- En
- Fr
- عربي
اقلام استقلالية
رواد مناضلون نشروا الوعي الوطني وساهموا بقوة في هندسة الإستقلال
خلال الفترة الممتدة بين العام 1930 والعام 1943، انخرطت الصحافة اللبنانية في خط النضال السياسي بقوة، ونشرت الأفكار الوطنية في البلاد، فكانت مساهمتها في معركة الإستقلال كبيرة. وقد تعرّضت من جراء ذلك لضغوط السلطة الفرنسية المنتدبة.
وكان من أبرز الصحافيين الذين التزموا ذلك الخط: جبران تويني، ميشال شيحا، جورج نقاش، ميشال زكور، يوسف الخازن وخيري عوني الكعكي.
ومن الصحف الرئيسية التي صدرت في تلك المرحلة: صوت الأحرار، النداء، بيروت، لبنان، اللواء، البلاد، الدبور، الديار، آسيا، العمل، النهار والشرق.
وتكريماً لهؤلاء الذين التزموا الخط الوطني متراساً عالياً للدفاع عن الحرية ورفع مشعلها، نستذكر في مناسبة عيد الإستقلال، أسماء شعّت في دنيا الصحافة اللبنانية وكانت حجر زاوية في بناء معركة الإستقلال.
جبران تويني
عندما تولّى الصحافي جبران تويني وزارة المعارف في وزارة أديب باشا قبل تعليق الدستور عام 1932، لم ينقطع سراً عن الكتابة؛ وكم من مرّة دخل عليه رجال الصحافة في ديوانه فوجدوه يحبّر المقال الإفتتاحي "في انتقاد الحكومة أحياناً"، وكان يقول لأصدقائه همساً: ما الحيلة، لا أستطيع مقاومة التجربة وأشعر بالحاجة للكتابة كل يوم، وإن بتوقيع مستعار.
في أول افتتاحية لجريدة "النهار" الصادرة بتاريخ 4 آب 1933، كتب جبران تويني، "إن الحكم الدستوري عائد لا محالة لأن صك الإنتداب الذي أقام فرنسا وليّة على سوريا ولبنان نص في مادته الثانية على أن تقيم فرنسا في هذه البلاد نظاماً نيابياً للحكم، بالإتفاق مع السلطات الأهلية. ولن تستطيع فرنسا أن تنقض صك الإنتداب".
هذا المقال لم يكن سوى نموذجاً لكتاباته النابعة من إلتزامه في النضال في سبيل استقلال لبنان وحريته وسيادته.
وجبران تويني من مواليد العام 1890، سافر الى باريس عام 1908 متنقلاً في جريدتي "باريز" و"نهضة العرب"، أقام في الإسكندرية والمنصورة عشرة أعوام حرر فيها جريدة "الدلتا". رجع الى بيروت عام 1923 وحرر في جريدة "الحرية". كما ساهم في إنشاء "الأحرار" مع سعيد صباغة وخليل كسيب قبل أن يؤسس "النهار" عام 1933.
في العام 1946 ترأس نقابة الصحافة، وفي العام 1947 توفي في سانتياغو وجيء بجثمانه الى بلده في العام ذاته.
ميشال شيحا
قبل نحو نصف قرن وبالتحديد عام 1954، توفي ميشال شيحا رجل العلم والفكر والأدب والصحافة، وهو واحد من أبرز رجالات لبنان. عمل في الحقل الوطني والسياسي والديبلوماسي وكانت له وقفات متجلية فوق المنابر، وفي المحافل الدولية. شخصية فكرية متميزة، في تاريخ لبنان، أسهم في وضع أسس لبنان المعاصر من خلال مساهمته في صياغة الدستور اللبناني.
ولد ميشال شيحا في 8 أيلول من العام 1891. حصّل دراسته الجامعية في جامعة القديس يوسف، قبل أن يسافر الى الخارج.
عاد الى لبنان عام 1919 ليتسلم إدارة بنك فرعون وشيحا، وكان لبنان خارجاً من مأساة الحرب العالمية الأولى وما زرعت من ويلات ومآس في الناس في ظل الحكم العثماني. الى جانب أعماله في المصرف، كان به ميل شديد الى الشعر والأدب والصحافة، فراح يكتب أشعاره وينشرها في مجلة "فينيسيا" وتحمل توقيعه الى جانب أشعار رفيقيه إيلي تيان وهكتور خلاط وتوقيعهما في المجلة التي أسسها المغفور له شارل قرم عام 1894، واستمرت بالصدور حتى عام 1993. كما نشر في عدد كبير من الجرائد والمجلات.
قلم لبناني جريء، نهل من اللغة الفرنسية وكتب فيها بعمق المفكر، وخواطر الشاعر، وشفافية الأديب... محاضر ممتاز... سياسي قدير خبر الحياة السياسية البرلمانية، وكان اسمه من أبرز الأسماء التي طرحت في زمانه لرئاسة الجمهورية لمرات متكررة.
حارب الديكتاتورية المقنعة، وطالب بتغيير ذهنية الحاكم، وتفانى في الدفاع عن الحرية، حرية الفرد، والمجتمع، والوطن.
وصفه غسان تويني بـ"الصحافي الفيلسوف" وقال فيه خليل رامز سركيس: "يقظة حضور في ذاكرة لبنان الحديث، ومشاركة ضمير في مراحل استقلاله وأيام رجاله على اختلاف العهود!!".
أسس شيحا جريدته "لوجور" بالفرنسية التي استمرت بالصدور بعد وفاته عام 1954 لتدمج في ما بعد مع جريدة"˜لوريون" وتصبح تحت اسم "لوريون لوجور".
جورج نقاش
كتب الأستاذ الكبير جورج نقاش صاحب أكبر مدرسة صحفية في لبنان والشرق، لمناسبة صدور العدد 1000 من جريدته "الأوريان" مقالاً بهذه المناسبة تحت عنوان "من مغامرة الى سلطة".. نقتطف منه ما يلي:
... لقد أردنا لدى إنشاء جريدة أن تكون لبنانية قبل كل شيء. وكان لنا حظ الإنتماء الى لبنان، الى هذه الأرض المأثورة على كل أرض في معتنق الشرق والغرب... ولكي ندافع عن أنفسنا، دفعنا الثمن في عهد الإنتداب، وفي عهد الإستقلال معاً 20 شهراً من التعطيل، و92 يوماً من السجن.
وجورج نقاش، مؤسس جريدة "الأوريان" عام 1924 مع جبرائيل خباز، من مواليد الإسكندرية عام 1904، يحمل ديبلوم الهندسة المدنية من المعهد الهندسي في بيروت، تولى مناصب وزارية وإدارية بين العامين 1960 و1964، وكان عضواً لمجلس نقابة الصحافة اللبنانية مرات عدة.
ميشال زكور
نائب ووزير وصحافي، وفي أدواره الثلاثة كان مناضلاً لا يلين في سبيل الإستقلال، حتى أن البعض يصفه بمهندس الإستقلال...
بدأ ميشال زكور حياته الصحافية في جريدة "النصير" لصاحبها عبود أبي راشد، ثم في "الجامعة" التي أسسها في عاليه الياس شبل الخوري صاحب "الجامعة الوطنية" قبل إصداره وصديقه سعيد عقل (من شهداء 6 أيار في ما بعد) جريدة "الأحوال". ومن الصحف الكثيرة التي ساهم في الكتابة فيها "البلاغ" و"الإقبال" و"الإخاء" و"الحقيقة" قبل تسلمه رئاسة تحرير صحيفة "الحرية" عام 1919 ثم التحرير في "البرق" لصاحبها الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير).
في العام 1921، وفي مناسبة افتتاح الجنرال غورو "معرض بيروت" أصدر ميشال زكور في أول أيار صحيفة "المعرض" التي ظلت تصدر حتى عام 1936، مرتين أسبوعياً في البداية، ثم يومية، قبل تحولها أسبوعية في أعقاب مشاركة ميشال أبو شهلا في إصدارها. وفي مكاتبها تألفت "عصبة العشرة" من أربعة عاملين فيها هم ميشال أبو شهلا وفؤاد حبيش (مؤسس المكشوف لاحقاً) والياس أبو شبكة وخليل تقي الدين.
وكان قلمه في "المعرض" سيفاً مسلطاً لا ينحني ولا يلين، يطالب بتثبيت الدستور اللبناني، وتحقيق الإستقلال اللبناني كاملاً ناجزاً، إلا أنه مات قبل ست سنوات وخمسة أشهر من رؤيته يتحقق على أيدي زملائه في الحكم، الذين ناضل وإياهم، وغالباً على رأسهم. كان زكور عنيداً جريئاً صلباً في وجه الفرنسيين الذين عطّلوا جريدته "المعرض" 17 مرة ولم يعطّلوا صوته، وكانت "المعرض" أول مطبوعة لبنانية مصورة ورائدة في جمعها بين السياسة والأدب والفنون.
وكان ميشال زكور، في نيابته كما وزارته، عنيداً في لبنانيته في وجه السلطة المنتدبة. ففي 2 آذار 1936 (كان حينها نائباً منتخباً عن جبل لبنان) وقع عريضة تطالب الفرنسيين بـ"إنفاذ الدستور اللبناني، وبتوقيع معاهدة بين لبنان وفرنسا تحقيقاً لحقوق اللبنانيين المشروعة وبروتوكول الإنتداب باستقلال لبنان وسوريا".
وعام 1924 كان على رأس لائحة "حزب الشبيبة اللبنانية" مع بشارة الخوري (الأخطل الصغير) وحبيب أسطفان للدفاع عن مصالح لبنان واستقلاله ضمن حدوده التاريخية والجغرافية (افتتاحية "المعرض" 18/12/1924).
وفي العام 1937، وكان يومها وزير داخلية، طالب ميشال زكور بـ"توسيع طريق شبعا من مدخلها حتى الساحة العمومية".
وميشال زكور من مواليد 1896 الشياح تخرج من مدرسة الحكمة حاملاً شهادتها النهائية بعلامات ممتازة في العام 1913، والتحق بالمعهد الفرنسي لدراسة الحقوق، لكنه سرعان ما تخلّى عن متابعة هذه الدراسة وعمل في الصحافة.
يوسف الخازن
كان الشيخ يوسف الخازن شديد التأنق في الكتابة، فكثيراً ما كان يعيد كتابة المقال عشرات المرات ليأتي خالياً من كل حشو، وبعدما يدفع به الى المطبعة، يعيد مطالعته ثم يعود الى حذف أو زيادة بعض العبارات والكلمات، وقد تستغرق كتابة المقال أحياناً النهار بكامله وبعض الليل، فيأتي كاملاً لا كلمة فيه ناقصة ولا كلمة زائدة، وكان يعد الكلمات ويعمل على حشد معان كثيرة في القليل منها.
الشيخ يوسف الخازن مؤسس وصاحب جريدة "البلاد" مع المرحوم موسى نمور وخليل أبو جودة، وهي جريدة يومية سياسية. حرر في جريدة "الأخبار" بالقاهرة وساهم بتحرير جرائد "المؤيد"، و"الأهرام"، و"المقطم"، ومجلات "الهلال" و"المقتطف" و"الزهور"، كما أسس "بريد الأمة" و"الأخبار" و"الخزانة".
لجأ الى إيطاليا بعد اندلاع الحرب الكونية الثانية ومات في العاصمة الإيطالية ونقل رفاته الى مسقط رأسه في لبنان ليرقد الرقدة الأخيرة في الوطن الذي أحبه ودافع عن استقلاله وكرامته وحريته.
خيري عوني الكعكي
خيري عوني الكعكي، هو صاحب جريدة ˜الشرقŒ اليومية لمؤسسها المرحوم عوني الكعكي عام 1926... كان واحداً من أصحاب الأقلام المناضلة في سبيل الإستقلال، ودفع غالياً ثمن مواقفه. فقد تعطلت الشرق 53 مرة في عهد مؤسسها، الذي سجن 3 مرات ونفته سلطات الإنتداب مرتين.
وخيري عوني الكعكي من مواليد بيروت 1921، المصيطبة. ومن أبرز المهام التي قام بها أنه ترأس الوفد الصحفي للقاهرة لحضور إعلان الدستور المصري عام 1955، وكان عضواً للوفد الصحفي لمؤتمر باندونغ، ومؤتمر عدم الإنحياز في بلغراد. توفي بتاريخ 21/11/1968.
المراجع
- "الصحافة في لبنان" - جورج عارج سعادة.
- "النهضة الصحفية في لبنان" - جورج عارج سعادة.
- قسم المعلومات في نقابة الصحافة.
-مقال للشاعر هنري زغيب صادر في جريدة ˜النهارŒ بتاريخ 21/11/2003 بعنوان: "ميشال زكور: مهندس الإستقلال".
قانون الصحافة من الفرنسيين
ظل القانون العثماني الثاني ساري المفعول في لبنان حتى بعد دخول السلطة الفرنسية المنتدبة بخمس سنوات. وقد قامت سلطات الإنتداب بتزويد قلم المطبوعات بالأموال الوفيرة لدفع الإكرامات، وأطلقت حرية إصدار الصحف فكثر حَمَلة المباخر.
وفي عام 1924، وضع الفرنسيون قانوناً جديداً للصحافة مؤلفاً من 66 مادة بدلاً عن القانون العثماني الثاني، فكان أوله حلواً وآخره مراً! فقد قيد الحريات الصحفية بنسبة القانون العثماني الأول! وأبطل القانون تحديد سنوات الدراسة للذين يودون ممارسة الصحافة. وكان القانون العثماني يفرض الشهادة التعليمية لسبع سنوات، فجاء القانون الفرنس يقول: كل من وقع اسمه يعتبر متعلماً ويحق له ممارسة الصحافة! وبعد مرور سنة على صدور القانون الفرنسي، وعقب إطلاق الحاكم "كايلا" عبارته المشهورة: "الكلاب تنبح والقافلة تمشي!"، قامت قيامة الصحافة عليه، فاضطر الى تعديل القانون...