من تاريخ الجيوش

العقاب العسكري في العهد العثماني
إعداد: د. شادية علاء الدين

إحتاجت الدولة العثمانية إلى جيشها لحماية أراضيها والمحافظة على بقائها، فأصدرت الفرمانات التي تهتم بالجيش وتنظيمه في القرن التاسع عشر الذي شهد الكثير من الفتن والحروب. وقد عني السلطان عبد المجيد بالشؤون العسكرية وسن القوانين التي تعنى بتنظيم الإصلاحات الجديدة، ونجد، في إحدى الوثائق، فرمانًا محررًا في أواسط شهر ذي العقدة العام 1259 هـ، يتضمن تحديد مدة استخدام «العساكر النظامية الملوكانية» وكيفية استبدالهم بشبان جدد. وكان هروب الشبان من الخدمة العسكرية سببًا لإصدار فرمان يتضمن تسهيلات تريحهم وتدفعهم إلى البقاء وعدم الفرار، بالإضافة إلى فرض عقوبات قاسية على كل من يهرب من الخدمة العسكرية. حدد هذا الفرمان الخدمة العسكرية بخمس سنوات، كما استبدل الشبان الذين أتمّوا خدمتهم بشبان جدد، حيث فرض عليهم الخدمة نفسها، وتمّ اختيارهم عن طريق «القرعة المرعية» أو «القرعة المشروعة» كما سميّت آنذاك. ويزوّد كل فرد أنهى الخدمة العسكرية «رخصة» أي بطاقة خروج سميت في عهد الخليفة، السلطان عبد العزيز، بـ «تذكرة إطلاق». وقد فرض هذا الفرمان على المجندين الذين أنهوا خدمتهم ضرورة الإسراع في شكر الدولة العثمانية على ذلك. وكان الهروب من الخدمة العسكرية متفشيًا في العهد العثماني، وهو ما نلاحظه في الوثائق الواردة في السجلات العثمانية، كما اعتبر العثمانيون أن الهاربين يرتكبون الحماقة والخباثة والعار عند فرارهم من الخدمة العسكرية وذلك لاعتبارهم التجنيد نعمة وحماية لهم، مما دفعهم إلى فرض عقاب على الهاربين من الخدمة، تضمن النقاط الآتية:
- عقاب الأشخاص الذين يخبئون الجنود أينما وجدوا، وفرض ضريبة عليهم، وإعطاء مكافأة مالية لكل من يصرّح عن مخبئي العسكر، وصرف المكافأة للمخبر من دون تأخير. وقد سرى هذا العقاب على طبقات المجتمع كافة، وخصوصًا على الطبقة الحاكمة. ودعا الفرمان إلى عدم احترام أو رعاية أي شخص يخبئ العسكر عنده، والتبليغ عنه لدى المجالس المختصة.
وذكر الفرمان أن الهاربين من الخدمة كانوا يعملون خدامًا في البيوت والدكاكين وغيرها من الأماكن، مشيرًا إلى إعفاء الحكام من الضرائب التي فرضتها الدولة على الشعب، ويبطل هذا الإعفاء إذا ضبطوا يخبئون العسكر الهارب من الخدمة، وتضاعف هذه الضريبة على عامة الشعب إذا ما أقدم أحدهم على الجرم نفسه.
ويعاقب العسكريون، حسب سنوات خدمتهم، على النحو الآتي:
- ضرب العسكري الهارب 120 عصًا عند هروبه في السنة الأولى لإلتحاقه في الخدمة.
- تجديد فترة الخدمة إذا هرب بعد سنتين واعتبارها ملغية والبدء بالخدمة من جديد ولفترة خمس سنوات، لاعتباره على علم بالأسرار العسكرية، مع ضربه 120 عصًا.
- سجن العسكري الهارب بعد 3 أو 4 سنوات من خدمته وحبسه لمدة 3 أشهر، وتسخيره للعمل في الأعمال الشاقة، وضربه 120 عصًا، وتجديد خدمته لمدة خمس سنوات.
ويمكن القول أن ما فرضته الدولة العثمانية من عقوبات ليس إلا وليد خوف من فقدان المزيد من العسكر الذين استشهدوا خلال الحروب، وهي بحاجة ماسّة إلى هؤلاء العسكر، في تلك الفترة، لحمايتها والحفاظ على أمنها واستمرارها.

 

المرجع:
سجل المحكمة الشرعية في طرابلس-الشام، رقم 46.