تحقيق عسكري

الطبابة العسكرية في قطار الحداثة والتطور: ورشة مستمرة لمواكبة المتطلبات ومواجهة التحديات
إعداد: ندين البلعة خيرالله

تسعى الطبابة العسكرية دائمًا إلى تأمين أفضل الخدمات الطبية للمستفيدين منها، وهي عملت على مدار الأعوام جاهدة لمواكبة التطور العلمي والتقني في مجال الوقاية الصحية والتشخيص والبحوث والمعالجة، فضلًا عن تحسين نوعية الخدمات بما يتناسب والحاجات ومتطلبات العصر. في الآونة الأخيرة، باتت رئاسة الطبابة أشبه بمكتبٍ هندسي يستقبل اللجان لتحقيق العتاد والمتخصصين لدراسة مشاريع توسيع المباني والعيادات وتحديثها في ظل التزايد المطّرد لعدد المستفيدين.
للاطّلاع على هذه المشاريع والمستجدات، توجهنا إلى مكتب رئيس الطبابة العسكرية العميد الركن جورج يوسف، فكانت هذه المقابلة.


يشير رئيس الطبابة في مستهل حديثه إلى ضخامة الطبابة العسكرية كجهازٍ يتميّز بقدراته الكبيرة، وانتشاره على كامل الأراضي اللبنانية. فالطبابة العسكرية تؤمّن الخدمات الطبية عبر الكثير من الأجهزة التابعة لها، وهي: المستشفى العسكري المركزي، جهاز التموين الطبي، طبابة الأسنان المركزية، الصيدلية العسكرية المركزية، مدرسة الصحة العسكرية، المختبرات العسكرية المركزية، خمس طبابات في المناطق يتبع لها حوالى 46 مستوصفًا عسكريًا بإمكانات مختلفة، عيادات معاينات خارجية، صيدليات، وعيادات أسنان... وهي تؤمّن التغطية الطبية بنسبة 100% للمستفيدين علمًا أنّ هذه التغطية تشمل الخدمات الطبية جميعها داخل البلاد وخارجها.
ويضيف العميد الركن يوسف: لتأمين الخدمات غير المتوافرة لديها، تتعاقد الطبابة العسكرية على غرار المؤسسات الضامنة الأخرى مع المؤسسات الطبية المدنية الخاصة وهي 142 مستشفى مدنيًا و36 مركزًا طبيًا و71 مختبرًا.

 

ورشة مستمرة
• يلاحظ المستفيدون تحسّن الخدمات في الطبابة العسكرية، ما هي أهم النواحي التي يتمّ التركيز عليها في هذا المجال؟

- الطبابة العسكرية في تطوّر مستمر، وقد شهدت أكثر من نقلة نوعية عبر السنوات بفضل جهود من تعاقبوا على رئاستها وسعوا إلى تحديثها. أمّا آخر المستجدات على صعيد تطويرها فيتعلق بهيكليتها وبياناتها التنظيمية، إذ أضيف إليها جهاز الإسعاف العسكري وهو جهاز مستقل مرتبط مباشرةً برئيس الطبابة، مهمته تأمين الإنقاذ والإخلاء والإسعاف للمستفيدين، والدعم الطبّي في زمنَي السلم والحرب. كذلك، أُضيف فرع تلقّي الاتصالات Call Centre الذي يُعنى بمراقبة دخول المستفيدين من الطبابة العسكرية إلى المستشفيات المدنية وبمتابعة أوضاعهم، والعمل جارٍ لاستحداث مكتب للمتقاعدين تابع للمستشفى العسكري المركزي، بهدف توجيه الضباط المتقاعدين وعائلاتهم وتسهيل إنجاز معاملاتهم الطبية في مختلف أجهزة الطبابة وأقسامها.
على صعيد المباني، تمّ تحسين بعض صالات الانتظار وتوسيعها لتستوعب المستفيدين بظروف أفضل، وترميم عدة أقسام في المستشفى العسكري المركزي (قسم الأمراض الداخلية، صيدلية المستشفى والمطبخ)، وقسم كبير من المختبرات العسكرية المركزية فضلًا عن العيادات.
وتابع العميد الركن يوسف قائلًا: استفدنا أيضًا من مبانٍ قديمة غير مستثمرة في ثكنة غازي الطويل بعد ترميمها، وقد تمركز في المبنى الجديد جهاز الإسعاف العسكري وبعض اللجان الطبية، كما نُقل إليه الفحص الدوري للضباط.
بالإضافة إلى أعمال الترميم، تمّ تحقيق معدات حديثة ومتطورة لمصلحة الطبابة العسكرية، بدءًا بتجهيز الصحيات والطوافات العسكرية، وتأمين الحقائب الميدانية لمختلف القطع والوحدات، وتجهيــز عدد كبيــر من المستوصفات في المناطق النائية وافتتاح مستوصف الرائد الشهيد وليد الشعّار الطبّي في برقايل - عكــار، وتأمــين الأدوية الباهظة الثمن وأدويــة الأمــراض المستعصيــة علـى مــدار السنة.
كذلك، تمّ تجهيز أقسام العمليات الجراحية والعناية الفائقة والأشعة والكِلى بآلاتٍ حديثة ومتطورة، وتجهيز فرع التنظير بعتاد متخصص، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مختبرات الأسنان في المناطق...
إلى ما سبق، تمّ تركيب نظام مراقبة واسع وشامل، يتضمن كاميرات رُكِّزت في الأقسام والغرف كلها، وأخرى تغطي الشوارع المحيطة والمباني التابعة للطبابة. واستُحدث أيضًا موقف سيارات للعسكريين والموظفين المدنيين.

 

العنصر البشري
شملت خطة التطوير أيضًا العنصر البشري وذلك على صعيدَي تدريب العاملين في الطبابة وتطوير مهاراتهم، وزيادة عددهم.
ويقول رئيس الطبابة في هذا السياق: تؤمّن الطبابة العسكرية التدريب في المجال الطبي في مدرسة الصحة العسكرية من خلال دورات يتابعها عسكريون من مختلف الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية. والتعاون قائم في هذا المجال مع جهات دولية، فثمة فريق تدريب أميركي وآخر إيطالي يقدّمان دورات ومساعدات طبية. كما زار المدرسة فريق هولندي مستطلعًا حاجات الطبابة، وفريقان بريطاني وكندي بهدف التحضير لبرنامج تدريب العام 2019 على المستويات كلها، من المسعف الفردي في القطع المقاتلة وصولًا إلى أعلى المستويات الطبية.
إلى ذلك، وللمرة الأولى في المدرسة، سيتمّ افتتاح دورة آمر فصيلة طبية لضباط من مختلف الوحدات المنتشرة لتأهيلهم لوجستيًا وإداريًا لإمرة فصيلة طبية تُشكَّل في كل قطعة وتُعنى بتأمين الخدمات الطبية، خصوصًا خلال العمليات القتالية.
وتعمل الطبابة على تطوير معارف الموظفين والممرضين والأطباء العسكريين ومهاراتهم من خلال انتداب ضباط أطباء لحضور محاضرات طبية خارج البلاد، وإرسال ضباط صحة عامة لمتابعة اختصاصاتهم (في لبنان والخارج). يُضاف إلى ذلك، إقامة المؤتمرات الطبية داخل المؤسسة العسكرية وخارجها، وتعيين عسكريين وموظفين مدنيين لمتابعة دورات في الجامعات في مجال ترميز الأعمال الطبية ودورات تدريبية أخرى.
في ما خص زيادة عديد العاملين في الطبابة، يتمّ التعاقد مع أطباء وموظفين مدنيين من مختلف الاختصاصات لمصلحة الطبابة العسكرية وطبابات المناطق، خصوصًا في الأماكن النائية. وبنتيجة الزيادة الكبيرة (5 إلى 10 آلاف سنويًا) في عدد المستفيدين الذي بلغ حوالى 400 ألف مستفيد، عملنا على رفع نسبة حضور الأطباء مع التشديد على الاهتمام بالمريض وفحصه سريريًا قبل تحويله إلى الفحوصات والصور اللازمة.

 

• ما هي أهمية تطويع عسكريين إناث لمصلحة الطبابة العسكرية؟
يشكل عمل هؤلاء العسكريين الإناث قيمة مضافة في المجالات الطبية والرقابية والإدارية في الطبابة. فهن يملكنَ خبراتهنَّ على الصعيد الأكاديمي والعملي، وقادرات على نقل هذه الخبرات باندفاع وجدّية إلى الطبابة العسكرية.

 

مشروع المكننة الكامل
لا يقتصر التحديث على الحجر والبشر، بل يشمل أيضًا اللوجستية والبرامج الإلكترونية إذ يعمل جهاز تأليل الطبابة العسكرية على استكمال مشروع المكننة الذي يقضي بربط المستوصفات العسكرية جميعها بشبكة المعلوماتية، وإنجاز برنامج تدقيق الفواتير الواردة من المستشفيات والمراكز والمختبرات الخاصة إلكترونيًا (e-bill) ضمن برنامج التدقيق الطبي والمالي. يتيح هذا البرنامج التدقيق الأوتوماتيكي بالأسعار والأعمال الطبية في كل من جهاز مراقبة الخدمات الطبية وقسم الموازنة، بدقةٍ وفعالية وهذا أمر ضروري نظرًا إلى حجم العمل الهائل.
أوجب تحقيقُ هذا المشروع اعتمادَ لغة موحّدة في البرامج الإلكترونية بين الطبابة العسكرية ومختلف الجهات الضامنة (وزارة الصحة، الضمان الاجتماعي، والمراكز الخاصة)، وكان الجيش رائدًا في هذا المجال، إذ تابع ضباط وعسكريون من الطبابة دورات متخصصة في إحدى الجامعات اللبنانية، حول كيفية توحيد الرموز الخاصة بالأعمال الطبية، فبات بالإمكان استقبال الملفات والفواتير الإلكترونية.
ويلفت العميد الركن يوسف إلى أنّ الطبابة، وفي إطار سعيها إلى تخفيف عناء التنقل على المستفيدين من المناطق البعيدة لتسوية معاملاتهم وملفاتهم الإدارية، تعمل على اعتماد نظام الـ Fax وقد باشرت بتطبيق جزء منه. كما يشير إلى أنّ المعالجة الإدارية ستصبح إلكترونية في المستقبل، خصوصًا بعد إقرار التوقيع الإلكتروني.

 

جودة الخدمات الطبية
• كيف يتمّ التثبت من جودة الخدمات الطبية؟

- تتضمّن هيكلية الطبابة العسكرية جهاز مراقبة الخدمات الطبية، وهو جهاز مستقل يرتبط مباشرة برئيس الطبابة، ومهمته مراقبة تنفيذ الخدمات الطبية، لجهة جودة الأعمال الطبية داخل المؤسسة وخارجها، والتدقيق في الفواتير والتثبت من حاجة المريض إلى الأعمال الطبية والأدوية المطلوبة له، والفترة الزمنية التي يحتاج إلى قضائها في المستشفى.
تمّ تطوير هذا الجهاز فأُضيف إلى هيكليته فرع تلقّي الاتصالات Call Centre لضبط عملية دخول المستفيدين من الطبابة العسكرية إلى المراكز المدنية وخروجهم منها، سيعمل هذا الفرع على مدار الساعة لتلقّي الاتصالات والتقارير الطبية، وستصبح عمليات دخول المستشفيات على الأراضي اللبنانية كلها مرتبطة به.
كذلك، شهدت عملية مراقبة الخدمات الطبية تطورًا مهمًا تجلّى في تعيين عدد كبير من المندوبين (ممرّضين مجازين) والأطباء المراقبين لمصلحة الجيش، توزعوا على مختلف المستشفيات المدنية لمراقبة الأعمال الطبية المقدّمة للمرضى وتسهيل أمورهم الإدارية من خلال الجولات اليومية ورفع التقارير إلى جهاز المراقبة.

 

حلول
في الحديث عن المشاريع المستقبلية التي ستتابع الطبابة العسكرية العمل على إنجازها، يشرح رئيس الطبابة أنّه في ظل قِدَم المباني وعدم قدرتها على استيعاب الأعداد الهائلة من المستفيدين، يبقى الحل الأمثل بناء مستشفى عسكري مركزي كبير، وهو مشروع يوليه قائد الجيش العماد جوزاف عون أهمية كبرى. وهذا ما تجلّى بوضوح خلال متابعته أوضاعها وخصوصًا في أثناء زيارته لها منذ فترة. وقد أكّد يومها ثقته بالعاملين فيها وسعيه إلى تطويرها. ولكن إلى حين تحقيق مشروع إنشاء مستشفى جديد، وضعت الطبابة العسكرية بعض الحلول وبدأت بتنفيذها، منها:
- متابعة ترميم المباني في ثكنة غازي الطويل، حيث سيتمّ تخصيص طابق لعيادات العظم، وآخر لقسم التنظير، وثالث للجراحة الصغرى، بالإضافة إلى تخصيص مبنى للجان التطويع وقاعة لتجديد العلاج، في حين يُستفاد من عياداتها في ثكنة الطرابلسي لإنشاء مكتب يهتم بعائلات الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة.
- إنشاء قسم لتفتيت الحصى Lithotripsy سيتضمن أفضل العيادات والمعدات الطبية.
- استكمال العمل في مبنى غسل الكِلى ليستوعب 17 مريضًا، وسيكون من أهم المراكز في الشرق الأوسط وأحدثها.
- تجديد قسم تمييل القلب في المستشفى العسكري المركزي.
- ترميم غرف العمليات التابعة للمستشفى العسكري المركزي وفق أحدث المعايير العالمية، ولذلك وقّعنا اتفاقية مع مستشفى رفيق الحريري الجامعي يقدّم بموجبها 3 غرف عمليات و32 سريرًا لمصلحة المستفيدين من الطبابة العسكرية (جناح مخصص للجيش).
- إنشاء مبنى في ثكنة الطرابلسي، يتألف من 8 طوابق ويُخصص للعيادات الخارجية جميعها مع التزام المواصفات الطبية الحديثة.
- تحقيق آلات تصوير IRM لمصلحة الطبابة العسكرية وطبابات المناطق لتخفيف عناء التنقل والحد من تحويل المستفيدين إلى المراكز الخاصة.
- على صعيد المختبرات العسكرية المركزية، إنشاء الـCore Lab وهو كناية عن مكان مفتوح open space يضم آلة متطورة لتنفيذ معظم أنواع الفحوصات المخبرية المطلوبة بأقل كمية من الدم، وهو سيكون من أهم المختبرات في لبنان.
في ختام حديثه يؤكد رئيس الطبابة أنّ الهمّ الأساسي لقيادة الجيش والطبابة العسكرية هو تأمين كل ما قد يحتاجه المستفيدون في المجال الطبي وفق أحدث المعايير، ففي كل الأحوال جميعنا نقول «المهم الصحة» وبالنسبة إلينا «صحة العسكري بالدني»!