- En
- Fr
- عربي
قضايا اجتماعية
وراثي أم مكتسب
لم يسجل التاريخ الإنساني حتى الآن فترة زمنية أو حضارية إختفت فيها ظاهرة العنف والعدوان من حياة الإنسان, والدليل على هذا أن التواصل في ممارسة العدوان ثابت بوضوح في سجلات التاريخ الحافلة بالأحداث والحروب منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا, ناهيك عن حوادث الإعتداء والعنف والتي لا تحصى بين الأفراد والجماعات. وإذا نحن أضفنا الى الممارسات العدوانية التي تستهدف الأرض والمُلك وسلامة الشعوب, الممارسات التي تستهدف الإيذاء النفسي من نوع أو آخر, لتبيّن لنا بوضوح بأن ظاهرة العنف والعدوان هي أكثر الظواهر السلوكية الملازمة للإنسان على مرّ العصور.
والمتابع لمسيرة التاريخ يجد أن هذا العصر والذي يتباهى بالحضارة والعلمانية وسلطة الفكر والعلم والقانون, يظهر فيه من ممارسات العنف والعدوان على النطاق الفردي والجماعي والوطني أكثر بكثير ممّا مارسه الإنسان في العصور السابقة من عنف ولأي سبب, ويجد أيضاً أن الحروب التي سجلها التاريخ خلال المئة سنة الأخيرة تزيد على ما قام من حروب خلال ألف عام, كما أن إحصائيات بعض الدول المعاصرة تبيّن الحجم الهائل لمختلف أنواع العنف في مجتمعاتها وبنسب لا يمكن مقارنتها بحوادث العنف في الماضي البعيد, هذا مع العلم بأن سجلات العنف والعدوان في كل بلد ومجتمع لا تتطرّق الى حوادث العدوان التي تظلّ مكتومة لديها لسبب أو لآخر, وخاصة الحوادث التي لا تقع عادة تحت طائلة العقاب القانوني لأنها تقتصر على الأذى النفسي والمعنوي.
من هذه البيّنات, والتي لها ما يسندها من الملاحظات والتجارب الشخصية والإجتماعية حول مدى إنتشار وحجم ظاهرة العنف والعدوان, يتّضح لنا بأن هذه الظاهرة تمثل صفة إنسانية يتمتع بها كل إنسان, فالإنسان بين معتد ومعتدى عليه, يُمارس العدوان على من هو أكثر منه ضعفاً, وإذا لم يفعل, أو لم يستطع, فإن عدوانه يرتد الى نفسه فيوقع العنف عليها بطريقة أو بأخرى..
ظاهرة العنف والعدوان استرعت اهتمام الإنسان منذ القدم في محاولة للحد منها, وقد عُنيَ بها الفلاسفة والحكماء ورجال الدين والقانون والأدباء وعلماء الإجتماع والنفس والسياسيون والمختصون في العلوم البيولوجية والفيزيولوجية العصبية وغيرها من ضروب العلم والمعرفة. وبالرغم من الجهود الحثيثة, فإن هذه المحاولات لم تسفر الى نتائج إيجابية ولم تؤد الى خفض حقيقي لحوادث العنف, وعلى العكس فإن ظاهرة العنف بمختلف أشكالها, هي حتى في هذا العصر الصفة المميزة للسلوك الإنساني, وهي في تزايد مرعب, ولها أن تعطي الإنطباع بأن شيطان العنف الإنساني قد أفلت من قمقمه وأن لا سبيل لإرجاعه إليه.
وجهات نظر.. في العدوان
تتوفر نظريات عديدة حول أسباب السلوك العدواني وطبيعته ومسبباته ويمكن اختصارها في نظرتين متعارضتين. ترى الأولى أن ظاهرة العنف صفة متأصلة في طبيعة الإنسان, وتفسّرها على أنها تعبير عن استعداد مقرر بيولوجياً في الطبيعة الإنسانية, أما النظرة الثانية فترى في العدوان ظاهرة طارئة في حياة الإنسان, وبأنها مكتسبة من الحياة بفعل عوامل محيطية وإجتماعية وتعليمية, وبأن العدوان يكتسب إجتماعياً بالتقليد وبأنه يتعزز ويتواصل بفعل تلقي السلوك العدواني نتيجة التعرّض لمثله والتعلم من نماذجه, خاصة إذا اقترن بعنصر التكرار الذي يجعل الفرد متحمساً للسلوك العنيف, المزعج والعدائي, وبدلاً من أن يكون مسالماً نجده سلبياً.
سنتناول في ما يلي موضوع العنف والعدوان بصورة موضوعية ونسلّط الضوء على مختلف النظريات والآراء الهامة التي أوردها المعنيون بهذه الظاهرة السلوكية, ما هي أسبابها وطرق التعبير عنها؟ أهميتها الحياتية وكيف تتم السيطرة عليها؟ ومع أننا سنلاحظ الكثير من الإختلاف في وجهات النظر, إلا أننا سنلاحظ أيضاً بأن ظاهرة العنف والعدوان ليست بالظاهرة المفردة في أسبابها, أو بالظاهرة التي يمكن السيطرة عليها بفعل طرق وقائية واحدة, ولو كان الأمر كذلك لتمكّن الإنسان من إلغاء العنف من حياته وتسنّى له أن يعيش بسلام من دون أن يدخل في متاهة التعدي على الغير أو الوقوع ضحية لعدوانهم.
إن العنف مظهر سلوكي خطير, والنظر في أسبابه وأصوله مسألة معقدة جداً, وقد اتضح للرأي العام أن هذه الظاهرة تحتل المرتبة الأولى في مساعي الباحثين والعلماء الذين نشطوا في دراسة الدافع للعدوان وأسباب الإتجاه الى هذا السلوك التدميري العنيف.
من جهته فسّر “فرويد” العدوان بأنه ينبع من دافع داخلي يدفع صاحبه للتعدي على الغير بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبدون الحاجة الى إثارة خارجية لهدف التعدي, وقد اتفق معه في هذا الرأي, “لورنز” و”داروين” وغيرهم من العلماء الذين رأوا بأن العدوان ينجم عن دوافع ذاتية قد تكون نفسية أو عقلية مرضية, تشكل حافزاً للفرد للقيام بالعدوان وتدفعه للتعدي على الغير بصورة مباشرة أو غير مباشرة, إلا أن “سكوت”, ذهب في نظرته الى إتجاه آخر, فالعنف برأيه سلوك مكتسب ينشأ تحت تأثير عوامل وراثية ومحيطية متعددة ومختلفة الأهداف, وفي رأيه أيضاً أن الإنسان يستطيع أن يعيش بصورة مُرضية وبدون ممارسات عدائية, إلا إذا أثارت الأحوال الخارجية ردود فعله العدوانية, فكل إنسان لديه القدرة على ممارسة العنف ولكنه غير مدمّر بطبيعته, ودليله على هذا الإفتراض هو أن الناس ليسوا جميعهم سلبيين, فمن الناس من هو بعيد كل البعد عن العنف ويملك القدرة على السيطرة على نفسه في المواقف الصعبة؛ كما يرى “سكوت” أنه من الممكن التقليل من ميل الإنسان للعدوان عن طريق تحسين أوضاعه وظروفه الحياتية.
العدوان.. سلوك إجتماعي
اختلف المحللون النفسيون حول ما إذا كان الدافع للعدوان إجتماعياً في الأساس, إلاّ أننا لمسنا إتجاهاً واضحاً لدى البعض منهم يؤكد هذه النظرية معتبراً أن العدوان سلوك مكتسب أثناء الحياة بفعل عوامل إجتماعية وبأنه يتعزز ويتواصل بفعل هذه العوامل. ويتحقق هذا الإكتساب للسلوك العدواني نتيجة التعرّض لمثله والتعلّم من نماذجه, خاصة إذا اقترن ذلك بالمكافأة على القيام به أو, توقع هذه المكافأة, ومع أن هذه النظرية للسلوك العدواني لا تقر بوجود غرائز داخلية ينبع منها العدوان تلقائياً, إلا أن من الواضح أنها تتفق مع نظرية الدوافع العدوانية في أن ما يثير العدوان يأتي من عوامل إجتماعية أو محيطية تجعل من هذا السلوك ممكناً.
وفي المقابل, إن لهذه النظرية عن العدوان, والتي تربط بينه وبين التعرّض للعوامل الإجتماعية والمحيطية من ناحية وبين قواعد التعلّم من ناحية أخرى, أهمية خاصة, ذلك أن الأخذ بها يمكن أن يؤدي الى التحكم بالسلوك العدواني في الحياة الإجتماعية, وذلك عن طريق الحد من العوامل التي تساعد على إكتساب العنف وإثارته ومن خلال توجيه عمليات التعلّم بعيداً عن إمكانية إكتساب العدوان؛ وهذه الرؤية تعطي أملاً بإمكانية السيطرة على العنف والعدوان.
إن العوامل الفعّالة في الحياة الإجتماعية متعددة والكثير منها يدفع الى العنف ويسنده ويديمه, ولهذا ليس من السهل التوصل الى السيطرة على تيار العنف وضبطه.
أما أهم العوامل التي تعتبر فعّالة في عملية إكتساب السلوك العدواني, فهي تشمل: حالات الإحباط, التعرّض لنماذج عدوانية, المكافأة ودعم أعمال العنف, الإثارة المعنوية, الإضطراب النفسي والعقلي وإضطرابات الشخصية, الخوف من الفشل والعقاب الخ...
العدوان والمكافأة
الربط بين العدوان والمكافأة لا يعني بالضرورة أن العدوان ينشأ من المكافأة على ممارسته, وإنما يفيد بأن الدافع للعدوان يمكن التأثير عليه من نتائجه. وقد بيّنت النظريات التي بحثت في العواقب الإيجابية والسلبية المترتبة على أسلوب المكافأة, من أن السلوك العدواني للفرد لا بد أن يتأثر بطبيعة ودرجة المكافأة التي يحصل عليها الفرد من عدوانه وبالظروف التي تحيط بذلك, وللمكافأة على العدوان أن تكوّن إسناداً لدافع التحدي, إما في ظروف مماثلة أو في ظروف مغايرة إذا ما تأكد الشعور في النفس بأن ممارسة العدوان هي عملية مجدية, ومن التجارب التي لها أن تسند العدوان وأن تساعد على الإستمرار في ممارسته الحالات التالية:
العدوان الذي هو بمثابة ردّ فعل للشعور بالألم سواء كان الألم جسدياً أو نفسياً وخاصة إذا أوقع العدوان الألم في المعتدى عليه وجاء ردّ الفعل في حالة من الغضب.
إذا وقع العدوان أمام جماعة من الناس ولاقى استحسانهم فذلك يضمن الى حد كبير ممارسة مثل هذا السلوك في المستقبل, كما أن لمثل هذا الإستحسان أن يخلق شعوراً بالعظمة والكبرياء, ولكل ذلك أن يدفع بالفرد الى ممارسة العدوان من دون أن يتحسب للعواقب المترتبة عن تصرفه السلبي.
تيقّن الفرد بأن العدوانية توفّر له المكافأة والسيطرة وتخوّله الوصول الى مراكز إجتماعية مرموقة.
وفي ذلك إشارة الى أن بالإمكان تدريب الفرد على العدوانية خاصة في سنّ الحداثة والشباب, وذلك عن طريق إسناد السلوك العدواني بما يوفّر المنفعة أو المديح.
الإحباط والعدوان
لا شك أن الإنسان بطبيعته طموح ويصرّ على تحقيق أهدافه, فإذا وقع في فشل تحدث فيه حالة من الإحباط تعزز لديه الدافع للتحدي, وهذا الدافع يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالنزعة للعنف والعدوان؛ وهذه النظرية ليست افتراضاً جديداً فقد ناقشها الحكماء والمربّون, وتوسعوا في أفقها, غير أن Dollard)) , كان أول من وضع النظرية المسماة بفرضية “الإحباط والتعدي” سنة 1939, والتي تأكد فيها أن العدوان ينجم عن دافع يُثار عندما تحبط مساعي الفرد الموجهة نحو تحقيق هدف ما, بمعنى أن الإحباط يؤدي دائماً الى التمرّد على الواقع المرفوض.
لقد تناول الكثيرون مسألة الإحباط والتعدي بالبحث, ومدّها البعض لتشمل دوافع أخرى ذات مصادر متنوعة مثل التعرّض للضغط والفشل المعنوي, وغيرها من التجارب التي تثير دافع التعدي, غير أن الأبحاث الأكثر حداثة قد أفادت بأن العلاقة بين الإحباط والعدوان ليست علاقة ثابتة بحيث يؤدي الإحباط دائماً الى ممارسة العنف, ثم أن العدوان لا يأتي دائماً نتيجة للإحباط فليس كل محبط عنيفاً وليس كل عنيف محبطاً, ومع إدراكنا بأن الإحباط يخلق في صاحبه شعوراً بعدم الإرتياح, ويجعله متحمساً للتمرّد والتصرفات السلبية, إلا أن هذا النمط من ردود الفعل غير وارد دائماً.
العدوان.. كنموذج ومثال
يتضح من الدراسات السلوكية العديدة, أن توفّر النماذج العدوانية في العائلة أو المجتمع, له أن يكون عاملاً أساسياً في توجيه الفرد الذي يتعرّض لمثل هذه النماذج الى القيام بسلوك عدواني, وكلما زاد عدد هذه النماذج كلّما كثرت إمكانية تقليدها, خاصة إذا كانت تمثل سلوك أفراد أكبر سناً, وإذا توفّرت بأسلوب مشوّق ومثير للإنتباه, كالنماذج التي تقدمها وسائل الاعلام وخاصة التلفزيون.
نحن نعرف أن النماذج العدوانية تتوفر بنسبة متفاوتة في مختلف المجتمعات, والذين يوفّرون هذه النماذج في البداية هم الآباء والأمهات الذين يمثلون القدوة لأولادهم, فالأبناء يتسوّقون من آبائهم سماتهم السلوكية ويتطبعون بها, ثم أن لأحد الوالدين أن يكون نموذجاً عدوانياً بالنسبة لأولاده إذا ما تصرّف معهم بعنف وسلبية. ففي مثل هذه الحالة يكون تصرّف الأب أو الأم مصدر ألم وإحباط للولد يدفعه الى الإنتقام لنفسه بأي طريقة, فقد يوقع عدواناً مماثلاً على من هم أصغر سناً منه مثلاً, أو ينقاد الى التمرد والعصيان...
وتتـوالى النمـاذج العدوانية في تجربة الأولاد من نمـاذج العنف والعدوان التي يتعرضون لها أو يشاهدونها في سلوك غيرهم؛ وكلما توفّرت هذه التجارب في حياتهم كلما حـاولوا الإقـتداء بها وتقلـيدها.
وننتقل الى المجال الأهم والذي يوفّر نماذج العنف للمراهق والحدث ويصدّرها إليه يومياً وهو: الإعلام. فما تقدمه وسائل الإتصال من تلفزيون وإذاعة وصحف ومجلات من حالات ونماذج تمثل العنف والعدوان له تأثير كبير في النفس وفي المخيّلة. وقد أجريت حتى الآن دراسات وأبحاث عديدة لغرض تقييم أثر تعرّض الأبناء لمثل هذه النماذج الإعلامية, وكلها تفيد بأن ما يسوّقه الإعلام للجيل الناشئ يشجعه لممارسة مثل هذه النماذج وتقليدها... ومن العوامـل الأخرى المشجـعة على تقـليد نموذج العدوان هو ما يمكن أن يتوفّر من تشابه بين المشاهد والنموذج الممارس للعدوان, من حيث العمر والمستوى الإجتماعي والواقع الحياتي وغيرها من الإعتبارات التي تربط بينهما وتحفّز المشاهد الى القيام بتقليد العنف سواء جاءت هذه الرغبة بدافع إرادي أو لا إرادي.
الغضب والعدوان
مع أن الغضب هو أكثر الإنفعالات المؤدية الى سلوك العنف والعدوان والذي يتوجه عادة وبصورة آنية ومباشرة الى المصدر الذي أثار مشاعر الغضب لديه, إلا أن الكثير من حالات العدوان لا تقتضي توفّر الغضب في نفس القائم بها, كما يتضح من الممارسات العدوانية التي يقوم بها الأفراد في ظروف ومواقف خالية من الغضب الناجم عن إثارة نفسية؛ كما أن للغضب بحد ذاته أن ينتهي بالعدوان. غير أن هذه الإمكانية تتوقف الى حد كبير على مقدرة الفرد في ضبط انفعالاته وعلى تمتعه بالعقلانية الكافية التي تمنعه من تصريف غضبه عن طريق اللجوء للعنف.
ولما كان الغضب ليس بحالة خاضعة للإرادة فإن مقدرة الفـرد في السيطـرة على غضبه تعتمـد على عوامـل خارجة عن إرادته, وتتمثل بالسيطرة على انفعالاتـه بطريقة أو أخرى, وهي مقدرة تتـطلب التدريب على ضبط النفس وتبديد الغـضب.
الخوف.. أيضاً سبب
الخوف بصورة عامة يدفع الخائف الى الهرب والإبتعاد عن مصدر خوفه, والخائف يميل تلقائياً الى الهرب إذا وجد أن التخلّص من مصدر خوفه ممكن, غير أنه إذا سدّت الطرق في وجهه يتحول خوفه الى عنف وعدوان. وفي حالة تعرّض الفرد للتوتر والخوف غير الطبيعي الذي لا تبرره أسباب واضحة, فهو يصبح أكثر إستجابة لممارسة العنف والعدوان وبصورة أشدّ وأعنف, وفي المقابل إن ممارسة العنف أثناء الخوف لها أن تبث شعور الثقة في نفس الخائف وتُشعره بأنه قادر على مقاومة مصدر خوفه والتحرر من قيوده.
العقاقير والمنشطات العصبية
العقـاقير والمنشطات لها أن تحـدث تأثـيراً في الذين يتعاطونها, وفعلها يتفاوت بين شخص وآخر طبقاً لشخصية من يتعاطاها وحالته الصحية, إضافة الى طريقة تعاطي هذه المواد والظروف التي يتم فيها ذلك, وهناك بعض العقـاقير التي تحـفّز الى سلـوك العنف عندما يكون الإنسان تحت سيطرتها وتأثيرها, وعندما يتوقف عن إستعمالها بعد أن يكون قد تعوّد وأدمن على هذا الإستعمال؛ ومن العقاقير التي تسهّل السلوك العدواني, بعض الأدوية المهدئة والمنشطة, فالمهدئات لها مفعول المنشطات نفسه, وأيضاً تأثيرها الذي من شأنه أن يقلل من قدرة الفرد على السيطرة على إنفعالاته والتحكم باندفاعه نحو العنف.. وتجدر الإشارة الى أن المشروبـات الروحية مؤثرة أيضاً, فقد أفادت التجارب الإختبارية أن الإكثار من تناولها يزيد في إمكانية ممارسة العنف والتعدي وشدة هذه الممارسة, ولعلّ سبب ذلك يعود الى تأثير الكحول على مركز الدماغ والجهاز العصبي للإنسان ودفاعاته.
إضطرابات الشخصية...
هنالك بعض أنماط الشخصية التي تتصف بالعدوانية أكثر من سواها, ومن أهم خصائص هذه الشخصية, اندفاعية الفرد وتعديه على الغير بدون مبرر أو بسبب حاجة عارضة, ومن الخصائص الأخرى, عدم مقدرة صاحب هذه الشخصية على السيطرة على انفعالاته نتيجة وجود إضطراب في صحته النفسية والعقلية وما يرتبط بهذا الوضع من إحتمالات لها أن تؤدي الى تطوير الإتجاه نحو العنف والتعدي بصورة واضحة.
يمكن إعتبار الحالات الصحية النفسية والعقلية حالات مساعدة في رفد سلوك العنف, لأن من المتوقع أن يقوم المضطرب نفسياً بتصرفات عدوانية خطيرة.. فأحياناً نجد أن إنساناً يمارس العنف منساقاً مع هلوساته وأوهامه التي تصوّر له بأنه مهدد بالإعتداء عليه مثلاً؛ وقد يبادر أحدهم الى ممارسة العنف لإحساسه بأن هذا السلوك يمدّه بالقوة والعظمة, أو للتعويض النفسي عن شعوره بالنقص أو عدم التقدير من الغير.
إن أهم ما يهدد الحياة النفسية لأي فرد هو خوفه من أن يخسر تقديره لنفسه, أو تقدير الناس له. والتجارب التي لها أن تؤدي الى مثل هذا الشعور عديدة ومتنوعة, ومنها: فشل الفرد في حياته العلمية أو المهنية وعدم حصوله على المكانة التي يعتقد أنه يستحقها سواء كانت هذه المكانة مادية أو معنوية, وتعرض الفرد للأذى من الآخرين أو المساس بسمعته, وهنالك ما لا عدّ له من الوقائع كان فيها التهديد لتقدير النفس هو الدافع للعنف والعدوان والجريمة..
قد يتعذّر على الكثير من الناس التوصل الى حلول لصراعاتهم النفسية ومشاكلهم الحياتية, وقد لا يكون لهؤلاء المقدرة لإيجاد الحلول, ولذلك قد يجدون في العنف والسلبية حلاً مقبولاً؛ ومن الناس من تعلّم بالتجربة بأن العنف هو سلوك ناجح لحل المشكلات أو تذليلها, والفضل الأول يعود الى وسائل الإعلام طبعاً... حيث ينقل الى المشاهد نماذج العنف بطريقة مشوّقة أكثر من يتأثر بها الأحداث والشباب.. ومن اللافـت أن البعض يجـدون في سلوك العنف وسيلة للتخلّص من القيود النفسية التي حملوها من صغرهـم وممـا وقع عليـهم من أذى ومن حرمان, فإذا بهم يتشبهون بمـن اعتدى عليهم وعلى مشاعرهم, ويمارسون مثل سلوكه على غيرهم.