتفاف على قلبه لتذعر سلاح الفرسان كما أوْرَدَ الطبري: «وكانت حَمْلَة الفيلة على الميمنة والميسرة على الخيول، فكانت الخيول تحجم عنها وتحيد»[38].

ج- الرجّالة (بايكان)

كانت فرق الرجّالة أو المشاة تتألَّف من الوحدات التي يجمعها أصحاب الإقطاعات والذين «ألزموا رعاياهم دفع الضرائب وأداء الخدمة العسكرية تحت رياستهم...، وكانت هذه الفرق المكوَّنة من الحرّاثين، سيئة التكوين ومؤلَّفة من جند غير أكفياء»[39]. والواقع أنّ هذه الصفات جعلت المهمات الموكلة إلى هذه الفرقة في ساحات الحرب تتناسب مع قدرات عناصرها، فكانوا يسيرون في الصفوف التي تلي الفرسان والخيَّالة في مؤخرة الجيش يهدمون الأسوار، ويخدمون الفرسان، ويحرسون الفيّالة على حد قول المسعودي: «كانت ملوك الفرس توقي الفيلة المقاتلة بالرجَّالة حولها»[40].

د-  فرقة الحرس الملكي

كانت هذ الفرقة تحيط الملك بهدف الدِّفاع عنه وحراسته، ويفيد كريستنسن «أنّ رئيسهم يتمتَّع بأوسع جاهٍ في البلاط، وفي أيام كسرى كانت وظيفة «الهزاربد» رئيس الألف رجل ثم أصبح رئيسًا للحرس الملكي»[41]. ويذكر ديورانت «أن هذه الفرقة كانت أم فرق الجيش وكانت مؤلفة من ألفين من الفوارس وألفين من المشاة كلهم من الأشراف»[42].

هـ- فرقة المرتزقة

نُظِّمَت المرتزقة في الجيش الفارسي في فرق أُطْلِقَ عليها الفرق «الرديفة»، وكانت «تُجنَّد من جميع الأمم الخاضعة لسلطان الفرس، وكانت كل فرقة تتكلَّم بلغتها، وتقاتل بأسلحتها وتتبع أساليبها الحربية الخاصة»[43]. ويشير كريستنسن إلى فرق رديفة «من السجستانيين، وفرق من الأمم الجبلية المختلفة في القوقاز»[44]. وورد في «تاريخ الحضارات العام» أنه «كان يردف الجيش الإيراني وحدات من المرتزقة سوادهم من الأرمن»[45]. وكان مما يلفت قيام ملوك ومرازبة الفرس بتجنيد المرتزقة اليونان نظرًا «إلى تفوق الجندي اليوناني التقني. وقد كوَّن بحارة شواطئ آسيا الصغرى الذين ينتمون إلى عنصر يوناني بالإشتراك مع البحارة الفينيقيين، رجال أسطول فارسي حسبوا له حسابًا»[46]. ومن الفرق التي أردفت بجيوش الفرس كما يقول الطبري، كتيبتان جعلها ملك فارس مع ملك الحيرة بحكم تحالفهما «دوسر، وهي لتنوخ والشهباء وهي لفارس»[47]. ويشير الألوسي إلى أنَّ هناك ثلاث كتائب إضافية، «الرهائن والصنائع والوضائع»[48].

 

ثالثاً: المبادئ العسكرية التكتيكية والإدارية

نظّم ملوك الفرس جيوشهم ووضعوا لها أسسًا إدارية وحربية فكانت محطَّ إعجاب وتقدير أعدائهم ملوك الروم وفق ما جاء في كتاب ملك الروم إلى سابور بن أزدشير: «أما بعد، فقد بلغني من سياستك لجندك وضبطك ما تحت يدك وسلامة أهل مملكتك بتدبير ما، أحببت أن أسلك فيه طريقتك وأركب مناهجك»[49].

أ- الإعداد والتدريب العسكري

إهتمت دولة الفرس باعداد «جيشها الامبراطوري» لتنفيذ سياستها الحربية من خلال تطبيق برنامج تربية عسكرية يشمل الفروسية والرمي، ويبدأ مع الأطفال منذ صغرهم. ويشير أربري إلى مراحل هذه التنشئة بقوله: «إنَّ الأبناء من سنّ الخامسة إلى سن العشرين يتعلَّمون ثلاثة أشياء فقط» ركوب الخيل، والصيد بالقوس وقول الحق. أما القتال في المعركة فكان يُعدّ أسمى صفات الرجل وكان يليه في الأهمية بناء أُسْرَة كبيرة من الأبناء، ثم يأتي بعد ذلك مَثَلُهُم الأعلى وهو تكوين الجندي الباسل»[50].

والواقع انّ مستويات التدريب في الجيش تتصل بتنوع الطبقات الإجتماعية التي يتكوَّن منها المجتمع الفارسي، فبينما نجد تكوين الجندي يعتمد على تقاليد وعادات الأُسر التي كانت تساهم في تكوين «الأمة المسلحة»، كان النبلاء الشبان «يُلَقَّنون فن الحرب قبل كل شيء»[51]، ويخضعون لبرامج يشرف عليها مؤدِّب الأساورة الذي «كان يعمل على تعليم أبناء المحاربين في المدن والرساتيق حمل السلاح وآدابه»[52]. ويحفظ لنا الطبري مراحل تربية «بهرام بن يزدجرد» لدى الملك العربي المنذر الذي «أتاه برهط من فقهاء الفرس ومعلِّمي الرمي والفروسية ليأخذ عنهم كل ما ينبغي التدرب به»[53]. ويشير كريستنسن إلى «وجود أندية السباق خارج المدن حيث كان المدرّبون يعنون بالخيل وحيث يجري سباق الخيل وتمرينات الرماية بالسهم»[54]. ولقد بلغت مهارة الفرسان وقدراتهم الفنيَّة والتقنية في الرماية مستوى رفيعًا جعلت أربري يصفهم في حربهم مع الرومان بقوله: «كانوا يرسلون عليهم سهامهم المميتة عن بعد، أمّا عن مهارتهم في رمي السهم إلى الوراء من فوق ظهر الجياد وهي تعدو بعيدًا عن العدو، فقد أكسبتنا هذه العبارة -رمية بارتية-»[55].

 

ب- الجاسوسية

1- العيون

اتخذ ملوك فارس في حربهم وسلمهم، في داخل مملكتهم وعلى حدودها، عيونًا لهم لتنسم الأخبار، وجمع المعلومات لما في ذلك «من منفعة لخاصة أنفسهم وعامة رعيتهم». ولقد أسدى أحد الحكماء نصيحة لأنوشروان، إعتُبِرت من «السياسات الملوكية»، تضمَّنت :»إذكاء العيون في الثغور ليَعْلمَ ما يَتَخَوَّف منه، فيأخذ له أُهْبَتَهُ قبل هجومه»[56].

2- الأسرى

أفاد الفرس، في حروبهم واقتصادهم وعمرانهم من بعض الأسرى الذين قاموا ببناء المدن كمدينة اصطخر، وإنشاء السدود واستصلاح الأراضي في العراق وزرعها بمزروعات جديدة. ونظّم ملوك الفرس أسراهم في وحدات عسكرية أطلقوا عليها اسم «وحدات المرتزقة»، واستخدموها في حروبهم. كما أفاد الفرس من معلومات أسراهم عن بلادهم الأم وبخاصة فنونهم العسكرية إلى درجة «أن الفروق الأولى بين الفن الحربي عند الإيرانيين وعند الروم البيزنطيين قد زالت قليلاً قليلاً حتى صارت النظريات الحربية عند الأمتين واحدة تقريبًا»[57].

3- الجواسيس

إتخذ الفرس الجواسيس كعناصر قتالية لكشف خطط العدوّ ونواياه ومعرفة جواسيسه وعيونه، كما كلِّفوا معرفة معارضي الدولة في الداخل وكشف مناوئيها. ويصف تنسر نظام التجسس الذي نظَّمه الفرس الساسانيون بقوله: «إنّ الملك قد نَصَّبَ على أهل المملكة الجواسيس والمُنهين، وإنّ الناس منهم في رعب وحيرة. فاعْلَمْ أنّه لا خوف على الأبرياء والمخلصين من هذا، فإنّ عيون الملك والمنهين إليه لا يُعَيَّنون إلاّ إذا كانوا من الصالحين الأتقياء الأمناء العلماء المتديّنين الزاهدين، ليَصْدُرَ ما يعرضون على الملك عن ثبت ويقين»[58]. ويبدو أن نظام الجاسوسية كان ثقيلاً ومخيفًا فجاءت تطمينات الدولة بأن المكلفين هذه المهمة من ذوي الأمانة والضمير الحيّ، يكتبون عن الناس بالحق، وقد عبّر عن ذلك تنسر بقوله: «يجب أن يَتَنَبَّه الملك فلا يستمع لمن لا يعتمد عليه ولا يوثق به»[59].

واهتم ملوك الفرس بجمع المعلومات عن إداراتهم وشرائح شعبهم في مختلف أنحاء فارس، «فكانت الحكومة المركزية ترسل المراقبين يراقبون الإدارات المحلية، وقد دعي هؤلاء عيون الملك وآذانه[60]. فكان المراقبون ينظمون التقارير عن مشاهداتهم، ويرفعونها إلى الإدارة المركزية لدراستها.

وطال نشاط جواسيس الفرس بلاد الروم فقد استفاد الأكاسرة من نصارى إيران ونجحوا في إطلاق بعضهم إلى داخل بلاد الروم وجمع المعلومات عنها، وينقل كريستنسن «إن عيشوييه، الذي عيّن جاثليقًا برضى الملك، كان مُقَرَّبًا جدًا عنده وكان يؤدي إليه خدمات طيبة إذ يوقفه على حركات البيزنطيين»[61]. وبالمقابل يبدو أن الروم إستفادوا كثيرًا من النصارى المنتشرين في فارس إلى حد جعل هرمز ملك الفرس يقول: «لا قِوام لملكنا ولا ثبات له، مع استفسادنا من بلادنا من النصارى وأهل سائر الملل المخالفة لنا»[62].

ج- الإستطلاع

قام الفرس بعمليات الإستطلاع والإستعلام، وأرسلوا السرايا الإستطلاعية، ليس بهدف القتال فحسب، وإنما بهدف جمع أخبار العدو ومعرفة ما عزم عليه. وكانت مهمة الإستطلاع توكل إلى مقدمة الجيش وطلائعه، وفي هذا السياق يشير الطبري في روايته لمعركة القادسية الى أن رستم قائد الفرس «أمر الجالنوس قائد مقدمته بالتقدم الى الحيرة، وأمره أن يصيب له رجلاً من العرب. فخرج هو والآزاذمرد سرية في مئة حتى انتهيا الى القادسية، فأصابا رجلاً... فأختطفاه[63].

وكان القائد الفارسي يقوم بمهمة الإستطلاع بنفسه في أحيان كثيرة، ويذكر الطبري أن سابور في لقائه بجيش الروم بقيادة لليانوس قرر إستطلاع مقدمة لليانوس بنفسه بعد «أن اختلفت أقاويل العيون في ما أتوه من الأخبار عن لليانوس وجنده، فتنكّر سابور وسار مع ناس من ثقاته ليعاين عسكرهم فوجّه رهطًا ممن كان معه ليتحسسوا الأخبار ويأتوه بها على حقيقتها»[64].

 

د-  نظام الدِّفاع عند الفرس

1- نظام الثغور

قسّم الفرس بلادهم إداريًا وفق مباديء تخدم نظامهم الحربي. وفي هذا الإطار يشير المسعودي إلى توزيع مسؤولية الإدارة «وتدبير الملك» بين أربعة أصبهبذين «الأول بخراسان والثاني بالغرب والثالث ببلاد الجنوب والرابع ببلاد الشمال»[65]. ومما لا شك فيه أنّ الطابع الجغرافي لتقسيمات المسعودي أوجد في كتاب تنسر ما يفسّره من الناحية العسكرية حين يذكر صراحة أهمية الثغور التي تعيش إشتباكات دائمة مع الأعداء ويحدِّدها «ألان وناحية المغرب وخوارزم وكابل»[66] كما يشير إلى رفعة مكانة أصحابها ومكافأتهم بمنحهم لقب ملك.

2- نظام النقاط الحصينة

إهتم الفرس بإقامة الحصون، وبناء القلاع، وترتيب المقاتلة في الثغور، وفق خطة مدروسة تؤمن لهم الدفاع عن الحدود ورد العدوّ في حال اجتياحه البلاد.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن شبكة من القلاع والحصون كانت تلفّ حدود فارس، «وكان كل واحد بينه وبلد العدو درب وعقبة»[67]. ومن الحصون القوية، تحصينات «دربند أَجَلّ موانيء بحر قزوين»[68]. ويصف قدامة، سور دربند وأهميته العسكرية بقوله :»واقام أنوشروان لبناء الحائط فبناه وجعله من قبل البحر... إلى أن ألْحَقَهُ بالجبال. فلما فرغ من بنائه علَّق على المدخل أبواب حديد ووكّل بها مئة فارس يحرسون الموضع بعد أن كان محتاجًا إلى خمسين الفًا من الجند وجعل عليه دبابة»[69]. ويشير قدامة إلى حصن قزوين ويسمى بالفارسية كشوين. و«بينه والديلم جبل ولم تزل فيه للفرس مقاتلة من الأسوارية يرابطون فيه ويدفعون الديلم»[70].

وأقام الفرس حصونًا في البحرين، ويذكر الطبري في هذا السياق «المشقَّر وهو حصن حياله حصن يقال له الصّفا، وكان الذي بني المشقر رجلاً من أساورة كسرى»[71].

وكان ملوك الفرس يشحنون هذه الحصون بالمقاتلة، فانتشرت الحاميات العسكرية في هذه النقاط الحصينة من الحدود. ويبدو أنَّ نظام خدمتهم كان قاسيًا لارتباطه بحالة الحرب والتوترات الدائمة مع الدول المجاورة لفارس ما أبعدهم عن عائلاتهم مدة طويلة، وهذا ما خلق حركات تململ واضطراب في صفوفهم أضرَّت بالجيش وتماسكه، وعبّر عن هذه الحالة الملك أبرويز في رسالته القاسية إلى أبيه كسرى التي تضمَّنت مضبطة اتهام له شملت إساءته في تدبيره الملك ومنها «تجميره من جُمِّر في ثغور الروم وغيرهم من الجنود، وتفريقه بينهم وبين عائلاتهم»[72].

3- نظام الدولة الجاهزة

يتَّفق المؤرخون العرب على قيام إمارة عربية، في الحيرة وراء نهر الفرات، تبعت نهائيًا للدولة الساسانية بعد فترة عداء عنيف لقبائل العرب في عهد ملك الفرس «سابور ذي الأكتاف» الذي «أفشى فيهم القتل وسفك فيهم من الدماء سفكًا»[73]. وانتهز العرب فرصة للإنتقام منه، بمساندة ملك الروم عليه، «فاجتمع في عسكر لليانوس من العرب مائة ألف وسبعون ألف مقاتل»[74].

ويبدو أنَّ قوة العرب العسكرية كانت حاجة لدولة الفرس وعنصرًا أساسيًا في تنظيم خططهم الدفاعية، فرأى ملوكهم استثمارها لمصلحتهم بحيث تصبح «حصن الملك حيال العرب الرحّل»[75]. وقد أسدت هذه الإمارة خدمات عسكرية للفرس في حروبهم مع الروم، فكانت كتائبها «الدوسر» و«الشهباء» و«الوضائع» و«الصنائع» «والرهائن» تعمل ضمن سياسة الفرس الحربية، وإستغل أمير الحيرة هذه السياسة «فكان يغزو بها بلاد الشام ومن لم يَدِنْ له من العرب»[76]. ولعل ما يشير إلى أهمية هذه الإمارة العسكرية في سياسة الفرس الحربية، أن الأكاسرة حافظوا لأمراء الحيرة على لقب ملك أسوة بأصحاب الثغور وحكام ولايات أطراف الدولة وفق ما جاء في كتاب تنسر: «وكل من يجيء إلينا مقدمًا فروض الطاعة لن نخلع عنه لقب ملك ما دام يمضي مستقيمًا على طريق الخضوع»[77].

 

هـ- نظام حصار الحصون

عرف الفرس فن حصار الحصون وفتحها، وينقل ابن قتيبة عن كتابهم المعروف «بالآيين»، أن أول مبادئ الحصار كان القيام بعمل استخباراتي مرفقًا بحرب نفسية «لاستمالة من يقدر على استمالته من أهل الحصن ليظفر منهم بخصلتين إحداهمـا اسـتنباط أسرارهم والأخرى إخافتهم وإفزاعهم بهم، وأنْ يدُسَّ بينهم من يُصغِّر شأنهم ويُويَئِّسهم من المدد»[78]. واستخدم الأكاسرة في عملية الحصار جميع صنوف المقاتلين ووسائل الحصار، وينقل كريستنسن وصفًا حيًا لحصار آمد وسقوطها بيد الفرس فيقول: حوصرت المدينة بخمسة صفوف من الجند الدارعين،... وانتشر الفرسان ذوو الدروع وكان مع هؤلاء صفوف من الفيلة»[79]. واستخدم الفرس وسائل هندسية خاصة للحصار منها «سلالم لتسلُّق الأسوار ومواضع ينصب المنجنيق عليها ومواضع تُهيَّأ العرّادات لها ومواضع تُنقبُ نقبًا»[80].

و- إدارة المعركة

1- الحشد

طبَّق الفرس مبدأ الحشد في حروبهم بحيث كانت الوسائل والقوى متناسبة مع أهداف القتال. ويذكر الطبري في مواضع مختلفة من تاريخه أرقامًا لأعداد جيوش الفرس التي أُعِدَّت لهذه الحروب، يَشُكُّ الباحث بصحتها بسبب المبالغة بها، منها قوله: «إنّ الملك ازدشير بهمن «غزا الرومية في ألف ألف مقاتل»[81]. بينما يذكر أعداد جيش الفرس بقيادة رستم الذي واجه العرب في القادسية: «إن أهل فارس كانوا عشرين ومائة ألف، معهم ثلاثون فيلاً»[82].

وعرف الفرس أيضًا «النفير العام» في مملكتهم، ولعل هذا النفير كان يطلق عندما كانت تتعرَّض مملكتهم لأخطار دول الجوار مثل الترك والروم والعرب. وكان يشمل الاستنفار قوى فارس وولايات الأطراف. ويذكر الطبري أن سابور «ذا الاكتاف» لما استشعر خطورة الروم باحتلالهم طيسبون «كتب إلى من في الآفاق من جنوده يعلمهم الذي لقي من لليانوس ومن معه من العرب، ويأمر من كان فيهم من القواد، أن يُقْدِمُوا عليه في من قبلهم من جنوده، فلم يلبث أن إجتمعت إليه الجنود من كل أُفُق»[83].

2- نظام الخميس والكراديس

إعتمد الفرس في حروبهم نظام الخميس والكراديس، فقد ذكر الطبري أنّ قائدهم رستم رتّب جيشه يوم القادسية «مقدمة وطلائع ومجنبتين ومجردة ورجالة»[84]. وكانت أقسام هذا الجيش تتألف من كراديس وصف مشهدها الطبري بقوله «وتكتّبت الكتائب من هؤلاء وهؤلاء»[85]،  ونظم كل كردوس في صفوف متنوعة فوقفت الخيالة في الصفوف الأولى يليها الفيلة ثم المشاة.

3- تكتيك الصدم

إستخدم الفرس تكتيك الصدم قديمًا في القرن السادس قبل الميلاد، ويذكر ايريل اموريز ذلك بقوله: «حاول الفرس إنشاء تكتيك حقيقي للصدمة بأن وضعوا في صفوف القتال عربات مسلحة بالمناجل الطويلة، كما إستخدموا الهجَّانة المسلحة»[86] لخرق صفوف العدو وترهيب خيولهم.

وشكَّل سلاح الفيالة في ما بعد دروع جيش فارس في مختلف أقسامه. وكان هذا السلاح حاسمًا في المعركة وقادرًا على إحداث عنصر الصدم الذي وصفه الطبري في عرضه لمعركة القادسية بقوله: «لما تكتّبت الكتائب بعد الطراد، حمل أصحاب الفيلة عليهم، ففرّقت بين الكتائب، فابذعرّت الخيل»[87].

4- مقر القيادة

كان قائد الجيش ملكًا أو من يكلّفه بالقيادة، يجلس على سرير يوضع في قلب الجيش في مكان مناسب، وقد أشار ابن قتيبة إلى ذلك بقوله: «وأن يرتاد للقلب مكانًا مشرفًا ويلتمس وضعه فيه»[88]. ويضيف كريستنسن أنه «كان يلتفّ حول هذا العرش فرقة من الجند كان عليها أن تدافع عنه حتى الموت»[89].

5- الكمين

إعتمد الفرس في القتال نظام الكمائن، ويذكر ابن قتيبة في عيون الأخبار أنه قرأ في «الآيين» وهو كتاب من كتب الفرس، مبادئ الكمين الناجح ويلخصها بما يأتي: «أن ينتخب للكمين من الجند أهل جرأة... وليس بهم أنين ولا سعال، ويختار لهم من الدواب مالا يصهل... ويختار لكمونهم مواضع لا تغشى... وأن يكون إيقاعهم كضريم الحريق...»[90].

6- البيات

هو عمل يهدف إلى الإيقاع بالعدو ليلاً، ويشرح إبن قتيبة ما دوَّنَهُ الفرس في كتاب الأيين تفاصيل عملية البيات فيقول: «ينبغي للمبيتين أن يفترصوا البيات إذا هبَّت ريح... فأنه أجدر ألاّ يُسْمَع لهم حس. وأن يتوخى بالوقعة نصف الليل. وأن يصير جماعة من الجند وسط عسكر العدو وحوله... وليُعْلَم إنما يحتاج في البيات إلى تحيير العدو وإخافته...»[91]. ويشير الطبري إلى عملية بيات ناجحة نفذها بهرام ملك الفرس في بلاد الترك لقتل خاقان بقوله: «فسار إلى خاق بهرام في العدة الذين كانوا معه، فبيَّتهُ وقتل خاقان بيده»[92].

7- الأعمال الهندسية

عرف الفرس عمليات الدعم الهندسي في حروبهم، وتنوَّعت أشكالها في عمليات الدفاع والهجوم كافة. ومن أنواع هذا الدعم، عمليات التجسير التي نُفِّذَت لتسهيل عبور الموانع المائية على جسور عائمة على قوارب وفق ما نقل كريستنسن بأن «الجيش الإيراني كان يعبر الزّاب على جسر من القوارب»[93]. ويذكر الطبري أن كسرى أنوشروان «أمر بإعادة كل جسر قُطِع أو قنطرة كُسِرَت»[94]، في إشارة إلى أنّ الجسور كانت خشبية وحجرية. ويصف الطبري عملية تجسير ميدانية نُفِّذَت في اثناء عمليات القتال يوم القادسية بقوله :»أراد رستم العبور، أمر بسَكْر العتيق بحيال فارس... فباتوا ليلتهم حتى الصباح يسكِّرون العتيق بالتراب والقصب والبراذع حتى جعلوه طريقًا»[95].

ومن الأعمال الهندسية المعروفة لدى فارس «الخنادق»، ويشير الطبري إلى ذلك ما قاله في وصفه لوقعة جلولاء عن تخندق الفرس :»فإحتفروا الخندق... خندقوا وتحصنوا في خندقهم»[96]. واستخدم الفرس طريقة جديدة لحمايتهم «باستخدام قنافذ حديدية مربعة الرؤوس تلقى على الأرض لتجرح حوافر الجياد»[97]. والواقع أنّ الفرس اتقنوا استخدام هذه «القنافذ»، وزرعوها في حقول منظَّمة، «وأحاطوا بخندقهم الحسك من الخشب إلاّ طُرُقِهم... ورموا حوله حسك الحديد لكي لا يقدم عليهم الخيل»[98].

واستعمل الأكاسرة الموانع الطبيعية لعرقلة تقدم العدو ووقف مسيره فقد كانوا «يفتحون السدود في الأراضي التي يخصبها الري، فيغرق الوادي ويوقف تقدّم العدو«[99].

ويبدو أنه كان في جيوش الفرس وحدات متخصِّصة لتقديم هذا الإسناد الهندسي، إستعملها الأكاسرة في بناء الحصون والقلاع والجسور. ويذكر الطبري وحدة الفعلة التي كلَّفها كسرى بناء حصن المشقَّر بقيادة أحد أساورته حين نصحه: إنّ هؤلاء الفعلة لا يقيمون بهذا الموضوع إلاّ أن تكون معهم نساء فإن فَعَلْتَ ذلك تمّ بناؤك»[100].

 

رابعاً: التعبئة النفسية والتوجيه المعنوي

تعتبر التعبئة النفسية والتوجيه المعنوي أهم عوامل النصر في الحرب. ومن هذا المنطلق عمل أزدشير على إقامة نظام حربي يجعل من المحاربين طبقة مقرّبة منه، وأقدم على تحريض الأمة بشحنة انفعال «لإحياء الإمبراطورية الشرقية التي قضى عليها الإسكندر»[101]، وحماية حدودها في الشمال والغرب والشرق.

والواقع أنّ ملوك فارس، كما يقول تنسر، «ميّزوا رجال الجيش لأن وظيفتهم القتال، وجعلوهم أعلى درجة من باقي الجماعات، كما ألزموا المهنة أن يؤدوا لرجاله التحية وأن يسجدوا لهم»[102]. واتخذ الأكاسرة تدبيرًا إستثنائيًا في إدارتهم قضى بخلع لقب «ملك» على أصحاب المقاطعات التي كانت في موقع اشتباك دائم مع العدو لتمييزهم عن باقي المرازبة، ومكافأة لهم لدفاعهم عن دولتهم، كما هي حال أصحاب الثغور الأربعة وملوك الحيرة وفق ما جاء في كتاب تنسر: «لا يجوز أن يطلق لقب الملك على أحد من غير أهل بيتنا عدا أصحاب الثغور»[103].

وكان كبار القادة في الجيش أحد ركائز تكوين السلطة السياسية في فارس، فقد أعطى القانون حق انتخاب الملك لرؤساء رجال الدين والجيش والكُتّاب. وكان يجري الإنتخاب «بأن الملك كان يكتب ثلاث نسخ بخطِّه ويُسلِّم كل واحدة منها إلى رجل أمين يعتمد عليه، يعطي الأولى إلى رئيس الموابذة والثانية لرئيس الكُتّاب والثالثة إلى كبير الأصبهبذين»[104].

ويبدو أنَّ الاكاسرة كانوا واثقين من جيشهم، وبخاصة سلاح الفرسان والأساورة الذين تلقُّوا تربيتهم العسكرية منذ الصغر، ويبلغ مدى الثقة بقوتهم وولائهم وكفاءتهم وإرتفاع معنوياتهم حين يَعْدُل كسرى «قائدًا من أساورته، يقال له وهرز، بألف أسوار»[105]، أو حين يدوِّن تنسر «بأن ألف رجل منا يغلبون عشرين ألفًا من الأعداء أيًا كانوا»[106].

وكانت معنويات الجيش المرتفعة ترتبط بالنظم والشرائع الفارسية التي سُنّت لتتناسب مع سياسة الدولة الحربية، فنجد أن القانون «يبيح تعدُّد الزوجات ذلك أن المجتمعات الحربية في حاجة ماسة إلى كثرة الأبناء، فالذكور منهم ذوو فائدة اقتصادية لآبائهم وحربية لملوكهم»[107]. والواقع أنّ هذه السياسة الإجتماعية ساهمت في تكوين المجتمع الحربي في فارس، فهي تبدأ بتنظيم قواعد الإنجاب وتعليم أولاد الطبقات غير الموسرة على ركوب الخيل والرمي بالقوس، ثم إتمام التدريب في المدارس العليا على «الجري مسافات طويلة، وركوب الخيل الجامحة، وتَحَمُّل جميع تقلبات الجو القاسية، والعيش على الطعام الخشن، السباحة، وعبور الأنهار من دون أن تبتل ملابسهم ودروعهم»[108].

ومن هذا المنطلق تمت تنشئة مجتمع فارسي يعتز بنفسه، ويتعلَّق بوطنه بقيم وفضائل ومناقبية سجَّلها ديورانت مقارَنَةً مع اليونان: «أنّ من العسير علينا أن نجد في تاريخهم فارسيًا قد استؤجر ليحارب الفرس، على حين أنّ أيّ إنسان كان يسعه أن يستأجر اليوناني ليحاربوا اليونان»[109].

 

خامساً: معاملة الأسرى

تضاربت الأخبار حول القواعد التي اتبعها ملوك الفرس وقادتهم تجاه الأسرى الذين وقعوا بين أيديهم في حروبهم مع الأعداء، فكانت تعتمد أحيانًا النظرة الإنسانية ومروءة الفروسية، وتبلغ أحيانًا أخرى حدود القسوة والعنف والقتل والإبادة.

وفي هذا السياق يحرص تنسر على إعطائنا الصورة الراقية والانسانية لسلوك ملوك الفرس في حروبهم فيقول: «لم يُنْسَبْ قط لملوكنا القتل والغارة والغدر وسوء الخلق، والكفر بالدّين، فإذا خالف هذا ملكان أو قاما لحماية الدّين، فقطعا دابر أصحاب الفساد بالغارة والقتل، فإنهما لم يجيزا استعباد السبايا ولم يتخذاهم أرقاء بل عمّرا بهم المدن»[110].

لقد أفاد الفرس من الأسرى كطاقة منتجة في الدولة بتوظيف خبراتهم الهندسية في البناء، ويشير الطبري إلى أنّ «خماني» إمرأة دارا «حين أغزت بلاد الروم سبي لها منها بشر كثير وحملوا إلى بلادها، فأمرت من فيهم من بنّائي الروم، فبنوا لها في كل موضع من حيز مدينة اصطخر بنيانًا على بناء الروم منيفًا معجبًا...»[111]. واشار الطبري أيضًا إلى أنّ سابور «حاصر ملكًا كان بالروم، يقال له اليانوس بمدينة انطاكية، فأسره وحمله وجماعة كثيرة معه وأسكنهم جندي سابور. وذكر أنه أخذ اليانوس ببناء شاذروان تستر، على أن يجعل عرضه ألف ذراع، فبناه الرومي بقومٍ أشْخَصَهُم إليه من الروم»[112].

وأفاد الفرس من أسرى الحرب في استصلاح الأراضي وزرع البور منها أو الأراضي التي أَخْرَبَها الأعداء، ويشير الطبري إلى أن سابور «أسر قيصرًا من الروم وأبقى عليه من أفْلت من رجاله، فغرس قيصر بالعراق الزيتون بدلاً مما عقره من نخل العراق ولم يكن يعهد بالعراق الزيتون قبل ذلك»[113]. ويضيف الطبري «أنه أخذ قيصر بنقل التراب من أرض الروم إلى المدائن وجندي سابور حتى يرم به ما هدم منها».

إعتمدت دولة الفرس سياسة جديدة في التعاطي مع الأسرى نظرًا إلى ازدياد عددهم وحاجة الدولة إلى كفاءاتهم في المجالات الزراعية والصناعية والحربية. وفي هذا الإطار أنشأ الأكاسرة قرى و«مستعمرات» تُنْقَل إليها الأمم وأهل البلاد المهزومة ويتم تنظيمها في وحدات عسكرية يستعملها الفرس في حروبهم. ويشير المسعودي الى أن سابور «غزا بلاد الجزيرة وآمد وغيرها من بلاد الروم، فنقل خلقًا من أهلها وأسكنهم بلاد السوس وتستر وغيرها من كور الأهواز فتناسلوا وقطنوا تلك الديار، فمن ذلك الوقت صار الديباج التستري من أنواع الحرير يعمل بتستر والخز بالسوس...»[114]. ويضيف الطبري: «أن كسرى أعظم القتل في أمة يقال لها البارز وأجلى بقيتهم عن بلادهم، وأسكنهم مواضع من بلاد مملكته، وأذعنوا له بالعبودية وإستعان بهم في حروبه. وأمر فأُسِرَتْ أمة أخرى يقال لها صول... وأمر بهم فَقُتِلوا، ما خلا ثمانين رجلاً من كماتهم وإستحياهم وأمر بإنزالهم شهرام فيروز يستعين بهم في حروبه. وإن أمة يقال لها إبخز، وأمة يقال لها بنجر، وأمة يقال لها بلنجر، وأمة يقال لها الاّن تمالئوا على غزو بلاده، وجّه إليهم جنودًا فقاتلوهم وأصطلموهم ما خلا عشرة آلاف منهم أُسِروا، فأُسْكِنوا أذربيجان وما والاها...»[115].

 

سادساً: المراسم العسكرية

إتبعت فارس، كما هو الحال في الجيوش، نظمًا للمراسم العسكرية، ووضعت قواعد لتكريم الملوك ومكافأة القادة الأبطال ومعاقبة المنهزمين منهم. وقد خُلِّدَت هذه الإحتفالات في النقوش التي عثر عليها وأهمّها «النقوش الساسانية في كردستان شمال قصر شيرين (نقش بايكولي) ومجموعة من الكتابات القصيرة في دربند»[116].

وتحفظ المصادر التاريخية أخبار موكب الملك في أثناء تَحرُّكِه من قصره بمهابة وجلال وقوة، وفي هذا الإطار يصف الجاحظ عُدَّة الملك في خروجه لسفر أو نزهة بقوله: «من حق الملك، إذا خرج لسفر أو نزهة أن لا يفارقه... قيود للعصاة، وسلاح لأعداء وحماة يكونون من ورائه وبين يديه...»[117]. ويتوسَّع كريستنسن في وصفه لموكب الملك البرتي بقوله: «إذا سار إلى الريف تبعه ألف جمل تحمل أمتعته، ومائتا عربة تحمل سراريه، ،ألف فارس عليهم الدروع وعدد عظيم من الجند بسلاحهم، إنه يبدو على رأس فرقته يوم المعركة حسن الوجه مديد القامة،... وكان الملك إذا ذهب إلى الصيد أحاط به جماعة كبيرة من حملة الحراب ومن الحرس»[118]. ويصف الطبري أيضًا في موضع آخر مشهدًا للمراسم التي تقدم للملك في إستعراضه لحرسه بقوله: «وكان من السُنّة إذا ركب الملك، أن يقف له حرسه سماطين، عليهم الدروع والبيض والترسة والسيوف وبأيديهم الرماح، فإذا حاذى بهم وضع كل منهم ترسه على قربوس سرجه، ثم وضع جبهته عليه كهيئة السجود»[119].

وكانت عروض الجيش العسكرية تقام بمناسبات عديدة ومنها الأعياد، ويشير المسعودي إلى عرض أقيم لأبرويز في بعض الأعياد «وقد صُفَّت له الجيوش والعدد والسلاح، فيما صُفّ له ألف فيل، وقد أحدق به خمسون ألف فارس دون الرجّالة، فلما أبصرت به الفيلة سجدت له فما رفعت رؤوسها وبسطها لخراطيمها حتى جُذِبَت بالمحاجن»[120]. وفي هذا السياق يستنتج الباحث ضخامة هذا العرض وأهميته حيث بلغت الأعداد خمسين ألف فارس عدا الرجالة، بينما صف ألف فيل، كما يلفت حسن التنظيم والتدريب حين نجد الفرسان تحدق بالملك والفيلة تسجد له.

وكان ملوك الفرس يستعرضون جيوشهم قبل مسيرهم للحرب لإثارة الحمية والتحريض للقتال، ويشير الطبري إلى أنّ اسفنديار إبن ملك الفرس بشتاسب «تولّى عرض الجند وتمييزهم... ثم سار بهم نحو عساكر الترك»[121].

ومن الأهمية بمكان الإشارة الى استعراض الأكاسرة للوحدات المميزة التي يتكل عليها في المهمات الصعبة، ويشير كريستنسن «أنه كان للفرسان الأرمن الذين يحاربون تحت الراية الإيرانية موضع رعاية خاصة. وكانوا حين يدخلون المدائن... يستعرض الملك فرقهم»[122].

 

سابعاً: المكافآت والعقوبات

إعتمدت فارس في إدارة جيوشها نظمًا عسكرية تكافئ المجلّي الذي يساهم في صنع أمجاد الدولة، وتكرّم الرجال الكبار وترفع مراتبهم، كما تُعاقِب المسيء وتُخْفِضُ درجاته. ويشير الجاحظ في «كتاب التاج» إلى نظام منح المكافآت للذين يقدِّمون لفارس بطولات وأعمالاً جليلة، ومن مظاهر ذلك تشريفهم بخلع ملكية فاخرة لأن «من أخلاق الملك أن يخلع على من أدخل عليه سرورًا في توكيد مُلْكِه،... ومن العدل أن يكون معها جائزة وصلة وترتيب، أو ولاية أو إقطاع أو إجراء أرزاق أو فكّ أسير...»[123]. ووفق هذا النّظام «تَسَلَّم القائد الأرمني مانويل من الملك سابور الثاني تشريفًا خاصًا خلعة ملكية وفراء من السنور...»[124].

وكان من علامات تمييز القادة منحهم الألقاب وترفيع رتبهم مكافأةً لأعمالهم الباهرة. ويشير الطبري إلى مكانة «مهرنرسي» لدى الملك حين أغزاه بلاد الروم بمهمة «لم يكن يقوم بمثلها إلاّ مهرنرسي... الذي كان معظّمًا عند جميع ملوك فارس... وكان لمهرنرسي ولد أسمه كارد صاحب الجيش الأعظم، واسم مرتبته بالفراسية (أسطران سلار) وهي مرتبة فوق الأصبهبذ»[125].

وكان ملوك الفرس يمنحون مكافآت للفرق المحاربة بعد الظفر تقديرًا لتضحياتها وتشجيعًا لها. ويُروى أنّ أبرويز كافأ فرقة رومية تابعة «لموريق ملك الروم» بعثها لنصرته «بأن فَرَّقَ في جنود الروم عشرين ألف ألف وصرفهم إلى موريق»[126].

وكان من مزايا التكريم زيارة ملوك الفرس رجالهم وتشريفهم، واعتبر الجاحظ هدف الزيارة من أخلاق الملوك «لمن خُصّ بالتكرمة منهم وآثروه المنزلة ورفع المرتبة، فَقَلَّ ملك سأله وزيره أو صاحب جيشه أو أحد عظمائه زيارته إلاّ أجابه إلى ذلك، لا سيما إذا علم أن غرضه في ذلك الزيادة في المرتبة والتنويه بالذكر. وأما زيارة التعظيم فإنها لا تقع بسؤال ولا بإرادة المزور، وهي أفضل درجات الأشراف»[127].

ولكن زيارات الملوك لرجالهم لم تكن فحسب من باب التشريف والتعظيم والتكرمة، فقد كانت ترتدي صورة تفقُّد أنحاء فارس وفرق الجيوش والأساورة «فمن لم يكن له من يسار قوّاه بالدواب والعدّة، وأجرى لهم ما يقوِّيهم»[128]. وكانت ترافق هذه الزيارات إجراءات تعظيم وتكريم للملك ولمن يزورون، فكانت «توغر ضياعه وتوسم خيله... ويأتيه خليفة صاحب الشرطة في كل يوم مع ثلاثمائة راكب ومئة راجل، فإن رَكِبَ كانت الرجالة مشاة أمامه والرُكْبَان خلفه»[129].

وكانت الإحتفالات العامة بمناسبة انتصار الجيوش قيمة معنوية يستحقها الملك وخاصته ومكافأة لفرق الجيش وقادتها. فإذا ما أتى الملك خبرًا بالنصر والظفر، «أمر أن يُتَّخَذ له طعام... وأمر الخاصة والعامة بالحضور، وقامت الخطباء أولاً بالتهنئة له والتحميد لله تعإلى بالفتح عليه والنصر له. ثم قام الموبذ فتكلَّم، ثم الوزراء، ثم مدَّ الناس أيديهم إلى الأطعمة ...»[130].

وتبلغ نشوة انتصار الجيوش وعظمة مناسبتها، أن يُخَلِّد ملوك الفرس صور حروبهم وثمرة ظفرهم في لوحات تمثل حفلة استسلام القادة الرومان في استعراض استوحى كريستنسن تفاصيله «من نقش بغرب مدينة سابور يمثل انتصار ملك إيران، ويبدو سابور ممتطيًا جوادًا... وأمامه الأمبراطور راكعًا، وعلى اليمين واليسار وقف الفرسان والمشاة الإيرانيون في صفين متقابلين وهم يمثلون الفرق الحربية لمختلف الشعوب بأسلحتهم المتفاوتة»[131].

وبالمقابل، لم تغفل النظم الإيرانية التي شرعت لمنح المكافآت للقادة والفرق العسكرية، أن تسنَّ القوانين لمعاقبة الخائن أو الفاشل والمهزوم منهم. وكان للملوك الساسانيين شغف بالعدالة، كما يقول أزدشير: «يجب على الملك أن يكون فائض العدل فإن في العدل جماع الخير وهو الحصن الحصين من زوال المُلْك»[132]. ومن هذا المنطلق إهتم الأكاسرة بتنظيم القضاء واشترطوا على من يكون في منصب القاضي الإحاطة بعلوم المعرفة بالعلم والدين والشريعة، «فالموبذان وهو القيم بأمور الدين ومعناه قاضي القضاة، وهو رئيس الهرابذة ومعناهم القوام بأمور الدين والقضاة والمتصرفون بالأحكام»[133].

وكان القضاء العسكري يشكِّل فرعًا من القضاء، ويشير كريستنسن إلى أن القضاء العسكري «نيط بقاضٍ خاص هو سپادادور»[134]، ثم يضيف القول بوجود محكمة عليا تتألف من «المجلس الأعلى، أي جمعية العظماء رئيسها الموبدان موبد، وهي المحكمة التي يظهر أن لها ولاية القضاء في جرائم الخيانة العظمى».

ويبدو أن القضاء العسكري كان محيطًا وجامعًا لقواعد الضبط والربط والتراتبية العسكرية ومرجعًا للعدالة ورادعًا لمن تخوّله نفسه مخالفته. وفي هذا الإطار يفرض القانون على رجال الجيش «أن يحترموا أهل الدرجات، وأن يحترموا بعضهم بعضًا وأن يحتشموا، إذ لو ألقي الحبل للناس على الغارب، لإتبع كل منهم هواه»[135].

ويفرض قانون القضاء العسكري عقوبات زاجرة على من يرتكب جرائم العصيان والخيانة والغش، ويجعل تنسر «الجريمة بين الفرد والملك حين يعصى أو يخون أو يغش، وكان كل من يعصى الملوك أو يفر من القتال لا يأمن على حياته أبدًا. وسنَّ الملك تشريعًا جديدًا هو أن يؤخذ من هذه الطائفة بعضهم ويقتل لإحداث الرهبة حتى يعتبر به الآخرون»[136]. ولعل أوضح الأحكام ما نفذ بحق القائد الفارسي «بهرام بجوبين» الذي «حمل الى هرمز من الأموال والسلاح» بعد إنتصاره على ملك الترك ثم فراره الى الترك خوفًا من هرمز نفسه، وقد نُفِّذ حكم الموت بحق بهرام بمؤامرة نفذتها خاتون إمرأة ملك الترك، دسَّت لبهرام مَنْ قَتَلَهُ»[137]. وهناك حُكْمٌ آخر فرض بحق القادة المهزومين حين «كتب كسرى الى قواد الجند الذين إنهزموا أمام هرقل ملك الروم، يأمرهم أن يَدُلُّوه على كل رجل منهم ومن أصحابهم ممن فشل في تلك الحرب ولم يرابط مركزه فيها، فأحرجهم بهذا الكتاب إلى الخلاف عليه وطلب الخيل لنجاة أنفسهم»[138]، ويتضح من هذه الرواية معرفة القادة بقساوة العقاب وخوفهم على مصيرهم وعلمهم بقرب حتفهم نتيجة للخيانة والتقصير.

 

ثامناً: الاعلام والرايات

إتخذ الفرس علمًا عظيمًا لدولتهم وشعارًا لسلطانهم وصفه الطبري «بالعلم الأكبر الذي كان يسمونه درفش كابيان»[139]. ويروي المسعودي أسطورة تؤرخ لإتخاذ هذا العلم بقوله: «إنّه من جلد يأتزر به حداد إسمه كاوك، رَفَعَهُ على رمح معلنًا الثورة بوجه طاغية فارسي إسمه الضحاك، وأصبح هذا العلم الذي أخذ من فوطة كاوه علمًا لملوك إيران»[140]. ويصف المسعودي هذا العلم بدقة بقوله: «كانت راية الفرس من جلود النمور طولها إثنا عشر ذراعًا في عرض ثمانية أذرع. وكانت الراية العظمى مرصّعة بالياقوت واللؤلؤ وأنواع الجواهر»[141]. وكان «درفش كابيان» يرفع حين كان يخوض الجيش معارك فاصلة، أو تدهم فارس أمور كبيرة تستدعي خروج الملك على رأس جيشه، أو يوكل قيادته إلى أحد أبنائه، إلاّ أنّ الطبري يشير إلى وجود هذه الراية عندما كان هذا الجيش بقيادة أحد القواد الفرس الصناديد «جوذرز» منذ عصر الملك كيخسرو حين «دفع إليه العلم الأكبر... وزعموا أن ذلك العلم لم يكن دفعه إلى أحد من القواد قبل ذلك، وإنما كانوا يسيِّرونه مع أولاد الملوك إذا وجَّهُوهم في الأمور العظام»[142]. وفي «القادسية»، نجد يزدجرد يرسل قائده رستم لمواجهة المسلمين ويخاطبه: «أنت رجل أهل فارس اليوم، وقد ترى ما جاء أهل فارس من أمر لم يَأْتِهم مثله منذ ولي أزدشير»[143].

ويبدو أنّ «الراية العظمى» كانت شعارًا من شعائر الملك، وعلامة خير يستبشر الفرس بوجودها منشورة بين كراديس الجيش بشائر النصر القادم وثبات المُلْك «لأن فارس، كما قال المسعودي تتيمّن بها، وتُظْهِرها في الأمر الشديد»[144]. وبالمقابل يؤدِّي انخفاض هذه الراية إلى هزيمة الجيش وإهتزاز المُلْك، فلم تمسح هزيمة «بشتاسب» ملك الفرس أمام ملك الترك «الذي أخذ فيما أخذ العلم الأكبر الذي كانوا يسمُّونه درفش كابيان سوى إنتصار إسفنديار القائد الفارسي الذي إرتجع العلم الأعظم وحمله معه منشورًا»[145]. ولعلّه كان الإندثار الأخير لملك فارس حين أُخِذَ هذا «العلم الأعظم» أسيرًا لدى العرب إلى غير رجعة من قبل «ضرار بن الخطاب، فَعُوِّضَ عنها بثلاثين ألفًا، وكانت قيمتها ألف ألف ومائتي ألف، وقتل في ذلك اليوم حول الراية عشرة آلاف»[146].

ويبدو أن الأكاسرة خصَّصوا لكل فرقة في الجيش الفارسي راية، فكان لكل فرقة من فرق الثغور التي يقودها أحد الأصبهبذين علم خاص بها، ويشير الطبري في معرض وصفه لإستعراض «كيخسرو« لجيشه المنتصر على «فرسياب» التركي ومروره أمام رايات فِرَقِه وفي طليعتها «العلم الأكبر» الذي دفعه الى قائده «جوذرز» بقوله: «فلمّا وافى كيخسرو العسكر وموضع الملحمة، إصطفّت له الرجال وتلقّاه جوذرز وسائر الإصبهبذين... فلمّا دخل العسكر جعل يمر بعلم علم»[147]. ولعل هذا القول يجد تفسيرًا لما أشار إليه كريستنسن عن بعض أوصاف الأعلام والرايات الساسانية «فهناك علم ملكي على صورة الشمس... كما نجد علمًا بصورة أسد... وأسود على صورة الذئب...»[148]. وبالتالي ليس غريبًا أن تكون الأشكال والصور التي رسمت على الأعلام رمزًا للفرق العسكرية، لما توحي به من خصال القوّة والعطاء والشجاعة والسرعة والإحتيال والمكر، وهي بالمطلق صفات عسكرية.

 

تاسعاً: الإدارة العسكرية

إعتمدت دولة الفرس نظامًا حربيًا قويًا إستند إلى سياسة ملوكهم الذين أحبوا الحرب وورثوا الفكر العسكري من أسلافهم. ويشير المسعودي في عرضه «للسياسات الملوكية» التي نصح بها حكيم فارس «بزرجمهر» الملك «أنوشروان» إلى كلام يرسم بشمولية السياسة العسكرية منها: «إكرام العلماء والأشراف وأهل الثغور والقواد... بقدر منازلهم، وإعداد السلاح وجميع آلات الحروب، وإذكاء العيون في الثغور ليعلم ما يتخوف، فيؤخذ له أهبته قبل هجومه»[149]. ويؤكد هذه السياسة ما وضعه الملك سابور من صفات عند إختياره عمّاله بقوله: «لا يصلح لسد الثغور، وقود الجيوش، وإبرام الأمور وتدبير الأقاليم، إلاّ رجل تكاملت فيه خمس خصال: حزم وعلم وشجاعة لا تنقصها الملمات، وصدق في الوعد والوعيد، وجود يهوّن عليه تدبير الأموال في حقها»[150].

وإتبع أكاسرة الفرس، في تنفيذ سياستهم الحربية، تأسيس إدارات تعني بمصالح الجند والإشراف على الجيوش التي كانت العامل الدائم في ضمان الإستقرار والدفاع عن الدولة والأرض. وكان «ديوان الجند» الجهاز الذي يعنى بحقوق الجند ومصالحهم، فكان مجموعة سجلات وقوائم بأسماء المقاتلة وذراريهم ومقادير أعطياتهم وتنظيمهم في وحدات وصنوف عسكرية.

ويبدو أنّ المكانة الكبيرة التي يحتلها «ديوان الجند» في دولة الفرس، فرضت على من يتم إختياره أمر «كاتب الديوان» شروطًا ومواصفات عالية ذكر الطبري بعضها في خبر تعيين كسرى «كاتبًا لديوان المقاتلة» بقوله: «وكان كسرى ولّى رجلاً من الكتّاب – نابهًا بالنبل والمروءة والغَنَاء والكفاية... لصلاح أمر الملك في جنده»[151]. ومن البدهي أن تكون معاني صفات كاتب الديوان عند الفرس دقيقة، شاملة وواسعة، فالمروءة تعني حفظ القوانين، وتحرّي الدقة في التنظيم، والحرص على السرية والأمانة والعدالة، وإستيفاء الحقوق، والصبر وكتم الأسرار. أما الكفاية فإنها تتضمّن العِلْمَ بأحكام القوانين ضمانًا لمصلحة الجيش، والدراية والخبرة بالجيوش والأسلحة وحلى الجند وشيات الدواب، والمعرفة الدقيقة بالعروض.

وكان صاحب «ديوان الجند»، أيضًا، من أرفع الناس قدرًا وأحسنهم خلقًا، نافذًا في الناس أمره، وعليًا بينهم قدره، شريفًا، صارمًا في تطبيق سياسة الجند، وفي الطبري رواية تمثل بابك بن البيروان الذي «ولاّه كسرى ديوان المقاتلة، ووكّل اليه صلاح أمر الملك في جنده... ونادى مناديه أن يحضر الفرسان على كراعهم  وأسلحتهم والرجالة على ما يلزم من السلاح... فاجتمع إليه الجند ولم يعاين كسرى فيهم... ونادى مناديه في اليوم الثاني... فلما لم ير كسرى فيهم فأمرهم بالإنصراف... وأمر مناديه في اليوم الثالث فاعترض كسرى على بابك بسلاح تام ما خلا الوترين، فلم يجز عن اسمه وقال له هلمّ أيها الملك كل ما يلزمك من صنوف الأسلحة»[152].

وترتبط قوة دولة الفرس بشكل وثيق بقوة الجيش والمال، ويعبر عن هذا الواقع تنسر بقوله: «إذا إفتقرت الرعية، خلت خزانة الملك، ولم يجد نفقة المقاتلة، ويضيع المُلْك»[153]. ومن هذا المنظور يصبح المال ركيزة أساسية لبناء الجيوش وقيام الملك، «فلا عزّ للملك إلا بالرجال ولا قوام للرجال إلا بالمال»[154].

وليس غريبًا أن نجد في ظل هذا النظام الحربي والإداري في فارس قيام علاقة بين «ديوان المقاتلة» وإدارة مالية الدولة، فالمال يشكل العمود الفقري لقيام الجيش وتألُّف الجند وسد احتياجاتهم، وصرف رواتبهم، وتأمين وسائل القتال وتحصين الثغور. ولعلّ المعادلة التي أشار إليها المسعودي بين عمارة الأرض أو خرابها، وكثرة أموال الجباية أو قلَّتها، وقوة الجند أو ضعفهم، وصيانة الدولة أو هلاكها، ترسم خطًا بيانيًا لسياسة الفرس الحربية المستندة إلى سياستهم الضرائبية وهي سياسة «تقوِّي الملك بإنتخاب الجنود واجتباء الخراج لأرزاقهم»[155]. ويبدو أن أحد ملوك الفرس حاد عن هذه السياسة ما جعله موضع إنتقاد الموبذ حين خاطبه: «عمدت إلى الضياع فإنتزعتها من أربابها وهم أرباب الخراج... فقلّت العمارة، وخربت الضياع، وقلّت الأموال، وهلكت الجنود والرعية، وطمع في ملك فارس من أطاف بها من الملوك...»[156]. من هنا تأتي مسؤولية طبقة «الدّهاقين»، في بناء دولة الفرس القوية وجيشهم القادر، وأهمية دورهم كرؤساء وملاك الأراضي والقرى الذين «كانت وظيفتهم الأصلية أن يتسلَّموا الضرائب... وإليهم يعود الفضل بخاصة في أن الدولة القليلة الخصب قد استطاعت أن تتحمل النفقات... وأن تقدر على الحروب التي تتطلب تكاليف باهظة»[157].

وفي ضوء هذه السياسة الحربية، لم يغفل ملوك الفرس إعداد البلاد لمواجهة الطوارئ، والتعامل مع الحوادث المفاجئة. لقد خصصوا احتياطًا ماليًا في خزائنهم لتغطية النفقات الحادثة من جراء عدوان مفاجيء على الحدود أو كوارث تصيب الثغور، على نحو ما نقل الطبري عن سياسة كسرى أنوشروان: «قد رأينا أن تُجْمَع في بيوت أموالنا من الأموال ما لو أتانا عن ثغر من ثغورنا، أو طرف من أطرافنا فتق أو شيء نكرهه واحتجنا إلى تداركه أو حسمه ببذلنا فيه مالاً، كانت الأموال عندنا معدّة، موجودة»[158].

 

عاشراً: مجلس العظماء والأشراف (سلطة القرار)

تذكر المصادر التاريخية في معرض سردها لتاريخ الفرس مصطلح «العظماء والأشراف»، في أماكن كثيرة، ويبدو أن العظماء والأشراف شكلوا مجلسًا لا يجتمع إلاّ لبحث القضايا الكبيرة والمفاصل التاريخية التي تواجه دولة الفرس لإسداء المشورة للملك في تدبير المُلْك، وقضايا الحرب والسلم. وكان مجلس العظماء والأشراف مؤلفًا، وفق ما ألمح الطبري في ذكره للوفد الذي التي إلتقى المنذر ملك العرب، من «العظماء وأهل البيوت وأصحاب الولايات والوزراء لقوا المنذر»[159]، كما يؤكد كريستنسن أن الأشراف والأصحاب ليسوا سوى «الضباط الكبار في الدولة والعظماء يشملون الوزراء ورؤساء الإدارة»[160].

ويبدو أنّ هذ الطبقة كانت تشكِّل مجلسًا أعلى تطال قراراته أحيانًا مقام الملك نفسه، ويذكر الطبري أنه «تعاقد ناس من العظماء وأهل البيوت ألاّ يملّكوا أحدًا من ذرِّية يزدجرد لسوء سيرته»[161]. ويضيف في موضع آخر مضمون مفاوضاتهم مع ملك العرب المنذر حول هذا الأمر بقوله :»وتكلم عظماء الفرس وأهل البيوت وفَرَشُوا للمنذر بكلامهم فظاظة يزدجرد». ويبلغ قرار هذه الطبقة درجة خطيرة حين يطال أمر وجود الملك على العرش لجهة تنحيته عن عرشه وحبسه، ويذكر الطبري: «إنّ العظماء من الفرس هم حبسوا قبّاذ حين اتبع مزدك»[162].

وكان قرار الحرب يؤخذ في إجتماع مجلس حرب يسدي المشورة للملك. ويذكر الطبري عقد مثل هذا الإجتماع لدرس تقديم مساعدة عسكرية طلبها سيف بن يزن بقوله: «وجمع كسرى مرازبته وأهل الرأي ممن يستشير في أمره»، وفي مكان آخر يقول: «إنّ كسرى إستشار وزراءه في توجيه الجند»[163]. ويجتمع مجلس الحرب مرة أخرى في عهد هرمز أنوشروان حين إكتنف الأعداء بلاد فارس من كل وجه فإستفظع هرمز ما ورد عليه وشاور فيه»[164]. ويقول المسعودي في الموقف عينه: «وأحضر الموبذان وذو الرأي»[165].

 

حادي عشر: السلوك المعتمد في أثناء القتال

يروي تنسر في كتابه بعض الآداب والسلوكيات التي اتبعها ملوك فارس في حروبهم بقوله: «لم ينسب قط لملوكنا القتل والإغارة والغدر، فإذا خالف هذا ملكان، فإنهما لم يجيزا إستعباد السبايا ولم يتخذاهم أرقاء بل عمّرا بهم المدن»[166]. والواقع، إنّ في كلام تنسر شيئًا من الصحة لإستخدامهم الأسرى في أعمال العمران، وإقامة مدن وقرى لهم وإستخدام قسم منهم كوحدات مرتزقة كما ذكرنا، ولكن قلما نجد سيرة لملك فارسي خالية من القتل والسبي، وينسب إلى سابور بن أزدشير «أنّه أطلق ملك الروم بعد أنْ جدع أنفه وقيل إنّه قتله». وقيل إنّ سابور نهى جنده عن الإبقاء على من لقوا من العرب. فأفشى فيهم القتل وسفك منهم من الدماء... وإستقرّ في بلاد البحرين يقتل أهلها ولا يقبل الفداء»[167].

وأوصى ملوك الفرس جنودهم بالحيطة واليقظة وعدم الإنصراف عن المهمة إلى جمع الغنائم، ويذكر الطبري أن سابور «نهى جنده عن العرجة عن إصابة مال»[168]. وبالمقابل «كان الإيرانيون يحرقون حقول القمح إذا توغّل العدو في أراضيهم لكي يحولوا دون تموينه»[169].

ومن آداب القتال عند الفرس إستدعاء وفد من أعدائهم لمفاوضتهم قبل شروعهم بالقتال، وفي هذ السياق يذكر الطبري «أنّ وفودًا من العرب قدمت على يزدجرد»[170]، تكلم باسمها النعمان بن مقرن قبل بدء القتال في معركة القادسية. وفي نهاوند «أرسل بندار العلج إلى العرب ليطلب منهم: «أنْ أرسِلوا الينا رجلاً نُكَلِّمَهُ»[171]. ويعتبر تنسر هذا السلوك مفخرة لجيش فارس عبّر عنها بكبرياء وبروح معنوية عالية بقوله: «إنّ ألف رجل منا يغلبون عشرين ألفًا من الأعداء أيًا كانوا، لأنّ رجالنا لا يبدأون بالعدوان والحرب والقتل»[172].

 

الخلاصة

عرف الفرس، بنتيجة حروبهم مع الروم والأمم الأخرى المعاصرة لهم نظم القتال ومبادئ الحرب، وأفاد قادتهم من دروس المعارك التي خاضوا غمارها لتحسينها وتطويرها بحيث أصبحت فنون القتال عندهم لا تختلف كثيرًا عمّا هو متعارف عليه في عصرنا. لقد تركت دولة الأكاسرة تراثًا عريقًا في الإدارة وتنظيم الجيوش وفن الحرب، أغنت بفضل إحتكاكها بالأمم والشعوب التي كانت على حرب دائمة معها مثل البيزنطيين والترك والهياطلة وغيرهم، وكانت لها بصمات دامغة في تكوين الفن العسكري الإسلامي.

 

[1]-     اربري، أ.ج، تراث فارس، كتب فصوله أساتذة من المستشرقين، أشرف على نشره أربري، ونقله إلى العربية أساتذة كلية الآداب جامعة القاهرة، راجع ترجمته يحي الخشاب، ص15، دار إحياء الكتب العربية، 1959.

 

[2]-     كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص5، ترجمة يحي الخشاب ومراجعة عبد الوهاب عزام، دار النهضة العربية، بيروت، د. ت.

 

[3]-     Beneveniste. E. Les classes sociales dans la tradition avestique, J.A. P 124, 1932

 

[4]-     كريستنسن، آرثر، المرجع السابق، ص7

 

[5]-     تنسر، كتاب تنسر، ص33-12 ، ترجمة يحي الخشاب، القاهرة، 1954.

 

[6]-     الجاحظ، ابو عثمان، كتاب التاج، ص25، أحمد زكي باشا، الطبعة الأولى، المطبعة الأميرية بالقاهرة، 1332هـ-1914م.

 

[7]-     المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، الجزء الأول، ص286، عني بتنقيحه وتصحيحه شارل بلا، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1966م.

 

[8]-     كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص119.

 

[9]-     كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 197

 

[10]-    المرجع عينه، ص 251-246

 

[11]-    اربري، أ.ج، تراث فارس، ص 12.

 

[12]-    كريستنسن، المرجع السابق، ص 246.

 

[13]-    تنسر، كتاب تنسر، ص 29.

 

[14]-    المسعودي، مروج الذهب، الجزء الأول، ص 287.

 

[15]-    الطبري، تاريخ الامم والملوك، المجلد الأول، ص 422، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1415هـ-1995م.

 

[16]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 127.

 

[17]-    الطبري، المصدر السابق، المجلد الأول، ص389.

 

[18]-    تنسر، كتاب تنسر، ص 68.

 

[19]-    المسعودي، مروج الذهب، الجزء الأول، ص 311.

 

[20]-    المصدر عينه، الجزء الأول، ص 321.

 

[21]-    تنسر، المصدر السابق، ص 67.

 

[22]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 99.

 

[23]-    المسعودي، المصدر السابق، ص 389-386.

 

[24]-    اربري، أ.ج، تراث فارس، ص 55.

 

[25]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 198.

 

[26]-    ستروكوف، تاريخ فن الحرب، الجزء الأول، ص 48.

 

[27]-    كريستنسن، المرجع السابق، ص 197.

 

[28]-    الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 423.

 

[29]-    الطبري، تاريخ، المجلد الاول، ص 452.

 

[30]-    موريز، ايريك، مدخل إلى التاريخ العسكري، ص295 ، تعريب أكرم ديري والمقدم الهيثم الأيوبي، دار الإرشاد، الطبعة الأولى، بيروت، 1970.

 

[31]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 92.

 

[32]-    الطبري، المصدر السابق، المجلد الأول، ص 412-411-410.

 

[33]-    المسعودي، مروج الذهب، الجزء الأول، ص 321.

 

[34]-    المصدر عينه، الجزء الثاني، ص 115.

 

[35]-    المصدر عينه، الجزء الأول، ص 321.

 

[36]-    ستروكوف، تاريخ فن الحرب، الجزء الأول، ص 56.

 

[37]-    الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 407.

 

[38]-    المصدر عينه، المجلد الأول، ص 412.

 

[39]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 246-93.

 

[40]-    المسعودي، مروج الذهب، الجزء الثاني، ص 116.

 

[41]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 379.

 

[42]-    ديورانت، ول وايريل، قصة الحضارة، المجلد الأول، الجزء الثاني، ص 417، تقديم الدكتور محي الدين صابر، ترجمة الدكتور زكي محمود، دار الجيل، بيروت، 1408هـ- 1988.

 

[43]-    المصدر عينه، المجلد الأول، الجزء الثاني، ص 417.

 

[44]-    كريستنسن، المصدر السابق، ص 199.

 

[45]-    بروى، إدوار، تاريخ الحضارات العام، المجلد الثالث، ص56، نقله إلى العربية يوسف اسعد داغر وفريد داغر، منشورات عويدات، بيروت-باريس، ط 1994، 3

 

[46]-    المرجع نفسه

 

[47]-    الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 405.

 

[48]-    الألوسي، محمود شكري، بلوغ الإرب، الجزء الثاني، ص 176، المطبعة الرحمانية، 1314هـ-1924م.

 

[49]-    المسعودي، مروج الذهب، الجزء الأول، ص 290.

 

[50]-    اربري، أ.ج، تراث فارس، ص 39.

 

[51]-    كريستنسن، ارثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 401.

 

[52]-    تنسر، كتاب تنسر، ص 37.

 

[53]-    الطبري، تاريخ، المجلد الاول، ص 406.

 

[54]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 401.

 

[55]-    اربري، أ.ج، تراث فارس، ص 51 .

 

[56]-    المسعودي، مروج الذهب، الجزء الأول، ص 310.

 

[57]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 401.

 

[58]-    تنسر، كتاب تنسر، ص 50.

 

[59]-    تنسر، كتاب تنسر، ص 50.

 

[60]-    ايمار، اندريه وابوايه، جانين، تاريخ الحضارات العام، المجلد الأول، ص 220، نقله إلى العربية فريد داغر وفؤاد ريحان، منشورات عويدات، ط3، بيروت - باريس، 1413هـ-1993م.

 

[61]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 425.

 

[62]-    الطبري، تاريخ، المجلد الاول، ص 462.

 

[63]-    الطبري، تاريخ، المجلد الثاني، ص 395.

 

[64]-    المصدر عينه، المجلد الاول، ص 400.

 

[65]-    المسعودي، مروج الذهب، الجزء الأول، ص 287.

 

[66]-    تنسر، كتاب تنسر، ص29.

 

[67]-    قدامة بن جعفر، أبو الفرج، الخراج وصناعة الكتابة، ص 254، تحقيق محمد الزبيدي، دار الحرية، 1980.

 

[68]-    كي لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية، ص 214، ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، بيروت، 1405هـ-1985م.

 

[69]-    قدامة بن جعفر، نبذة من كتاب الخراج وصناعة الكتابة، ص 261

 

[70]-    قدامة بن جعفر، نبذة من كتاب الخراج وصناعة الكتابة، ص 261.

 

[71]-    الطبري، تاريخ، المجلد الاول، ص 460.

 

[72]-    الطبري، تاريخ، المجلد الاول، ص 486.

 

[73]-    المصدر عينه، المجلد الاول، ص 400

 

[74]-    المصدر عينه، المجلد الاول، ص 400

 

[75]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 82.

 

[76]-    الطبري، المصدر السابق، المجلد الاول، ص 405.

 

[77]-    تنسر، كتاب تنسر، ص 29.

 

[78]-    ابن قتيبة، عيون الأخبار، المجلد الأول، ص 194.

 

[79]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 234.

 

[80]-    ابن قتيبة، المصدر السابق، ص 194.

 

[81]-    الطبري، تاريخ، المجلد الاول، ص 333.

 

[82]-    المصدر عينه، المجلد الثاني، ص 410.

 

[83]-    المصدر عينه، المجلد الاول، ص 401.

 

[84]-    المصدر عينه، المجلد الثاني، ص 399.

 

[85]-    المصدر عينه، المجلد الثاني، ص 411.

 

[86]-    موريز، ايريك، مدخل الى التاريخ العسكري، ص 288.

 

[87]-    الطبري، تاريخ، المجلد الثاني، ص 411.

 

[88]-    ابن قتيبة، عيون الأخبار، المجلد الأول، ص 192.

 

[89]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 202.

 

[90]-    ابن قتيبة، عيون الأخبار، المجلد الأول، ص 193.

 

[91]-    المصدر عينه، ص 194-193

 

[92]-    الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 410.

 

[93]-    كريستنسن، أرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 230.

 

[94]-    الطبري، المصدر السابق، المجلد الأول، ص 423.

 

[95]-    الطبري، تاريخ، المجلد الثاني، ص 406.

 

[96]-    المصدر عينه، المجلد الثاني، ص 469-468.

 

[97]-    موريز، ايريك، مدخل إلى التاريخ العسكري، ص 289.

 

[98]-    الطبري، المصدر السابق، المجلد الثاني، ص 469-468.

 

[99]-    كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 203.

 

[100]-  الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 460.

 

[101]-  كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 196.

 

[102]-  تنسر، كتاب تنسر، ص 48.

 

[103]-  المصدر عينه، ص 29.

 

[104]-  تنسر، كتاب تنسر، ص 64.

 

[105]-  الطبري، تاريخ، المجلد الاول، ص 447.

 

[106]-  تنسر، المصدر السابق، ص 67.

 

[107]-  ديورانت، قصة الحضارة، المجلد الاول، الجزء الثاني، ص 442-440.

 

[108]-  المرجع عينه، ص 444.

 

[109]-  ديورانت، قصة الحضارة، المجلد الأول، الجزء الثاني، ص 439.

 

[110]-  تنسر، كتاب تنسر، ص 67.

 

[111]-  الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 234.

 

[112]-  المصدر عينه، المجلد الأول، ص 394.

 

[113]-  الطبري، تاريخ، المجلد الاول، ص 402.

 

[114]-  المسعودي، مروج الذهب، الجزء الاول، ص 301.

 

[115]-  الطبري، المصدر السابق، المجلد الأول، ص 422.

 

[116]-  كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 39-38-37

 

[117]-  الجاحظ، التاج، ص 72.

 

[118]-  كريستنسن، المصدر السابق، ص 15-14.

 

[119]-  الطبري، تاريخ، المجلد الاول، ص 492.

 

[120]-  المسعودي، مروج الذهب، الجزء الأول، ص 321.

 

[121]-  الطبري، تاريخ، المجلد الاول، ص 329.

 

[122]-  كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 200.

 

[123]-  الجاحظ، كتاب التاج، ص 70.

 

[124]-  كريستنسن، آرثر، ايران في عهد الساسانيين، ص 393.

 

[125]-  الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 412.

 

[126]-  الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 412.

 

[127]-  الجاحظ، كتاب التاج، ص 156.

 

[128]-  الطبري، المصدر السابق، المجلد الأول، ص 423.

 

[129]-  الجاحظ، التاج، ص 159-158-157.

 

[130]-  المصدر عينه، ص 174.

 

[131]-  كريستنسن، إيران في عهد الساسانيين، ص 211-212.

 

[132]-  المسعودي، مروج الذهب، الجزء الأول، ص 286.

 

[133]-  المسعودي، مروج الذهب، الجزء الأول، ص 287.

 

[134]-  كريستنسن، إيران في عهد الساسانيين، ص 286.

 

[135]-  تنسر، كتاب تنسر، ص 48.

 

[136]-  المصدر عينه، ص 38.

 

[137]-  الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 466

 

[138]-  المصدر عينه، المجلد الأول، ص 467.

 

[139]-  المصدر عينه، المجلد الأول، ص 328.

 

[140]-  المسعودي، مروج الذهب، الجزء الثاني، ص 250.

 

[141]-  المصدر عينه، الجزء الثالث، ص 63-51.

 

[142]-  الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 300.

 

[143]-  المصدر عينه، المجلد الثاني، ص 392.

 

[144]-  المسعودي، مروج الذهب، الجزء الثالث، ص 51.

 

[145]-  الطبري، المصدر السابق، المجلد الأول، ص 329.

 

[146]-  المسعودي، المصدر السابق، الجزء الثالث، ص 63.

 

[147]-  الطبري، المصدر السابق، المجلد الأول، ص 301.

 

[148]-  كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 301.

 

[149]-  المسعودي، مروج الذهب، الجزء الأول، ص 310.

 

[150]-  المصدر عينه، الجزء الأول، ص 291.

 

[151]-  الطبري، تاريخ، المجلد الاول، ص 451.

 

[152]-  المصدر عينه، المجلد الأول، ص 452.

 

[153]-  تنسر، كتاب تنسر، ص 48.

 

[154]-  المسعودي، مروج الذهب، الجزء الأول، ص 294.

 

[155]-  الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 306.

 

[156]-  المسعودي، المصدر السابق، الجزء الأول، ص 294.

 

[157]-  كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 100.

 

[158]-  الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 450.

 

[159]-  المصدر عينه، المجلد الاول، ص 409-408-407.

 

[160]-  كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 98.

 

[161]-  الطبري، المصدر السابق، المجلد الأول، ص 409-408-407 .

 

[162]-  الطبري، تاريخ، المجلد الاول، ص 419.

 

[163]-  المصدر عينه، المجلد الأول، ص 447-445.

 

[164]-  المصدر عينه، المجلد الأول، ص 463.

 

[165]-  المسعودي، مروج الذهب، الجزء الأول، ص 312.

 

[166]-  تنسر، كتاب تنسر، ص 67.

 

[167]-  الطبري، تاريخ، المجلد الأول، ص 395-400-401-402.

 

[168]-  المصدر عينه، المجلد الأول، ص 400.

 

[169]-  كريستنسن، آرثر، إيران في عهد الساسانيين، ص 203.

 

[170]-  الطبري، المصدر السابق، المجلد الأول، ص 390.

 

[171]-  المصدر عينه، المجلد الأول، ص 520.

 

[172]-  تنسر، كتاب تنسر، ص 68.

 

The Persian Army and its experience in the Art of War

 

Persia is a nation enjoying expertise and know how in many fields as well as the art of war and all of these capabilities were proven during their battles and wars against many civilizations and nations.
The Persian have equally organized a society of warriors and a powerful imperial army distributed among many units and directly affiliated to the King. These units are constituted of the elite in society regrouped as Knights and the mercenaries or “Mourtazikone” who were recruited among elements of all the nations governed by the Persians.
Moreover, the author focuses on military principles in particular military training, spying and reconnaissance. The defensive system was also tackled.
The researcher also studied battle management and the methods adopted by the council of prestigious officials to reach the attitude adopted in times of war.
Finally, the author confirmed that the Persians have a reputation for being masters in the art of war, an expertise acquired while fighting other nations and enriched by civilizations such as the Byzantines, the Turks and others. These civilizations have left their infallible imprint in the formation of Islamic military art.

L3’armée perse et son art de faire la guerre

 

La Perse est une nation qui a une expérience et un savoir faire ainsi qu’un art de la guerre qui a  été prouvé lors de ses combats contre plusieurs civilisations et nations.
Les Perses ont également organisé une société guerrière et une “puissante armée impériale” reparties en plusieurs unités allant de celle affiliée directement au Roi et constituée de l’élite appelée les chevaliers jusqu’à celle des Mourtazikone recrutant des éléments de toutes les nations qui ont été soumises aux Perses.
L’auteur se penche en outre sur les principes militaires, notamment sur l’entrainement militaire, l’espionnage, la reconnaissance; le système de défense sont tout aussi bien abordé.
Le chercheur étudie par ailleurs la gérance de la bataille, les modalités prises par le Conseil des puissants pour arriver à l’attitude adoptée en tant de guerre.
L’écrivain affirme finalement que les Perses sont reputés pour leur art de la guerre et des combats, expertise acquise contre les nations qui les ont enrichies telles que les Byzantins, les turcs et autres. Ces civilizations ont laissé des empreintes infaillibles dans la formation de l’art militaire islamique.