- En
- Fr
- عربي
متقاعد يتذكر
ذكريات عن معركة المالكية ومناورات مع الحلفاء
يعود تاريخ تسريحه من الجيش الى نحو 40 عاماً, لكن ذكريات 20 عاماً أمضاها في الخدمة, ما زالت حاضرة في ذاكرته ووجدانه.
الرقيب المتقاعد داوود بو اسماعيل (مواليد العام 1924) يستعيد في هذه الصحفة, ذكريات من معركة المالكية وأحداثاً كثيرة عايشها خلال خدمته التي بدأت قبيل الإستقلال وانتهت في أوائل الستينات.
وصلتُ الى ثكنة فخر الدين وكنت بالكاد قد بلغت الثامنة عشرة, وعند دخولي والتحاقي سلمني المسؤول العتاد, ومن بعدها حلق لي الحـلاّق رأسي, وأصبحت جاهزاً لأسلتم مهامي لخدمة الوطـن.
عيّنت أولاً في الفوج الثاني المسمى "2ème bataillon". وكان التدريب الذي نخضع له ويتولاه الفرنسيون قاسياً جداً, أذكر أننا كنا نزحف وعلى ظهر كل منا حقيبة مملوءة بالحجارة الثقيلة. بعدها تحولت الى الفوج الثالث في منطقة ضبيه, ومن ثم الى بعبدا, ومنها الى ظهر البيدر حيث انطلقنا في مسيرة طويلة الى فلسطين...
ومشينا نحو 54 كلم على اقدامنا يرافقنا جنود فرنسيون. خلال تلك الرحلة مررنا بمراحل كثيرة هي اقرب الى التعذيب, حيث كان الطعام يقدم مرة كل 24 ساعة وهو عبارة عن قطعة من البسكويت السميك نتناولها مع الماء. واضافة الى البنادق التي كانت في تلك الأيام كبيرة وضخمة, كنا نحمل الحقائب الثقيلة...
في تلك المرحلة شاركنا في مناورات قال الإنكليز أننا تغلبنا عليهم فيها. وجرت المناورات على أكمل وجه واستطعنا التغلّب عليهم إلا أن جزاءنا كان العودة مشياً على الأقدام كل الى ثكنته في بلاده...
أذكر أنني كنت اقبض 17 ليرة وكنت أعطي أبي 15 ليرة وأبقي ليرتين كمصروف خاص لي طوال الشهر, وكان المبلغ يكفيني ويبقى منه.
في العام 1948 انتقلنا بواسطة القطار الى الناقورة وبتنا الليلة هناك. وعند الصباح ˜ضرب البارازانŒ وبدأنا المسير الى بنت جبيل ومنها الى بيت ياحون, ورافقنا لفترة المير مجيد ارسلان واللواء شهاب حتى وصلنا الى المالكية. وهناك في سهول القمح المزدانة بالسنابل بدأنا معركة مع زمرة من اليهود وهزمناهم... ثم صدرت الينا الأوامر بالعودة, فعدنا الى مرجعيون...
وفي العام 1950 نقلت الى الفوج الخامس المتمركز في أبلح حيث بقيت هناك حتى تقاعدي وتسريحي في الأول من آذار من العام 1965.
واثناء خدمتي في أبلح عينت عام 1960 مسؤولاً عن توزيع القمح الذي جاءنا كهدية من الشعب الأميركي. كنت أجوب القرى وعند وصولي استدعي المختار وأقوم بتوزيع الأكياس بحسب اللوائح المعطاة لي. وتعرّضت في أثناء تأديتي هذه المهمة لإغراءات عدة, فقد عُرض علي المال لأتلاعب وأبيع القمح. إلا أنني بقيت وفياً لقسمي ولشرفي العسكري, وبعد انتهاء المهمة, كانت مكافأتي مأذونية طويلة, وكيس من القمح هدية لي.
وختم الرقيب بو اسماعيل كلامه قائلاً: المؤسسة العسكرية هي مصنع الرجال وهي تعلّم محبة الآخرين والوطن, والشهامة والنشاط والقوة. كنت أقول دائماً: إذا كنت تريد أن تصبح رجلاً كن عسكرياً, فالجندية تصقل الشاب لتظهر رجولته وبأسه. وهي رسالة, وأكثر من رسالة...