متقاعد يتذكر

الرقيب المتقاعد سامي أبو عسلي
إعداد: باسكال معوض بو مارون

في الخدمة... حتى بعد التقاعد

إلى الفياضية توجه في الأول من تموز العام 1949 مع مجموعة من أصدقائه المتشوقين للإنخراط في مؤسسة يعتبرونها المثل الأعلى في الشجاعة والإقدام، والمنبر الأفضل للتعبير عن مدى حبهم للوطن. «ذلك اليوم كان اليوم الحاسم الذي قرر وجهة حياتي» يقول الرقيب المتقاعد سامي أبو عسلي الذي يعود من خلال هذه السطور سنوات طويلة إلى الوراء مستذكراً منها محطات وتفاصيل.

 

يقول الرقيب المتقاعد سامي أبو عسلي:
عند قبولي كفرد في هذه المؤسسة العظيمة، توجهت مع المتطوعين الآخرين الى ثكنة الأمير بشير في بيروت حيث خضعنا لدورة اغرار لمدة ستة أشهر، عينت بعدها في فوج المدفعية مع قسم من المتطوعين جرى اختبارنا على أساس علاماتنا ومقدراتنا الجسدية. كانت الدورة بالنسبة إليّ فترة مميزة جداً اختبرت خلالها تجارب كثيرة ومهارات لم أكن أعلم حتى إنني أتقنها؛ كما انني استمتعت، بغض النظر عن التعب والجهد اللذين بذلتهما وفقاً لمتطلبات الدورة، بالتعرف على شباب متحمسين مثلي، يحملون أفئدة طافحة بحب الوطن واندفاعاً لخدمته على أفضل وجه. كانت الإلفة بيننا كبيرة وإن تفاوتت مستوياتنا وانتماءاتنا لكننا أصبحنا أكثر من إخوة، ننام ونستيقظ ونأكل ونتدرب مع بعضنا، حتى ألفينا أنفسنا جندياً واحداً قلبه على الوطن ورفاقه في كل لحظة من حياته. ويتابع المتقاعد أبو عسلي: بعد دورة الأغرار عينت في فوج المدفعية الذي كان متمركزاً في ثكنة الأمير بشير حيث خضعت لدورة مصوب على المدفع 155 ملم لمدة شهرين، ومن ثم دورة سائق للمدة نفسها. وعلى الأثر بدأت حياتي العملية وبدأت أقود الشاحنات في مهمات نقل الأفواج الاخرى لدى الاستعانة بنا. ثم عينت في مشغل السيارات في الفوج، وكانت مهمتي تسلّم السيارات وقطع الغيار من مديرية المصالح.
فصلت في فترة لاحقة الى منطقة العزية في الجنوب لمدة خمسة عشر يوماً ومن هناك عدت الى المصالح في دورة ميكانيك سيارات لمدة سنة، حتى العام 1954 حين أرسلت مع «سيارة مشغل» ورافعة الى كفررمان (في النبطية) مع فريق متخصص وكانت مهماتنا تشمل تصليح السيارات المعطلة أو المصابة بحوادث.

في فترة لاحقة عملت كمسؤول عن السائقين والشاحنات والسيارات والدبابات في الفوج الذي كانت قيادته في صربا، وخضعت لدورة ملالات،  ما لبثت بعدها أن أصبحت أدرب العسكريين عليها في منطقة ضبيه. وبعد أن خضعت لدورة مكتب رقيب، عدت الى الفوج والى عملي السابق كمسؤول عن السائقين والآليات؛ وكان التفتيش يزورنا على غفلة كل فترة، وكان قائد الفوج يوصيني بالانتباه والتيقظ، لكني كنت أطمئنه دوماً الى ان القسم جاهز على مدار الساعة بعديده وعدته لأي تفتيش. بقيت في هذا المركز حتى سرحت في تموز العام 1981 برتبة رقيب بعد أن أمضيت ثلاثاً وثلاثين سنة في الجيش، لكني بقيت ألبّي مهمات في الثكنة لفترة بعد تسريحي ريثما تم إيجاد البديل. ككل العسكريين عايش أبو عسلي الخطر عدة مرات، خصوصاً عندما كان يضطر أحياناً وتحت وطأة القصف الى سحب آلية معطلة أو نقل عسكريين، وفي جعبته الكثير من الذكريات لمهمات كانت كلٌ منها بمثابة مغامرة. لكنه نفذها باندفاع وشجاعة. وفي حديثه، يشير بفخر إلى أنه كان دوماً جاهزاً للقيام بواجبه، كما يؤكد أن حبه للجيش يستمر نابضاً في عروقه كل لحظة، وهذا الحب دفع وحيده إلى الدرب ذاتها، فسار على خطوات أبيه بفخر واعتزاز وإيمان.

ويختم أبو عسلي بالقول: لقد قدم لي الجيش الكثير الكثير خلال خدمتي العسكرية ولا يزال. فعائلتي تربّت وكبرت من خيره، وهو يظللنا دوماً بحمايته فنعيش مطمئنين إلى المستقبل. لذا فأنا، إضافة الى سني خدمتي الطويلة في الجيش، لم أبخل عليه بولدي الوحيد الذي شجعته كي ينخرط بدوره في صفوفه. وها هو اليوم يخدم بكل فخر واعتزاز واقتناع بهذه الرسالة المقدسة.