- En
- Fr
- عربي
موضوع الغلاف
يُلاحظ المستفيدون من الطبابة العسكرية حركة مستمرة في مختلف أقسامها، والأهم أنهم يلمسون مدى تحسّن الخدمات. حركة فيها الكثير من البركة في عز القحط على مختلف المستويات، خصوصًا الاقتصادية منها. كيف تسير العجلة إلى الأمام بهذا الزخم وسط قلة الإمكانات؟ كيف تستطيع الطبابة توفير الخدمات لمئات الآلاف من المستفيدين (٤١٠ آلاف مستفيد) من دون أن تعيق كثافة الأعمال، التطلع الدائم إلى الأفضل والعمل على تحقيقه رغم كل الصعوبات؟ أسئلة مشروعة في ظل الوضع القائم، أما الأجوبة فمحورها واحد: إصرار على بلوغ الأفضل أيًا كانت الظروف. ومن هذا الإصرار تولد آليات التخطيط والتنظيم والعمل الدؤوب. وحين تقف قلة الإمكانات المادية عائقًا في وجه الطموحات الكبيرة، تمتد أيادٍ بيضاء للمساعدة، فيتحالف العطاء مع حسن التدبير، وتحل البركة. تعلو المداميك، وتتوسع الأقسام، وتحل المعدات والأجهزة المتطورة في غرف العمليات وسواها وصولًا إلى مستوصفات المناطق التي زاد عددها وتوسعت خدماتها.
وفي المقابل يستمر نمو القدرات البشرية وتعزيز كفاءتها بمزيد من التخصص ومواكبة كل جديد في الطب، ولعل أداء الطبابة العسكرية في مواجهة جائحة كورونا كان خير مثال على ذلك. فمن الإجراءات الاستباقية التي أمنت لوازم الوقاية وأجهزة التنفس قبل استفحال الأزمة، إلى توفير الأدوية واعتماد بروتوكول فعّال للعلاج بما في ذلك استخدام البلازما، وقد كان المستشفى العسكري المركزي السباق في لبنان إلى استخدامها ليس فقط لعلاج المستفيدين من الطبابة، بل أيضًا لعلاج كافة المواطنين في المستشفيات والمراكز الطبية المدنية وبشكل مجاني. وبذلك وضع الجهاز الطبي العسكري خبرته وجهوده في خدمة المجتمع اللبناني مؤكدًا مرة جديدة أنّه يتخطى حدود مهماته لتقديم المساعدة وحماية مواطنيه من مختلف المخاطر.
أصداء الورشة التي تشهدها الطبابة العسكرية تتردد على ألسنة المستفيدين منها، وتعكس حجم الرضى الذي يشعرون به وثقتهم بأنّ المستشفى العسكري المركزي بات واحدًا من أهم المراكز الاستشفائية في لبنان. هذه الأصداء دفعتنا إلى القيام بجولة في هذا المستشفى لمعاينة واقع الحال بعد مرور نحو السنتين ونصف على بدء ورشة التحديث والتطوير الشاملة في مختلف أقسامها. فإليكم ما رأيناه واطلعنا عليه.
سعي إلى الأفضل
بداية نطلع من رئيس الطبابة العسكرية العميد الركن جورج يوسف على أبرز عناوين السياسة الصحية والاستراتيجية التطويرية للطبابة العسكرية، فيوضح لنا أنّ السعي إلى توفير أفضل الخدمات الطبية والصحية هو الهدف الأساسي والدائم، وهذا يتطلب في ما يتطلبه مواكبة الحداثة على صعيد المنشآت والتجهيزات والكادر الطبي والإدارة.
من هنا انطلقت منذ حوالى السنتين ونصف ورشة تحديث شاملة تسير وفق مراحل متتالية. بدأنا أولًا بالمراكز الموجودة أساسًا، ثم انتقلنا إلى إنشاء مراكز أخرى، وثمّة مشاريع هي قيد التنفيذ حاليًا. شملت حملة التحديث معظم المعدات والآلات الطبية، بدءًا من إنشاء مطبخ حديث للمرضى، مرورًا بمعظم الأقسام، ووصولًا إلى غرف العمليات التي أنشئت حديثًا وفق أحدث المواصفات والمعايير العالمية. هذا على صعيد المستشفى العسكري المركزي، أما في المناطق فقد تمّ إنشاء أربعة مستوصفات جديدة في جزين ورأس بعلبك وشكري غانم وبرقايل. زوّد كل منها عيادات شبه كاملة. كما طوّرت المستوصفات الموجودة أساسًا، وتمّ توسيع مجال عملها من خلال إضافة الاختصاصات التي كانت غير متوافرة.
يُضاف إلى ذلك التعاون بين الطبابة ومستشفيات ميدانية متطورة أقامتها في لبنان دول شقيقة وصديقة بهدف المساعدة عقب انفجار المرفأ.
في ما يتعلق بتطوير قدرات الطاقم البشري، كانت الخطوة الأبرز تشجيع الأطباء على دراسة اختصاصات إضافية يرغبون بها في مختلف المستشفيات الجامعية في لبنان والخارج، إضافة إلى تشجيعهم على متابعة المؤتمرات الطبيّة المحلية والعالمية.
كما تُنظَّم دوريًا دورات تدريبية للطاقم التمريضي في الطبابة العسكرية، يتولاها أفضل الاختصاصيين في هذا المجال (ضباط أطباء أو متعاقدين مع الجيش أو ذوي اختصاص يقدّمون خدمات تدريبية مجانية لعناصر الطبابة)، وتركّز في مجملها على كيفية التعاطي مع المرضى وتقديم أفضل الخدمات لهم.
وبالإضافة إلى ذلك، تسعى الطبابة إلى تطوير الطاقم التقني وتأهيله، وفتح المجال أمامه للتعرّف إلى أبرز ما توصّلت إليه التكنولوجيا.
الفاتورة الإلكترونية
تحسين الخدمات لا يعني زيادة الأعباء المادية بينما يعاني البلد ما يعانيه من أزمات اقتصادية، وإنما على العكس تمامًا، ترافقت التحسينات مع السعي إلى ترشيد الإنفاق وتخفيض كلفة الفاتورة الاستشفائية، وذلك من خلال العمل على مشروع اعتماد الفاتورة الإلكترونية E- Bill. إذ يجري العمل على تأمين البرامج اللازمة وقد تابع عدد من الضباط والعسكريين دورات خاصة مكثّفة في الجامعة اليسوعية، بغية التوصّل إلى نظام إرسال الفواتير من المستشفيات المدنية المتعاقدة وتدقيقها إلكترونيًا بدلًا من النظام اليدوي، وبالتالي تقليص الأخطاء البشرية وتخفيض الفاتورة الاستشفائية.
وللغاية نفسها، تمّ ترميم مبنى خاص بجهاز التأليل وتجهيزه بأحدث المعدات. كما أنشىء مركز للاتصالات Call Centre زوّد خارطة تتضمن جميع المستشفيات والمراكز الطبية والصليب الأحمر... مهمته تلقي الاتصالات من المستشفيات المتعاقدة وضبط عمليات دخول العسكريين إليها ما يُسهم أيضًا في تخفيض الكلفة الاستشفائية، كما إنجاز المعاملات كلّها إلكترونيًا ما قلّص العمل الورقي ووفّر عناء التنقّل على المريض. يُسهم هذا المركز أيضًا في تنفيذ عملية إخلاء المرضى والمصابين إلى أقرب مركز طبي، في حال وقوع أي حادث ينتج عنه إصابات.
وفي سياق متصل تمّ تأمين عدد من سيارات الإسعاف (٢٤ سيارة حديثة الصنع) وتجهيزها بأحدث المعدات، وتوزيعها في جميع المناطق اللبنانية. كما تمّ تجهيز ثلاث طوافات عسكرية بمعدات إخلاء طبي قي قواعد بيروت وحامات والقليعات الجوية.
الحدث الأبرز: غرف عمليات بالمواصفات العالمية
الحدث النوعي والأبرز في عملية التطوير والتحديث التي تشهدها الطبابة العسكرية، هو استحداث قسم عمليات جراحية جديد، حدثنا عنه رئيس لجنة الإشراف على إنشائه العقيد المهندس بسام التيماني، الذي أشار إلى أنّه أُنشى بالاستناد إلى دراسة عصرية بكل ما للكلمة من معنى. يتضمن هذا القسم خمس غرف للعمليات الجراحية مع متمّماتها، وهي تراعي المواصفات الفنية للمستشفيات العالمية.
في حين قدّرت الدراسة الوقت اللازم بـ١٠ أشهر، أُنجز هذا المشروع خلال سبعة أشهر على الرغم من التحدّيات الكبيرة التي فرضتها جائحة كورونا وانفجار المرفأ، ما أعاق تأمين مواد البناء، والمعدات المستوردة... يعود الفضل بذلك، إلى العمل الدؤوب للّجنة المؤلفة من مهندسين في الكهرباء والميكانيك والتأليل، وإصرارها على إنجاز المشروع بأسرع وقت ممكن متجاوزة كل التحديات.
أُنشئت هذه الغرف الخمس على مساحة ٩٥٠ مترًا مربعًا، لتحلّ مكان أربع غرف كانت تحتلّ نصف هذه المساحة فقط. وقد نُفّذت بالمواصفات العالية الجودة والمعمول بها في الدول المتطورة، التي اطّلعت عليها الطبابة خلال معرض 2020 Arab Health في دبي (وهو معرض ومؤتمر للرعاية الصحية يشارك فيه ممثلون عن قطاع الرعاية الصحية من الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا والولايات المتحدة).كما جهّزَت بأحدث المعدات وأكثرها تطورًا، ومنها، المناظير الحديثة والمعدات الجراحية على أنواعها وآلات التنفس الإصطناعي Respirators وغيرها.
حكاية الإصرار
المعالم الجديدة في المستشفى العسكري المركزي تروي حكاية الإصرار على التقدم خطوات كبيرة إلى الأمام رغم كل المصاعب. يرافقنا رئيس المستشفى العميد الطبيب نسيم أبو ضاهر في جولة شملت:
- مطبخ جديد للمرضى في المستشفى العسكري المركزي يستوفي الشروط العالمية المدنية كافة.
- مكتب الضباط المتقاعدين الذي يسهّل أمورهم ويقدّم لهم الاستشارات اللازمة مع تحويلهم إلى أطباء الاختصاص عند الحاجة.
- مكتب عائلات الشهداء وذوي الإحتياجات الخاصة.
- قسم الفحص الدوري للضباط الذي طوّر التعليمات في هذا المجال وفق البروتوكول العالمي للحفاظ على الصحة المثالية.
- فرع غسيل الكلى والدم الذي جُهِّز بأحدث تقنيات العلاج التي تخفّف من العوارض ومن آلام المريض وانزعاجه. وقد تمّ جمع العيادات كافة في مبنى واحد تسهيلًا لإجراء الفحص المذكور للضباط.
- عيادات العظم خُصص لها مبنًى خاص نظرًا لأنّها أكثر قسم يستقبل مرضى في الجيش.
- فرع تفتيت الحصى الذي استُحدث مؤخرًا بعد أن كانت هذه العمليات تُحوَّل إلى الخارج.
- عيادة الحرارة لمرضى الكورونا
جميعها مشاريع حديثة أُنجزت في إطار الورشة التي تشهدها الطبابة العسكرية. لا حاجة للشرح! لكن لا بد من التذكير: فعل الإرادة مقرونًا بحسن التخطيط والتدبير والتنفيذ يحوّل المستحيل ممكنًا!
نتابع الجولة في أقسام كانت موجودة سابقًا لكنها خضعت لعملية تأهيل بدلت أحوالها وجعلتها فسيحة ومشرقة بما هي عليه من تنظيم وترتيب ومعدات حديثة. من مدخل المستشفى إلى فرع الأمراض الداخلية الذي يشكّل أحد أكبر الطوابق المتطورة في المستشفى ويستقبل حوالى ٢٥٠ من الحالات الخاصة والصعبة، وفرع جراحة العظم (يستعمل مؤقتًا كمركز للعناية الفائقة بـعد أن تم تجهيزه بالمعدات المتطورة اللازمة، وذلك لحين الإنتهاء من إنشاء فرع العناية الفائقة الجديد)، وفرع العلاج الكيميائي، وقسـم الصيدلية، وقسم العمليات الجراحية.
مشاريع قيد التنفيذ
لا تنتهي الجولة هنا فثمة مشاريع قيد التنفيذ ومنها:
- إنشاء فرع تنظير جديد.
- ترميم فرع القلب مع تجهيزه بمختبرين حديثين للتمييل.
- إنشاء طابق ثالث في المبنى الخلفي للمستشفى العسكري المركزي.
- تأهيل فرع جراحة اليوم الواحد وقسم العناية الفائقة الذي كان قسم غسيل الكـلى سابقًا.
- إنشاء عيـادة طوارئ لمرضى كورونا، وهي مؤلفـة من عيـادة طبيب، وغرفة أخـرى تتّسـع لعشرة أسرّة مجهّزة بضغط سلبي وبالمعدات كافة التي تؤهلها لتكون غرف عناية فائقة.
كورونا والتحديات
«التحدّيات كبيرة وكذلك الصعوبات الناتجة عن تزايد عدد مصابي كورونا، لكن الأطقم الطبيّة في الطبابة العسكرية هي على أتّم الاستعداد للمواجهة» يقول العميد الركن يوسف، مشيرًا إلى أنّه يتمّ إجراء نحو ألف فحص PCR يوميًا، هذا الفحص الذي تستخدمه الطبابة من الأحدث عالميًا من حيث الدقة.
لكن في الواقع كانت الإجراءات الاستباقية السريعة التي اتُخذت قبل تفشي الوباء في لبنان، الخطوة الأهم في مواجهته. فالاستجابة الأولى كانت باستحداث مراكز للكورونا في الطبابة العسكرية، ورشة نفّذها فوج الأشغال المستقل، فقام بتأهيل هذه المراكز خلال الأشهر الأولى للوباء، بالإضافة إلى ترميم معمل مواد التعقيم وتحضيره.
كذلك تمّ تأمين لوازم الوقاية وأجهزة التنفس والأدوية مسبقًا، وهذا ما كان له الدور الأهم في مكافحة الوباء.
بالإضافة إلى ما سبق، يشير العميد الطبيب أبو ضاهر إلى أنّه جُهّز المستشفى الميداني الذي قدمته شركة فيليبس الهولندية، وهو يتسع لعشرين سريرًا عاديًا أو لعشرة أسرة عناية فائقة. وقد بدأ العمل به منذ حوالى الشهرين بعد تزويده أجهزة التنفس الإصطناعي ومعدات لمراقبة العلامات الحيوية، وقد حوّل حاليًا إلى وحـدة عناية فائقة.
ممرض لكل مريض!
يتحدّث العميد الطبيب أبو ضاهر عن البروتوكول العلاجي الذي يعتمده المستشفى العسكري لمعالجة المصابين بفيروس كورونا والذي وضع بمشاركة أطباء أختصاصيين ويتم تحديثه بشكل دوري، وفق الإرشادات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة اللبنانية.
ينصّ البروتوكول على إعطاء وحدات البلازما للمريض ودواء Remdesivir معًا في الوقت المناسب، أي في الأسبوع الأول لظهور العوارض.
وتُعتمـد فـي بعـض الحـالات أدويـة أخـرى مثـل Actemra وOlumiant وهما النوعان المعتمدان كعلاجات طارئة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA للمرضى في المستشفيات. وقد أدى اعتماد هذا البروتوكول إلى شفاء عدّة حالات، مع الإشارة إلى أنّ المستشفى العسكري يخصّص ممرضًا لكل مريض مصاب بالكورونا وهذا الأمر لا نجده، حتى في أكبر مستشفيات لبنان.
الكادر الطبي والتمريضي
دفعت الظروف الراهنة العديد من الأطباء والممرضين إلى الهجرة، فهل طاول هذا الواقع الطبابة العسكرية؟ وما هي التداعيات التي نتجت عنه؟ الجواب عن الشق الأول من السؤال هو نعم. أما الجواب عن الشق الثاني فمفاده بذل المزيد من الجهود، وفق ما يقول العميد الطبيب أبو ضاهر.
في أي حال لطالما عوّض الاستعداد اللامتناهي للعطاء نقص الإمكانات في الجيش.
في المقابل ثمة أخبار سارة فقد أنهى حديثًا أربعة ضباط دراستهم في الاختصاصات الآتية: أمراض الدم (١)، تخدير وإنعاش وعناية (٢)، وقلب (١). ويتابع ضابطان تخصصهما في الولايات المتحدة الأميركية، كما يتابع خمسة ضباط آخرين تخصصهم في لبنان في كل من المجالات الأتية: تخدير وإنعاش (١)، عظم (١)، جـلد (١)، أشـعة (١)، وأمـراض داخلية (١). وهؤلاء سوف ينضمون إلى رفاقهم ويرفدون الطبابة العسكرية بمزيد من القدرات البشرية الكفوءة.
عمليات نوعية وقريبًا القلب المفتوح
وزرع الكبد وجراحة الدماغ
يلفت العميد الطبيب أبو ضاهر إلى أنّه بفضل تميّز طاقم المستشفى الطبي، أجريت عمليات نوعية في النصف الثاني من العام ٢٠٢٠، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- استئصال البنكرياس بالمنظار، وتعتبر هذه عملية معقدة ودقيقة جدًا، تحتاج إلى خبرات ومهارات عالية.
- عمليات استئصال للكليتين بواسطة المنظار أيضًا.
- عشـرات عمليات الجراحة العظمية.
- العديد من العمليات المتطورة لتنظير الكتف والركبة وجراحة الصدر (رئتين).
ويؤكد أخيرًا أنّ الخطوات النوعية التي سيتم البدء بها في القريب العاجل هي: عمليات زرع الكلية وجراحة الرئتين، ولهذا الغرض تمّ التعاقد مع أطباء في هذين الاختصاصين.أما المخططّات المستقبلية فتشمل عمليات القلب المفتوح، وزرع الكبد وجراحة الدماغ.
لا تبخل المؤسسة العسكرية على أبنائها باهتمامٍ أو عناية، فهي الوفية لتضحياتهم والمُقدِّرة لأتعابهم وجهودهم. هم الذين يسهرون على أمن الوطن والمواطن، تسهر قيادتهم على تأمين حاجاتهم. وفي هذا الإطار تولي الطبابة العسكرية الدعم المطلق والمتابعة الحثيثة لتضمن أمنهم الصحي منذ انضوائهم في صفوفها وحتى آخر أيام حياتهم بعد التقاعد!
في اللبناني - الكندي
بهدف زيادة قدرتها الاستيعابية على صعيد معالجة مصابي كورونا، استفادت الطبابة العسكرية من الطابق الثالث في المستشفى اللبناني - الكندي، الذي بات مستشفًى مخصصًا لمرضى كورونا بعد توقفه عن العمل منذ فترة، وتضرّره من جراء انفجار مرفأ بيروت.
في هذا الطابق ٢٣ غرفة تتّسع لـ٤٤ مريض كورونا، رمَّم الصليب الأحمر اللبناني قسمًا منها. وفي فترة قياسية لم تتجاوز الـ٧٢ ساعة، عمل عناصر فوج الأشغال المستقل بالتعاون مع آخرين من الطبابة العسكرية على ترميم القسم الباقي وتأهيله طبيًا إذ قاموا بتحضير المواد وتنفيذ الأشغال المطلوبة.
شمل التأهيل تنفيذ أشغال العزل الخارجي للجدران ومعالجة النش وتسرب المياه من سطح المبنى على الرغم من الظروف المناخية والأمطار، بالإضافة إلى تأهيل ١١ من غرف المرضى وتنفيذ أعمال ميكانيكية وكهربائية فيها، وتأهيل غرف الانتظار وغرف الطاقم الطبي للطابق.
خصّصت الطبابة العسكرية كل التجهيزات الطبية الضرورية لهذا القسم، وفي ما يخص الفريق الطبي، استعانت بعناصر من رئاسة الطبابة في بدارو، كما استقدمت ممرضين من طبابات المناطق. كذلك، تم فصل العديد من العسكريين ذوي الاختصاص، من مختلف القطع إلى الطبابة، لتشكيل الفريق اللازم للاهتمام بهذا القسم ومرضاه.
توزيع غرف العمليات الحديثة
يتضمّن قسم العمليات الجراحية خمس غرف تشمل جميع الحالات المرضية إضافة إلى متممّاتها: مخازن Sterile لحفظ المواد المعقّمة، Recovery Rooms لاستراحة المرضى بعد انتهاء العملية الجراحية والتأكد من استقرار حالتهم، مخزن للجزئيات وللمعدات الكبيرة المستعملة في العمليات (جفصين، شاش...)، إضافة إلى المغاسل الخاصة بالأطباء.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك قسم لخدمات الموظفين، أو الجسم الطبي، وقسم الغسيل والتعقيم المركزي. ولا ننسى القسم الرئيسي في الطابق وهو الـNurse Station، للتنسيق والتواصل بين الأطباء والتحكّم بعملية الدخول والخروج، وبأنظمة التكييف والتبريد وأنظمة الأمان.
البلازما: نحن السباقون
كانت المختبرات العسكرية المركزية في الطبابة العسكرية السبّاقة في محاربة فيروس كورونا من خلال تقنية البلازما Plasmapheresis التي حدّثنا عنها وعن شروط التبرّع بها رئيسها الرائد الصيدلي حبيب عبدو.
وُضع برتوكول خاص يراعي البرتوكول العالمي، يقضي بسحب البلازما من أشخاص تعافوا كليًا من الفيروس وباتوا بصحةٍ جيدة، وتخزينها لحين استعمالها لعلاج مرضى كورونا في حالات معينة. انطلقت عملية التبرّع بالبلازما في حزيران الفائت، إذ تمّ استدعاء عدد كبير من العسكريين الذين أصيبوا بالكورونا وباتوا أصحّاء للتبرّع بالبلازما.
اعتماد هذه التقنية لمعالجة المصابين بفيروس كورونا لم يقتصر على العسكريين وعائلاتهم فقط وإنما شمل مجانًا المواطنين في العديد من المستشفيات، والهدف من ذلك مساعدة المجتمع اللبناني عمومًا، فالعسكريون الذين طالما قدموا دماءهم لحماية المواطنين، يقدمونها أيضًا لحمايتهم من الوباء. وقد تمّ سحب عدد كبير من وحدات البلازما، التي تم إعطاؤها للكثير من المرضى المصابين بكورونا من العسكريين والمدنيين.
ورشة التحديث لم تقتصر على المستشفى العسكري المركزي فقط بل شملت طبابات المناطق، في هذا السياق يشير رئيس القسم التقني في جهاز التموين الطبي النقيب المهندس علي غساني إلى عدة ورش:
- تجهيز مستوصفات طرابلس وشكري غانم وقاعدة بيروت الجوية بعيادات تغذية.
- افتتاح مستوصف برقايل وتجهيزه بعيادات حديثة خاصة بـطب الأطفال والصحة العامة، والأسنان فضلًا عن آلة أشعة Digital، وجهاز تصوير صوتي (نسائي).
- تجهيز أقسام العلاج الفيزيائي في عدد من المستوصفات (شكري غانم، صربا، أبلح، وصيدا).
الأنظمة المستعملة في القسم الجديد
حرصت الطبابة العسكرية على تزويد قسم غرف العمليات الجديد أحدث ما توصّلت إليه التكنولوجيا الخاصة بغرف العمليات والمستشفيات، بدءًا من الإنارة مرورًا بمواد تلبيس الجدران Modular glass panel (ألواح زجاجية يسهـل تعقيمهـا وتنظيفهـا). ومـن الأنظمـة التـي جُهِّـز القسـم بهـا:
- نظام معلوماتي يحفظ جميع الصور الطبيّة الخاصة بالعمليات والمرضى، ويمكن استردادها عند الحاجة، في أي زمان ومكان. ويسمح هذا النظام للطبيب باستشارة طبية خاصة مع أحد الأطباء في الخارج خلال إجراء عملية جراحية.
- شبكة تأليل وهاتف، ونظام صوتيات في كل الأقسام.
- نظام كاميرات وتسجيل على مدار الساعة، ولأوقات طويلة.
- نظام تحكّم بجميع أبواب الطابق، ويتم فتحها بواسطة البطاقة الإلكترونية.
الأيادي الخيّرة والطبابة العسكرية
محبة اللبنانيين لجيشهم تتجلّى بأبهى صورها بوقوفهم إلى جانبه كما يقف هو إلى جانبهم. فهم يؤمنون بأنّ كرامة الجيش وأمنه الصحي والاجتماعي، هما من كرامتهم وبقائهم. وهكذا نجد العديد من الأيادي الخيرة الممدودة للمساعدة وتمويل مشاريع حيوية للجيش.
ومن المبادرات الأخيرة في هذا المجال تمويل مؤسسة الوليد بن طلال إنشاء طابق استشفائي جديد، يضمّ حوالى عشرين غرفة. هذا الطابق سيرفع قدرات المستشفى ويسمح بتقليص الحاجة إلى المستشفيات المدنية. في الإطار نفسه أسهم كل من السادة جيلبار ورونالد الشاغوري وأمال الحوراني في جزء من كلفة إنشاء قسم العمليات الجراحية الجديد، الذي بدأ العمل فيه، وهو مجهّز بأفضل المعدات الحديثة وفق المعايير العالمية.
بالنسبة إلى السيدين جيلبير ورونالد شاغوري مؤسسة الجيش هي لكل لبنان، ومهماتها في هذه الظروف الصعبة كبيرة وشائكة. ومن هنا فإنّ الواجب الوطني يدعو الجميع إلى الوقوف إلى جانبها. ودعمهما لإنشاء غرف العمليات الجديدة في المستشفى العسكري ليس المبادرة الأولى من قبلهما حيال الجيش وشهدائه وجرحاه وعائلات عسكرييه. وهما يعبران عن الاستعداد الدائم لدعم المؤسـسة العسكرية، كلّما دعت الحاجة.
أما السيد أمال الحوراني فيرى أنّ الدعم الذي قدمه لإنشاء غرف العمليات، لا يساوي سوى جزء يسير من تضحيات الجيش على مذابح الوطن. وهو يضيف: جيشنا محطّ للثقة في مختلف المهمات الموكلة إليه في زمن عزت فيه الثقة بمؤسسات كثيرة سواه. لقد وجدنا أنه من الضروري دعم الطبابة العسكرية التي تُشكّل ركنًا أساسيًا في المؤسسة العسكرية.