- En
- Fr
- عربي
تربية وطفولة
بعض الأهل ينسبون حالة الخجل عند أبنائهم إلى التهذيب الزائد وحسن التربية، والقلّة منهم يتنبّه إلى أنّها ليست بميزة بل مشكلة نفسيّة قد تتحكّم بصاحبها في المستقبل، وتؤثّر سلبًا على علاقاته الاجتماعية والعاطفية وصولًا إلى حياته الزوجية في ما بعد. كما يمكنها أن تعيق مسيرة مستقبله العلمي والمهني، فالإنسان الخجول ضئيل الإنتاج ويجني مالًا أقل من سواه.
الخجل ليس بحسنةٍ
قد يكون الطفل الخجول منطويًا على نفسه إلى حدّ يستدعي علاجًا نفسيًا. وهو عادةً متردّدٌ، وثقته بما ينجزه متزعزعة، لذا يُخشى عليه من اعتماد وسائل غير آمنة لتحقيق غاياته، كمثل اللجؤ إلى ارتياد مراكز الإنترنت لمعرفة ما يخجل من الاستفسار عنه من الأهل والأصدقاء، وربّما يبلغ به الأمر حدّ الّلجوء إلى المخدّرات كأسلوب دفاعي، بسبب عدم قدرته على المواجهة.
نستنتج ممّا تقدّم أنّ الخجل ليس بحسنةٍ على الإطلاق، وعلينا أن نساعد أولادنا على تخطّيه لمواجهة الحياة ومتطلّباتها بشكل سليم، وللإنخراط في المجتمع. لذا يجب على الأهل في بداية الأمر معرفة مسبّبات خجل ولدهم ودوافعه، ليتمّ معالجتها بالأسلوب المناسب.
الأسباب
• الأسباب البدنيّة المباشرة، وتتضمّن الهزال أو السمنة الزائدة، الطول الزائد أو العكس، أو المظهر الخارجي ككل. هذه العوامل قد تدفع الأهل إلى إحاطة الولد برعاية مفرطة كإبعاده عن رفاقه الأقوياء، ومنعه من بذل مجهود في الدراسة أو اللعب، وأيضًا التدخّل في غذائه. وجميعها تصرّفات خاطئة قد تنعكس سلبًا على تكوين شخصيّته في ما بعد. وهكذا ينشأ الطفل خائفًا ومتوجسًا وضعيف الإرادة والشخصية، فتجده يتجنّب كل ألم أو جهد عضوي أو حركة ويبتعد عن رفاقه النشيطين لاقتناعه بأنّه بليد ولا يصلح لشيء.
• الدلال الزائد في مرحلة الطفولة والحماية المفرطة، كمثل معاملة الولد وكأنّه السيد المطاع، وتأمين جميع احتياجاته حتى ولو طلب «لبن العصفور»، بالإضافة إلى حصره في مجتمع خاص به وإبعاده عن الحياة الاجتماعية. لذا فعند انخراطه لاحقًا بالمجتمع وانفتاحه على مختلف فئاته، يشعر بالارتباك والخجل تجاه مواقف عاديّة بالنسبة إلى غيره، كما يشعر وكأنّه منبوذ من هذا المجتمع الذي لم يعتد عليه من قبل.
• الطفولة المهذّبة التي يرافقها سوء تغذية وإجهاد نفسي ودراسي أو فقدان الرعاية الشخصية والعاطفية من قبل الأهل، لعدّة أسباب منها الطلاق أو الموت، ممّا يؤثر سلبًا على الولد في مرحلة المراهقة، وقد يودي به ذلك، إلى انحرافات عقلية وأخلاقية في مجتمع يختاره بعيدًا عن بيئته التربوية.
• العاهات الخارجية كالدمامة والتشوّه والاختلال العضوي الظاهر. وهذه الأمور تخجله وتجعله يظن دائمًا أن نصيبه من الناس السخرية والاستهزاء ولا سبيل إلى تغيير الواقع.على الرغم من أنّنا قد نجده مندفعًا نحو الإنتاج والنجاح ومقدامًا، نتيجةً لنزعة التحدّي التي تراوده.
• الحساسيّة المفرطة، في هذه الحالة نرى الولد متوقّد الذهن، ويتمتّع بمقدرة فائقة على اتخاذ القرارات لأنّه جاهز لكل إشارة أو همسة تصدر ممن حوله. وفي المقابل قد يصفرّ وجهه أو يحمرّ، وتزداد دقات قلبه، وقد يضطرب ويتصبّب عرقًا في مواقف لا تستحق إلّا تلقيها بابتسامة وهدوء.
• الخجل النابع من جهل الطفل لحقيقة التطورات الفيزيولوجية التي تطرأ على جسمه، لا سيّما في بداية سن المراهقة، فتراه مكتئبًا ومحبطًا وسط التغيرات الجسديّة، كالعادة الشهرية عند الإناث على سبيل المثال.
• اللهجة المختلفة، يصاب بعض الأطفال بالحرج عندما ينتقد الآخرون لهجتهم وتعابيرهم التي تعكس بيئةً مختلفة.
طرق التعبير
يعبّر الأطفال عادةً عن خجلهم بطرقٍ مختلفة، فمنهم من يسعى وراء الإطراء، والطفل في هذه الحالة يمتاز بشخصيّة متوسطة القوّة ممّا يجعله يبحث عن وسيلة أخرى يثير بها إعجاب الغير واستحسانهم. وقد تكون هذه الصفة مفيدة له لأنّها تعطيه العزم والمثابرة والعمل البنّاء والإيجابي، لكنّها في المقابل قد تتحوّل إلى قلق شخصي وسعي دائم لنيل رضى الآخرين، فتراه يعوّض عن خجله بشخصه ونشاطه أو نجاحه المهني.
بعض الأطفال يميلون إلى المباهاة وحب الظهور وهي نزعة أصبحت شائعة بين طبقات المجتمع، وقد نجد أصحابها من ذوي الثقافات والإمكانات المحدودة والعقليات المتوسّطة، وممّن يفتقرون إلى الثقافة الاجتماعية الحقيقية والعلمية المدروسة، فيلجأون إلى التباهي بما لم يحصلوا عليه من علم وقوّة إرادة وملكيّة أو سلطة يحلمون بها. ويشعر هؤلاء بحرمانهم الحقيقي العميق من الصفات التي تبعث على الاعجاب، فيجهدون في الظهور بما يرضي نقصهم الداخلي الذي يشعرهم بالخجل ظنًا منهم أنّ هذه الطريقة تحمل الآخرين على حبّهم وإيلائهم الاعتبار والتقدير.
من جهة أخرى، نلاحظ لدى بعض الأطفال الرغبة في الانفراد التي ترافقها حالة من الإحباط. والولد هنا، تدور في عقله الباطني حكايات وتخيّلات، ويرتبك لمجرّد تصوّر نفسه في موقف يحتاج إلى الجرأة فيبادر إلى الهروب بدلًا من المواجهة والتحدي.
كذلك يعاني البعض التردّد والجمود وهما حالتان تسيطران على إرادة الخجول فتراه يفكّر ويصمّم على عمل ما وعندما يحاول تنفيذه يتردّد وتنتابه حالة من الجمود وكأنّ شيئًا لم يكن وذلك خوفًا من الخجل الذي سيشعر به في حال فشله وإحساسه بمسؤولية كبيرة أخذها على عاتقه.
كيف نساعد أولادنا على التخلّص من الخجل؟
للخجل عدّة أسباب تبدأ منذ مرحلة الطفولة وممكن ألّا تنتهي مدى العمر إذا لم يتنبّه الأهل والمرشدون إلى مساعدة الطفل الخجول لتخطّي هذه الآفة النفسية المزعجة. ولكن كيف ذلك، وبأي وسيلة؟
هناك عدّة طرق نذكر منها:
- تشجيعه وتأكيد ثقته بنفسه لحثّه على الإنتاج والنجاح.
- إعطاؤه الفرصة لسرد حادث حصل معه خلال النهار والإصغاء إليه.
- إتاحة الفرصة له للبوح بأسراره الدفينة وتخيّلاته الطفولية.
- التحدّث معه بحماسة عن مكامن القوّة في شخصيته ليتخلّص من الشعور بالنقص.
- معرفة رغباته وهواياته وتنميتهما بطرق صحيحة ومدروسة.
- إلقاء الضوء على النواحي التي يعتبرها مخجلة في حياته وتبيان وجهة النظر الإيجابية منها مع مقارنتها مع نواح أخرى لدى أشخاص آخرين كالدميم المتفوّق والوسيم الفاشل وفارع الطول الأبله. ومن جهة أخرى القصير الفطن أو صاحب العاهة النابغة والغني العقيم والفقير القنوع. وعلينا أن نقنعه أنّ الله خلق البشر أجمعين وقسم الأرزاق في المال والبنين والأشكال ومنحنا نعمة التفكير وعلينا ألّا نخجل من عطائه وأن نعمل على تحسين وضعنا حسب ما يرضي طموحنا.
- إيجاد صديق مخلص واعٍ إلى جانبه يشاركه هواياته ويقوّي من عزيمته.
- تدريبه على أصول اللياقات الاجتماعية المختلفة وتعليمه جمل افتتاحية.
- تمرينه على النظر في عيون الآخرين في أثناء التحدّث معهم.
- عدم إهماله من قبل الأهل خصوصًا أيام الفرص المدرسية ومشاركته في نشاطات ثقافية، رياضية، حرفية، أو خيرية تقوّي من عزيمته وثقته بنفسه وحبّه لعمل الخير وثقل النفس الانسانية.
- تزويده الإيمان الرادع الأساسي للأخطاء وتعويده على لتحلّي بالصبر والرؤية والأخلاق الحميدة وعدم اللجوء إلى العنف والقوّة في مواجهة الامور المعقّدة بل معالجتها بوعي وتفهّم.
- في المدرسة، يساعد المعلّم الولد الخجول لإخراجه من إنطوائه من خلال حثّه على المشاركة الشفهية في الصف، ومراعاة شعوره إذا أخطأ وطلب التصحيح منه بلياقة وأسلوب مشجّع من دون تأنيب، وعليه بالأخص عدم تسليط الضوء على خجله.