مواضيع ساخنة

الفساد: الوحش الذي التهم مقدّراتنا
إعداد: تريز منصور

ليست كلمة فساد بجديدة في قاموس اللبنانيين، فهي كانت حاضرة فيه منذ مطلع الاستقلال. وليس الفساد حكرًا على دول بعينها غير أنّه لا يستشري بالقوة نفسها في الدول كلها. ثمّة أنظمة تتيح نموّه واجتياحه لمقدرات البلاد، وثمّة أخرى تملك منظومات متماسكة لمحاربته والحدّ منه.
والفساد في لبنان مسؤول إلى حدّ كبير عمّا نعيشه اليوم من أوضاع متفجّرة ومآسٍ. كانت الدعوات إلى مكافحة الفساد وهدر الأموال العامة قائمة طوال عقود، غير أن اللبنانيين وجدوا أنفسهم أمام وحش نهب مقدرات البلاد ووضعها أمام كارثة الانهيار، فحصل الانفجار الكبير.
«الجيش» ستتابع قضية الفساد في أعداد متلاحقة بدءًا بهذا العدد.


في الواقع أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إصراره على مكافحة الفساد والمفسدين، وفي هذا السياق استُحدثت في أولى حكومات عهده وزارة لمكافحة الفساد. كما أحال عددًا كبيرًا من الملفات إلى التحقيق.
أكّد الرئيس عون في الآونة الأخيرة أمام المدير الإقليمي لمجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ساروج كومار أنّ «المشاريع الإصلاحية التي اقترحها لاستكمال منظومة مكافحة الفساد، باتت في عهدة مجلس النواب، وأهمها رفع السرية المصرفية ورفع الحصانة عن المرتكبين واستعادة الأموال المنهوبة وإنشاء المحكمة الخاصة بالجرائم المالية».
وأوضح الرئيس عون أنّه يعمل «على معالجة إرث عشرات السنين من الفساد وسيواصل العمل كي يتمكّن من اجتثاثه، ووضع حدّ للهدر والفوضى في إدارات الدولة ومؤسساتها»، كما أكّد أنّه لن يتردّد «في طرح أي قانون إصلاحي يتناغم مع أولوية المرحلة المُقبلة، علمًا أنّ الملفات التي أُحيلت على التحقيق، سيتمّ السير بها وهي تتعلق بالفساد والمحاسبة، وستشمل جميع المتورّطين والمشتركين والمسهّلين».
ملفات الفساد التي أحالها رئيس الجمهورية إلى التحقيق تضمّنت الآتي:
- هدر الأموال في صندوق الضمان الوطني الاجتماعي.
- إحالة قضاة إلى هيئة التفتيش القضائي.
- ملف تطويع التلامذة الضباط في المدرسة الحربية.
- هدر المال في السوق الحرة في مطار بيروت.
- هدر أموال عامة في كازينو لبنان.
- هدر أموال شركة انترا.
- ملف هيئة السير.
- ملف الباركميتر parkmeter.
- ملف فيضان الصرف الصحي في بيروت.
- ملف الأدوية وأسعارها المتفاوتة.
- ملف عدد من البلديات فيها ارتكابات.
- ملف أوجيرو المتعلق برفض عقود المصالحة.
- ملف المعاينة الميكانيكية.
- ملف سجن مجدليا.

 

الوزير التويني
في هذا السياق أوضح وزير الدولة السابق لشؤون مكافحة الفساد نقولا التويني أنّه بهدف مكافحة الفساد المُستشري في الدولة وفي المجتمع اللبناني، أُنشئت وزارة الدولة لمكافحة شؤون الفساد في نهاية العام ٢٠١٧، لكن لم يكن لديها أي ملاك إداري أو موازنة، وكانت مدّة عملها قصيرة جدًا لأنّ الحكومة جاءت في مرحلة انتقالية قبل الانتخابات النيابية التي جرت في العام ٢٠١٨، وأعقبها تشكيل حكومة جديدة من دون هذه الوزارة.
على الرغم من قُصر عمرها، تمكّنت هذه الوزارة وبالتعاون مع أهل الاختصاص من قضاة ومحامين، ولجان الإدارة والعدل من إنجاز عدّة مشاريع قوانين، أقرّ منها ثلاثة وهي:
١- قانون حرية الوصول إلى المعلومـات (أقرّ في نهاية العام ٢٠١٨).
٢- قانون حماية كاشفي الفساد (أقرّ في بداية العام ٢٠١٩).
٣- قانون إنشاء الهيئة العليا لمكافحة الفساد (أوائل العام ٢٠١٩).

 

أما مشاريع القوانين الثلاثة التي قدّمتها وزارة مكافحة الفساد ولم تُقرّ فهي:
١- قانون المناقصات العامة وتصنيف المقاولين.
٢- تعديل قانون الإثراء غير المشروع.
٣- إصدار الاستراتيجية الموحّدة لمكافحة الفساد.

 

المنظومة القائمة وقفت سدًّا منيعًا أمام الإصلاح والمحاسبة
وأكّد الوزير التويني أنّ الوزارة تابعت عدّة مناقصات عامة منها: مناقصة «سجن مجدليّا»، ومناقصة المنطقة الحرّة في مطار بيروت»، وكذلك «مناقصة الإدارة المؤقّتة لمرفأ بيروت» إلى غيرها من المناقصات الأخرى، ما أسهم في توفير مبالغ طائلة على الدولة اللبنانية. كما أنّها ادّعت بعدّة ملفات متعلقة بحسن إدارة الدولة والهدر القائم في القطاع العام، بغية إرساء الاستقرارَين الاقتصادي والاجتماعي.
كما نظّمت وزارة مكافحة الفساد مؤتمرًا دوليًا بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، حول قوانين الانتخابات النيابية وقانون حق الوصول إلى المعلومات. وتقديرًا لجهودها، منحها الاتحاد هبة قدرها ٢.٦٥٠.٠٠٠ يورو، ولكن لم يتمّ استخدامها لغاية الساعة، على الرغم من موافقة مجلس الوزراء على ذلك.
وعن العوائق التي حالت دون تنفيذ محاربة الفساد وتطبيق القوانين المتعلّقة به، أوضح أنّ المنظومة القائمة في البلد، والمؤلّفة من الطوائف والمحسوبيات والأحزاب وميليشيات ما بعد الطائف، وقفت كالسدّ المنيع أمام أي عملية إصلاحية أو محاسبية.
وعن إمكان استرداد الأموال المنهوبة، أكّد الوزير التويني أنّه بإمكان لبنان استرجاع قسم كبير منها، مستعينًا بتجارب بعض الدول التي تمكّنت من استرجاع مبالغ كبيرة.
ولفت أخيرًا إلى أنّه «لو استمرّت هذه الوزارة في التركيبة الحكومية ومن ضمن الهيئة العليا لمكافحة الفساد كما جرى في بلدان أخرى، لكانت نتائج ملموسة قد تحقّقت في مجال مكافحة الفساد».