- En
- Fr
- عربي
سياحة في الوطن
ماضيها فسيفساء وقصور وحاضرها نهضة ومغتربون لا ينقطعون عن أرضهم وتراثهم
الى برّ الأمان قذف الحوت النبي يونان بعد أن قضى ثلاثة أيام في بطنه, والى مدينة الأرجوان ذات الرمال الذهبية أوصله سالماً ليتذوّق طعم الجنة بعد عذابه ومعاناته...
17 كيلومتراً من سحر الشاطئ تمتد بمواجهة بحر لازوردي تخبّر أمواجه المزبدة حكايا وروايات وأساطير...
عن السريانية تعني الجيه أو Gayyo المكان المبهج واللطيف, وقد ورد اسمها مرات عديدة في النصوص والكتابات التاريخية القديمة ومنها نص يتحدث عن حملة الملك الأشوري أسرحدون على صيدا جاء فيه: “إن الملك الأشوري بنى مدينة جديدة أطلق عليها اسم “كار أسرحدون” لتسيطر على المناطق التي كانت تابعة لمدينة صيدا, وهي من الجنوب الى الشمال: بيت صفوري, سيكو, جي (الجية), أنعمة (الناعمه), خلدو (خلده), قرطيمي, بيرو (بيروت).
وقد تعرّفت الجية بحكم موقعها الجغرافي الهام الى جميع الشعوب التي مرت بالساحل اللبناني قديماً وحديثاً وعلى ألوان حضاراتهم, وقد اكتسبت منهم تسميات عديدة فاشتهرت باسم “بورفيريون” أي مدينة الأرجوان التاريخية القديمة الذي أطلقه عليها اليونان. ويقال إن هذه المدينة تهدّمت بفعل الزلازل ولا تزال آثارها داخل الرمال على شاطئ بلدة الجية.
وقد ورد ذكر مدينة “بورفيريون” في العام 218 ق.م. حين زحف الأمبراطور السلوقي أنطيوخوس الثالث ضدّ خصومه البطالسة حيث دارت معركة ضخمة في البر والبحر على الشاطئ الضيّق عند “بورفيريون” والمناطق المجاورة لها.
آثار الجيه
لا تزال رمال الجيه تخفي آثاراً من العهود القديمة المختلفة من الفينيقية الى العربية الإسلامية, إلا أن جهود أعمال التنقيب لمديرية الآثار كشفت عن آثار هامة في البلدة.
خرائب “بورفيريون”
كشفت التنقيبات أن المدينة عرفت بين القرنين الرابع والسابع للميلاد أكبر إتساع لها كمحطة على الطريق الساحلي بين عكا وإنطاكيا, وقد شيّدت فيها البيوت التي تضم غرفاً عدة ورصفت أرضيتها بالفسيفساء من اللون ذاته لتسهل صيانتها, وتظهر فيها الشوارع الضيقة المجهزة بالمجارير والأقنية لتصريف المياه الى البحر؛ وكان للمدينة نبع يزودها بالمياه العذبة, وما يلفت الإنتباه أيضاً وجود معاصر الزيتون بكثرة, ولا تزال حجارتها متناثرة في المكان لارتباط غنى المدينة بالنشاط الزراعي الى جانب نشاطها التجاري. وفي الجهة الشمالية من موقع “بورفيريون” تمتد مدينة مدفنية كاملة فيها مقابر محفورة في الصخور الرملية تمتد بمحاذاة الشاطئ بطول 100 متر وعرض 50 متراً؛ كما يوجد فيها مغاور مدفنية تعود الى فترات تاريخية مختلفة منها مقابر يونانية مكلسة بالكلس على شكل النواويس وهناك آبار مدفنية ذات طبقتين وأغطية نواويس حجرية تعرّضت للنهب والتدمير.
مقام النبي يونس
تعود هذه التسمية الى التقاليد المحلية التي تجعل من هذا الموقع المكان الذي لفظ فيه الحوت النبي يونس, أو يونان بعد أن ابتلعه وبقي في بطنه لمدة ثلاثة أيام.
ويعود تاريخ بناء مقام النبي يونس الحالي الى عهد المماليك الذين حولوا المعبد القديم الى مسجد إسلامي على إسم النبي يونس وذلك بعد طرد الصليبيين من البلاد, ولا تزال إشارة الصليب البيزنطي مع نجمة على الأعمدة داخل المقام.
وقبيل اندلاع الحرب اللبنانية جرت في الموقع حفريات أثرية كشفت عن أطلال منازل ومنشآت من العصر البيزنطي على جانب كبير من الأهمية. فقد كانت جدرانها العالية مكسوة بالرسوم الجدرانية وأرضياتها مرصوفة بالفسيفساء, حتى أن بعض علماء الآثار اعتبر حالة الحفظ التي تتمتع بها أطلال النبي يونس مشابهة لحالة أطلال مدينة بومباي الرومانية الشهيرة.
وقد ذكر الرحالة الذين مرّوا في هذا المكان خلال القرنين الماضيين مقام النبي يونس وعرّجوا على الخان الذي بني الى جانبه؛ ولا يزال المقام قائماً في موضعه حتى الآن, وتصل اليه عبر طريق فرعية من الطريق العام, ويبلغ طوله نحو 11 متراً وعرضه عشرة أمتار, وتدخل إليه من بوابة صغيرة في وسط السور من الجهة الشمالية.
الكنيسة البيزنطية
تقع أنقاضها على شاطئ البحر مباشرة الى الجنوب من أنقاض مدينة “بورفيريون” مدخلها من جهة البحر, ويبلغ طولها نحو 41 متراً, كانت مكسوة بالفسيفساء والتصاوير الجدرانية التي وجدت مجموعات عظيمة منها, وأخذت من الكنائس البيزنطية القديمة, وقد تم عرض هذه الكنوز في جناح خاص في متحف قصر بيت الدين في الطبقة السفلى ودعي بـ “متحف الفسيفساء البيزنطية”.
قصر المير
بناه الأمير بشير الثاني الشهابي حين اشترى الجيه من آل نكد, والبناء مربّع الشكل يرتكز على أعمدة ثقيلة وجدران سميكة, ولا يزال قائماً حتى اليوم ويتألف من رواق خارجي على أعمدة رخامـية أنيقـة وزجاج ملوّن كما كانـت الموضـة سائـدة آنذاك. ويتألف القصر من الداخل من دار واسعة وعدد من غرف السكن, وقد انتقلت ملكيته الى زوجة الأمير وكانت تدعى “الست حسن جيهان” بعد وفاة الأمير.
وقد شيدت داخل القصر كنيسة خاصة في العام 1855, وهولا يزال ميراثاً في ذرية بنات الأمير الشهابي حتى اليوم, وقد رممته مديرية الآثار فتحوّل الى بناء حديث نسبياً.
كنيسة الجيه
حين زار الراهب غودار بلدة الجيه عام 1900 كانت قرية بيوتها محدودة ومسيّجة بأشجار البلح والصبّار, وقد شاهد فيها كنيسة السيدة وفيها صورة سيدة النجمة التي أرسلها البابا غريغوريوس السادس عشر الى الأمير بشير, وهذه الكنيسة يعاد بناؤها من جديد حالياً.
المغارة
في أعالي البلدة على جانب نهر صغير تقع مغارة الجية الشهيرة بضخامتها واتساعها وعلوّها الشاهق حيث يصعب الوصول الىها لانحدار سفوحها انحداراً سريعاً, إلا أن النتيجة عند الوصول تلغي تعب الرحلة, فالمغارة من الداخل تخلب الألباب وتشبه المشاهد التي تصوّرها أفلام التشويق.
ويقال إن المغارة كانت تستخدم كنفق بطول 2 كلم, حيث قام الفرنسيون في أيام الإنتداب بإدخال ديك إليها فخرج بعد فتر ة على بعد 2 كلـم من مدخل مغارة الجيه قرب قصر شمعون في السعديات, إلا أن هذه الأخبار تبقى غير مؤكدة حتى اليوم.
معالم اليوم ونشاطات البلدية
أما من الناحية السياحية فقد أضحت بلدة الجيه في الآونة الأخيرة مركزاً لمجموعة مشاريع سياحية بحرية على طول شاطئها الجميل. اذ تترامى اليوم على شاطئ الجيه الرملي مجموعة من المراكز السياحية والتي أنشئت في كنف الخليج الطبيعي الجميل ويؤمها الزوّار والمتنزهون والمسافرون على الطريق الساحلي بين صيدا وبيروت.
وعند الحديث عن بلدة الجيه لا يمكننا إلا أن نذكر معمل الجيه الحراري المشهور والذي تعرض لاعتداءات إسرائيلية, ومرفأ الجيه الذي أنشئ خلال الأحداث وهو مرفأ صغير على الجانب الجنوبي من الخليج لاستقبال بواخر المحروقات وغيرها من البضائع.
الجيه اليوم وإنجازات البلدية كانت محور حديث مع رئيس البلدية الدكتور جورج القزي, والذي افتخر بما حققه مجلس البلدية في الأعوام الأربعة حيث أثمرت الأعمال الجدية إنجازات مميزة ونقلة نوعية في تاريخ البلدة.
ويتحدث الدكتور قزي قائلاً: في ربيع عام 1998 استلمنا من البلدية السابقة مركزاً بلدياً صغيراً وغير مؤهل من حيث التجهيزات فضلاً عن عدم وجود أية آلية للشرطة أو سيارة تخص البلدية. وكان أكثر من نصف البلدة ما زال يعاني التهجير والتهديم وعدم العودة إضافة الى مشاكل وصعوبات كثيرة.
وعند تسلّم المجلس البلدي الحالي بدأ العمل بشكل جدي لتنفيذ أكبر عدد من المشاريع التي تحتاجها البلدة وأولها كان تأمين مركز لائق للبلدية, وتجهيزها بالآليات اللازمة لعملها اليومي. بعدها كانت حملة لتعبيد معظم طرقات البلدة وفتح طرقات جديدة لمنازل وأراض لم تكن تصل إليها السيارات من قبل, وتم تزيين هذه الطرقات بالأشجار الملونة. ونفذت البلدية عدة مشاريع للصرف الصحي في احياء مختلفة من البلدة, وقامت بإنارة شوارعها كافة.
وحلّت البلدية مشكلة مياه الشفة التي عانت منها الجيه منذ وقت طويل, فقامت بإنشاء خزان كبير للمياه مع إمدادات للأحياء كافة, ما أمّن مياه الشفة الى كل المنازل وبصورة دائمة. وأنشأت الحدائق المزدانة بالأشجار, والجدير ذكره إن عدد الأشجار التي زرعتها البلدية فاق الـ1400 شجرة من مختلف الأنواع بكلفة نحو 35 مليون ليرة. كما شيدت البلدية بولفاراً أو كورنيشاً بحرياً يعتبر متنفساً جمالياً وحياتياً لأبناء البلدة, وهو بات علامة بارزة في جمال الشاطئ إذ أعطاه رونقاً وتألقاً وجعله مكاناً جاذباً لهواة المشي والرياضة والتنزه. وقامت البلدية كذلك بمساعدة المدرسة الرسمية والمؤسسات الخيرية, وتشجيع النوادي الرياضية وذلك بإقامة الملاعب وتأهيل المباني وغير ذلك من نشاطات مفيدة.
مشاريع المستقبل
أما المشاريع المستقـبلية التي تنـوي البلديـة القيام بها فتشمل إنجاز مشروع كامـل للصرف الصحي في الـبلدة بعد إنشاء محطة التكرير قرب معمل الجيه الحراري, وإنشاء رصيف على جانب الطريق الرئيسية في البلدة ليكـمل ما بدأتـه الأشجـار من إعطـاء صورة حضاريـة.
وتخطط البلدية أيضاً لبناء مركز بلدية متكامل ومستقل عندما توجد الإمكانات المادية لشراء الأرض والبناء عليها؛ والمشروع الأهم يقضي بالإعتناء بالآثار بالتعاون مع مديرية الآثار عندما يتحسن وضع الدولة الإقتصادي ويصبح بالإمكان التنقيب عنها.
بانتظار كشف الآثار المطمورة نغادر الجية آسفين, آملين أن تزدهر المنطقة من جديد ويعود مهاجروها, وتستعيد أمجادها الغابرة التي تشهد أمواج البحر وآثار الشاطئ عليها.
الجيه في سطور
تقـع الجيـه على مسطـح تبلغ مساحته 879 هكتاراً وتبعد عن بيروت 30 كلم, وهي من المدن البحرية القديمة على ساحـل الشـوف ومن أطـول بلداته, إذ تمتد مسافة 7 كلم على طول الساحل الذي يحيـط بخـليج طبيعي جميل يحدّه رأس السعديات من الشمال ورأس النبي يونس من الجـنوب.
ويبلغ عدد سكان البلدة نحو 10 آلاف نسمة, هاجر أكثر من نصفهم الى أوستراليا, إلا أنهم لا يزالون على إتصال بأهلهم ويزورون بلدتهم سنوياً ويرسلون الأموال لإنمائها لتعلقهم الكبير بأرضها. والجدير ذكره إن ابناء الجيه حملوا شتول الخيار اللبناني الى سيدني حيث لاقى رواجاً كبيراً في الأسواق الأوسترالية.
والعائلات المتحدرة من بلدة الجيه هي: القزي, البستاني, الحاج, الكجك, الخطيب, نخله, حاتم, عيسى, فرحات, صالح, عبود, ديب, متري, بركات, معوش, أبو صالح.
تصوير: المجند سيفاك ارتينيان
مرجع: نشرة صادرة عن بلدية الجيه