دراسات وأبحاث

الروهينغا
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

بين طَرقِ الحديد وطريق الحرير...

 

حفلت وسائل الإعلام العالمية اعتبارًا من أواخر آب الماضي بمشاهد وأخبار مؤلمة حول معاناة سكان الروهينغا الذين نزحوا بمئات الآلاف من ميانمار (بورما سابقًا) باتجاه بنغلادش، بعد سقوط آلاف القتلى في صفوفهم وتعرّض بيوتهم وأملاكهم للدمار والحريق. فمن هم الروهينغا الذين وصفتهم الأمم المتحدة بالأقلية الأكثر اضطهادًا في العالم؟ وما هي قضيتهم؟


الروهينغا أو الرووينجا
هم قومية عرقية تنتمي إلى عائلة الشعوب الهندية، تقطن في ولاية أراكان غربي ميانمار، وتعتبر السلطة في البلاد أنهم يتحدّرون من دولة بنغلادش المجاورة، وبحسب تقديراتها العائدة للعام 2012، كان يوجد نحو 800.000 روهينغي في أراكان. وقد فرّ منهم الكثيرون وباتوا لاجئين في مخيمات في بنغلادش وفي عدد من المناطق داخل تايلاند على حدود ميانمار الشرقية.
ثمّة اختلاف حول أصل كلمة روهينغا، وبالتالي أصل هذه الأقلية. حتى أن المؤرخين البورميين يدّعون عدم وجود هذا المصطلح أساسًا قبل منتصف القرن الماضي، وبعضهم يقول إنّه لم يكن موجودًا في الإحصاء الذي أجراه الإنكليز في العام 1824. في المقابل يشير خبير التاريخ الأراكاني الدكتور جاكيز ليدر إلى أنّ استخدام مصطلح رووينجا يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر في تقرير نشره البريطاني فرانسيس بوكانان هاملتون عن المفردات المقارنة لبعض اللغات الناطقة في مملكة بورما. فقد تحدّث بوكانان هاملتون في التقرير عن لهجات تستخدم في إمبراطورية بورما من الواضح أنها مستمدة من لغة بلاد الهندوس، أولاها هي التي يتحدث بها المحمديون الذين استقروا في أراكان، ويسمون أنفسهم رووينجا أو سكان أراكان.
واللغة الروهنغية هي من اللغات الهندوأوروبية، وترتبط بلغة شيتاغونغ المستخدمة في الجزء البنغلاديشي الجنوبي المحاذي لبورما.

 

ميانمار أو بورما
هي إحدى دول جنوب شرق آسيا، تقع على امتداد خليج البنغال بطول يبلغ نحو 1930 كلم. تحدها من الشمال الشرقي الصين والهند، وبنغلادش من الشمال الغربي، ومن الشرق لاوس وتايلاند. أمّا حدودها الجنوبية فسواحل تطل على خليج البنغال والمحيط الهندي.
تبلغ مساحة ميانمار نحو 676.578 كلم2، وقد قدّر عدد سكانها حتى شهر تموز 2017 بنحو 55.123 مليون نسمة ينتمون إلى أعراق وإتنيات أبرزها البورمن (68%) ويتوزّع الباقون بنسب قليلة (شان، راكين، صينيون، وهنود...)ويعيش معظم االسكان في حوض أياروادي الخصيب.
يوجد في بورما عدّة ديانات ولكن معظم سكانها يعتنقون البوذية، وثمّة أقلّية من الإسلام في العاصمة رانجون، ومدينة ماندلاي ثم في إقليم أراكان شمالًا على حدود الهند.
يقع إقليم أراكان الذي يسمّى اليوم راخين على الساحل الغربي الشمالي، يشرف على خليج البنغال وتحدّه من الشمال بنغلادش، بينما تفصله عن الداخل البورمي سلسلة جبال أراكان التي يصل ارتفاع بعض قممها إلى 3063 مترًا. تبلغ مساحة الإقليم نحو 36778 كلم2، وعدد سكانه نحو 3.2 مليون نسمه من إتنيات الراخين والروهينغيا، والكامان، أمّا دياناتهم فهي البوذية والإسلام والهندوسية.
ميانمار بلد زراعي بامتياز، فهي ثاني دولة في العالم بإنتاج الأفيون، والسابعة في تصدير الأرز، كما أنّها غنية بالأحجار الكريمة بحيث تستأثر بـ90% من تجارة الياقوت فضلًا عن الزفير واللؤلؤ واليشب (الجاد)، ومن مواردها أيضًا خشب التك، والبترول والغاز الطبيعي، وقصب السكر، وثروة سمكية.
                                           
 

عودة إلى التاريخ
يعود تاريخ أولى الدلائل المكتشفة عن مستوطنات مسلمي البنغال في أراكان إلى زمن الملك ناراميخلا من مملكة مرايك يو، الذي نفي لمدّة 24 سنة في البنغال، ثمّ استعاد سيطرته على العرش الأراكاني في العام 1430 بمساعدة عسكرية من سلطنة البنغال.
شكّل البنغاليون الذين جاؤوا مع الملك مستوطناتهم الخاصة في المنطقة، وقد تنازل الملك ناراميخلا عن بعض الاراضي لسلطان البنغال معترفًا بسيادته عليها.
استمرّ عدد المسلمين البنغال بالازدياد في القرن السابع عشر فانخرطوا في قطاعات متعدّدة من الأعمال في أراكان، حيث عملوا كتبة في المحاكم الأراكانية للغات البنغالية والفارسية والعربية.
في العام 1785 غزت بورما إقليم أراكان ففرّ نحو 35 ألف أراكاني إلى مقاطعة شيتاغونغ المجاورة التابعة للبنغال البريطاني هربًا من اضطهاد البورميين وطلبًا لحماية الهند البريطانية. وقد أعدم الحكام البورميون آلاف الأراكانيين ورحّلوا أعدادًا ضخمة منهم إلى وسط بورما، تاركين عددًا قليلًا من السكان في أراكان التي أحتلها البريطانيون.
احتل البريطانيون أراكان في مطلع القرن التاسع عشر، وشجعوا البنغاليين القاطنين في المناطق المجاورة على الهجرة إلى أودية أراكان الخصبة للزراعة فيها، وذلك بسبب قلة السكان هناك. بعد أن توسّعت شركة الهند الشرقية في إدارتها منطقة البنغال لتشمل أراكان، وبسبب عدم وجود حدود دولية بين البنغال وأراكان، لم تفرض قيود على الهجرة بين المنطقتين. هكذا انتقل آلاف البنغاليين من منطقة شيتاغونغ ليستقروا في أراكان بحثًا عن العمل منذ أوائل القرن التاسع عشر، كذلك انتقل الاف من الراخين البوذيين من أراكان ليستقروا في البنغال.
بين أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ارتفع عدد المسلمين في أراكان من نحو 85 ألفًا إلى 178 الفًا وكان السبب الأساس لهذا الارتفاع هو حاجة الهند البريطانية إلى عمالة رخيصة في حقول الأرز. وهكذا بدأ مهاجرو البنغال بالانتقال مجموعات من منطقة شيتاغونغ إلى القرى الغربية من أراكان. ومن اللافت أن ظاهرة الهجرة الهندية إلى بورما لم تكن مقتصرة على إقليم أراكان فقط، بل شملت جميع أنحاء البلاد. وقد وصل معدل هجرة الهنود إلى بورما بداية القرن العشرين إلى ما لا يقل عن ربع مليون شخص سنويًا، واستمرت هذه الأرقام بالإرتفاع حتى بلغت ذروتها في العام 1927 (480 ألف شخص)، وأضحت رانجون العاصمة أكبر محطة للهجرة في العالم.
شكّل المهاجرون الهنود غالبية السكان في أكبر مدن بورما ممّا أصاب البورميين تحت الحكم البريطاني باليأس، ودفع إلى ظهور ردات فعل عنصرية من قبلهم ضدّ الوافدين الجدد، انطوت على الإحساس بالتفوق والخوف في آن معًا.
أثّرت الهجرة تأثيرًا حادًا على أراكان أقل المناطق سكانًا في بورما. لذلك، وخوفًا من عداء قد يستمر لفترة طويلة بين البوذيين الراخين ومسلمي الروهينغا، شكلت السلطة البريطانية في العام 1939 لجنة تحقيق خاصة لدراسة مسألة هجرة المسلمين إلى ولاية راخين، وقد أوصت اللجنة بضبط حدود الولاية، لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية أجبر المستعمرين الإنجليز على الانسحاب نهائيًا من البلاد.

 

الاحتلال الياباني
خلال الحرب العالمية الثانية وقعت معارك كبيرة في إقليم أراكان البورمي بين الحلفاء واليابانيين. وقد انسحب البريطانيون من بورما تحت ضغط هجمات الجيوش اليابانية تاركين ورائهم فراغًا في الحكم، فاندلعت أعمال عنف كبيرة، منها ما هو بين قرى الراخين البوذية والروهينغية المسلمة، ومنها ما هو بين جماعات موالية لبريطانيا وقوميين بورميين. قام البريطانيون بتسليح جماعات مسلمة في شمال أراكان لإنشاء منطقة عازلة تفصلهم عن اليابانيين الغزاة. ولما دعم الروهينغا الحلفاء في حربهم تلك بمساعدتهم ضد اليابانيين، فقد تعرّض الآلاف منهم لانتقام اليابانيين، ما أدى إلى عبور نحو 22 ألفًا الحدود إلى ولاية البنغال التي هي جزء من الهند البريطانية، هربًا من هذا العنف. ويقدر عدد الروهينغا الذين فرّوا إلى شيتاغونغ بعد تكرار مجازر البورميين والقوات اليابانية بحقهم بنحو 40 ألفًا.
 

بعد الحرب
في العام 1947 أسّس شيوخ الروهينغا الذين أيدوا حركة الجهاد في شمال أراكان حزبًا أسموه حزب المجاهدين، وكان هدفه إقامة دولة مسلمة ذاتية الحكم في أراكان، ودعوا للانفصال عن بورما والاستقلال. في العام 1962 وبعد أن قام الجنرال ني وين بانقلاب عسكري وتسلّم السلطة، شنّ عمليات عسكرية ضدهم على مدى عقدين، وكان أشدها عنفًا «عملية الملك التنين» التي وقعت في العام 1978، وكانت نتيجتها فرار الكثير من مسلمي المنطقة لاجئين إلى بنغلادش المجاورة. ومع ذلك ظلّ المجاهدون البورميون نشطون في المناطق النائية من أراكان، وأسّسوا «جيش أراكان لإنقاذ الروهينغا».
كان التعاون بين هؤلاء المجاهدين البورميين مع نظرائهم البنغلادشيين كبيرًا، إلّا أنّهم فضلوا خلال السنوات الأخيرة أن يوسعوا نشاط شبكاتهم، فتمكنوا من جمع التبرعات وتلقّي التدريبات العسكرية خارج بورما. وانتشر العديد من المهاجرين الروهينغا في الباكستان بالإضافة إلى بنغلادش، كما تشير بعض الدراسات والتقارير الصحفية إلى علاقات ما بين هذا الجيش ومنظمة «القاعدة» ومنظمة «لشكر طيبة» الباكستانية.

 

السياسة
يعتبر الجيش هو الخلفية الحقيقية للأنظمة السياسية التي حكمت وما زالت تحكم بورما منذ عقود وحتى اليوم. وقد اعتمد المجلس العسكري الذي حكم بورما منذ نصف قرن اعتمادًا كبيرًا على القومية البورمية وديانة تيرافادا البوذية لتعزيز حكمه. لذا فقد رأى خبراء الحكومة الأميركية بأنّ هناك تمييزًا عنصريًا ضد الأقليات مثل روهينغا والمجموعات الصينية مثل الكوكانغ والبانثاي (صينيون مسلمون). وهناك بين مؤيدي الديمقراطية المنشقين من الغالبية العرقية البورمانية في بورما من يرفض الاعتراف بالروهينغا على أنهم من أبناء البلد. كما أنّ عددًا من تنظيمات الرهبان التي لعبت دورًا مهمًا في النضال من أجل الديمقراطية في بورما اتخذ تدابير لمنع وصول أي مساعدات إنسانية إلى المجتمع الروهينغي. وقد أكدت حكومة ميانمار في العام 2012 بأنّ الأقلية الروهينغية تصنّف على أنّها عرقية من مسلمي البنغال عديمي الجنسية قدمت من بنغلادش سنة 1982، وأنها لم تدرج مع حوالى 130 عرقية تطالب بجنسية ميانمار.                                                    

 

أعمال الشغب
شهد شمال ولاية راخين في العام 2012 أعمال شغب وصراعات مستمرة بين مسلمي الروهينغا وعرقية الراخين البوذيين. وجاءت أعمال الشغب بعد اسابيع من الخلافات الطائفية التي أدانها معظم اتباع الطائفتين. ولا يعرف بالضبط ما هو السبب المباشر لتلك الأحداث، وإن عدّ بعض المعلّقين أن قتل الراخين لعشرة من المسلمين البورميين بعد اغتصاب امرأة راخينية وقتلها هو السبب الرئيسي لتلك الأحداث. فرضت الحكومة حظرًا للتجول، ونشرت قواتها في المناطق المضطربة معلنة حال الطوارئ في أراكان، بحيث سمح للجيش بالمشاركة في إدارة المنطقة. أدت أعمال العنف إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى والمشردين، فضلًا عن تدمير آلاف المنازل.

 

الوضع القائم
تقول حكومة ميانمار إنّ الروهينغا يمثّلون أربعة في المئة من سكان البلاد، وتتحدّث تقارير المنظمات الدولية عن 20 في المئة، ترفض السلطات في البلاد حسب الأمم المتحدة إحصاءهم، والدستور البورمي لا يدرجهم ضمن جماعات السكان الأصليين ولا يعترف لهم بأي مواطنة، ولا يشملهم قانون الجنسية. فوفق الدستور لا يحق لهم امتلاك العقارات، وتفرض قوانين البلاد ضرائب باهظة على تجّارهم، ولا يحق لأبنائهم ولوج المدارس الثانوية.
كذلك، فإنّ الحكومة البورمية لا تسمح لهم بالمشاركة في الحياة السياسية والعسكرية، وتمنعهم من الترقي اجتماعيًا وحتى من ممارسة شعائرهم الدينية.

 

أسباب ونتائج
اعتبرت الأمم المتحدة أنّ ما قامت به ميانمار من أعمال قمع وقتل وإرهاب وتطهير عرقي في حق الروهينيغا، هو بهدف طردهم نهائيًا من البلاد. كما اعتبرت الانتهاكات العنيفة التي ارتكبتها سلطات ميانمار منذ نهاية شهر آب 2017، ضدهم في مستوى الجرائم ضد الإنسانية. وهذا يلتقي مع رأي بعض المحللين السياسيين الذين يرون أن السلطات البورمية تنوي إزاحة هذه المجموعة الإتنية من الإقليم وتوطين البورميين البوذيين مكانهم، لأنّ هذه المنطقة ستصبح بوابة الصين على خليج البنغال. فالصين تستثمر هناك نحو 10 مليارات دولار لبناء مرفأ كبير ضمن مشروعها «الطريق والحزام» والذي يرمي إلى تعبيد طريق الحرير الجديد، عبر مدّ شبكات من الطرق والأنابيب تصل من الصين عبر بورما الشمالية إلى خليج البنغال، وعبر إقليم أراكان الذي يسكنه الروهينغا.
وثمة من يرى أن هناك قوى عالمية تدعم الحركات الجهادية البورمية لإثارة القلاقل في الإقليم، وإشغال السلطة في ميانمار والضغط عليها لمنعها من الإرتماء في أحضان الصين. وبالتالي فإن المقصود هو منع الصين من إكمال مخططاتها الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية، ومن الوصول إلى خليج البنغال مباشرة وبناء قاعدة عسكرية كبيرة بحرية وجوية وبرية في الإقليم، تشرف مباشرة على المحيط الهندي وعلى حركة الانتقال فيه. وهذا ما تؤكده السلطة الحاكمة اليوم في ميانمار، إذ تتهم الإعلام العالمي والغربي بأنّه ينقل صورة غير دقيقة ومشوهة، ومبالغ فيها لما يجري، وذلك وفق ما يريد بعض مراكز القرار في العالم. وتؤكد هذه السلطات أنّ الجيش البورمي إنّما يتعامل مع جماعات متطرفة وإرهابية لها علاقة بمنظمة «القاعدة» و«داعش» وغيرها من المنظمات التي تدار وتتحرك بأوامر من الخارج.
كذلك يرى بعض المحللين السياسيين أنّ فشل السلطة في ميانمار في حلّ الأزمة أضرّ بسمعة الدولة البورمية، وهزّ صورتها في العالم كدولة تسعى نحو الديموقراطية، بخاصة بعد وصول رئيسة حكومتها الحالية أونغ سان سوتشي إلى السلطة في العام 2016 وهي الحائزة جائزة نوبل للسلام. وقد شكّكت هذه الأزمة بقدرة منظمة «آسيان» في إدارة الأزمات في دول أعضائها وحلّها، وكذلك في دور الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية والإسلامية ذات الصلة، في الوقت الذي يعاني مئات الآلاف من الروهينغا الجوع والمرض والتشرد على مرأى ومسمع من العالم.


المراجع :


• https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/bm.html
• www.aljazeera.net/newsاستمرار-الحملة-العسكرية-ضد-الروهينغا -
• https://ar.wikipedia.org/wiki/-روهينغيا -
• http://www.bbc.com/arabic/inthepress-41138987
• https://en.wikipedia.org/wiki/Rohingya_persecution_in_Myanmar_
• https://en.wikipedia.org/wiki/Rohingya_people
• http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions