- En
- Fr
- عربي
تربية وطفولة
الحنان والحب وحدهما لا يكفيان لدرء الأخطار عن الأطفال، خصوصًا في المراحل المبكرة من حياتهم. والأخطار التي تهدّد نشأتهم النفسية والخلقية والاجتماعية لا تأتي من الخارج فقط، بل كثيرًا ما يكون مصدرها الأهل...
يبدو الأمر في ظاهره بسيطًا جدًا، فهو يتعلق بالأحاديث التي يتبادلها الأهل في حضور الأولاد الذين قد يراقبون عن بُعد باهتمامٍ. على سبيل المثال، قد يتناول الأهل في أحاديثهم سيرة أقارب أو جيران، بما ينطوي على تنديد شديد بأخلاقياتهم أو سلوكهم في الحياة أو نشاطاتهم الاجتماعية، وقد يتطور الحديث ليصل إلى درجة الحطّ من قدرات بعض الناس والاستخفاف بإنجازاتهم.
في هذه الحالة يكون الأهل كمن يدسّ السمّ لأولادهم، إذ يغرسون بذور نهج عدواني في سلوكهم، ويحرّضونهم على أن يكونوا أعداء لأفراد المجتمع المحيط بهم، فلا يرون في الآخرين إلا كل ما هو سيّئ.
تقدير ظروف الآخرين
وعندما يسخر الوالدان من رؤسائهما في العمل، فهما يحوّلان نُظُم الطاعة والانضباط في العمل إلى مشاعر نفور، لا يمكن أن يتخلّص منها الأولاد في ما بعد، فيشبّون على العصيان والتمرد.
لذلك، ينبغي أن تكون المناقشات دائمًا في إطار عقلاني هادىء ومهذب، وتنطوي على قدر كبير من التحليل الموضوعي، وتقدير ظروف الآخرين، والأخذ في الاعتبار بكل العوامل المتداخلة في أي موقف نفسي أو اجتماعي تعيشه أي شخصية تخالطها الأسرة، بحكم الجيرة والقرابة أو العمل.
ينعكس هذا الأسلوب انعكاسًا رائعًا على نفوس الأولاد وعلى شخصياتهم، فهو ينمّي لديهم القدرة على فهم الآخرين، وحُسن تقدير المواقف، والقدرة على تكوين علاقات اجتماعية إيجابية وبنّاءة.
وهذا النهج لا يسهم فقط في تنشئة سوية ذات أثر فعّال في تحقيق السعادة والنجاح لأولادنا، بل إنّه يؤدي في النهاية إلى إيجاد مجتمع يقوم على قدر وافر من المحبة والتفاهم.
إذًا، لا بدّ من التدقيق في اختيار الألفاظ والصفات التي يطلقها الأهل على الجيران والأصدقاء، وتجنّب التأكيد على النواحي السلبية في الآخرين، فلا يوجد إنسان كامل منزّه عن الأخطاء، ولا بدّ أن تكون هناك جوانب إيجابية في شخصيات الأقارب والجيران، وكذلك الأغراب الذين نتعاطى معهم مثل سائق التاكسي وصاحب المتجر وسواهما.
استخدام الألفاظ المهذبة
إنّ اتّباع التحليل الموضوعي في الإشارة للآخرين واستخدام الألفاظ المهذبة في وصفهم لهم، يُسهم في تنشئة الطفل تنشئة اجتماعية سليمة. فالخطأ الشائع الذي يقع فيه معظم الآباء والأمهات هو فصل السلوك عن الكلام، حيث يلجأون في تربية صغارهم إلى النصائح والأوامر الصارمة من دون النظر إلى سلوكهم الشخصي وطريقة تصرّفهم. وعلى الوالدين دائمًا أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم بالأفعال والسلوك وليس بالكلمات والنصائح المجرّدة.
أحيانًا، يتلفّظ الأولاد بكلماتٍ بذيئة تصدم الأهل، فكيف يمكن مواجهة هذا الأمر؟
بادئ ذي بدء، على الأهل ألّا يتلفظوا بالعبارات السوقية لأنّ الطفل يلتقطها بسهولةٍ. ومن أصول التربية أن يكون الأهل جدّيين وصارمين في بعض الأحيان، فيضعون حدًا لكل كلام أو سلوك مُنافٍ للأدب، ويشرحون لأطفالهم أنّ الألفاظ النابية تزعج الأشخاص وتبعدهم عنهم. وهكذا يتعلم الطفل التعاطي بطريقةٍ فضلى مع أهله ورفاقه. في الحقيقة، يميل الأطفال إلى التفوّه بكلماتٍ نابية ويستمرّون على هذه الحال حتى عمر السادسة ليبرهنوا أنّهم لم يعودوا أطفالًا بل أصبحوا كبارًا.