إقتصاد ومال

الـ«بريكست» في مرحلة التفاوض الأخيرة قبل الطّلاق مع الاتحاد الأوروبي
إعداد: تريز منصور

مع اقتراب نهاية مرحلة المفاوضات حول الطلاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، والتي وُصفت بالبطيئة جدًا، أيقظت «أوراق بريكست» التي بدأت الحكومة البريطانية بالكشف عنها في 13 أيلول الماضي، موجة واسعة من الشكوك حيال مستقبل بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي المقرّر في 29 أذار 2019. وقد أجمعت قطاعات الأعمال ومؤسسات البحوث التي لم تكن مؤيّدة أصلًا للانفصال عن الاتحاد ضرورة الاستعداد لمرحلة جديدة بعده ستطال مجمل مرافق الاقتصاد والمال وسوق العمل، ونواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، خصوصًا وأنّ النمو الاقتصادي قد تعرّض للتباطؤ، إضافة إلى زيادة نسبة التضخم، وهبوط سعر صرف العملة، وخسارة طاولت حجم الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، وتراجع في أسعار العقارات والشقق...

 

بسبب كثافة العمالة الأجنبية، وسياسة الحدود المفتوحة التي أسهمت بتزايد العمليات الإرهابية، وبسبب كلفة الفاتورة البالغة نحو 60 مليار يورو سنويًا تدفعها بريطانيا للاتحاد الأوروبي، كان «البريكست»، الذي أجري الاستفتاء الشعبي حوله في 23 حزيران-2016. يومها صوّت 51،9 في المئة من الشعب البريطاني مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فاستقال رئيس الوزراء البريطاني السابق دايفيد كاميرون وحلّت مكانه تيريزا ماي. ومنذ ذلك التاريخ بدأت المفاوضات حول تطبيق «البريكست».

 

مراحل إعلان «البريكسيت»
الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي الدكتور غازي وزني تحدّث إلى مجلة «الجيش» عن ثلاثة مراحل شهدتها المفاوضات التي تمّت خلال السنتين الأخيرتين بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. وهذه المراحل هي وفق الآتي:
- استنادًا إلى المادة 50 من معاهدة lisbon تنتهي شروط الطّلاق في نهاية العام 2018.
- يتمّ الانسحاب أو الطّلاق النهائي في آذار من العام 2019، ويصبح حينها عدد دول الاتحاد الأوروبي 27 دولة.
- يتمّ تنفيذ المرحلة الانتقالية في 31 كانون الأول 2020، لكن ثمّة وزراء في الحكومة البريطانية يطالبون بتمديد هذه المهلة.
ويضيف وزني: «بدأت عملية التفاوض بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، والتي تنتهي في نهاية العام 2018، وقد أرادتها بريطانيا سَلِسة وغير صدامية بغية الحفاظ على العلاقات الجيّدة مع دول الاتحاد، ولكنّها كانت بطيئة. وقد استندت عملية التفاوض أو «الطّلاق» كما تُسمى إلى ثلاث أولويات:
1- الاتفاق على دفع فاتورة الخروج من الاتحاد الأوروبي وقيمتها 45 مليار يورو.
2- وضع ضمانات متعلّقة بمصير المواطنين الأوروبيين المقيمين في بريطانيا والذين يبلغ عددهم ثلاثة ملايين مقيم، والتوجّه نحو تسهيل بقائهم في بريطانيا خلال السنوات الثماني القادمة.
3- عملية تحديد الحدود مع إيرلندا الشمالية التي ترغب في البقاء داخل الاتحاد، وجمهورية إيرلندا التي تريد الالتحاق ببريطانيا، والأكثر صعوبة وتعقيدًا.
أما في ما يتعلّق بموضوع العلاقات التجارية والجمركية بين الاتحاد وبريطانيا، فقد وضعت وزيرة الخارجية البريطانية تريزا ماي خطة لحلّ هذه المسألة على أساس التوصّل إلى حلّ تقني أو ما يسمى بـ Back stop بخصوص إيرلندا الشمالية لغاية العام 2021، لا سيّما وأنّ 50 في المئة من الاتفاقيات التجارية لبريطانيا هي خارج الاتحاد الأوروبي.
وردًّا على سؤال حول التداعيات الاقتصادية لهذا الانسحاب أو الطلاق يقول وزني:
لوحظ حصول تباطؤ في النمو الاقتصادي البريطاني إذ تراجع من 2,3 في المئة في العام 2016 إلى 1،5 في المئة في العام 2018، وتقدّر النسبة بـ 1,3 في العام 2019، ويعود ذلك إلى سيطرة أجواء من القلق وعدم اليقين والمخاوف لدى المستثمرين ورجال الأعمال من انتقال الشركات العالمية وبعض الصناعات إلى الاتحاد الأوروبي. إضافة إلى ذلك، تراجع الاستهلاك في بريطانيا حيث بات النمو الاقتصادي، الأضعف بين دول المجموعة السبع. في المقابل يلاحظ أنّه لم يكن لـ«بريكست» أي تأثير على البطالة، بل على العكس تراجعت النسبة من 4،8 في المئة إلى 4 في المئة، ويعود ذلك إلى هيكلية سوق العمل في بريطانيا، حيث ازدادت أعداد العمال المستقلين حتى بلغت حوالى 4,8 مليون شخص.
ومن التداعيات الاقتصادية لـ«بريكست» أيضًا زيادة في نسبة التضخّم التي ارتفعت نحو 3 في المئة بسبب تراجع سعر صرف العملة البريطانية، كما تراجعت أسعار العقارات والشقق نحو 10 إلى 15 في المئة. وتسود في القطاع المالي، حيث تعمل 320 ألف مؤســسة، حالة من الخوف والقلق من انتقال المصارف والمؤسسات المالية إلى دول الاتحاد الأوروبي (ألمانيا وفرنسا بشكل خاص)، إضافة إلى إمكان خسارة ما يقارب 75 ألف وظيفة، ونحو 70 مليار جنيه استرليني من الإيرادات.
من ناحية أخرى، استطاعت العملة البريطانية المحافظة على استقرارها بقيمة 1,2 تقريبًا مقابل اليورو، على الرغم من هبوطها بنسبة راوحت بين 15 و20 في المئة بعد إعلان الـ«بريكست».
ويوضح الدكتور وزني أنّ السياحة قد استفادت نتيجة انخفاض سعر صرف العملة، فتحسّنت بنسبة 8 في المئة، وقد بلغ عدد السياح نحو 40,6 مليون سائح في العام 2017. ويمكن القول بالإجمال إنّ الاقتصاد البريطاني قد تجاوز مطبّات الـ «بريكست».
أخيراً، يعتبر وزني أنّه لا يوجد رابح في الخروج من الاتحاد، إذ يلاحظ خسارة في حجم الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي بنحو 1,5 في المئة سنويًا، أي حوالى 250 مليار دولار، وخسارة في حجم الاقتصاد البريطاني بنحو 2,5 في المئة، أي ما يوازي 35 مليار دولار سنويًا.
إلى ذلك، تُظهر المؤشرات الأولية، أنّ انتقال المواطنين ما بين الدول الأوروبية سوف يبقى من دون الحاجة إلى تأشيرات دخول، وأنّ أكثرية الشعب البريطاني ما زالت مع الخروج من الاتحاد، لكنّ 37 في المئة من المستقلّين يرون أنّ الـ«بريكست» يتمّ بشكلٍ سيّىء بسبب بطئه، وخلوّه من القرارات الحاسمة، إضافة إلى وجود خلافات مستمرّة داخل الحكومة حول شروط الطلاق والحلول المقترحة.