صحة ووقاية

الحساسية الموسمية لعلاج الطبيعي ممكن والوقاية ضرورية
إعداد: باسكال معوّض بو مارون

في فصل الربيع، يشهد الطقس اعتدالًا ملحوظًا وتتزيّن الطبيعة بألوانها الزاهية. غير أنّ هذا الجمال لا يخلو من تحديات صحية للبعض، أبرزها حساسية الربيع الموسمية، إذ يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من أعراض مزعجة مثل العطس المستمر، واحتقان الأنف، وحكّة العينين، نتيجة انتشار حبوب اللقاح في الجو. ومع ازدياد معدلات الإصابة سنويًا، تبرز الحاجة إلى فهم هذه الحالة بشكلٍ أعمق واتباع سبل الوقاية والعلاج المناسبة لتخفيف معاناة المصابين.

 

يبدأ موسم حساسية الربيع في وقت مبكر من شهر آذار، ويستمر حتى أوائل الصيف، وتُعد حبوب لقاح الأشجار والأعشاب أكثر مسبّباته شيوعًا. هذه الحبوب عبارة عن مادة مسحوقة تفرزها الأشجار والنباتات والحشائش خلال دورة تكاثرها، فتتطاير مع نسمات الربيع لمسافاتٍ بعيدة، نظرًا لجفافها وخفة وزنها.

عند انتشارها في الجوّ، تدخل حبوب اللقاح إلى التجويف الأنفي للإنسان، ما يؤدي إلى تحفيز مفرط لجهاز المناعة، الذي يتعامل معها كأجسامٍ غريبة، ويبدأ بإنتاج الأجسام المضادة لمهاجمتها. يؤدي هذا التحفيز إلى إطلاق مادة الهيستامين ومواد كيميائية أخرى في مجرى الدم، ما يسبب ظهور أعراض الحساسية الموسمية أو «حمّى القش»، وهي نوع من إلتهاب الأنف التحسّسي الذي ينجم عن التفاعل المفرط للجهاز المناعي.

وتشمل حساسية الربيع أيضًا ظاهرة الرمد الربيعي الذي يسبّب التهابًا في ملتحمة العين، وهي الغشاء الشفاف الذي يغطي بياض العين ويبطّن السطح الداخلي للجفون.

 

الأعراض

تتنوع أعراض الحساسية الموسمية وتشمل سيلان الأنف واحتقانه، العطاس المتكرر، الحكة في الأنف والحلق، السعال الجاف والصداع، إضافةً إلى التعب الناتج عن اضطرابات النوم، والفقدان المؤقت لحاسة الشم. وتزداد حدّة الأعراض لدى مرضى الربو مما يتطلب عناية خاصة.

أمّا بالنسبة إلى تأثير الحساسية على العينين، فيظهر على شكل احمرار، تدميع، وحكة شديدة تحث المصاب على فرك عينيه باستمرار. كما يمكن أن تظهر هالات سوداء تحت العين، إلى جانب خشونة في سطح الجفون من الداخل وبروز نتوءات واضحة. وفي بعض الحالات، ينتشر الالتهاب الناجم عن التفاعل التحسّسي إلى القرنية، ويُطلَق عليه حينها «التهاب القرنية والملتحمة الربيعي».

 

العلاج الطبيعي

يُعد العلاج بالأعشاب والنباتات خيارًا طبيعيًا وفعالًا لتخفيف أعراض التهاب الأنف التحسّسي؛ ومن أبرز الطرق المعتمدة في هذا الإطار، تعزيز تناول الأطعمة الغنية بمادة الكيرسيتين، وهي مركّب طبيعي يعمل على تنظيم إنتاج الهيستامين في الجسم، ما يسهم في التخفيف من أعراض الحساسية.

تتوافر مادة الكيرسيتين في العديد من الأطعمة مثل التفاح، العسل، التوت، البصل، العنب الأحمر، والكرز، إضافة إلى البروكولي، القرنبيط، الحمضيات، الخضروات الورقية، والشاي. ولتحقيق أفضل فعالية، يوصي الخبراء بالمواظبة على تناول مكمّلات الكيرسيتين لعدة أسابيع قبل بدء موسم الحساسية.

إلى ذلك، يُنصح بتناول الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك، الموجودة في المنتجات المخمّرة مثل اللبن الزبادي، نظرًا لدورها في تعزيز صحة الجهاز المناعي وتحسين أعراض حساسية الأنف الموسمية.

ومن الوسائل المفيدة أيضًا، استخدام غسول الأنف بالماء والملح، الذي يساعد على إزالة المهيجات وتقليل الاحتقان في الممرات الأنفية. ولتعزيز فعالية هذه العلاجات الطبيعية، يوصى بشرب كميات كافية من الماء، بما لا يقل عن ثمانية أكواب يوميًا، لضمان ترطيب الجسم وتخفيف احتقان الأنف.

أما على صعيد الأعشاب، فيُعتبر الزنجبيل خيارًا ممتازًا؛ إذ يعمل كمضادٍ طبيعي للهيستامين والفيروسات، مما يساعد في تقليل الالتهابات وتخفيف الأعراض. كذلك، يؤدي الكركم دورًا مهمًا في علاج التهاب الأنف التحسّسي بفضل خصائصه المضادة للالتهاب، حيث يمكن تناول ملعقة صغيرة من مسحوقه مضافة إلى كوب من الحليب الدافئ بشكلٍ يومي لتعزيز صحة الجهاز التنفسي وتخفيف الالتهاب.

وفي ما يخص تهيّج العينين، يمكن وضع كمّادات المياه الباردة عليها عدة مرات في اليوم.

وباتباع هذه الخطوات الطبيعية، يمكن السيطرة على أعراض الحساسية الموسمية والحد من تأثيرها بطريقة آمنة وفعالة.

 

الوقاية

تُعد الوقاية من التعرّض لمسبّبات الحساسية العامل الأهم في الحدّ من أعراض حساسية الربيع. ولهذا، يُنصح باتباع مجموعة من التدابير الوقائية، أبرزها:

• وضع النظارات الواقية أو النظارات الشمسية والكمامات عند الخروج من المنزل، لا سيما في الأيام التي تنشط فيها الرياح، وذلك لإبعاد مسبّبات الحساسية عن الأنف والفم والعينين.

• تفادي ملامسة العينين باليدين، والحرص على غسل الوجه واليدين باستمرار.

• إغلاق نوافذ المنزل والسيارة خلال فترات ارتفاع انتشار حبوب اللقاح، واستخدام المكيّفات الهوائية بدلًا من فتح النوافذ للتهوئة.

• الحدّ من النشاطات الخارجية في الصباح الباكر، وهو الوقت الذي تكون فيه كثافة حبوب اللقاح في الهواء في أعلى مستوياتها.

• تنظيف المنزل بانتظام لإزالة الغبار والمهيّجات من الأسطح.

• الاستحمام فور العودة إلى المنزل، والتأكد من غسل الشعر جيدًا لإزالة الشوائب المحسِّسة.

• استخدام أجهزة تنقية الهواء داخل المنزل، والتي تساهم في فلترة الهواء من الملوّثات ومسبّبات الحساسية وإعادة توزيعه نقيًّا في البيئة الداخلية.