- En
- Fr
- عربي
قضايا قانونيّة
الدستور هو القانون الأسمى الذي يحدد شكل الدولة وصلاحيات السلطات الدستورية ومبادئها العامّة، لذلك يراعي المشرّعون في أثناء سنّ القوانين الأوضاع العامة للدولة، بالإضافة إلى حاجات ومتطلبات المواطنين. ومع تطوّر الشعوب، لا بد وأن تتزايد أيضًا احتياجاتها وفق التغييرات المحليّة والعالميّة، مما يستدعي إجراء تعديلات دستوريّة عند الضرورة تراعي معايير الحداثة في المجتمع وتحفظ حقوق الإنسان فيه.
الحياة الدستوريّة في لبنان والقوانين التي تحتاج إلى تحديث، وشؤون أخرى متّصلة، في هذا الحوار مع المحامي الدكتور أنطوان صفير الأستاذ المحاضر في القانون الدولي.
الحياة الدستوريّة في لبنان
• بدايةً، كيف تصف الحياة الدستوريّة في لبنان؟
- تنطلق الحياة الدستورية في لبنان من النظام الدستوري المعمول به والذي يُعرَف بأنّه برلماني، والواقع أنه شبه برلماني بحسب المعايير الحقوقيّة الدوليّة. ففي النظام البرلماني الكامل المواصفات، هناك فصل شبه تام بين بعض السلطات، ودمج شبه تام بين سلطات أخرى، بمعنى أنّه في النظام البرلماني لا يمكن للوزير إلّا أن يكون نائباً، إذ هناك تمثيل مباشر لمجلس النواب من خلال الحكومة، على أن توجد نقاط ارتكاز وتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. في لبنان هذا الأمر غير موجود بشكل كلي لعدّة أسباب، من بينها أن مجلس الوزراء غير قادر فعليًّا على حلّ مجلس النوّاب إلّا وفق شرطين من الصعب جدًّا تحقيقهما. كذلك، فإن الحكومة يمكن أن تتشكّل بجميع أعضائها من خارج المجلس النيابي، ممّا يبعدنا عن معايير النظام البرلماني الكامل المواصفات. بالإضافة إلى ذلك، فإن السلطة الإجرائية لا تنبثق حصرياً من الحكومة، بل من رئيس الجمهورية ايضاً والذي ما زال يتمتع بصلاحيات دستوريّة على الرغم من الانحسار الذي شهدته هذه الصلاحيات بحكم التعديلات التي طرأت على الدستور اللبناني في اتفاق الطائف. فالرئيس اللبناني يملك السلطة وليس رئيساً بروتوكوليًا كما في بعض الدول، حيث السلطة التنفيذية بيد رئيس مجلس الوزراء على أنه الوزير الأول.
في لبنان ليس هناك وزير أول بل هناك سلطة تسمّى مجلس الوزراء، وتستعمل في بعض الأحيان عبارة «مجلس الوزراء مجتمعًا» مع أن الدستور لا ينص على كلمة مجتمعًا، بمعنى أن كل وزير هو شريك كامل في السلطة الإجرائية، وعدم توقيعه على مرسوم يوقف هذا المرسوم. من هنا أرى أن الحياة الدستورية في لبنان بحاجة إلى تحديث النصوص، إنطلاقًا من إعطاء دفع لديناميّة العمل بين المؤسسات الدستورية لكي تكون منتجة، ولكي لا نصل إلى حائطٍ مسدود كما يحصل في كثير من الأحيان، بسبب التضارب في المواقف السياسية أو بسبب عدم وجود انسجام بين المسؤولين في السلطة، وأحيانًا بسبب قراءة النصوص بطريقة مغايرة. ومن الأسباب أيضًا، عدم إعطاء المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور وحصرها بمجلس النواب، رغم أن المشروع الأساسي الذي أقرّ في الطائف يشير إلى أن المجلس الدستوري هو صاحب الصلاحية في تفسير أحكام الدستور. وبالتالي فإن السياسة تلعب دورها هنا، ولكن هذه السلطة تقنية أي أنها محكمة دستورية لديها الخبره التقنية ولا يحق لها تفسير الدستور وفق الأهواء وإنما وفق المعايير المعتمدة في الداخل وفي الأنظمة الدولية المعتمدة.
يجدر بالإشارة أنّ الدساتير التي يتم وضعها في العالم اليوم تعتمد جميعها معايير القانون الدولي وفق مادة القانون الدستوري الدولي التي أدرجت حديثًا في المناهج الحقوقيّة، والتي نشأت بموجبها معايير معيّنة يجب التزامها لدى وضع الدستور أو تعديله. مثلًا هناك معايير تتعلق بحقوق الإنسان، وأخرى تطال التشريع، ومنها ما يتعلّق بالبيئة، وغيرها.. إذًا من خلال التجارب الداخليّة ومن خلال التطوّر في الحياة اليوميّة، وضعت دول دساتير جديدة، فيما عملت دول أخرى على تعديل دساتيرها وتطويرها لكي تتلاءم مع معايير القانون الدستوري الدولي. من هنا نقول إن الدستور يجب أن يعدّل بشكل منتظم، لأن هناك بعض الشوائب التي تظهر من خلال الممارسة، والمثل على ذلك الشوائب التي ظهرت بعد تعديل الطائف والتي طالت صلاحيات رئيس الجمهورية اللبنانيّة. فالدستور يلزم رئيس الجمهوريّة توقيع مرسومٍ ما، وإلّا يُنشر من دون توقيعه، في حين يوقف العمل بالمرسوم نفسه ما لم يوقّعه رئيس مجلس الوزراء، أو حتى أي وزير أي السلطة التي يعتبر رئيس الجمهورية أعلى منها وفق التراتبية المعمول بها. هذا الأمر مخالف للمعايير المعتمدة في النظام الدستوري اللبناني، فالسلطة هرميّة وليس بالإمكان إعطاء صلاحية للأدنى غير ممنوحة للأعلى.
تحديث القوانين
• ما هي القوانين التي تحتاج إلى تشريع وتحديث في لبنان؟
- كانت الحياة الدستوريّة في لبنان صاخبة قبل الحرب، وكان هناك مجموعة مشرّعين لبنانيين ممّن شُهد لهم بالكفاءة لا في لبنان وحسب بل في أوروبا أيضًا. اليوم، ومع اختلاف المعايير وتراجع التشريع خلال الحرب اللبنانية، أصبحنا بحاجة إلى عشرات القوانين الجديدة، وعشرات التعديلات القانونية، كي يصبح القانون اللبناني قادرًا على معالجة المقتضيات على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والتربوية. مثلًا، هنالك قوانين يجب أن توضع على صعيد تنظيم التجارة الإلكترونيّة، كما أن القانون التجاري اللبناني بحاجة الى تعديل لا سيما في ما يتعلّق بالشركات، وكذلك الأمر بالنسبة الى القوانين المتعلقة بتنظيم الجامعات، حيث يفترض وضع معايير جديدة وصارمة في هذا الإطار.
أمّا أبرز التعديلات التي يجب إدخالها على الدستور، فهي إعادة التوازن بين السلطات بشأن المراسيم والقوانين. كذلك يجب وضع نصّ يلزم رئيس الحكومة المكلّف بتشكيل حكومة بمهلة زمنيّة معيّنة كي لا يؤدّي التأخير إلى عواقب غير حميدة. فالمهلة الآن مفتوحة، وتأليف الحكومة قد يستغرق عدّة أشهر.
قانون الانتخابات الجديد
• شهد لبنان ولادة قانون جديد للانتخابات، كيف تنظرون إلى هذا القانون؟
- قانون الانتخابات في لبنان جديد بكل المعايير، لأنّه نقل لبنان من النظام الأكثري الكلّي إلى نظام يقال إنّه نسبي، لكنّه فعليًا ليس نسبيًا إلّا في الشقّ المتعلّق بالحاصل الانتخابي، أي في ما تناله اللائحة من أصوات. أما في ما يتعلّق بالصوت التفضيلي، فيعيدنا القانون إلى النظام الأكثري ولكن بصورة مُجَمَّلة، فالصوت التفضيلي تمّ إدراجه ضمن اللائحة نفسها، ما يعني أنه من الممكن أن يخسر المرشّح الذي حاز على خمسة آلاف صوت تفضيلي مثلًا، فيما يُنتَخب شخص آخر على لائحة أخرى حائز على نسبة أقل من الأصوات التفضيلية، والسبب هو أن الحاصل جاء لصالح اللائحة التي ينتمي إليها.برأيي أن هذا القانون سيحتاج الى تعديل بعد التجربة لأن الوضع الحالي سيؤدّي إلى إشكالات. فقد حرم الناخبين من إمكان التشطيب أو التشكيل، ونقلهم إلى نظام انتخابي معلّب مقفل. لذلك لا أرى مشكلة في النظام النسبي، ولكن كان من الأفضل ترك اللائحة مفتوحة على إمكان إعطاء صوت تفضيلي من خارجها، لا سيّما وأن الأحزاب غير قادرة على تشكيل لوائح حزبية كاملة وفق برامجها كما هو الحال في أوروبا. في لبنان، لا بد من تطعيم اللوائح بأشخاص غير حزبيين، لأن بعض الناخبين يرغبون بالتصويت للشخص لا للحزب والعكس صحيح.
كيف نواجه الفساد؟
• هل القوانين والأنظمة التي تواجه الفساد في لبنان كافية؟
- مشكلة لبنان مع الفساد مستمرة عبر التاريخ. وبرأيي أنّه ليس هناك فساد إداري في لبنان بل هناك فساد سياسي، والفساد الإداري شريك له أو محمي منه. فالموظف لا يتجرأ على الفساد إذا كان سيف القانون مسلّطًا عليه. المشكلة في لبنان أنّنا نسمع كلامًا عن الفساد من دون أن يشار إلى المفسدين، ومن دون أن يتم توقيف أحد. والمشكلة هنا ليست في التشريعات، فهي موجودة لكن المشكلة في عدم تطبيقها. هذا الأمر يستدعي قرارًا على مستوى عام. كذلك، يجب اعتماد الشفافية العلنيّة لدى جميع موظفي الادارات العامة.
القوانين المالية الدولية
• ماذا عن القوانين المالية الدولية وتأثيرها على المصارف والنظام المالي في لبنان؟
- المصارف في وضع لا تحسد عليه، إذ عليها تلبية حاجات السوق من خلال الودائع والاستثمارات، فيما هي تخضع في الوقت نفسه إلى قواعد امتثال صارمة صادرة عن الإدارة الأميركية والمجتمع المالي الدولي. ولكن مهما كانت الأسباب السياسية، وكائناً من كان الطرف المستهدف، فإن النظام المصرفي اللبناني مجبرٌ على التعايش مع النظام المصرفي الدولي لأن خروجه عن قواعد الامتثال التي وضعتها الإدارة الأميركية والنظام المالي الدولي يضع المصارف اللبنانية خارج النظام العالمي، وبالتالي يؤدّي إلى تجميد أعمالها لأن السوق المالي العالمي مرتبط بعضه ببعض. من جهةٍ أخرى، ليس من الضروري أن تذهب المصارف اللبنانية بإجراءات قواعد الامتثال إلى الحدود القصوى، وإنما يمكن تطبيقها وفق سلطة تقديريّة كي لا يتعرّض المواطنون للضرر لمجرد انتمائهم الحزبي أو الديني.
دور الجيش
• أخيرًا، كرجل قانون، كيف ترى دور الجيش من منظار القوانين والسياسات الدوليّة؟
- ما تعطيه المؤسسة العسكرية هو نموذج يجب أن تنتهجه كل مؤسسات الدولة، أولًا من حيث الاحترام الذي فرضته بفضل الإنجازات التي قام بها الجيش ولا سيّما على صعيد مكافحة الاٍرهاب، حيث حقّق بإمكاناته المحدودة ما عجزت عن تحقيقه جيوش العالم بأجهزتها المتطورة وتمويلها الهائل. والجيش اللبناني لم يعد حارسًا لحدوده فقط، بل أصبح حاجة لأوروبا والعالم لأنه يكافح الإرهاب في وكره ويمنعه من التسلّل إلى الدول الأخرى. والتكريم اللافت الذي لقيه قائد الجيش في أميركا ليس سوى تأكيد على أن دور الجيش استراتيجي في الحياة اللبنانية كعامل استقرار.
من جهةٍ أخرى، يُشهَد للجيش في موضوع الشفافية حيث لحظنا أن هناك مكافحة لأي خلل يطرأ، ما يؤكد أن الجيش هو صمام الأمان للتعدديّة وحرية الرأي في لبنان.
وللجيش أيضًا دور في الانتخابات، حيث إنّه حارس الديموقراطية، وهذه مفارقة فالعسكريون عادةً يتّهمون بالقمع وهذا ليس الحال عندنا. وهذا الأمر يشير إلى ثقة الدولة والشعب بهذه المؤسسة. فالمواطن وخصوصًا الجيل الجديد يحتاج إلى بصيص أمل في ظل الفساد المستشري، والجيش اللبناني هو هذا البصيص.