إقتصاد ومال

الحركة التجارية في لبنان
إعداد: تريز منصور

هل انتهت السنوات العجاف؟


خلال السنوات الخمس الأخيرة عانى الاقتصاد اللبناني عمومًا والحركة التجارية خصوصًا، انكماشًا حادًا، ما أدى إلى إقفال أكثر من 10 في المئة من المؤسسات التجارية، بينما لامست نسبة النمو الصفر في المئة. أواخر العام المنصرم تلقّت الأسواق التجارية والمالية جرعة من الأمل والثقة والتفاؤل، إلا أنّ هذا لا يكفي لمعالجة اقتصاد يعاني ضعفًا بنيويًا.
«الجيش» حاورت رئيس جمعية تجار بيروت السيد نقولا شمّاس حول الموضوع. وهنا نص الحوار.

 

5 سنوات من الانكماش
• ما هو تقييمكم للحركة التجارية للعام 2016؟

- يعيش الاقتصاد اللبناني عمومًا والقطاع التجاري خصوصًا فترة صعبة جدًا منذ العام 2011، الذي اعتُبر نموذجيًا، بحيث سجّل النمو خلاله نسبة قياسية راوحت بين 9 و 10 في المئة. ولكن للأسف، بدأت الأمور تتغيّر منذ اندلاع الأزمة السورية، التي كانت تداعياتها على الاقتصاد اللبناني موجعة، بحيث بدأت نسب النمو بالانخفاض تدريجًا، حتى لامست الصفر في المئة خلال السنوات الأخيرة. فالاقتصاد بات مكبّلًا والقطاع التجاري دخل في مرحلة النزيف المميتة، علمًا أنه يشكّل العمود الفقري للاقتصاد. وبالتالي تغيّرت المعادلة المالية في القطاع التجاري الذي انتقل من مرحلة الربح المقبول إلى مرحلة الخسارة المفتوحة. والخسائر التي لحقت بهذا القطاع دفعت بعض التجار إلى بيع عقاراتهم ورهن منازلهم، وزيادة ديونهم المصرفية أو إدخال شريك مضارب، بغية الحفاظ على استمرارية مؤسساتهم ودفع الرواتب لموظفيهم، بينما أقفلت مؤسـسات أخرى.
وأضاف شماس: النزوح السوري إلى لبنان فاقم الوضع سوءًا. في البداية أثّر على المناطق الواقعة في الأطراف كالبقاع والشمال، لكنه ما لبث أن امتدّ إلى العاصمة بيروت. العامل السوري أخذ مكان العامل اللبناني في العديد من مجالات العمل.
كذلك، نشأت في لبنان خلال السنوات الأخيرة وبطريقة غير شرعية شركات سورية، هذه الشركات لا تلتزم القوانين اللبنانية، لناحية توظيف العمال، ودفع الضرائب والرسوم للضمان الاجتماعي... ويضاف إلى ذلك تهريب البضائع التي تنافس المنتجات اللبنانية. ممّا يعني وجود دورة اقتصادية سوداء مكتملة في لبنان، تأكل من حصّة التجار اللبنانيين وتسهم في تدميرهم وتدمير الاقتصاد الوطني على حدِّ سواء.

 

أرقام كارثية
لقد أدّى هذا الواقع إلى إقفال 10 في المئة من المؤسـسات التجارية في لبنان بين منتصف 2014 ومنتصف 2015، وبين منتصف 2015 ومنتصف 2016، بلغت النسبة نحو 12 في المئة، وذلك وفق مؤشر مؤسـسة «غلوبل بلو» Global Blue المختصّة بقضية الاسترجاع الضريبي على القيمة المضافة.
وتابع شماس قائلًا: تعتمد جمعية تجار بيروت مؤشّر تجارة التجزأة لـ«فرنسا بنك»، وقد أظهر تراجعًا بنسبة 45 في المئة بين الأعوام 2011 و2016، الأمر الذي يدّل على أن الحركة التجارية شبه متوقّفة في لبنان. وفي ما يخصّ الاستثمار، الوضع كارثي كما يبيّن مؤشر «بنك ميد». يضاف إلى ذلك نسبة البطالة والهجرة التي تجاوزت الـ25 في المئة وفق مؤشّر وزارة العمل.
عكست هذه الأرقام السلبية الوضع المأساوي للاقتصاد اللبناني في الفترة المذكورة، الأمر الذي دفع بحاكم مصرف لبنان إلى إعداد الهندسة المالية، التي منعت ما تبقّى من مؤسـسات تجارية من الوصول إلى شفير الهاوية، وأنقذت الموقف المالي والنقدي، فعزّزت احتياطي مصرف لبنان، بحيث ارتفعت قيمته من 34 مليار دولار أميركي إلى 40.5 مليار دولار أميركي.

 

عودة الثقة والأمل موجود
• كيف تصف أجواء الحركة التجارية اليوم بعد انتظام المؤسسات الدستورية من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة؟
- لقد عادت الثقة إلى الاقتصاد وعاد الأمل إلى النفوس عشية انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، واستمرّت أجواء الثقة بعد تشكيل الحكومة، وبدأت الحركة التجارية بالإنطلاق مجدّدًا خلال فترة الأعياد. الأجواء الإيجابية شرط مسبق للنمو الاقتصادي، ولكنها غير كافية، لأن الاقتصاد اللبناني يعاني ضعفًا بنيويًا. ووفق مؤشر Global blue أيضًا، يتبيّن لنا أنه على الرغم من الأجواء الإيجابية في الشهرين الأخيرين من العام 2016، جاءت نتيجة الحركة التجارية الإجمالية لهذا العام سلبية (-9)، كما يبدو أن العام 2017 بدأ بوهن وجمود.
ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أن زيارة رئيس الجمهورية إلى كل من السعودية وقطر، عكست أملاً بعودة السياح الخليجيين إلى لبنان في المرحلة الحالية، على أمل عودة المستثمرين في المرحلة اللاحقة.
وأكّد شماس أن عودة السياح والمستثمرين العرب إلى لبنان أمر مهمّ وضروري لكي تعمل العجلة الاقتصادية بشكل صحيح. فالمستهلك اللبناني استُنزف، ولم يعد يرغب في الاستهلاك أو لم يعد قادرًا على الاستهلاك إلاّ في أثناء فترة التنزيلات الكبرى أو حتى خلال فترة التصفيات. وتُعتبر هذه الظاهرة كارثية على الاقتصاد، لأنه من شأنها الأكل من حصة الهوامش التجارية وإلغاء الأرباح، ولا سيّما في فترات الأعياد. فالمبدأ التجاري العام ينصّ على أن التنزيلات يجب أن تتمّ مرتين في السنة، مرة بعد عيدي الميلاد ورأس السنة، ومرّة أخرى في نهاية فصل الصيف، ولكن «الضرورات تبيح المحظورات»، فالانكماش الاقتصادي والعوز دفعا بالتجار إلى التخلّص من الفائض لديهم عدّة مرات في السنة.

 

• ما هي اقتراحاتكم للخروج من الأزمة؟
- نظرًا الى الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان على مختلف الأصعدة، لا بدّ من مسك الأمن بيد من حديد. وهنا نوجّه تحيّة إكبار إلى الجيش اللبناني وسائر المؤسـسات الأمنية على جهودها التي رسّخت الأمن وحمت لبنان وأحبطت المؤامرات التي حيكت ضدّه.
يضاف إلى ذلك ضرورة تحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP، وتلزيم بلوكات النفط وعدم اللجوء إلى زيادة الضرائب.