ندوة

الرياضة شريك أساسي في المعركة ضد السرطان
إعداد: روجينا خليل الشختورة

إلى جانب فوائدها المتعدّدة على الصحة بشكل عام، كشفت الدراسات حول العالم أنّ ممارسة التمارين الرياضية بانتظام تساعد في الوقاية من السرطان؛ ”هذا المرض الخبيث“ الذي يغيّر حياة الإنسان ويصيب ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم. فعلى الرغم من التقدّم الكبير الذي تمّ إحرازه في تشخيصه وعلاجه، يستمر هذا المرض في حصد الضحايا، خصوصًا في البلدان التي لا تملك الاستراتيجيات والموارد اللازمة لمكافحته بفعالية.

اليوم العالمي للسرطان

بدأ الاحتفال باليوم العالمي للسرطان في 4 شباط 2000 في القمة العالمية لمكافحة السرطان التي عقدت في باريس، حيث وقّع قادة الوكالات الحكومية ومنظمات السرطان من جميع أنحاء العالم على ميثاق باريس لمكافحة السرطان.

يجب على مرضى السرطان استشارة مقدم الرعاية الصحية قبل البدء في برنامج تمارين للتأكد من أنّه آمن ومناسب لاحتياجاتهم. بالإضافة إلى ذلك، من المهم ملاحظة أنّ نوع التمرين وشدته قد يختلفان تبعًا لمرحلة السرطان والحالة الصحية للشخص. علاوة على ذلك، من الأهمية بمكان دمج التمرين في نهج شامل للوقاية من السرطان وعلاجه، والذي يتضمن نظامًا غذائيًا صحيًا وإدارة الإجهاد وخيارات نمط الحياة الصحية الأخرى، وبالتالي يمكن للأفراد من خلال الجمع بين هذه الاستراتيجيات، تقليل مخاطر الإصابة بالسرطان وتحسين صحتهم العامة ورفاهيتهم.

 

تقرير الأمم المتحّدة

أظهر أحدث تقرير صدر عن الأمم المتحدة في 1 شباط 2024، «تفاوتات صارخة» في عبء السرطان العالمي، كما أظهر أنّ 10 أنواع من السرطان شكّلت مجتمعةً حوالى ثلثي الحالات الجديدة والوفيات على مستوى العالم في العام 2022، علمًا أنّ البيانات تغطي فقط 185 دولة و36 نوع سرطان. ومن المتوقّع تسجيل أكثر من 35 مليون حالة جديدة في العام 2025، أي بزيادة قدرها 77% عن العام 202

بهدف تحسين الوعي والمعرفة بمخاطر السرطان والإجراءات اللازمة للوقاية منه واكتشافه وعلاجه بشكل أفضل، يقود الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان UICC مبادرة عالمية خصص بموجبها الرابع من شباط من كل عام يومًا عالميًا للسرطان.

في المناسبة، وبرعاية قائد الجيش العماد جوزاف عون، أقامت الأكاديمية الدولية العلمية للتربية البدنية والرياضة وبالتعاون مع الجمعية اللبنانية للثقافة البدنية ونادي الوطن، ندوة توعوية حول «دور الرياضة في الوقاية من السرطان»، وذلك في المركز العالي للرياضة العسكرية.

 

التوعية جزء من مهمة الجيش الإنسانية

حضر الندوة إلى جانب قائد المركز العالي للرياضة العسكرية العميد الركن ميخائيل موسى ممثلًا العماد قائد الجيش، شخصيات رسمية وأمنية وطبية واجتماعية وحقوقية وإعلامية ورياضية مختلفة. وكان للعميد الركن موسى كلمة شكر فيها القيّمين على هذه الندوة، ونوّه بأهمية المشاركة في مثل هذه اللقاءات التوعوية، مشيرًا إلى أنّ مشاركة الجيش في الندوة هي جزء من مهمته الإنسانية، وواجبه الوطني وسعيه الدائم إلى الاهتمام بشؤون المجتمع وقضايا المواطنين. ولفت إلى أنّ مهمات الجيش لا تقتصر على الأعمال العسكرية وحماية الحدود وحفظ الأمن فحسب، إنما تشمل الرعاية الصحية على المستوى الوطني، وذلك من خلال تقديم الخدمات الصحية للعسكريين وذويهم، وهم يشكلون نحو 10% من سكان لبنان. وأشار من ناحية أخرى إلى الأهمية التي توليها المؤسسة العسكرية للنشاط الرياضي.

بعدها، كان للأستاذ محمد عويدات ممثلًا وزير الشباب والرياضة، كلمة أكّد فيها دعم الوزارة الدائم لهذا النوع من النشاطات التوعوية، وتشجيعها المستمرّ على ممارسة الرياضة على أنواعها ولمختلف الأعمار.

 

لبنان في المرتبة الأولى في نسبة الإصابات على صعيد غرب آسيا

بدوره، شدّد الدكتور بيار الجلخ رئيس اللجنة الأولمبية، على أهميّة هذه الندوة التي تعنى بالتوعية والوقاية من السرطان وهو من أخطر الأمراض التي تفتك بالبشرية، لا سيّما في ظلّ حلول لبنان في المرتبة الأولى بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان وذلك بحسب التقرير الذي نشره المرصد العالمي التابع لمنظمة الصحة العالمية. من هنا أهمية تسليط الضوء على دور ممارسة الرياضة للوقاية من هذا المرض لتقوية المناعة لدى الأفراد وتقليص عدد الإصابات به.

تلا ذلك كلمة للأستاذة منى حرب الكبي رئيسة الأكاديمية العلمية الدولية للتربية البدنية والرياضة، شكرت فيها الرعاية الكريمة لقيادة الجيش لهذه الندوة التوعوية، ورحّبت بمشاركة الحاضرين في نشر التوعية وتعزيزها حول اليوم العالمي للسرطان.

 

الوعي يُنقذ الأرواح

قدمت الكبي في المحور الأوّل من الندوة عرضًا حول «إنقاذ الأرواح من خلال رفع مستوى الوعي»، واستهلّت عرضها بلمحة تاريخية عن مرض السرطان وخطورته وانتشاره وسبل الوقاية منه، ثمّ تحدّثت عن المؤسسات الدولية العالمية التي تُعنى بمرض السرطان والتوصيات العالمية الصادرة بهذا الشأن وتصنيفات المرض والدراسات والإحصاءات الوطنية والعالمية، كما أشارت إلى أهمية التكنولوجيا في العلاج والوقاية.

وتناولت كذلك الخطة الوطنية التي وضعتها وزارة الصحة اللبنانية في تموز 2023 لمكافحة السرطان والتي سلّطت الضوء على برامج الوقاية منه، ومبادرات الفحص المبكر، والوصول إلى الأدوية الأساسية، بالإضافة إلى تطوير مراكز الرعاية المتخصصة.

وختمت الكبي كلمتها بتحديد وسائل رفع الوعي والعلاقة بين الرياضة ومرض السرطان، إذ استشهدت بالعديد من العلماء والباحثين الذين قاموا بدراسات معمّقة حول هذا الموضوع، ومنهم البروفسور Martin Halle الذي قال: «كلّما انتقلنا من حالة الخمول إلى النشاط، قلّ عدد الخلايا السرطانية في الجسم». والبروفسور Wilhelm Bloch الذي اعتبر أنّ الرياضة تحفّز الجسم على محاربة الورم، وأنّ ممارستها لا توقف المرض، لكنّها تجعل الجسم في وضع يسمح له بالتعامل بشكل أفضل مع السرطان...

 

نصائح عملية

في المحور الثاني من الندوة، توسّع العميد فادي الكبي، مدير البرامج والتطوير ورئيس قسم البحث العلمي في الأكاديمية العلمية الدولية للتربية البدنية والرياضة، في شرح «الفوائد والتأثيرات الإيجابية للتمارين الرياضية في الوقاية من السرطان»، وشدد على ضرورة توافقها مع احتياجات المرضى. كما تناول العوامل المؤثرة في القدرة على ممارسة الرياضة، والفوائد المختلفة للرياضة سواء على الصحة العامة أو على الصحة النفسية والعاطفية.

القسم الأكثر تشويقًا في العرض الذي قدّمه العميد الكبي كان ذلك الذي قدّم فيه نصائح عملية لدمج التمارين في نمط حياة صحي، شارحًا كيف تعمل الرياضة على مكافحة السرطان من خلال:

1 - تعزيز وظيفة المناعة

ثبت أنّ التمارين الرياضية تؤثر بشكل إيجابي على جهاز المناعة، وهو أمر بالغ الأهمية للوقاية من السرطان، فتحفيز الدورة الدموية للخلايا المناعية نتيجة ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، يُمكّن من اكتشاف الخلايا السرطانية وإزالتها بسهولة أكبر قبل أن تتاح لها فرصة التطور والانتشار.

2 - تقليل الالتهاب

الالتهاب هو استجابة الجسم الطبيعية للإصابة أو العدوى، لكن الالتهاب المزمن قد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان. دور الرياضة هنا هو المساعدة في تقليل الالتهاب عن طريق تنظيم جهاز المناعة وتقليل إنتاج السيتوكينات الالتهابية.

3 - السيطرة على الوزن

تُعدّ سرطانات الثدي والقولون والبروستاتا مجرد عينة من السرطانات التي تزداد بشكل ملحوظ بسبب السمنة. وبما أنّ التمارين الرياضية يمكن أن تساعد الأشخاص على التحكم في أوزانهم، فهي بالتالي تُسهم في الحد من فرص الإصابة بالسرطان.

4 - تحسين صحة القناة الهضمية

يرتبط السرطان وصحة الأمعاء ارتباطًا وثيقًا، ويمكن أن تساعد التمارين الرياضية في تحسين صحة القناة الهضمية من خلال تشجيع نمو البكتيريا المفيدة في الأمعاء وتقليل الالتهاب فيها، وبالتالي تقليل خطر الإصابة بسرطان القولون وأنواع السرطان الأخرى المرتبطة بالجهاز الهضمي.

كيف يمكن لممارسة الرياضة بانتظام أن تساعد مريض السرطان أثناء عملية العلاج؟

يمكن أن يكون للعلاج الكيميائي والإشعاعي العديد من الآثار الجانبية، مثل الألم والغثيان والتعب، وبالتالي، من خلال زيادة اللياقة العامة وتقليل علامات الالتهاب في الجسم، يمكن أن تساعد التمارين في الحد من هذه الآثار.

 

تحسين الصحة النفسية

يمكن أن يكون للسرطان تأثير سلبي على الصحة العقلية، مما يؤدي إلى مشاكل عاطفية مثل الاكتئاب والقلق، وقد ثبت أن التمرينات تساعد على مكافحة هذا الأمر لرفع الحالة المزاجية وتقليل علامات القلق والاكتئاب لدى مرضى السرطان.

 

تحسين الوظيفة الجسدية

قد يتسبب علاج السرطان بتدهور العضلات وضعف القدرات البدنية، لذلك فإنّ تحسين القوة والمرونة والوظيفة البدنية العامة من خلال التمرين، يمكن أن يعزز نوعية الحياة ويقلل من احتمال الإصابة بالسرطان.

 

أنواع السرطان وما يناسبها من تمارين

عدّد العميد الكبي الرياضات المثالية لكل نوع من أنواع السرطان الأكثر انتشارًا. فلسرطان الأمعاء والبروستات مثلًا، يُنصح بقيادة الدراجة الهوائية، التجوال سيرًا على الأقدام، المشي مع عصي خاصّة ممّا يزيد من اللّياقة البدنية ويحسّن نشاط القلب والدّورة الدموية، والسباحة والتنس. ولسرطان الثدي، إضافةً لما سبق، يُنصح بممارسة الرقص والأيروبيك واليوغا. أما للمصابين بسرطان الدم والحنجرة فينصح بالسباحة أيضًا ولكن بعد أن يتعزّز نظام المناعة الجسدي قليلًا، كما يُنصح بالابتعاد عن الرياضة الكروية مثل كرة القدم والسلة والطائرة. وأخيرًا لسرطان الرئة يُنصح بممارسة رياضة القوة، وخصوصًا على الأجهزة التي تقوي عضلات الصدر والظهر والبطن.

 

رياضيون نجحوا في التغلّب على المرض

ختم العميد الكبي عرضه بقصص رياضيين كبار واجهوا المرض وتغلبوا عليه، وكانت الرياضة سلاحًا أساسيًا في معركتهم الرابحة. نذكر منهم العداءة الجامايكية Novelene Williams التي وعلى الرغم من إصابتها بسرطان الثدي، قرّرت عدم التوقّف عن الرياضة، وأصرّت على المشاركة خلال فترة علاجها في أولمبياد لندن 2012، وساهمت في تتويج جامايكا بالميدالية البرونزية في سباق 4×400 وذلك قبل 3 أيام من خضوعها لعملية استئصال الورم.

بدوره أصرّ السباح الأميركي Eric Shanteau على المشاركة في الألعاب الأولمبية في بيكين (2008) رغم تشخيص إصابته بسرطان البروستات قبل أسبوع فقط على انطلاق الألعاب. وهو إذ خرج في النصف النهائي، عاد بعد تعافيه بـ 4 سنوات ليحقق ذهبية أولمبية في 4×100 متنوّعة، وذهبيتين في بطولة العالم وواصل مسيرته الرياضية بنجاح.

كلمة الختام في الندوة كانت للمحامي الأستاذ زياد خالد الذي شدد على أهمية هذه الندوات المتخصصة وأهمية المتابعة واعتبار الرياضة شريكة أساسية في كل مفاصل حياتنا.