- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
يعتمد النظام الانتخابي في إسرائيل على التمثيل النسبي، ويتناسب عدد المقاعد الذي تحصل عليه كل قائمة في الكنيست مع عدد الناخبين الذين صوّتوا لها. ويجب على أي حزب أو قائمة تخطّي عتبة 3.25% على الأقل من مجموع الأصوات (الحد الأدنى للتأهل لدخول الكنيست). ووفق هذا النظام يصوّت الناخبون لقائمة الحزب وليس لشخص بذاته في القائمة. والكنيست يتألف من 120 مقعدًا، وهو الهيئة التشريعية التي لها سلطة سنّ القوانين في إطار النظام السياسي الذي يفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
13 مقعدًا للعرب
في الانتخابات الأخيرة، خاض المرشحون العرب لمقاعد في الكنيست معركتهم، بعد التوصل إلى اتفاق يقضي بتوحيد القوائم العربية الأربع ضمن قائمة واحدة مشتركة تضم: الجبهة الديمقراطية، والحركة الإسلامية الجنوبية، والتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير. هذا الاتفاق الذي كان الأول من نوعه، جاء تحت شعار «مناهضة العنصرية وتحدّي المشروع الصهيوني والبحث عن تأثير أقوى في الكنيست والميزانيات». وقد حققت هذه القائمة إنجازًا بحصولها على 13 مقعدًا بعد أن كانت الأحزاب العربية قد حصلت في انتخابات 2013، على 11 مقعدًا فقط.
جدال حول جدوى المشاركة
في الواقع، كانت المشاركة العربية في الانتخابات عمومًا محور خلاف وجدال دائمين حول جدواها ومشروعيتها في نظام عنصري يميّز حتى بين اليهود أنفسهم. من جهتهم، يعتبر النواب العرب أن دخولهم الكنيست هو من أجل الحفاظ على مصلحة الأقلية العربية التي تعاني الكثير بسبب سياسة هدم المنازل ومصادرة الأراضي وحزمة قوانين عنصرية سنّتها الأحزاب اليمينية المتطرفة، إضافة إلى التمييز الذي تتعرّض له في المجالات السياسية والتعليمية والاقتصادية والخدماتية.
في المقابل يرى أصحاب الرأي الآخر أن الأعضاء العرب في الكنيست لم يقدّموا الكثير للأقلية العربية. فهم لم يستطيعوا سنّ أي قانون لمصلحة العرب، ولم يحدث في تاريخ إسرائيل أن تمّ التحالف مع أي حزب عربي لتشكيل الحكومة. ويضيف هؤلاء أنّ الإسرائيليين إنما يريدون الوجود العربي داخل الكنيست، «لكن شرط أن يحدّدوا هم قواعد اللعبة السياسية» على حدّ قول حنين زعبي، عضو الكنيست عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي. وهي تقول: «هم يريدون أعضاء كنيست عربًا يتقيدون بحدود خطاب معين يحدده الإجماع الإسرائيلي، هم لا يريدون كنيست خاليًا من العرب لأنّ هذا يحرجهم دوليًا ويحرجهم إعلاميًا ويكشف حقيقة العنصرية في إسرائيل. هم يريدون أعضاء كنيست عربًا ولكن بشروط، كما يريدون حرية تعبير بشروط، وحرية عمل بشروط... نحن في صراع معهم على أحقيتهم في تعريف هويتنا ومكانتنا على أرض هذا الوطن، ونحن نرفض أن تعرّف لنا الغالبية اليهودية مكانتنا ومضامين حقوقنا في وطننا، وهذا هو جوهر الصراع بيننا وبين الدولة».
أما النائب أحمد الطيبي فيشرح إشكالية الأوضاع البرلمانية بالقول: ثمة ذراعان لعمل النائب العربي والأحزاب العربية في الكنيست: الذراع السياسية، أي النضال ضد العنصرية والنضال من أجل المساواة وفضح ممارسات الاحتلال، والذراع المدنية التي يمثلها النضال المدني الخدماتي، وهو بالغ الأهمية لصمود العرب. ويضيف الطيبي قائلًا: «لكي أكون صادقًا، أنا لا أقول إن تأثيرنا هو تأثير يومي دائم على عملية صنع القرار في إسرائيل، نحن خارج عملية صنع القرار، ولكن وجودنا هناك أحيانًا في بعض المفترقات، وجودنا كرقم ووجودنا كأداء وكموقف، يؤثر. نعم، أنا لا أقول إننا نستطيع أن نمنع كل القوانين العنصرية، علمًا أن ليبرمان والأحزاب اليمينية في كل دورة انتخابية، يطالبون بأن تكون الكنيست خالية من العرب توطئة لجعل البلاد كلها خالية منهم. يحاولون شطبنا في كل انتخابات. دعاياتهم الانتخابية هي تشويه لشخصياتنا وترهيب للجمهور الإسرائيلي منا، وإذا نحن استنكفنا وأخلينا هذا المكان المهم، سياسيًا وبرلمانيًا وإعلاميًا، فسيتحول إلى هدية مجانية لليبرمان واليمين الإسرائيلي المتطرف».
أهمية القائمة الواحدة
يذهب النائب مسعود غنايم إلى أكثر من ذلك، مؤكدًا أهمية خوض الانتخابات بقائمة مشتركة، مما يعمّق وعي العرب لأنفسهم كجماعة قومية، تعريفًا وسلوكًا، في مواجهة شعار «يهودية الدولة»، ومما يؤثر أيضًا في وعي الإسرائيليين وسلوكهم. ويشدد غنايم على دور القائمة في زيادة قوة فلسطينيي الداخل وقدرة نوابهم على المناورة وانتزاع حقوق مدنية كثيرة منتهكة والتأثير على صناعة القرار. ويدلَّل على ذلك باستذكار نموذج عملي تاريخي حينما استطاع خمسة نواب عرب في العام 1993 أن يمنعوا سقوط حكومة إسحق رابين بشبكة أمان من خارج الائتلاف، مقابل زيادة مخصصات وميزانيات وإلغاء ضرائب مفروضة على الأرض وغيرها.
ويعتبر النائب جمال الزحالقة، أن الإنجاز الأكبر بالنسبة الى العرب هو طرح التحدي أمام الدولة اليهودية، بمعنى تحويل مطلب المساواة إلى مطلب معادٍ للصهيونية من خلال فكرة دولة لكل مواطنيها التي كشفت عورة ما يسمى بالديمقراطية الإسرائيلية. ويضيف: «نحن أيضًا كشفنا قضية التناقض بين القانون الإسرائيلي والقانون الدولي من خلال طرح سلسلة من القوانين مقتبسة بالكامل من القانون الدولي، ولكن الكنيست الإسرائيلي يرفضها، لقد كانت لنا إنجازات عديدة ولكن يجب أن نرى بأننا نواجه سياسة عنصرية في الكنيست، وما استطعنا أن ننجزه من قوانين هو بمثابة استغلال لفرص معينة».
قوانين وتحديات
في هذا السياق يقول المركز القانوني غير الحكومي لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل: «يوجد أكثر من 55 قانونًا في إسرائيل تميّز ضد المواطنين العرب الفلسطينيين، وتقيّد حريتهم في التعبير السياسي وفي المشاركة السياسية». تميّز ضدهم بتوزيع الموارد وبتوزيع الأراضي، وجوانب أخرى مهمة جدًا. في ما عدا الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في إسرائيل برئاسة الشيخ رائد صلاح، الذي يمتنع عن المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية العامة تصويتًا وترشيحًا، فإنّ معظم الحركات العربية الكبرى الأخرى في إسرائيل تشارك في الانتخابات. وبحسب الشيخ صلاح المعارض للمشاركة، سيكون من الأجدر بالنواب العرب «أن يستقيلوا من الكنيست كي يكشفوا القناع المزيّف الذي تتستر به إسرائيل لتمويه ديموقراطيتها العنصرية المزعومة التي لم تقدّم للأقلية العربية إلّا الفتات القليل». وبالتالي فالأعضاء العرب بحسب رؤيته هم مجرد ديكور صوري بعد أن عجزوا عن تحقيق أي تقدم مجدٍ وملموس للأقلية العربية في الداخل، وإسرائيل تستعملهم لتزيّن ديموقراطيتها في الغرب ولتقول، يوجد نواب عرب في داخل الكنيست... هل تصدقون؟ ونحن لا نظلم العرب في الداخل ابدًا...
مهما يكن من أمر، فإن النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي يواجهون تحديات كثيرة، من أبرزها، محاولة التعامل مع حكومة اليمين المتطرف الحالية التي شكّلها نتانياهو، والعمل على تكوين معارضة قوية داخل البرلمان في ظل الوضع المضطرب للغالبية البرلمانية لنتانياهو (61 صوتًا من أصل 120)، مما قد يساهم في عرقلة تمرير أي مشروع قانون عنصري ينوي نتانياهو طرحه. ومن هذه التحديات أيضًا، القدرة على توظيف النجاح الانتخابي لتمرير قوانين من شأنها أن تقوّض سياسات الفصل العنصري التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية، مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من محاولات لتعزيز مكانة فلسطينيي الداخل في عيون أنفسهم وعيون الآخرين على السواء، وتنعكس إيجابًا على تنظيم العمل الجماعي في الأطر النضالية خارج البرلمان. كذلك يواجه هؤلاء النواب تحديًا آخر يكمن في تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعرب داخل اسرائيل في ظل تقليص الإنفاق على الخدمات العامة، والابتعاد عن نظام الرفاه الاجتماعي.