- En
- Fr
- عربي
تحية لها
عرفت التطوع منذ الصغر، ورسمت به مسيرة حياتها، فتغلغل في كل تفاصيل قراراتها. تجربتها الأولى في التطوع كانت في الكشاف اللبناني، ومن بعدها بدأت الدكتورة مريم غندور تجربتها في الصليب الأحمر اللبناني لتنطلق في رحاب العطاء. أكاديميًا كان الطب وجهتها ومسارها، إلا أنّ زواجها غيّر هذا التوجه إلى اختصاص آخر هو الإرشاد والتوجيه النفسي، ومن خلاله كان لها دور مهم في توجيه الجيل الناشئ نحو مسار مثمر عمليًا وإنسانيًا.
تعود الدكتورة غندور إلى تاريخ المرأة اللبنانية وأدائها في مجالات العمل الإنساني والتطوعي، ولا سيما في الصليب الأحمر اللبناني، فتؤكد إبداعاتها ونجاحاتها وخصوصًا في مجال العمل الإنساني، وتمكّنت من الحصول على أهمّ المواقع وذلك في ما يخصّ السيدات المغتربات وأولئك الموجودات على الساحة المحلية. وتشير إلى أنّ خير مثال على مساهمة المرأة اللبنانية في العمل الإنساني هو فكرة تأسيس جمعية الصليب الأحمر اللبناني التي انبثقت عن سعي حثيث وجهود جبّارة لسيدات لبنانيات بفضلهنّ صدر المرسوم التأسيسي في العام 1945 وتشكلت أول لجنة مركزية، وكان لهنّ الدور البارز في وضع الصليب الأحمر اللبناني على خارطة المنظمات العالمية للمؤازرة والمساعدة الإنسانية. وتشير إلى أنّ للمرأة دورًا بارزًا في نشر مفاهيم الإنسانية وتعاليمها، فهي الأمّ قبل أي شيء. والجمعيات الأهلية في لبنان تضمّ نسبًا عالية من السيدات الرائدات المنخرطات في مجالات إنسانية ومجتمعية عدّة.
مسيرة غنية
عن تجربتها الخاصة في الصليب الأحمر اللبناني تقول: «مسيرتي بدأت منذ العام 1980 كنت أحمل في داخلي عدة مشاريع تخدم الجمعية والإنسان على حد سواء. أسهمت في السنوات الأولى بإنجاز منهاج دراسي للتدريب على الإسعاف الأولي، كما وضعت برنامجًا توعويًا توجيهيًا للشباب والشابات هدفه مواجهة آفة المخدرات. تجربتي في الصليب الأحمر اللبناني كانت متعة إنسانية بكلّ ما للكلمة من معنى، ما دفعني خلال وجودي في نيويورك لنيل شهادة الدكتوراه، إلى الانخراط في العمل التطوعي مع الصليب الأحمر الأميركي، الذي اكتسبت في صفوفه خبرات مهمة على مدى أربع سنوات». حملت خبراتها وأفكارها إلى الصليب الأحمر اللبناني في مشاريع أدت إلى تحديث العديد من أدوات العمل وآلياته، وتمّ اعتمادها على مدى السنوات السبع الأخيرة وخلال تولّيها منصب نائب الرئيس.
إضافة إلى ذلك، ترأست منصب رئيسة اللجنة التأسيسية لفرع بيروت الذي أبصر النور في العام 1996، وما زالت حتى تاريخه عضوًا ممثلًا لهذا الفرع في الحاكمية المركزية.
روح الجماعة
تشير الدكتورة غندور إلى أنّ أهم ما اكتسبته من هذه التجربة هو روح الجماعة التي نفتقدها في وطننا. «فالعمل الجماعي أساسي للنجاح لاسيّما عندما ينطلق من مبادئ سامية تضع خدمة الإنسان فوق كل اعتبار». وتضيف أنّها تعلّمت أيضًا الوقوف على مسافة واحدة من الجميع والتزام الحياد وسط التنوّع في المجتمع اللبناني.
طوال مسيرتها لم تتوانَ عن مناصرة المرأة ومساعدتها في فتح الآفاق أمامها لتكون في صلب الحاكمية المركزية، ومراكز صنع القرار، ولتحظى بالاستقلالية الاقتصادية. كما سعت لإرساء التوزّع الجندري السليم في مختلف الميادين، وذلك من خلال الأبحاث العلمية التي قامت بها ومشاركتها في العديد من الجمعيات واللجان التي تُعنى بشؤون المرأة وتمكينها، إضافة إلى عدد من السلطات والهيئات المحلية الرسمية.
الجهد والثمن
ما الثمن الذي دفعته في مقابل هذا القدر من الجهد الذي وُضع في خدمة الصليب الأحمر؟ تؤكد أنّ أي ثمن يبقى خجولًا أمام ما تمّ تحقيقه على المستوى الإنساني.
إلى جانب دورها في الصليب الأحمر اللبناني، كان للدكتورة غندور تجربة مميّزة في الجامعة الأميركية في بيروت، وهي تقول: «انطلقت من فكرة أساسية تحكّمت في مساري الأكاديمي، وهي بناء الإنسان وتنميته. على هذا الأساس وجّهت اهتمامي نحو الشباب والشابات وهم المدماك الأساسي لبناء أي مستقبل زاهر ووطن معافى. فقد عملت في مجال التوجيه المهني وركّزت على توجيه طاقات الشباب للمساهمة في دفع الاقتصاد اللبناني نحو النمو الفعلي. وبفضل هذا التوجيه، تسلّم العديد من هؤلاء الطلاب مناصب في أعلى المستويات في لبنان وبلاد الانتشار».
وفي هذا الإطار، توضح أنّ المناصب التي تبوّأتها في الجامعة الأميركية سمحت لها بتحقيق الجزء الأكبر من هذا الهدف، فعملها كأستاذة في الإرشاد والتوجيه والعمل العيادي للطلاب أدى إلى تأسيس أول مركز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للإرشاد والتوجيه والتوظيف للطلاب، وهو ما كان له دور أساسي في مستقبلهم.
أخيرًا، تؤكد الدكتورة غندور أنّ كل ما قامت به من إنجازات في المجالات شتى كان بالنسبة إليها رسالة حياة وتحدٍّ اندفعت لتحقيقها مستثمرة كل ما لديها من كفاءة وخبرة من دون مقابل سوى راحة الضمير، لتترك بصمة إيجابية في مسار الإنسان وتضع حجر أساس في بناء مجتمع أفضل.