الحرب الروسية - الأوكرانية وتأثيرها في اقتصاد أوروبا والشرق الأوسط

الحرب الروسية - الأوكرانية وتأثيرها في اقتصاد أوروبا والشرق الأوسط
إعداد: اللواء الركن حسان عوده
رئيس الأركان في الجيش اللبناني

المقدمة

هناك حالة من التنافس في التعامل مع المشكلات والقضايا الدولية والإقليمية، بسبب تصاعد قوى إقليمية جديدة تؤدي أدوارًا متزايدة في مجالَي السياسة والاقتصاد العالميَين، ما دفع البعض إلى الحديث عن هيكل جديد للعالم، يعتمد في تشكيله على قوى من أقاليم مختلفة. والحديث ليس عن عالم متعدد الأقطاب فقط، إنما عن عالم من نظم إقليمية متعددة، ومن ضمنها النظام الإقليمي الشرق-أوسطي.

تسهم الحرب الروسية الأوكرانية في إعادة تنظيم الهيكل العالمي الجديد، ولا تقتصر الأزمة على نزاع داخلي فحسب، بل تتوسع لتصبح أزمة دولية يومًا بعد يوم بين روسيا من جهة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. أزمة تسيطر عليها المصالح الأمنية والاستراتيجية والجيو-سياسية والاقتصادية بين كلا الطرفَين.

أوكرانيا دولة مستقلة منذ العام 1991، ولكن روسيا تعتبرها ضمن مجال التأثير. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بقيت العلاقة وثيقة بين الدولتَين. ولم يبدأ الصراع بينهما إلا مؤخرًا، بعد بروز العديد من النقاط الشائكة والخلافية بين البلدَين. ويعود السبب في ذلك لتفكك الاتحاد السوفياتي من جهة وسعي الغرب لاستخدام أوكرانيا ضد روسيا من جهة أخرى.

تتأثر منطقة الشرق الأوسط جراء تداعيات الغزو الروسي في أوكرانيا وذلك على عدة أصعدة أهمها الناحية الاقتصادية، السياسية والعسكرية. فالمنطقة بمثابة الجار لأوكرانيا وروسيا وبالتالي فآثار الأزمة سترتد على اقتصاداتها، وسيكون لها تبعات سلبية خصوصًا على مستويات الأمن الغذائي وأسعار النفط والغاز الطبيعي وحركة التجارة والنقل.

بناءً لما تقدّم، سنحاول البحث عن حقيقة الصراع الروسي-الأوكراني وانعكاسه على منطقة الشرق الأوسط الذي تعاني دوله أزمات مختلفة.

القسم الأول

بداية الصراع والعلاقة بين روسيا وأوكرانيا

بعدما اعترفت روسيا باستقلال جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك اللتين تعدّهما أوكرانيا من الأراضي الأوكرانية المحتلة من قبل جماعات متمردة، قررت فرنسا وألمانيا وبريطانيا وشركاؤهم في الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية، الوقوف إلى جانب أوكرانيا والتعاطف معها، الأمر الذي جعل الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي يخطئ الحسابات ربما بأن روسيا قد لا تتجرأ وتُقدِم على مهاجمة أوكرانيا. ولكن بتاريخ 24 شباط 2022، بدأت روسيا حربها على أوكرانيا ما جعل الدول السابقة الذكر تتداعى وتنخرط بحزمٍ لمساندة أوكرانيا.

بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا، بغية حماية الناطقين باللغة الروسية في أوكرانيا من ما أسماه النازية الأوكرانية الجديدة والاضطهاد العنصري، وكون أوكرانيا تنوي الانضمام إلى حلف الناتو، الأمر الذي يعد بمثابة تهديد استراتيجي، كون أوكرانيا ستتحول عندئذ إلى قاعدة عسكرية ضد روسيا، إضافة إلى وجود مساع أوكرانية جدية وخطيرة لامتلاك أسلحة دمار شامل. كما أن السبب الذي لا يقل أهمية هو برأي الرئيس بوتين أن لروسيا حقوق جغرافية في أوكرانيا.

بدأت العلاقات الثنائية بين روسيا وأوكرانيا رسميًا خلال الحرب العالمية الأولى في الوقت الذي كان الاتحاد السوفياتي يخوض فترة إصلاح سياسي. لكن العلاقة وعلى الرغم من وصفها بالتاريخية، إلا أنها لا تخلو من التعقيد، نظرًا لكثرة النزاعات الطويلة الأمد بين الدولتَين، والتي أساسها صراع حول المصالح والسياسات. ففي الوقت الذي تراقب روسيا بحذرٍ توجهات أوكرانيا المستقبلية في ما يخص العلاقة مع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ومسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، تنظر أوكرانيا بقلقٍ مماثل إلى مسألة ضم شبه جزيرة القرم لروسيا، وانفصال دونيتسك ولوغانسك عنها.

أدت عدة عوامل في تأجيج الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بدءًا من اتفاقيَتي مينسك والخلاف على تطبيقهما، مرورًا بمصالح الأطراف كافة في الأزمة وما تثيره من مسائل تتعلق بصراع الهويات وصولًا إلى التوجهات الاستراتيجية لكل من روسيا وأوكرانيا. هذه النقاط وغيرها من مسببات الأزمة بين روسيا وأوكرانيا وتداعياتها، تجعل من الأهمية بمكان الغوص في خفاياها، لمحاولة تصوّر السيناريو الأمثل لنهاية الصراع.

 

1- الجذور المشتركة بين روسيا وأوكرانيا

يمتد التاريخ الأوكراني إلى ألف عام من تغيير الأديان والحدود والشعوب، حيث تأسست العاصمة كييف قبل موسكو بمئات السنين، ويدّعي كل من الروس والأوكرانيين أنها منبع ثقافاتهم وديانتهم ولغتهم الحديثة. كانت كييف ذات أهمية كبرى في القرنَين التاسع والعاشر بسبب موقعها المميز على ضفة نهر دنيبر، فتطورت التجارة وازدهرت بفضل ذلك، لكنها ما لبثت أن فقدت مكانتها الاقتصادية في العالم1.

يشترك البلدان في الجذور التي تمتد إلى الدولة السلافية الشرقية «كييف روس» الإمبراطورية التي أسسها الفايكنغ في القرن التاسع الميلادي، وهذا ما جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتبر أن البلدَين هما شعب واحد على الرغم من انقسام الموقف في أوكرانيا بين مؤيد ورافض لهذه النظرية. لكن على أرض الواقع، تفرقت مسارات الدولتَين لعدة قرون، بسبب ظهور اختلاف في اللغة والثقافة فيما بينهما.

بحلول القرن الحادي عشر الميلادي، بلغت دولة «كييف روس»  أوج ازدهارها وباتت مدينة كييف مركزًا سياسيًا وثقافيًا رئيسًا مهمًا في أوروبا الشرقية. لكنها انهارت مع الزحف المغولي على المنطقة في العام 1237، إذ دمر المغول العديد من المدن في طريقهم للتوسع غربًا، وأسسوا دولة مغول الشمال التي عرفت باسم دولة القبيلة الذهبية2.

تُعَد دولة «كييف روس»  محل الجدل التاريخي بين روسيا وأوكرانيا كونها النواة الأساسية للبلدَين، فحين تفككت تباعدت مسارات كل من البلدَين ليبدأ نجم روسيا في السطوع. وفي العام 1547، تحولت روسيا من دولة صغيرة إلى قيصرية روسيا الكبرى، وبعدها في العام 1721 إلى الإمبراطورية الروسية. أما أوكرانيا فقد ضعفت وتفككت ووقعت أراضيها تحت نفوذ القبائل المغولية التي تفرّع عنها لاحقًا دوقية ليتوانيا الكبرى ومملكة ليتوانيا. وفي العام 1764، سيطرت كل من الإمبراطورية الروسية والنمساوية عليها3.

2- العلاقة بين البلدَين

تعيش أوكرانيا حالة ضياع بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية من جهة، وعلاقاتها المتجذرة مع روسيا عبر التاريخ من جهة أخرى. فلطالما حفل تاريخ العلاقات بين روسيا وأوكرانيا بالتوترات منذ العصور الوسطى، إذ يشترك البلَدان في الجذور التي تمتد إلى الدولة السلافية الشرقية «كييف روس» ، ولكن بلغتَين وثقافتَين مختلفتَين.

تطورت روسيا سياسيًا لتصبح إمبراطورية، بينما لم تنجح أوكرانيا في بناء دولتها. وفي القرن السابع عشر، أصبحت الأراضي الشاسعة من أوكرانيا الحالية جزءًا من الإمبراطورية الروسية. بعد سقوط تلك الإمبراطورية في العام 1917، استقلت أوكرانيا لفترةٍ وجيزة، إلى أن قام الاتحاد السوفياتي باحتلالها عسكريًا مجددًا. وعلى الرغم من أن تاريخ التوترات بين روسيا وأوكرانيا يمتد لأوائل القرن العشرين، إلا أنه اشتد بشكلٍ خاص في العام 19914

بعد الخطوة التي أقرها الناخبون في الاتحاد السوفياتي بناء على استفتاء لصالح استقلال الجمهوريات التابعة له، قامت أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا بدق المسمار الأخير في نعش الاتحاد السوفياتي في كانون الأول من العام 1991، وحصلت على استقلالها. وفي ذلك الوقت، وقّعت روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا اتفاقية تعترف بموجبها بحل الاتحاد بشكلٍ نهائي. وقد احتفظت أوكرانيا بثلث القوة النووية السوفياتية على أراضيها. وبعد الكثير من المفاوضات والأخذ والرد، وافقت على تدمير كميات كبيرة منها بينما تم نقل الباقي إلى روسيا5.

أقدمت موسكو بتاريخ 8 كانون الأول 1991 على تأسيس رابطة الدول المستقلة CIS )Commonwealth of Independent States(، بغية الاحتفاظ بنفوذها، حيث كان يظن الكرملين حينها أنه يمكنه السيطرة على أوكرانيا من خلال شحنات الغاز الرخيص، لكن الأمور سارت على غير ما خطط. ففي الوقت الذي تمكنت فيه روسيا من بناء تحالف وثيق مع بيلاروسيا، توجهت أوكرانيا نحو الغرب. الأمر الذي أزعج الكرملين، من دون أن يرقى إلى حد الصراع واستمر ذلك طيلة فترة التسعينيات. آنذاك، كانت موسكو هادئة، كونه لم يكن يوجد نوايا لدمج أوكرانيا وإدخالها في حلف الناتو. وقد يكون انشغال روسيا بحربها في الشيشان في العام 1997، والوضع الاقتصادي السيء الذي أصابها، هو الدافع لتوقيع روسيا وأوكرانيا معاهدة صداقة وشراكة والتي عرفت يومها بـالمعاهدة الكبرى، والتي اعترفت موسكو بموجبها بالحدود الرسمية لأوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، موطن أغلبية إثنية روسية6.

عقب تولّي فلاديمير بوتين سدة الحكم في روسيا، حدثت أول أزمة دبلوماسية بين الجانبَين في خريف العام 2003، حيث بدأت روسيا بشكلٍ غير متوقع في بناء سد في مضيق كيرتش بالقرب من جزيرة توزلا الأوكرانية. وقد اعتبرت كييف ذلك محاولة من قبل روسيا لإعادة رسم الحدود الوطنية، ولم يحل النزاع إلا بعد إجراء الرئيسَين اجتماعًا مباشرًا، تم على إثره إيقاف أعمال بناء السد، ولكن ظهرت خلافات على قضايا أخرى أثّرت على العلاقات الودية بين البلدَين. ففي العام 2004، تصاعد التوتر بين البلدَين بعد أن دعمت موسكو المرشح المؤيد لروسيا فيكتور يانوكوفيتش خلال الانتخابات الرئاسية للعام 2004 في أوكرانيا، وقد منعه ما عرف بـثورة البرتقال في البلاد من البقاء في المنصب. وعلى الرغم من التشكيك في مصداقية الانتخابات ونزاهتها، تمكن المرشح المؤيد للغرب فيكتور يوشتشينكو من الفوز بالرئاسة. فكانت ردة فعل روسيا أن قطعت شحنات الغاز عن أوكرانيا في عامَي 2006 و2009، كما أوقفت الشحنات المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي.

في العام 2008، شجع الرئيس الأميركي جورج بوش أوكرانيا وجورجيا على الانضمام إلى حلف الناتو، على الرغم من معارضة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لم تكن حكومته قد وافقت بعد على حصول أوكرانيا على استقلالها بالكامل. أحبطت ألمانيا وفرنسا خطة بوش في قمة الناتو التي عقدت في بوخارست برومانيا، حيث تمت مناقشة مقترح الانضمام ولكن من دون تحديد موعد لبدء المفاوضات7. بعد ذلك، حاولت أوكرانيا مرة أخرى تعزيز علاقاتها مع الغرب من خلال إبرام اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي نظرًا لأن الأمور لم تجرِ وفق ما كان مخططًا لها مع مسألة الانضمام إلى الناتو.

في صيف العام 2013، وقبل بضعة أشهر من توقيع الاتفاقية رسميًا، فرضت موسكو على كييف ضغوطًا اقتصادية هائلة أجبرت حكومة الرئيس يانوكوفيتش آنذاك والمنتخب في العام 2010 على تجميد الاتفاق. كما حظرت البضائع الأوكرانية المتجهة إلى روسيا، ما أثار موجة من الاحتجاجات الضخمة في أرجاء البلاد. وقد اشتدت الاحتجاجات من قبل معارضي قرار الرئيس يانوكوفيتش، وتحولت إلى ثورة كبيرة أدت إلى عزل الرئيس يانوكوفيتش في 22 شباط 2014، وتم تعيين رئيس برلمان أوكرانيا ألكساندر تورتشينوف بدلًا عنه. وبنتيجته، سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم في العام 2014، وضمتها إليها في عملية اعتبرت من أكبر عمليات ضم الأراضي التي عاشتها أوروبا. هذا وقد فرضت روسيا اتفاقات وقف إطلاق النار والتي اعتبرتها أوكرانيا غير مناسبة لها، كما نشبت حرب في دونيتسك ولوغانسك بين الانفصاليين الموالين لروسيا والحكومة الأوكرانية8.

نجحت روسيا على أرض المعركة فيما تبين لاحقًا أن بروتوكولَي مينسك1 ومينسك2 اللذين وُقّعا في عامَي 2014 و2015 خاسران لكل من أوكرانيا وروسيا، إذ تراجع نفوذ روسيا بشكلٍ مستمر منذ العام 2015، مع احتفاظها بالأراضي التي سيطرت عليها. ووقّعت أوكرانيا اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي في العام 2014، ثم سعت للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وعلى الرغم من أنها لم تنضم إليه بعد، فإن علاقاتها معه في تطور مستمر.

كان ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا أسهل عملية غزو، حيث كانت جزءًا من الأراضي الأوكرانية منذ العام 1954 ضمن الاتحاد السوفياتي، وهي تدار الآن ككيانَين فدراليَين روسيَين هما جمهورية القرم ومدينة سيفاستوبول الاتحادية. وفي العام 2016، تم تجميع هذه الكيانات في ما يسمى بـ منطقة القرم الاتحادية. رافق عملية الضم تدخلًا عسكريًا روسيًا والذي حدث في أعقاب الثورة الأوكرانية في العام 2014، تزامنًا مع اضطرابات واسعة في جنوب أوكرانيا وشرقها9.

كانت شبه جزيرة القرم جزءًا من الدولة العثمانية في أجزائها الشمالية، فالتنافس والصراع الإقليمي عليها ليس جديدًا. إذ دخلها الإسلام في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي. إن معظم سكانها من أصول تركية يطلق عليهم اسم: التتار. وتسمية القرم تترية تعني القلعة، ضمت مناطق ما يسمى الآن بـ «شبه جزيرة القرم» والأراضي المحيطة ببحر آزوف في روسيا الآن وشمال جزيرة القرم في أوكرانيا اليوم10.

ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي للكرملين فيكتور يانوكوفيتش، في خطوة اعتبرتها الدول الغربية غير شرعية بحيث استغل الكرملين فراغ السلطة في كييف للقيام بهذه الخطوة. كانت تلك العملية نقطة تحول في العلاقات بين البلدَين وبداية حرب غير معلنة فيما بينهما، فقد بدأت القوات الموالية لروسيا في التعبئة لانتفاضةٍ في منطقة الدونباس في شرق أوكرانيا وأنشأت جمهوريات شعبية بقيادة روسيا. انتظرت الحكومة في كييف إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في 2014 لشن هجوم عسكري كبير في شرقها وصفته بمكافحة الإرهاب. كان الجيش الأوكراني قادرًا على صد الانفصاليين، ولكن في نهاية شهر آب، وفق كييف، حصل التدخّل العسكري الروسي الذي نفته موسكو، ما أدى إلى تعرّض الوحدات الأوكرانية لهزيمةٍ كبيرة، وانتهت المعركة في أيلول بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في عاصمة بيلاروسيا مينسك بين روسيا وأوكرانيا إلى جانب الوسيطَين الفرنسي والألماني11.

حافظت روسيا على وجودها العسكري في القرم بعد استقلال أوكرانيا وتقاسم أسطول البحر الأسود السوفياتي معها، وكان لروسيا النصيب الأكبر من ذلك الإرث بثلاث قواعد عسكرية، من أبرزها وأكبرها قاعدة سيفاستوبول. ولكن الاتفاقيات الثنائية حظرت على الجانب الروسي زيادة أعداد قواته وتحديث قدرات أسطوله. بعد أسابيع قليلة من انتخاب فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا رئيسًا لأوكرانيا، تم توقيع اتفاقية مددت لبقاء أسطولها حتى العام 2045، وسمحت بإجراء إصلاحات وبعض التطوير عليه12.

تُعَد القرم جزءًا طبيعيًا لروسيا القيصرية، ثم للاتحاد السوفياتي، لسببَين جوهريَين. الأول، هو الموقع الاستراتيجي لشبه الجزيرة في البحر الأسود، والتي كانت تشكل نقطة انطلاق للروس نحو المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط، فضلًا عن أن السيطرة عليها يسمح لموسكو ببسط سيطرتها على أجزاء واسعة من البحر، خصوصًا أن أسطول البحر الأسود الروسي يتخذ حاليًا من مدينة سيفاستوبول الرئيسة في القرم مركزًا له13.

أدركت موسكو أن السيطرة الأوكرانية على القرم تعني انخراطًا مسلحًا غربيًا في البحر الأسود، ما يجعل سوتشي أولًا ثم باقي المدن الروسية ثانيًا مع شمالي القوقاز تحت المراقبة العسكرية الغربية، فضلًا عن تأثر إمدادات النفط والغاز الروسية من البحر إلى أوروبا، في حال انتشار قوات غير روسية في البحر الأسود.

3-حرب الاستنزاف في الدونباس

بدأ نظام الحكم في أوكرانيا الحرب بتاريخ 14 نيسان 2014 بإقليم الدونباس ضد المواطنين الذين رفضوا الرضوخ للسلطة الأوكرانية الجديدة التي تشكلت إثر الانقلاب الذي وقع في العاصمة كييف، والذين أيدوا قيام جمهوريتَين شعبيتَين مستقلتَين عن كييف، الأولى دونيتسك والثانية لوغانسك.

دونباس هي اختصار لكلمتَي «دون» من دونيتسك و«باس» من باسين بالروسية، أي حوض دونيتسك، وجاء اسمها من حوض الفحم الذي اكتشف في العام 1721 وتمت تسميته على اسم نهر دونيتس العابر في المنطقة. بدأ استغلال حوض دونيتسك في أوائل القرن التاسع عشر، وبحلول العام 1913 كان ينتج 87٪ من الفحم الروسي. حافظ سكان الدونباس على علاقة خاصة مع روسيا بعد أزمة القرم، واستمروا في علاقات مفتوحة مع موسكو، وانفصالية عن السلطات الأوكرانية14.

يقع إقليم الدونباس جنوب شرق أوكرانيا، على مساحة تقدر بنحو 52.3 ألف كلم مربع، ويضم منطقتَي دونيتسك ولوغانسك المتاخمتَين للحدود مع روسيا. حتى العام 2014، كان دونباس يوصف بسلة الصناعة والغذاء في أوكرانيا، لما فيه من ثروات طبيعية وصناعات ثقيلة ومساحات زراعية، إضافة إلى غناه بمناجم الحديد والفحم المستخدم في المصانع ومحطات توليد الطاقة والتدفئة. إن مجتمع الإقليم يضم رسميًا نحو 4 ملايين نسمة، 56.8٪ منهم من الأوكرانيين ونحو 38.2٪ من أصول روسية، لكن اللغة السائدة فيه كانت ولا تزال الروسية15.

بدأت الحرب منذ بداية آذار، عندما خرجت تظاهرات من قبل الجماعات الانفصالية في ولايتَي دونيتسك ولوغانسك في أوكرانيا، والتي تشكل مجتمعة إقليم الدونباس، في أعقاب الثورة الأوكرانية في العام 2014 وحركة الميدان الأوروبي. في حين أن الاحتجاجات الأولية كانت إلى حد كبير تعبيرات محلية عن السخط من الحكومة الأوكرانية الجديدة، ولكن استغلتها روسيا لإطلاق حملة واسعة النطاق سياسية وعسكرية منسقة ضد الحكومة الأوكرانية. فقاد مواطنون روس الحركة الانفصالية في الدونباس، وكانوا مدعومين من قبل متطوعين من روسيا16.

شنت أوكرانيا هجومًا عسكريًا مضادًا في شهر نيسان 2014 ضد القوات الانفصالية الموالية لروسيا حيث تمكنت بحلول آواخر شهر آب من تقليص الأراضي الواقعة تحت سيطرة الانفصاليين بشكلٍ كبير، واقتربت من استعادة السيطرة على الحدود الروسية الأوكرانية. ردًا على ذلك، بدأت روسيا غزوًا على الدونباس بالمدفعية والمشاة تحت مسمى ممرات إنسانية، واستعادت القوات الانفصالية الكثير من الأراضي التي فقدتها خلال الهجوم العسكري السابق للحكومة الأوكرانية.

وقّعت أوكرانيا وروسيا وممثلون عن جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك في 5 أيلول 2014 اتفاقية لوقف إطلاق النار سميت بـ بروتوكول مينسك برعاية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لكنه انتهك مرارًا من قبل الجانبَين، قبل أن ينهار في كانون الثاني 2015. في 12 شباط 2015، وافقت الأطراف المعنية على وقف ثان لإطلاق النار سمي بـ مينسك2. وفور توقيع الاتفاق، شنت القوات الانفصالية هجومًا خاطفًا على مدينة دبالتسيف في دونيتسك وأجبرت القوات الأوكرانية على الانسحاب منها17.

تكمن المشكلة الأساسية في اتفاقيات مينسك بتفسير بنودها من قبل كييف وموسكو، فهو يختلف اختلافًا جوهريًا. إن الحكومة الأوكرانية تعدّها وسيلة لإعادة توحيد أوكرانيا واستعادة السيادة الأوكرانية بالكامل على لوغانسك ودونيتسك على الرغم من منح سلطات معينة للمنطقتَين. وعلى النقيض من ذلك، يعتقد الكرملين أن الاتفاقيات من شأنها أن تساعد في إنشاء إدارة متحالفة مع روسيا في لوغانسك ودونيتسك، ومنحها وضعًا خاصًا.

ضمنت روسيا عبر شروط مينسك2 مكاسب تتمثل بشكلٍ عام بالاحتفاظ بنفوذها على المناطق التي سيطرت عليها، بينما على الجانب الآخر تفقد أوكرانيا سيادتها الحقيقية عليها.

القسم الثاني

 أهمية أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا والغرب

أيقظت أحداث أوكرانيا نظرية قلب الأرض لهالفورد ماكيندر المستخلصة بأن من يحكم شرق أوروبا يحكم قلب الأرض، ومن يحكم قلب الأرض يحكم جزيرة العالم (أوروبا، آسيا وأفريقيا)، ومن يحكم جزيرة العالم يحكم العالم. أصبحت أوكرانيا بموقعها الجغرافي الاستراتيجي مركز الثقل للعالم، بحيث عمدت القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من جهة وروسيا من جهة أخرى إلى التنازع لمحاولة استقطابها ووضعها تحت جناحَيه.

ظهرت أوكرانيا كدولةٍ مستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، وبسبب موقعها وعدد سكانها (46 مليون نسمة) كانت لها أهمية كبرى في حلف وارسو، بما في ذلك المشاركة في تقسيم العمل في مجال الصواريخ النووية، ونشر شبكة صواريخ باليستية تحمل رؤوسًا نووية على أراضيها، ناهيك عن علاقات تاريخية عميقة مع روسيا، إضافة إلى أقلية روسية موجودة في أوكرانيا تصل نسبتها إلى 17.3٪ من السكان، تتمركز في شبه جزيرة القرم والأقاليم الشرقية المحاذية لروسيا18.

تعد أوكرانيا ثاني أقوى جمهورية سوفياتية بعد روسيا، فهي ذات أهمية استراتيجية واقتصادية وثقافية لروسيا. منذ انفصالها عن الاتحاد السوفياتي في العام 1991، تنافست كل من روسيا والغرب لفرض نفوذ أكبر فيها بغية الحفاظ على ميزان القوى في المنطقة لكل منهما. وبالنسبة إلى الكثيرين في روسيا وفي الأجزاء الروسية من أوكرانيا، يُعتبر التراث المشترك للدولتَين قضية جوهرية تم استغلالها لأغراضٍ انتخابية وعسكرية19.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تلاشت الغالبية الأكبر من المجمعات الصناعية الموجودة في أوكرانيا، والتي ما زالت تشكل قاعدة صناعية كبرى للصناعات الموجودة في بلدان أخرى. فعلى سبيل المثال، تقدّم مصانع أوكرانية تقنيات لازمة لصناعة المحطات الكهروذرية الروسية، وصناعة الصواريخ وغيرها من الصناعات الحيوية لاقتصاد البلدَين، أي أن تداعيات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي ستكون كبيرة وخطيرة على روسيا.

إن السوق الأوكرانية هي من أضخم الأسواق بالنسبة إلى الصناعات الروسية التي مهما زادت وتطورت، لن تكون قادرة على منافسة الصناعات الأوروبية. إذا سارت الأمور وفق السيناريو السيء للروس سوف يعني ذلك خسائر كبيرة لقطاعاتٍ مهمة وحيوية لهم، وسيكون على روسيا البحث عن أسواق جديدة لتعويض خسائرها الفادحة20.

تُعدّ أوكرانيا منطقة عازلة حاسمة بين روسيا والغرب. ومع تصاعد التوترات بينهما، تصمم كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يومًا بعد يوم على إبعاد أوكرانيا عن السيطرة الروسية، ما ضاعف الجهود المبذولة لإدخالها في حلف الناتو منذ سنوات ويبدو أنها تسارعت وتيرتها مؤخرًا.

كانت أوكرانيا، حتى القريب العاجل، ذات أهمية استراتيجية بالنسبة إلى أوروبا، كون معظم أنابيب الغاز الروسي التي تغذي أوروبا تمر عبر أراضيها، لكن أهميتها تدنت منذ بداية الحرب. وتجني كييف من رسوم مرور الغاز الطبيعي الروسي عبر أراضيها إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي دخلًا سنويًا يقدر بنحو 2,06 مليار دولار، لكن من المقدر أن ينخفض هذا المبلغ إلى 1،27 مليار دولار بين الأعوام 2021 إلى 2024 .21

 

1- أسباب الصراع الروسي-الأوكراني

يجري الصراع بين روسيا وأوكرانيا حول أكثر من ملف وقضية، بعض هذه القضايا والملفات هي نتيجة تفكك الاتحاد السوفياتي، وكانت تتم المعالجة بين الدولتَين. لكن بعضها الآخر كان نتيجة سعي أميركي بدعمٍ غربي، لاستخدام أوكرانيا ضد روسيا. أبرز تلك القضايا والملفات التي سببت الصراع بين روسيا وأوكرانيا اليوم هي محاولة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي الناتو مع محاولة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي وإعلان نيتها امتلاك السلاح النووي.

انزعج الرئيس بوتين من فكرة انضمام أوكرانيا إلى الناتو، كونه اعتبره امتدادًا تدريجيًا للحلف شرقًا، بعدما انضمت تشيكيا والمجر وبولندا في العام 1999، وبلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا في العام 2004. وفسر الرئيس بوتين انضمام تلك الدول إلى الناتو أنه نقض لوعد الولايات المتحدة وذلك بالعودة لسلسةٍ من المطالب التي قدّمها الرئيس بوتين للغرب ومنها إنهاء توسع الناتو شرقًا، وبخاصةٍ في دول الاتحاد السوفياتي السابق، وتقليص النشاط العسكري للولايات المتحدة والناتو على أعتاب روسيا، لأن انضمام أوكرانيا يعد بمثابة تهديد مباشر لأمن روسيا ونقطة انطلاق لـلناتو لضربها22.

في المقابل، يرى بعض الباحثين أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو لن يغير شيئًا في قدرات شنّه حربًا على روسيا، فالحرب بينهما لا تتوقف قطعًا على انضمام أوكرانيا إلى الناتو، فالحلف موجود في بولندا المتاخمة لبيلاروسيا، وهي غير بعيدة فعليًا عن روسيا وموجود في دول البلطيق المحاذية لها، فهذا الوجود قرب الحدود الروسية كافٍ لتحقيق التفوق العسكري الحاسم عليها، وليس مرهونًا حصرًا بانضمام أوكرانيا إليه. والتفسير الممكن لهذا الأمر هو أن الولايات المتحدة الأميركية كانت على مدى هذه السنوات تستخدم ورقة ضم أوكرانيا إلى الناتو للضغط على روسيا واستفزازها، بينما هي تضمر غاية أخرى أي تدمير الاقتصاد الروسي، وتجدها مجدية أكثر من ضم أوكرانيا الفعلي23.

أما بالنسبة إلى الرئيس بوتين، فإن السلطات الأوكرانية ومنذ الخطوة الأولى في بناء دولتها، بدأت بإنكار كل ما يوحّدها مع روسيا، وحاولت تشويه الوعي والذاكرة التاريخية لملايين الأوكرانيين. وبالتالي، سرعان ما شهد المجتمع الأوكراني صعود القومية المتطرفة، والتي اتخذت شكلًا عدائيًا ضد روسيا، بدعمٍ مالي من القوى الأجنبية، لمعسكر الاحتجاجات بميدان الاستقلال في كييف، والذي بلغ مليون دولار يوميًا. بالإضافة إلى عشرات الملايين من الدولارات التي تم تحويلها إلى الحسابات المصرفية لقادة المعارضة.

اختلفت الروايات الروسية حول صناعة أوكرانيا لأسلحة الدمار الشامل، فتارة كان الحديث يجري عن عزم أوكرانيا إنتاج أسلحة نووية، وطورًا أصبح الحديث يجري عن وجود أسلحة بيولوجية بالقرب من الحدود الروسية، وعن الأسلحة الجرثومية التي تحدّث عنها الرئيس الروسي بعد بدء الغزو بأيامٍ. فقد أكدت الأمم المتحدة عدم وجود أدلة لديها بشأن امتلاك أوكرانيا برنامجًا للأسلحة البيولوجية، والطرف الوحيد الذي يدّعي وجود هذا البرنامج هم الروس الذين هم الآن في حالة غزو لأوكرانيا24.

في العام 2019، قبل الرئيس الأوكراني زيلينسكي اتفاق مينسك وقدّم عروضًا للسلام. لكن وفق استطلاعات الرأي، كانت هناك معارضة من معظم الأوكرانيين، لأن الاتفاق يتطلب من أوكرانيا منح حكم ذاتي خاص للمنطقتَين الانفصاليتَين. وبنظر المنتقدين، يسمح الاتفاق لموسكو بمواصلة التدخل في السياسة الأوكرانية واستخدام حق النقض أي الفيتو ضد موقف كييف المؤيد لأوروبا وحلف شمال الأطلسي. وقد دعا الرئيس الأوكراني إلى تغيير اتفاق مينسك في اجتماعه مع بوتين في باريس وهو ما أغضب الكرملين25.

 

2 - أبرز محطات الحرب الروسية-الأوكرانية

في 24 شباط 2022، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عملية عسكرية خاصة للدفاع عن لوغانسك ودونيتسك في إقليم الدونباس، وهو حوض منجمي شرق أوكرانيا، كان قد اعترف باستقلاله سابقًا. كما أكد أنه يريد اجتثاث النازية من أوكرانيا وطالب بضماناتٍ بأن كييف لن تنضم أبدًا إلى حلف شمال الأطلسي، ليعلن بعدها الاتحاد الأوروبي تسليم أسلحة إلى أوكرانيا للمرة الأولى، كما فرضت الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية عقوبات قاسية على روسيا، ومنحت تلك الدول مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا26.

بدأت الحرب في أوكرانيا بهجومٍ روسي جوي، بحري وبري وصولًا إلى التهديد باستخدام الأسلحة النووية بين روسيا والدول الغربية حتى وصلت إلى الهجوم الذي شنته القوات الأوكرانية في مقاطعة خيرسون.

في أول أيام الغزو، استولت القوات الروسية على كل منطقة خيرسون في جنوب أوكرانيا. وهي تعد منطقة صناعية رئيسة واستراتيجية أيضًا، لأنها تقع على تخوم شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو في العام 2014. وفي 3 آذار 2022، أصبحت مدينة خيرسون على الضفة الشرقية لنهر دنيبر أول مدينة كبرى تسقط في أيدي الروس.

مع بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، واجه الجيش مقاومة شرسة في محاولته تطويق مدينة كييف والاستيلاء على خاركيف، ثاني مدينة في أوكرانيا. في نهاية آذار، أعاد الجيش انتشاره باتجاه الجنوب وإقليم الدونباس الذي يسيطر عليه الانفصاليون منذ العام 2014. مع انسحاب القوات الروسية من محيط العاصمة، عُثر على عشرات الجثث لمدنيين لا سيما في منطقة بوتشا، ما أثار موجة تنديد وفتح تحقيق دولي من قبل المحكمة الجنائية الدولية27.

بالتزامن مع الهجوم الروسي، حاصر الجيش ميناء ماريوبول الاستراتيجي في بحر آزوف جنوب شرق أوكرانيا وبعدها أحكم السيطرة عليه. أدى ذلك إلى استمرارية الاتصال الجغرافي بين القرم والمناطق الانفصالية في الدونباس. قبل الاستسلام، قاوم حوالى 2500 مقاتل أوكراني إضافة لألف مدني كانوا متحصنين في مصنع أزوف ستال. وبحسب كييف، فإن ماريوبول دُمرت بنسبة 90٪ وقضى فيها حوالى 20 ألف شخص28.

في 30 آذار 2022، اتهمت الولايات المتحدة موسكو بالتسبب في أزمة غذائية عالمية، حيث فرضت روسيا حصارًا بحريًا في البحر الأسود، ما منع أوكرانيا من تصدير حوالى 20 مليون طن من الحبوب المخزنة داخل إهراءاتها. وفي 22 تموز 2022، تم إبرام اتفاق بين الطرفَين المتحاربَين تحت إشراف الأمم المتحدة وبوساطةٍ تركية، إذ غادرت أول شحنة محملة بحوالى 26 ألف طن من الذرة ميناء أوديسا في مطلع آب 202229.

لقد رافق تلك الأحداث اتهام الغرب لروسيا بوقف صادراتها من الغاز نحو أوروبا، من خلال إغلاق شركة غازبروم خط أنابيب الغاز نوردستريم1، الذي يمتد من الساحل الروسي القريب من سان بطرسبورغ إلى شمال شرقي ألمانيا، ويستطيع أن ينقل قرابة 170 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا معللة ذلك بأسبابٍ تقنية، إذ سجّل سعر الغاز ارتفاعًا بنسبة 26% لأسعار الغاز في أوروبا. فالأخيرة اتهمت روسيا باستخدام إمدادات الغاز كسلاحٍ تبتز به الدول الأوروبية على خلفية الصراع، وهو ما تنكره موسكو30.

منذ 5 آب 2022، تبادل المعسكران الاتهامات بقصفٍ استهدف محطة الطاقة النووية الأكبر في أوروبا في زابوروجيا التي احتلتها القوات الروسية منذ آذار 2022. في 1 أيلول 2022، سمح لوفدٍ من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش الموقع كون الوضع لا يمكن تحمّله. عندها سعى المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، إلى التفاوض على مستوى عالٍ مع كل من روسيا وأوكرانيا بشأن إقامة منطقة آمنة في المحطة. على أثرها، توقّف القصف عليها منذ 20 تشرين الثاني 2022، وبوشرت أعمال الصيانة لإصلاح الأضرار التي سببتها عمليات القصف السابقة31.

أطلقت القوات الأوكرانية في شهر آب هجومًا معاكسًا واسعًا بهدف استعادة السيطرة على خيرسون ومنطقتها، فتم الاستيلاء على عشرات القرى وتدمير بنى تحتية وجسور استراتيجية فوق نهر دنيبر، ما أدى إلى تعطيل خطوط إمداد الروس الرئيسة وإجبارهم على إعادة التمركز شرق نهر دنيبر في شهر تشرين الثاني 2022، للتخفيف من الخسائر في العديد والعتاد وقبل اشتداد صقيع فصل الشتاء عليهم.

في مطلع أيلول 2022، أطلقت أوكرانيا هجومًا مفاجئًا في منطقة خاركيف، وأعلنت كييف عن تحرير حوالى 3 آلاف كلم مربع من أراضيها، خصوصًا مع السيطرة على مدينة كوبيانسك، وإعادة السيطرة على محيط مدينة إيزيوم الاستراتيجية. هكذا أجبرت القوات الأوكرانية الجنود الروس على التراجع في مواقع استراتيجية في شرق البلاد. لقد فاجأت سرعة الهجوم الأوكراني المعاكس الجيش الروسي، فنجح في إعادة مساحات واسعة من الأراضي التي سيطرت عليها روسيا على مدى أشهر إلى قبضة أوكرانيا32.

شكّل العام 2023 في روسيا عام مواجهة التحديات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا بامتيازٍ، مع استمرارها واحتمال دخول العام الثالث على اندلاعها، وسط غياب أفق سياسي لإنهائها.­ بالإضافة لذلك، شهدت روسيا مجموعة من التطورات التي ترتبط بشكلٍ أو بآخر بتداعيات الصراع مع كييف، حيث ترى موسكو أن الخلل في منظومة العلاقات الدولية وتجاهل الضمانات الأمنية التي سعت إلى الحصول عليها كانت من أهم أسبابه33.

القسم الثالث

أضرار الحرب الروسية-الأوكرانية على الاقتصاد الأوروبي

 

إن تداعيات الأزمة الاقتصادية التي خلّفتها الحرب الروسية على أوكرانيا، طرقت أبواب الدول الأوروبية، شعوبًا وحكومات، بدءًا من إيطاليا، إذ باتت بنوكًا توسّع أعمالها يوميًا، وصولًا إلى ألمانيا التي يُعِد مسؤولوها خططًا لتقنين الغاز الطبيعي وإعادة تشغيل محطات توليد الطاقة بالفحم الحجري. أما الاتحاد الأوروبي فكثرت عليه التحديات التي نذكر منها الآتي:

1- عاشت القارة الأوروبية في حالة استقرار لنحو سبعة عقود، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولكنها لم تشهد حربًا بالمعنى الحرفي للكلمة. بينما أمسى مستقبل أوروبا، راهنًا، محفوفًا بالقلق والمخاطر نتيجة الحرب الروسية–الأوكرانية المستجدة ولا يعرف كيف ستكون نهايتها. هذه الحرب سيكون لها تداعيات اقتصادية ومالية وتجارية وحتى عسكرية هائلة بالدرجة الأولى على القارة العجوز، كونها في قلب الحدث34.

2- تعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في العالم، تحاول العديد من الدول تقييد مشتريات الطاقة أو وقفها، وحرمان موسكو من عائداتها التي تشتد الحاجة إليها عالميًا، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وزيادة أسعار البنزين في الولايات المتحدة فوق 5 دولارات للغالون، وارتفاعها أيضًا في أوروبا التي تعتمد بشكلٍ كبير على الطاقة الروسية. ومن الممكن حدوث صدمة طاقة كاملة مع ارتفاع الأسعار بشكلٍ دراماتيكي في العالم.

3- أثار تهديد الغاز مقابل الروبل احتمالية قطع الإمدادات عن الدول الأوروبية، حيث اتخذت ألمانيا والنمسا خطوات احترازية تجاه تقنين الغاز لتجنب احتمال توقف عمليات التسليم، منها دعوة وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك الألمان إلى توفير استهلاك الطاقة عبر العمل من المنزل، ليصبحوا أكثر استقلالًا عن الوقود الأحفوري الروسي35.

4- تجلت المشكلات الاقتصادية حتى على مائدة الطعام، إذ تقدر مجموعات من المستهلكين أن الأسرة الإيطالية النموذجية، أنفقت في العام 2022 مبالغ فاقت أكثر من 681 يورو مقارنة مع العام السابق، في إشارة إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية. لذلك، يتخوف مدير بنك الطعام في لومباردي بإيطاليا الذي تساهم فيه عشرات المؤسسات الخيرية وتقدّم المواد الغذائية الأساسية، من تفاقم الوضع الحالي والزيادة في عدد العائلات التي يدعمها.

5- تعرّض النمو الاقتصادي الأوروبي لخسارةٍ تراوحت ما بين 0،5٪ و1٪ من ناتجه المحلي خلال العام 2022، أي ما يتراوح بين 895 مليار دولار و1،79 تريليون دولار، ويضاف إلى ذلك كلفة إعادة إعمار أوكرنيا المقدرة بنحو 600 مليار دولار. كما لم تؤخذ في الحسبان تكاليف إيواء اللاجئين الأوكرانيين في الدول الأوروبية، والمساعدات التي ستدفعها أوروبا لمواطنيها من محدودي الدخل والفقراء لمقابلة فواتير أسعار الطاقة المرتفعة، بينما تسود مخاوف واسعة من حالة عدم اليقين بشأن توقيت انتهاء الحرب، وبالتالي توقف النزيف المالي والاقتصادي الأوروبي36.

6- رفعت الحرب الروسية الأوكرانية تكاليف الأمن والدفاع في دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني زيادة التمويل عبر الاستدانة، فألمانيا تنوي تحديث جيوشها بنحو تريليون دولار، وهناك تكاليف استثمار في دول الاتحاد الأوروبي، خصوصًا الكبيرة منها، بزياداتٍ مرتفعة في ميزانية الدفاع، بسبب مستقبل الخطر الأمني والعسكري الروسي، حتى في حال انتهاء الحرب وموافقة موسكو على الانسحاب من أوكرانيا.

القسم الرابع

تأثير الحرب الروسية-الأوكرانية في اقتصاد الشرق الأوسط

 

1- ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية

لا يزال العالم يترقب تبعات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فآثارها لم تقف عند القارة الأوروبية فحسب، بل تعدت تبعاتها ونتائجها مناطق النزاع ووصلت إلى منطقة الشرق الأوسط على المدى القريب والبعيد. ومن أبرز تبعات هذه الحرب هي الآثار الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط والغاز لاعتماد المنطقة على النفط والصناعات الروسية والأوكرانية.

تنعم الدول الرئيسة المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط ببعض الأموال نتيجة ارتفاع أسعار النفط عالميًا، في حين تعاني دولًا أخرى من ارتفاع شديد في معدلات التضخم وزيادة حادة في أسعار السلع، وذلك عقب قفز أسعار النفط فوق المئة دولار للبرميل الواحد للمرة الأولى منذ العام 2014 مع بدء العملية العسكرية37.

يتوقع أن تظل أسعار النفط مرتفعة، وهو ما سيؤدي إلى تضخم واسع النطاق للدول المستوردة له. تنتج روسيا حوالى 11٪ من نفط العالم، ما يجعلها ثالث أكبر مصدر للنفط فيه، ومن المتوقع أن تكون الاضطرابات الناجمة عن الحرب لها تأثير سلبي مديد، لأن العقوبات المفروضة على روسيا أجبرت الشركات الغربية على الخروج من أراضيها، محاولة البحث عن مصدر آخر للطاقة38.

توفر روسيا ما يعادل 40٪ من غاز الاتحاد الأوروبي وما يقدّر بنسبة 27٪ من نفطه، لكن الحكومات الأوروبية تسعى جاهدة للاستغناء عن الإمدادات الروسية، وبخاصةٍ عبر أنابيب شركة غاز بروم. وقد ساعد ذلك في رفع الأسعار العالمية من خلال خلق المزيد من الطلب على الإمدادات من مصادر أخرى، مثل منطقة الشرق الأوسط التي انقسمت في هذه الحرب بين دول خاسرة جراء الصراع الروسي–الأوكراني وأخرى رابحة39.

بعدما عانت من الركود الاقتصادي الناجم عن انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا، تأتي الأخبار السارة بالنسبة إلى دول الخليج الغنية بالطاقة. يتوقع صندوق النقد الدولي أن الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط ستحقق 1.3 تريليون دولار إضافية من عائدات النفط في السنوات الأربع المقبلة. فهذه الأموال تعني أن دول الخليج سيكون لديها فوائض في الميزانيات للمرة الأولى منذ العام 2014، ومن المتوقع أن يتسارع النمو الاقتصادي أيضًا بشكلٍ كبير. إذ نما الاقتصاد السعودي بنسبة 9.9٪ منذ بدء الحرب، وهو أعلى معدل نمو في عقد من الزمان40.

أتاحت الحرب فرصًا لمنتجي الغاز في المنطقة، إذ تسعى أوروبا للتوقف عن الاعتماد على الغاز الروسي وتبحث عن شركاء جدد محتملين للشراء منهم. وفي هذا السياق، هناك خيار باستيراد الغاز الطبيعي المسال وتخزينه من ثلاثة مصادر أساسية وهي: الولايات المتحدة، قطر وشرق أفريقيا. كما وقّع الاتحاد الأوروبي صفقات غاز مع مصر والعدو الإسرائيلي الطامحَين أن يكونا مركزًا للغاز الطبيعي في المنطقة. ويجب ألا ننسى ممر الغاز الجنوبي، الذي يمر عبر أذربيجان وجورجيا وتركيا واليونان وبلغاريا وألبانيا.

على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط المستدام إلى تسريع انتقال الطاقة التقليدية إلى البديلة، أو المعروفة بالنظيفة، وذلك من خلال جعل مصادر الطاقة المتجددة والكهرباء أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية. وقد تستخدم بعض الحكومات جزءًا من الأرباح المكتشفة حديثًا للاستثمار في الجهود المبذولة لتنويع استثماراتها في مجال الطاقة، لا سيما في مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين41.

لا يمكن أن يوجد رابح من حرب مدمرة، لكن البلدان المصدرة للمواد الهيدروكاربونية مثل قطر، السعودية، الكويت، ليبيا والجزائر، قد تشهد تحسنًا في أرصدة المالية العامة وميزان المدفوعات الخارجية وتعزيزًا لمعدلات النمو. ومن المحتمل أن تشهد البلدان المصدرة للغاز أيضًا، وعلى وجه الخصوص، زيادة هيكلية في الطلب من أوروبا، حيث أعلنت سلطات الاتحاد الأوروبي عن اهتمامها بتنويع مصادر إمداداتها من منتجات الطاقة.

في المقابل، هناك دول ستشعر بالمعاناة من ارتفاع أسعار النفط الذي يسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، ما يرفع معدلات التضخم. كما سيؤدي ارتفاع تكلفة النقل إلى زيادة في أسعار المأكولات والمواد الغذائية كالقمح والخضروات وغيرها. وإن تثبيت سعر البنزين والديزل عند حد معين أو خفض الضرائب على تلك المنتجات، سيكون حلًا مؤقتًا لدولٍ كالأردن، تونس ولبنان.

أوقفت الدول الأوروبية واردات النفط الروسي بنهاية العام 2022 في إطار العقوبات على موسكو، كما عكفت تلك الدول على زيادة وارداتها من دول الشرق الأوسط وأفريقيا. فمع توسّع رقعة الحرب الروسية على أوكرانيا، انعكست مساعي الاتحاد الأوروبي لتقليص الاعتماد على الخام الروسي المنقول عبر البحر، واتجه لاستيراد حوالى 1.4 مليون برميل من النفط الخام يوميًا من الشرق الأوسط، بزيادة 600 ألف برميل يوميًا بينما تستورد 2.6 مليون برميل يوميًا من أفريقيا، بزيادةٍ قدرها 200 ألف برميل يوميًا42.

ستؤثر أسعار النفط المرتفعة في الديناميكيات السياسية في المنطقة، وتحديدًا في العراق، إيران، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. إذ تخشى بعض الدول الإقليمية أن تفتقر روسيا إلى الموارد اللازمة للحفاظ على دورها في سوريا، ما يترك فراغًا يمكن أن تملأه القوات الإيرانية خصوصًا إذا تم إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، وخصصت أسعار النفط المرتفعة مزيدًا من الأموال في الخزانة الإيرانية.

 

2 - نقص إمدادات القمح والسلع الغذائية

أغرق الغزو الروسي لأوكرانيا العالم بأسره في سلسلة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، مخلفة وراءها أزمة غذاء عالمية حادة ألقت بظلالها على ملايين المستهلكين. بفعل الحرب، وصلت حالة الأمن الغذائي في العالم إلى منحدر غير مسبوق، ومن قائمة البلدان المرشحة للتعرض للآثار الأولية لتلك الأزمة دول الشرق الأوسط، التي تعتمد على القمح الروسي والأوكراني بنسبةٍ تفوق الـ80٪.

روسيا وأوكرانيا خزانا حبوب العالم، حيث يوفران نحو 30٪ من مجمل احتياجات سكان الكرة الأرضية من القمح. يعد البلدان المتحاربان أكبر مصدرَين لهذه المادة الحيوية، فضلًا عن مواد غذائية أخرى. منذ بدء الحرب، قلصت روسيا بشدةٍ من صادراتها من القمح، وتوقّف التصدير الأوكراني لتأمين الاحتياجات المحلية، فضلًا عن انهيار قطاع الزراعة والنقص في الأسمدة والوقود. كل ذلك، يضع الكثير من الدول النامية في دائرة الخطر، وبخاصةٍ تلك المعتمدة بشكلٍ كبير جدًا على استيراد الحبوب والقمح من هذَين العملاقَين. وفق منظمة الغذاء العالمي الفاو، يمكن أن تؤدي قيود التصدير إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والأعلاف في السوق العالمية بنسبةٍ تصل إلى نحو 22٪43.

يضيف ارتفاع أسعار النفط زيادات حادة في أسعار المواد الغذائية ومنتجات القمح، ويؤثر في عمليات استيراد القمح من المنتجين البعيدين (البدائل)، مثل الولايات المتحدة الأميركية، كندا، الأرجنتين وأستراليا. كما ارتفعت تكاليف الشحن إلى جانب رسوم التأمين بسبب الحرب، ما زاد من تضخم الأسعار أيضًا. ولعل أكثر المناطق تضررًا هي دول العالم الجنوبي، مثل دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعاني من أزمات متتالية وسيكون عليها مواجهة خطر المجاعة، مع فقدان مصادر القمح وصعوبة العثور على بدائل بكلفةٍ زهيدة.

تعتمد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على المواد الغذائية المستوردة، وبخاصةٍ القمح. حيث تستورد 50٪ من احتياجاتها الغذائية، وتستورد بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية ما بين 80٪ إلى 90٪ من احتياجاتها الغذائية، كما استوردت مصر ما يعادل 70٪ من القمح من روسيا وأوكرانيا في العام 2021. إن المنطقة معرضة لارتفاع أسعار المواد الغذائية واضطرابات في سلاسل التوريد44. سنلقي نظرة على بعض دول الشرق الأوسط:

 لبنان: في العام 2020 استورد نحو 80٪ من مادة القمح من أوكرانيا و15٪ من روسيا، وقال وزير الاقتصاد إن لبنان لديه احتياطيات قمح تكفي لشهرٍ واحد فقط، وأعلن عن خطة لشراء إمدادات قمح إضافية لشهرٍ واحد45. كما سيبدأ لبنان باستخدام تقنية التقنين للقمح بحيث يسمح استخدامه لإنتاج الخبز فقط، إلى أن يتم العثور على مصادر إمداد بديلة مثل كندا، أستراليا والولايات المتحدة الأميركية.

 مصر: أكبر مستورد للقمح في العالم، أكثر من 70 مليون مصري يعتمدون بشكلٍ مباشر على الخبز المدعوم. في العام 2021، جاء ما يقارب من 80٪ من واردات مصر من القمح من روسيا وأوكرانيا. إن مخزون مصر من القمح في الصوامع في ذلك الوقت كان يكفي لمدة أربعة أشهر، وفي منتصف نيسان، يتم حصاد الإنتاج المحلي ليمتد المخزون إلى تسعة أشهر تقريبًا. تحدثت الحكومة عن مصادر بديلة لتأمين القمح، لكن هذا قد يؤدي إلى زيادة حادة في الأسعار46.

 سوريا: تعاني أصلًا من نقص حاد في القمح بسبب الحرب والأزمة الاقتصادية وتدمير البنى التحتية في البلاد. وتعتمد بشكلٍ أساسي على روسيا لسداد حاجتها من القمح. في كانون الأول 2021، اتفقت الحكومة مع روسيا على استيراد مليون طن متري من القمح في العام 2022، بتمويلٍ من قرض روسي، حيث يعاني 13,4 مليون شخص في سوريا من انعدام الأمن الغذائي، ومن المرجح أن يؤدي الصراع الروسي-الأوكراني إلى تفاقم الأزمة47.

 اليمن: الأزمة الإنسانية الأكبر في العالم، وفق تصنيف الأمم المتحدة. فبسبب الحرب الدائرة هناك، يواجه أكثر من نصف السكان انعدام الأمن الغذائي وخطر المجاعة. ومن المرجح أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم تلك الأزمة حيث تستورد البلاد ما لا يقل عن 27٪ من قمحها من أوكرانيا و8٪ من روسيا48.

يعد ارتفاع التضخم من أكثر الآثار المباشرة لتزايد أسعار السلع الأولية. وتمثّل أسعار الغذاء حوالى 60٪ من ارتفاعه الكلي خلال العام 2021 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما عدا بلدان مجلس التعاون الخليجي. لذلك ظلت معدلات التضخم مرتفعة خلال العام 2023، حيث وصلت إلى ناقص 13,9٪. ذلك أن الكثير من اقتصادات المنطقة يعتمد بدرجةٍ كبيرة على شحنات الأغذية الأجنبية، كما يشكل الغذاء وزنًا ترجيحيًا في سلة الاستهلاك، ويزداد هذا الوزن في حالة البلدان منخفضة الدخل49.

الخلاصة

1 - منذ مئات السنين، تشترك أوكرانيا وروسيا بروابط ثقافية واجتماعية كثيرة منذ كانتا جزءًا من الاتحاد السوفياتي. إذ تعد أوكرانيا ثاني أقوى جمهورية سوفياتية بعد روسيا، كونها تتمتع بأهميةٍ كبيرة على الصعيد الاستراتيجي، الاقتصادي والثقافي. فمنذ انفصالها عن الاتحاد السوفياتي، تنافست كل من روسيا والمعسكر الغربي للحصول على نفوذ أكبر في أوكرانيا، من أجل الحفاظ على ميزان القوى في المنطقة لصالحهما.

2 - على الرغم من التاريخ المشترك بين روسيا وأوكرانيا إلا أنه يوجد اختلاف في المسار بينهما والذي يعود إلى دولة «كييف روس» ، والذي ساهم على مر العصور في تشكيل لغتَين وثقافتَين مختلفتَين، وكان للصراع بين البلدَين امتدادًا تاريخيًا يعود للعصور الوسطى، وصولًا إلى الصراع الأخير الذي أعلنت فيه روسيا الحرب على أوكرانيا.

3 - تعود أسباب الأزمة الأوكرانية لسنواتٍ مضت، وهي من تبعات النظام العالمي لما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، نتيجة عدم تعاطي الغرب إيجابًا مع مخاوف روسيا الأمنية وعلى رأسها تمدد حلف الناتو شرقًا، توسيع الاتحاد الأوروبي بضم أوروبا الشرقية، ودعم الغرب للموجات الديموقراطية في شرق أوروبا. هذه الإجراءات كان من شأنها نقل أوكرانيا من المحور الشرقي إلى المحور الغربي، من هنا أتت ردة الفعل الروسية بإعلانها الحرب على أوكرانيا.

4 - كان للحرب الروسية الأوكرانية تداعيات كبيرة وواضحة على اقتصاد الدول الأوروبية، إلا أن كلفتها تفاوتت حسب العلاقات التجارية والاستثمارية بين كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، كما رفعت الحرب الروسية-الأوكرانية من تكاليف الأمن والدفاع في الدول الأوروبية إضافة إلى الغذاء والطاقة والتي تعد أوروبا المستورد الأكبر لهما من روسيا.

5 - قامت فرنسا بدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وأعلن رئيسها ماكرون عن تزويدها بأنظمة دفاع مضادة للطائرات لحماية الأوكرانيين من الهجمات، إضافة إلى تكثيف شحنات الأسلحة. أما الولايات المتحدة الأميركية فيبدو أنها كانت مستفيدة بشكلٍ كبير من الحرب، وذلك بهدف وقف التعاون بين كل من روسيا وأوروبا في مجال الغاز بشكلٍ أساسي. ترغب الولايات المتحدة في انتقال أوروبا من الغاز الروسي إلى الغاز الأميركي المسال، كي يتعزز غازها في موقع خريطة الطاقة العالمية الجديدة، وتحصل على حصة كبيرة في السوق الأوروبي.

6 - كان للصين الحصة الأكبر من الاستفادة جراء تداعيات تلك الحرب، فهي التي بقيت على صلة مع روسيا لناحية استيرادها للنفط والغاز وازدياد العلاقات التجارية بينهما، إذ سنحت هذه الحرب الفرصة للصين في شراء النفط الروسي الرخيص بعقودٍ طويلة الأجل، ما سيجعلها تعمل على دفع عجلة التنمية لديها. وتكرر إعلان الجانبَين سعيهما لترسيخ نفسيهما كشريكَين متساويَين، لكن ركود روسيا الاقتصادي في ظل مواصلة الصين تعزيز قوتها الوطنية، سيجعل موسكو شريكًا أقل نفعًا بالنسبة إلى الصين، خصوصًا في مواجهة الغرب.

7 - تعددت تبعات الصراع الروسي-الأوكراني ونتائجه الاقتصادية والسياسية حتى وصلت إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث تعتمد دول تلك المنطقة كثيرًا على القمح الروسي والأوكراني، وكذلك على النفط والصناعات الروسية والأوكرانية. لقد نشطت عمليات الاستقطاب السياسي في هذه المنطقة، لتكوين حشد دولي بين الفريقَين الغربي والروسي، الأمر الذي وضع المنطقة أمام العديد من التحديات والفرص والانقسامات التي  فتحت أبوابًا وأحداثًا جديدة لم تكن أبدًا في الحسبان.

8 - دخلت بعض من دول منطقة الشرق الأوسط كوسيطٍ بين طرفَي الصراع، لما أظهرته في الآونة الأخيرة من البراغماتية في سياساتها، فهذه الوساطة ضرورية جدًا وبخاصةٍ أن روسيا واحدة من أكبر مورّدي النفط والغاز للسوق العالمية، وتهتم بالحفاظ على أسعارهما المرتفعة، والتي يشكل تصديرهما جزءًا كبيرًا من ميزانية الدولة. وقد تؤدي هذه الوساطة إلى ليونة أكثر في المفاوضات، إذ لا يوجد مشاكل تاريخيًا بين دول الشرق الأوسط وروسيا أو أوكرانيا.

9 - إن السيناريوهات المطروحة ضمن البحث تتقاطع مع بعضها وتؤدي إلى نتيجة موحدة ألا وهي أنه مهما كانت الطريقة التي ستنتهي بها هذه الحرب فإن العالم قد تغير من بعدها، ولن يعود إلى ما كان عليه من قبل. فعلاقة روسيا بالخارج ستكون مختلفة، وسيكون تعامل الأوروبيين مع القضايا الأمنية مختلفًا. لقد اكتشف النظام الدولي المبني على القوانين حقيقة الثغرات التي تشوبه. فهل ستؤول هذه الحرب إلى حرب عالمية نووية ثالثة؟

10 - أعادت الحرب الروسية-الأوكرانية تنظيم الهيكل العالمي من جديد، وستتجه السياسة الدولية باتجاه مواجهة الكتلة الغربية الممثلة بالولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا مقابل الكتلة الصينية الروسية والآسيوية. فبعد هذه الحرب نحتاج إلى قواعد جديدة لعالمٍ جديد، ونهج جديد من التفكير. أما الدول العربية فلا تختار أي جانب، ولكن علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية أصبحت مع بكين قريبة بشكلٍ متزايد وقد تجلت أخيرًا في الاتفاق السعودي-الإيراني، فلننتظر ونرى، إلامَ سيؤول إليه هذا الاتفاق على المنطقة والعالم؟؟

11 - إضافة إلى كل ما سبق، فلننتظر حرب الإبادة في غزة النازفة وكيف سينتهي العدوان الإسرائيلي على غزة، وهل ستكون نهاية هذه الأزمة في الوقت نفسه نهاية الأزمة القديمة الجديدة بين فلسطين والعدو الإسرائيلي؟ وهل سيكون حل الدولتَين هو الحل النهائي والشامل؟ وكيف ستكون اصطفافات الدول في المنطقة، ومَن من بين هذه الدول سيكون عراب التسوية؟ والسؤال الأبرز ما الدور الذي كانت لتؤديه روسيا في الأزمة الفلسطينية، لو لم تكن الحرب الروسية-الأوكرانية قائمة وتشغل الرئيس بوتين؟ وهل كان ليرضى بما يجري من إبادة شاملة؟

 

قائمة المراجع

1. روسيا وأوكرانيا: تاريخ متشابك وقرون من الصراعات والحروب، موقع BBC NEWS عربي، 10/03/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/mwn8x52c

2. صراع الألف عام. الجذور التاريخية للتوتر بين روسيا وأوكرانيا، موقع ساسة بوست، 04/02/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/38tnkp7

3. اللحظات المحورية في تاريخ العلاقات بين أوكرانيا وروسيا، موقع جريدة الشرق الأوسط، 27/03/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/y5umhnr7

4. دويتشه فيله، روسيا وأوكرانيا: تاريخ من الحرب غير المعلنة، موقع نون بوست، 23/12/2021، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/68rbh3ff

5. الأزمة بين روسيا وجورجيا: حرب الأيام الخمسة، موقف روسيا الاتحادية من الأزمة (مع جورجيا والغرب)، موقع مقاتل، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/ja6y6bzh

6. خالد شنيكات، دراسة للدكتور شنيكات عن الأزمة الراهنة بين روسيا وأوكرانيا، جريدة الغد الإلكترونية، 05/02/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/4yxet4t6

7. جون سيمبسون، ضم روسيا لشبه جزيرة القرم خطة مفصلة وسرية وناجحة، موقع BBC NEWS عربي، 19/03/2014، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/26zr63ce

8. محمد صفوان جولاق، أوكرانيا وانفصال القرم: الواقع والمآل، موقع مركز الجزيرة للدراسات، 20/03/2014، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/3ub37bcs

9. 6 أعوام على الضم والانتهاكات الروسية في القرم، موقع أناضول، 21/03/2020، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/y8959pm6

10. رامي القليوبي، ثماني سنوات على ضم القرم: حين بدأ ابتلاع أوكرانيا، موقع العربي الجديد، 18/03/2018، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/2y55zfm3

11. أكبر مشكلة بين موسكو وكييف. ماذا نعرف عن دونباس؟، موقع العربية، 18/02/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/3jfr5jba

12. صفوان جولاق، لماذا تطمع روسيا بمنطقتَي دونيتسك ولوهانسك بإقليم دونباس شرق أوكرانيا؟، موقع الجزيرة، 28/01/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/yc2v42ab

13. ما هي منطقة دونباس مصدر التوتر على حدود روسيا وأوكرانيا؟، موقع الشرق، 02/12/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/ycyxw5z5

14. ما أهمية دونباس التاريخية والاستراتيجية بالنسبة إلى روسيا؟، موقع DW، 21/04/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/53cunve6

15. علي العبدالله، جذر الصراع على أوكرانيا، موقع العربي الجديد، 21/02/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/2vc9dnva

16. ألطاف موتي، لماذا أوكرانيا مهمة جدًا لروسيا ولماذا يشعر الغرب بالقلق؟، موقع الجزيرة مباشر، 15/12/2021، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/4hxb6cbm

17. ألطاف موتي، منطقة عازلة بين المعسكرَين ولها دلالات خاصة. لماذا لا يتوقف التنافس الغربي الروسي على أوكرانيا؟، موقع عربي بوست، 17/12/2021، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/3dn5n365

18. سر اهتمام روسيا والغرب بأوكرانيا.فتش عن المصالح، موقع العربي الجديد، 07/12/2021، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/3zp3urzx

19. لماذا تخشى روسيا من توسع الناتو شرقًا؟، موقع DW، 25/02/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/yzd7pzyc

20. عبد المنعم إبراهيم، أميركا استخدمت أوكرانيا ضد روسيا. وحاليًا تستخدم تايوان ضد الصين، موقع جريدة أخبار الخليج، العدد 16299، 04/02/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/ycdsxh2m

21. رسلان عامر، الحرب الروسية على أوكرانيا بين الخلفيات التاريخية والأسباب الراهنة، موقع مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 07/04/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/3749tee6

22. ستة أسباب تفسر غضب بوتين من الرئيس الأوكراني، موقع الحرة الأخباري، 06/02/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/26x4apxn

23. من بدء الغزو الروسي إلى الهجوم المضاد: 200 يوم من الحرب في أوكرانيا، موقع العربي الجديد، 11/09/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/y6ra73te

24. 200 يوم من الحرب في أوكرانيا. تعرف على أبرز المحطات، موقع الجزيرة الأخباري، 11/09/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/3scarj9x

25. 200 يوم من الحرب في أوكرانيا، موقع إندبندنت عربية، 12/09/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/55szffc7

26. 200 يوم من حرب أوكرانيا. أبرز 10 مراحل بالصراع، موقع العين الإخبارية، 11/09/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/4sczrdrc

27. فهيم الصوراني، روسيا في 2023. مثلث الحرب والعقوبات والانفتاح علة الشرق، موقع الجزيرة، 18 كانون الأول 2023، متوافر على: http://tinyurl.com/bdhprx57

28. نعمت بيان، الحرب الروسية–الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية، موقع جريدة اتحاد المصارف العربية، العدد 498، أيار 2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/3yje6w7f

29. حسان رفاعي، اقتصاد الحرب. أزمة أوروبية حالية وكارثة روسية قادمة، موقع Euronews، 18/07/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/34tth54

30. خسائر أوروبا من الحرب الروسية بأوكرانيا تتجاوز تريليونَي دولار، موقع العربي الجديد، 09/05/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/4v5cc47v

31. حرب روسيا على أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط.. الرابحون والخاسرون بالمنطقة، موقع الجزيرة، 12/03/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/22cyw3y2

32. روسيا وأوكرانيا: الحرب تسببت بأكبر زيادة عالمية في الأسعار خلال نصف قرن، موقع BBC news عربي، 28/04/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/mpfaj6tm

33. عباس اللواتي وندين إبراهيم، 4 تأثيرات على الشرق الأوسط مع مرور 6 أشهر من الحرب الروسية على أوكرانيا، موقع CNN بالعربية، 25/08/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/mw9rcvwj

34. معاذ العمري، آثار محتملة للحرب الأوكرانية على الشرق الأوسط، جريدة الشرق الأوسط، العدد 15799، 01/03/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/53ctbf62

35. هل يطفئ نفط الشرق الأوسط شعلة حرب الطاقة الروسية الأوروبية؟، موقع الأناضول، 03/09/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/3x4dkw3h

36. دول عربية تخشى نقص القمح بعد حرب روسيا على أوكرانيا.. وبرنامج الأغذية العالمي يحذر من مأساة، موقع الجزيرة مباشر، 26/02/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/yskmmbfd

37. آنا ل. جاكوبس، الأزمة الأوكرانية تعمق انعدام الأمن الغذائي في الشرق الأوسط، معهد دول الخليج العربية في واشنطن، 11/04/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/3vxehzkn

38. أزمة الغذاء تتواصل في لبنان في ظل نقص القمح وانتشار التهريب، موقع المشارق، 16/09/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/5yrcnfn3

39. سارة السرجاني ولينا الورداني ومجدي سمعان، إنه أمر مخيف.. كيف أغرقت الحرب الأوكرانية مصر في أزمة، موقع CNN بالعربية، 12/07/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/5n6tar69

40. حرب روسيا وأوكرانيا. أزمة خبز تطل برأسها بالشرق الأوسط، موقع Sky News عربي، 15/02/2022، متوافر على الموقع: http://tinyurl.com/ca66r74j

41. جهاد أزعور، تداعيات سلبية على البلدان المستوردة للسلع الأولية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب ارتفاع الأسعار، موقع IMF blog، 25/05/2022، متوافر على الموقع:

http://tinyurl.com/3pj5w9ac