جيشنا

الفوج المضاد للدروع: قوة التدمير والقدرة على المناورة
إعداد: الرقيب أول كرستينا عباس

يؤدي الفوج المضاد للدروع في الجيش اللبناني دورًا بالغ الأهمية في المعارك من خلال التصدي للمدرعات وتدمير تحصينات العدو. وإذا كان تجهيزه بصواريخ دقيقة مصدرًا أساسيًا لكفاءته العالية التي أثبتها في عدة معارك، فإنّ شجاعة عسكرييه وقدرتهم على الابتكار وتجاوز العقبات والتدريب المستمر تُشكّل قيمة مضافة تتجلّى في أداءٍ عالي المستوى. وهو إلى ذلك يرفد الوحدات العسكرية بقوةٍ نارية، ويدرّب عسكريين من الألوية والأفواج الخاصة والتلامذة الضباط والرتباء على الأسلحة المضادة للدروع.


واكب الفوج المضاد للدروع منذ إنشائه كفوج مستقل باسم "السرية المستقلة الأولى المضادة للدروع" في العام 1971، مختلف معارك الجيش، خصوصًا تلك التي تتطلّب استخدام صواريخ وأسلحة ثقيلة لتدمير الأهداف المعادية والتحصينات. ففي العام 1982 تصدّت إحدى سرايا الفوج لدبابات العدو الإسرائيلي وقواه المدرّعة، كما دعمت سراياه القتالية وحدات الجيش المنتشرة في الجنوب خلال عدوان تموز في العام 2006. وفي العام 2011 كانت حضائر الصواريخ التابعة للفوج جاهزة لمواجهة أي تقدّم لمدرعات العدو إثر اشتباك العديسة. وشارك الفوج أيضًا إلى جانب الوحدات الأخرى في معارك ضد الإرهاب، إذ كان له دورٌ بارز في معارك "نهر البارد" (2007)، ومن ثم في عرسال (2014)، حيث نشر سرية قسّمت إلى فصيلتَين تمركزت الأولى على الحدود الشرقية (عرسال والجوار) والثانية على الحدود الشمالية منعًا لتسلّل الإرهابيين إلى المنطقة.

 

شعارنا...
يتألف الشعار من الخلفية السوداء التي ترمز إلى التخفي في أثناء المهمات التي ينفّذها الفوج لأنّ العسكريين يتخفّون حتى يترصّدوا آليات العدو من دون أن يراهم. الوطواط يحمل صاروخًا مضادًا  للدروع للدلالة على تشابه أدائهما في بث الذبذبات والتوجّه من خلالها. وترمز الدائرة الحمراء إلى الدم والتضحية، والأرزة الخضراء إلى الخلود.

 

الصلابة والابتكار
يتميّز الصاروخ المضاد للدروع بدقة عالية في إصابة الأهداف، ويمكن استعماله على قواعد تركّز على الأرض أو على الآليات. مقابل هذه الميزة، يُشكّل وزن قاعدة الصاروخ ومتمماته (100 كلغ تقريبًا) عقبة حين يدور القتال في أماكن وعرة لا تستطيع الآليات التقدّم فيها، وهذا ما كان الوضع عليه خلال معركة "فجر الجرود" (2017). هنا كان لعاملَين اثنين الدور الأساسي في تجاوز هذه العقبة، الأول هو قوة التحمّل لدى العسكريين الذين اضطروا للسير 200 متر صعودًا في الأرض الوعرة وهم يحملون قاعدة الصاروخ تاو TOW، وقاموا بتركيزه على قمة إحدى التلال الصخرية حيث أمكنهم الرمي على أهداف الإرهابيين ومنع تقدمهم. أما الثاني فهو القدرة على الابتكار التي تُتيح التكيّف مع ظروف المعركة، وقد تجلّى ذلك من خلال تركيز الصاروخ على آلية من نوع UTV يمكنها أن تتنقّل بسهولة في الأرض الوعرة والممرات الضيّقة، ما سهّل مهمة دعم القوى المهاجمة بالنار ومواكبة تقدّمها. شاركت في تلك المعركة سرية كاملة من الفوج الذي أدّى دورًا بارزًا في تدمير تحصينات العدو وتأمين الدعم الناري للوحدات الأخرى، والمناورة بقدرة صاروخية موجّهة واكبت تقدّم القوى المهاجمة برًا.
بالإضافة إلى مهمته الأساسية في تقديم الدعم الناري المضاد للدروع لزيادة فاعلية ألوية الجيش وأفواجه، كُلّف الفوج أسوةً بباقي قطع الجيش بمهمة حفظ الأمن في قطاع انتشاره، الذي يتضمّن منشآت حيوية وحساسة. كما تتمركز سريتان من الفوج في قطاع جنوب الليطاني، وتخضعان لقيادته العملانية في مهمة دعم الألوية والأفواج ضمن القطاع وعلى الحدود والتصدّي لخروقات العدو الاسرائيلي.

 

عن الفوج
أنشئ الفوج المضاد للدروع في العام 1971 باسم "السرية الأولى المستقلة المضادة للدروع" وكانت تابعة عمليًا لمنطقة بيروت ومركزها ثكنة الأمير بشير. وفي العام 1977، شُكلت "السرية الثانية المستقلة" وكان مركزها مبنى مديرية التعبئة في الفياضية. وعندما تمّ تنظيم القطع والوحدات وفق نظام الألوية والأفواج، أُنشئ أيضًا الفوج المضاد للدروع، وذلك بتاريخ 24 كانون الأول 1983. حينها كان يتبع إداريًا لمقر عام الجيش، ولاحقًا للواء الدعم إلى جانب فوجي الهندسة والإشارة، ويُعتبر الفوج تحت القيادة العملانية المباشرة لمديرية العمليات.

 

العتاد والقدرات
زُوّد الفوج المضاد للدروع ثلاثة أنواع من الصواريخ هي: الـMILAN الفرنسية الصنع، والـTOW الأميركية والـHOT MEPHISTO التي يتمّ تركيبها على ناقلة الجند المدرّعة VAB الفرنسية. وهو مزوّد أيضًا أسلحة أخرى تمتلكها أفواج التدخل وألوية المشاة، فعناصره يضطرون للتقدّم كمشاة في بعض المهمات.
يشير قائد الفوج العميد الركن فادي بو ديوان إلى أنّ مواكبة التطور العلمي والتقني السريع في  مجال الصواريخ المضادة للدروع يتطلب إمكانات مادية كبيرة وجهودًا ضخمة، لكنّ العتاد الذي يمتلكه الجيش اللبناني يُستخدم اليوم  في عدد من أهم الجيوش في العالم، وهو يضيف: "بالطبع نطمح إلى امتلاك صواريخ أحدث من الأجيال المتطورة الثالثة والرابعة، لكننا نركّز على قدرات عناصرنا، وعلى إرادة القتال والصمود المتجذرة في نفوسهم، وهذه الإرادة هي ما يجعلهم جاهزين للتصدي للأخطار التي تهدد الوطن".   
بالإضافة إلى القدرات الجسدية واللياقة البدنية التي تخوّلهم التعامل مع سلاحهم على النحو الأفضل، يتمتع عسكريو الفوج المضاد للدروع بمستوى علمي متقدم وبمهارات وكفاءات عالية، وهذا ما وفّر القدرة والإمكانية للتعامل مع مختلف التحديات، وساعد في تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي في عدة مجالات، من بينها: تحديث قواعد الصواريخ وصيانتها، واصلاح أجزاء أساسية من الصواريخ من دون الحاجة إلى متخصصين أو الرجوع إلى بلد المنشأ، تحقيق أجهزة مشبّهات رمي وآليات مدولبة ومجنزرة لحمل قواعد إطلاق الصواريخ، وسوى ذلك من أعمال تتمّ في مشغل الفوج.  
ويقول العميد الركن بو ديوان في هذا السياق: "نحن كفوج مسؤولون حتى آخر الرعائل عن صيانة الصواريخ وكل ما يتعلّق بمنظومات إطلاقها، حتى تلك الموضوعة تحت تصرف عدد من الأفواج الخاصة الأخرى". ويشير إلى وجود مدرسة مسؤولة عن التدريب التقني لضباط وعسكريي الجيش ذوي الاختصاصات المتعلقة بالأسلحة المضادة للدروع. ولهذا السبب يتضمّن مشبهات رمي لمختلف أنواع الصواريخ التي يمتلكها الفوج، وقاعات مجهّزة للتدريب، وغيرها من متطلبات المساعفة والتدريب.

 

التدريب
يتابع الضباط والعسكريون تدريبات دورية ليكونوا جاهزين لإتمام مهماتهم بنجاح. فاستخدام الصواريخ يتطلب استعدادًا ذهنيًا كبيرًا، وقواعد إطلاقها تتضمّن أجهزة فحص وأمورًا تقنية صعبة، بالإضافة إلى قدرات تتعلق بقراءة الخرائط والتوجه عبر نظام GPS أو بالبوصلة وتحديد إحداثيات الأهداف المعادية بدقة، وأخرى تتعلق بقوة البنية الجسدية وهي أساسية لتنفيذ المهمات.
وفي السياق عينه، يشير رئيس الفرع الثاني الرائد قاسم ركين إلى أنّه بالإضافة إلى التدريبات الخاصة باختصاصهم، يتدرّب العسكريون على دورات أخرى تتصل بمهمة حفظ الأمن، ومن بينها "ردات الفعل عند تعرّض دورية لإطلاق النار"، والمداهمات والتفتيش، وإقامة حواجز وتسيير دوريات راجلة ومؤللة، بالإضافة إلى دورات في مجال الإسعافات الأولية والمتقدّمة، كما ينفّذون تمارين قتالية مختلفة.
يتخطى الفوج المضاد للدروع، كما مختلف وحدات الجيش وقطعه الصعوبات والمشقات، ويواصل عناصره تأدية رسالتهم، رسالة الجندية، مجددين مع كل إشراقة شمس عهدهم بتأدية واجبهم كاملًا حفاظًا على لبنان.