- En
- Fr
- عربي
تجهيزات
يستمر حضور الجيش اللبناني على لائحة أولويات الدول المانحة وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية رغم الظروف الدولية الراهنة التي فرضتها تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وهذا الحضور هو نتيجة أمرَين: أولًا، الثقة التي يحوزها جيشنا في المحافل الدولية والكفاءة التي أثبتها خصوصًا في هذه الفترة الحرجة، وثانيًا، أهمية دوره على صعيد حفظ الاستقرار والذي لا يقتصر على الساحة المحلية فقط. في هذا السياق يأتي تسلّمه حديثًا ثلاث طوافات HUEY II تزيد قيمتها عن ٢٤ مليون دولار، ومعها ارتفع عدد هذه الطوافات من هذا النوع إلى ١٥ ضمن خطة المساعدات الأميركية للجيش اللبناني، لكنها بالطبع ليست آخر المساعدات، فالحبل على الجرار كما يقال. وفي السياق نفسه يأتي إعلان السفير البريطاني التزام بلاده تقديم دعم للجيش اللبناني خلال السنوات الثلاث القادمة بقيمة ١٣ مليون جنيه إسترليني.
فيما تزداد الأزمة في لبنان تعقيدًا، ويكبر الخوف من تداعياتها أمنيًا واجتماعيًا، يكبر في المقابل حجم المسؤوليات التي تتحملها المؤسسة العسكرية ويشكّل دعم قدراتها ضرورة ملحة. هذا الدعم يأتي عبر المساعدات التي برهن الجيش أنّه يتعامل معها بجدارةٍ لتطوير قدراته والنهوض بمسؤولياته. وتشكّل الطوافات التي استلمها رصيدًا إضافيًا في هذا المجال نظرًا لكونها طوافات قادرة على تنفيذ عدة مهمات Utility Helicopters. فهي مهمة جدًا على المستوى القتالي نظرًا لما تتمتع به من ميزات وما تتزوده من عتاد متطور، وفي الوقت عينه هي قادرة على أداء مهمات خدماتية مثل البحث والإنقاذ والإخلاء الطبي ومكافحة الحرائق، وقد أثبتت فعاليتها في المجالات المذكورة كافة.
من جهة أخرى، اكتسب الجيش مع تسلّم هذه المساعدة مزيدًا من المهارات والخبرات، إذ وصلت الطوافات إلى لبنان قطعًا، وقام الجناح الفني في قاعدة بيروت الجوية بتجميعها وتركيبها بالتعاون مع فريق من الشركة الأميركية المصنّعة Bell Helicopters.
التعهّد الثابت
رأت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان السيدة Dorothy Shea في احتفال تسلّم الطوافات احتفاء بتعهد بلادها الثابت بدعم الجيش اللبناني، ومن خلاله دعم الأمن والاستقرار في لبنان، كما رأت في الطوافات التي قدّمتها بلادها رمزًا لقوة العلاقة بين البلدَين ومتانتها. شيا التي حضرت الاحتفال في قاعدة بيروت الجوية إلى جانب نائب رئيس الأركان للتجهيز العميد الركن الطيّار زياد هيكل وقائد القوات الجوية العقيد الركن الطيار ميشال الصيفي وعدد من الضباط، أعربت عن تأثرها البالغ بما رأته في الفيديو الذي عُرض حول المهمات التي نفّذتها HUEY II منذ أن تسلّمها الجيش اللبناني، وخصوصًا مهمة إخماد الحريق الضخم الذي اندلع إثر انفجار المرفأ. وهي أكدت أنّ هذه الطوافات التي تمثل الشراكة المستمرة بين الولايات المتحدة ولبنان، ستعزز القدرات العملانية للجيش اللبناني أيضًا، وتسّهل القيام بمهماتٍ عديدة بالغة الأهمية، من بينها الاستجابة لأزماتٍ طارئة، وقالت إنّ الفرق العسكرية الأميركية عملت جاهدة مع الجيش اللبناني على تشغيل هذه الطوافات ووضعها في تصرّف أي مهمة توكل إليها. كذلك، أعلنت السفيرة الأميركية أنّ سلطات بلادها وافقت على مساعدات إضافية للجيش اللبناني بقيمة ٢١٠ مليون دولار لتعزيز قواته الجوية والبحرية. وأعربت عن تقديرها العالي لجهوده الجبارة لا سيما خلال الأزمة التي تمر بها البلاد وتُلقي بثقلها على المواطنين والعسكريين. ولم تختم شيا كلمتها قبل أن تؤكد افتخارها بتقديم الدعم للجيش اللبناني مؤكدة استمرار العمل على ترسيخ العلاقات بين الولايات المتحدة ولبنان، ومواصلة بلادها برنامج المساعدات الخاص بالجيش اللبناني في مجالات تطوير التدريب وتوفير التجهيزات والتقنيات العسكرية العالية، وذلك انطلاقًا من الثقة بأداء الجيش المحترف ودوره في حفظ أمن لبنان.
تطوير القدرات العملانية
من جهته، شدّد العميد الركن الطيّار هيكل ممثلًا العماد قائد الجيش في كلمته على المعاني التي تحملها هذه المناسبة التي تشكّل خطوة جديدة في علاقة التعاون بين الجيشَين اللبناني والأميركي، وترسّخ بين الطرفَين صداقة مبنية على الثقة والاحترام والأهداف المشتركة والتاريخ العريق.
وأضاف: «إنّ استلام هذه الطوافات الجديدة، سيعزّز جهوزية القوات الجوية لتنفيذ أي مهمة توكل إليها سواء أكانت لدعم عمل القوات الخاصة المجوقلة أو لخدمة المجتمع المدني (إخلاء طبي، بحث وإنقاذ، إخماد حرائق،...). كما أشار إلى أنّ هذه المبادرة تعكس ثقة الولايات المتحدة الأميركية بدور الجيش في حماية لبنان من المخاطر وبخاصةٍ خطر الإرهاب.
وشكر العميد الركن الطيّار هيكل السلطات الأميركية والسفيرة Shea على المبادرات المتكررة لتعزيز قدرات المؤسسة العسكرية، لا سيما في هذه المرحلة التي يمر فيها وطننا والتي «قد تكون الأخطر في تاريخه، إذ ألقت الأزمة الاقتصادية بثقلها على الوضع الاجتماعي وباتت تهدد لقمة عيش المواطنين. بموازاة ذلك، تستمر المؤسسة العسكرية في تنفيذ مهماتها دفاعًا عن لبنان وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، وتتولى مسؤولية مراقبة الحدود وضبطها، وتُواصل الحرب على الإرهاب بشبكاته وخلاياه التخريبية. من هنا، نرى أن المساعدات العسكرية المقدمة إلى الجيش، ولا سيما على صعيد تعزيز إمكاناته الجوية، تُطور القدرات العملانية للقوات الجوية وتصب في خدمة أهدافنا الوطنية، كما تنعكس إيجابًا على أداء المهمات الخدماتية والإنسانية التي يُنفّذها الجيش في مختلف المناطق اللبنانية».
الحبل على الجرار
بدوره، تطرّق قائد القوات الجوية إلى التعاون بين الجيش اللبناني والسلطات الأميركية، مشيرًا إلى أنّ ١٠ سنوات مضت تقريبًا على تسلّم القوات الجوية أول ٦ طوافات HUEY II، أعقبتها دفعات أخرى في السنوات اللاحقة حتى أصبح لدينا اليوم ١٥ طوافة، والحبل على الجرار، فهذه الدفعة ليست الأخيرة. واعتبر أنّها تشكّل العمود الفقري لتنفيذ مهمات القوات الجوية القتالية والخدماتية، واصفًا إياها بـ «الحصان العامل في هذه القوات، إذ نفّذت حوالى عشرة آلاف ساعة طيران (٢٠٪ منها طيران ليلي)، كان ١٠٪ منها لخدمة المجتمع المدني».
وذكّر العقيد الركن الصيفي بأنّ طوافات HUEY II بقيادة طياري القوات الجوية، كانت من أوائل المستجيبين لكارثة انفجار مرفأ بيروت، منوّهًا بمساهمتها الشجاعة في مكافحة النيران رغم الخطر الذي كان يحيط بالمهمة التي نفّذتها على أكمل وجه.
جيش محترف جدير بالثقة
في حديث مع «الجيش» على هامش الاحتفال عبّرت السفيرة Shea عن فخرها بالشراكة بين جيشَي الولايات المتحدة ولبنان، وقالت: «إنّه جيش محترف عابر للطوائف وجدير بالثقة»، وهو وفق رأيها أكثر مؤسسة موثوقة في لبنان، وهذه الثقة هي نتيجة الاحتراف. وأشارت إلى أنّها عاينت أداء الجيش خلال الأزمات ومن بينها انفجار الرابع من آب على وجه الخصوص، ورأت كيف توسّع دوره اللوجستي ليشمل الاستجابة للحاجات على صعيد البلد كله، مشيرة إلى أنّ الطائرات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية من عدة دول، ومن بينها الولايات المتحدة، التي كان الجيش يتولى تسلّمها، كانت تصل أحيانًا من دون إشعار مسبق.
كما أشارت إلى أن الطوافات التي تسلّمها قادرة على القيام بالمهمات القتالية وأعمال البحث والإنقاذ وإخماد الحرائق، لافتة إلى أنَ «المساعدات التي يتلقاها الجيش تسهم في احترافه». كذلك نوّهت شيا بجهوزية الجيش للدفاع عن سيادة لبنان واستقراره.
جهوزية تامة لكل المهمات
في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها لبنان وتنعكس على قدرات الجيش وإمكاناته، تكتسب المساعدات الخارجية وفي طليعتها الأميركية مزيدًا من الأهمية، وفق ما يقوله العميد الركن الطيّار هيكل لـ«الجيش». وهو يوضح أنّ المساعدات التي تتلقّاها القوات الجوية من الولايات المتحدة الأميركية كبيرة جدًا، وهذا جعلها اليوم غير ما كانت عليه قبل ١٠ سنوات، والإمكانات التي تمتلكها حاليًا لما كانت موجودة من دون المساعدات الأميركية التي تأتي وفق حاجات الجيش على صعيد نوعية العتاد وقدرته النارية. ولفت في هذا السياق إلى أنّه بناء للحاجات تم التركيز على قدرات الدعم الجوي القريب والاستطلاع والطائرات من دون طيار، فضلًا عن الصواريخ الذكية لتخفيف الأضرار الجانبية خلال تنفيذ المهمات الموكلة إلى القوات الجوية. وأشار إلى أنّ الطائرات والطوافات والقدرات التي باتت متوافرة لديها من ISR وCessna وSuper Tucano وMD٥٣٠ وHUEY II، بالإضافة إلى مشروع LAGI الذي يُشكل حلقة الوصل بين القوات الجوية والبرية، وغيرها من التجهيزات والتدريبات الممولة كلها من السلطات الأميركية... جعلت القوات الجوية اليوم في جهوزية تامة لتنفيذ أي مهمة توكل إليها.
وفي ما يخص اجتماع اللجنة العليا لدعم الجيش اللبناني التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، وتصريح السفير البريطاني حول التزام بريطانيا دعم الجيش اللبناني بـ ١٣ مليون دولار، أوضح العميد الركن هيكل أنّ الاجتماع عُقد مع قائد الجيش بهدف تنسيق المساعدات لتتكامل مع بعضها. ولفت إلى أنّه على الرغم من الحرب الأوكرانية وانعكاساتها على أوروبا بالإجمال، يبقى لبنان ضمن أولويات الدول المانحة، وهذا يتّضح من خلال ازدياد قيمة المساعدات المخصصة له. ورأى أنّ وقوف هذه الدول إلى جانب الجيش اللبناني يُشكل عامل قوة إذ يعزز الأمل لدى العسكريين، ويُظهر لهم مدى ما تتمتع به قيادتهم من ثقة.
وردًا على سؤال حول المساعدات الأميركية للقوات الجوية، أوضح العقيد الركن الصيفي أنّها «تتم بموجب خطة أُعدت انطلاقًا من القدرات التي نريد بناءها، وبالتالي من حاجاتنا، والخطة تُطبق بحذافيرها وهذا مهم جدًا، فالمساعدات مدروسة وليست عشوائية».
ولفت إلى أنّ القوات الجوية تؤمّن الدعم المناسب بالنار والاستطلاع والمراقبة والنقل والإخلاء والإنقاذ لجميع القوى على الأرض. وأضاف لقد قمنا بكل ما يلزم لدمج الأسراب والطائرات مع قوى البر، ومع بنية تحتية للاتصالات قوية ومتينة نحن ننفّذ كل المهمات المطلوبة.
وحول ميزات الطوافات الجديدة أوضح العقيد الركن الصيفي أنّها تعزز القدرات في العمليات المجوقلة وعمل القوات الخاصة وتستطيع العمل في مختلف الأحوال الجوية. وهي لا تخدم القوات الجوية والجيش فقط وإنما المجتمع ككل من خلال مهمات الإخلاء الطبي والبحث والإنقاذ وإخماد الحرائق.
وبالنسبة لتجميع الطوافات في لبنان أوضح العقيد الركن الصيفي أنّ تجميعها تطلّب ٣ أيام من العمل بمعدل أكثر من ١٠ ساعات يوميًا، وذلك بالتعاون مع الشركة الأميركية المصنعة. وبعد أول اختبار طيران لها flight test أصبحت جاهزة لأداء مهماتها.
وأشار إلى دور كبير للعنصر النسائي في إنجاز هذه المهمة؛ فالضابطان الأنثيان الفنّيتان المتخرجتان حديثًا إيليان جريج وميليا هلال أشرفتا على سير العمل، بالتعاون مع الضباط الإناث في قسمَي التمويل والمراقبة الفنية اللواتي أسهمن في استثمار خبراتهنّ في المجال أيضًا.
التحدي كبير ولكن...
كان التحدي كبيرًا بالنسبة للضابطَين جريج وهلال، لكنهما واجهتاه بثقةٍ وأثبتتا مهاراتهما وقدراتهما، وكان رفاقهما الذكور داعمين ومشجّعين لهما، وفق ما أخبرتانا، وأضافتا: «بالتعاون في ما بيننا أنجزنا المهمة واكتسبنا خبرة كبيرة في العمل الفريقي الذي من خلاله يمكن إنجاز أي مهمة مهما كانت صعبة».
في ظل الأزمات والأيام الصعبة يكبُر دور جيشنا وتتعاظم مسؤولياته، لكنّه يواصل أداء هذا الدور على نحو مدهش، بوركت همم الرجال التي لا تكل ولا تتعب، وبوركت عزيمتهم التي تُثمر ثقة واحترامًا في أرفع المحافل الدولية كما في قلوب مواطنيهم.
الاحترام والاحتراف والشجاعة
أعلن السفير البريطاني في لبنان هايمش كاول Hamish Cowell، عن «الالتزام بقيمة ١٣ مليون جنيه إسترليني لدعم صمود الجيش اللبناني من العام ٢٠٢٢ حتى ٢٠٢٥ وذلك في مذكرة تفاهم وقّعت مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون.»
وأضاف البيان الصادر عن السفارة :«خلال اجتماع لجنة الإشراف العليا على برنامج المساعدات لحماية الحدود البرية، التقى السفير كاول والسفيرة الأميركية دوروثي شيا والسفيرة الكندية ستيفاني ماكولم مع العماد عون لمناقشة الأمن على الحدود اللبنانية - السورية. فقد عزز المشروع الحدودي المشترك سلطة الدولة اللبنانية على طول حدودها البرية مع سوريا حيث انتشرت أربعة أفواج حدودية برية من الشمال في العريضة وإلى الجنوب في جبل الشيخ.
وبعد الاجتماع، قال السفير كاول: «تعبّر مذكرة التفاهم عن التزامنا بمواصلة دعمنا وتعاوننا مع الجيش اللبناني. منذ العام ٢٠٠٩، خصصت المملكة المتحدة أكثر من ٨٧ مليون جنيه إسترليني مما سمح للجيش اللبناني بتحسين قدراته والتطور ومواكبة العصر. نحن فخورون بمساهمتنا في بناء سمعة الجيش اللبناني كقواتٍ مسلحة محترمة ومحترفة قادرة على الدفاع عن لبنان وتوفير الأمن على طول حدوده مع سوريا».
وأضاف :«لقد تشرفت بلقاء قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون وحضور أول اجتماع للجنة الإشراف العليا، إذ يضطلع الجيش اللبناني بدورٍ محوري في حماية لبنان وشعبه. وأنا معجب للغاية بالشجاعة التي يظهرها الرجال والنساء فيه».