في ثكناتنا

الفوج المضاد للدروع يوثّق الذاكرة العسكرية

بين سطور التاريخ وصوت المعركة، تولد المتاحف العسكرية عادةً كشاهد حيّ على ذاكرة وطنية حافلة بالتضحيات. هكذا وُجد متحف الفوج المضاد للدروع ليجمع بين التوثيق والتثقيف، فيقدّم صورة متكاملة عن مسيرة الفوج في مواجهة التحديات، وليتحول من صالة عرض تقليدية إلى مساحة تحفظ الإرث العسكري وتنقله إلى الأجيال.
في آذار 2025، أبصر متحف الفوج المضاد للدروع النور، ليقدّم للزوار عرضًا شاملًا للأسلحة والمعدّات والصور التي تسرد تطوّر الأسلحة المضادة للدروع عبر الزمن. لم يكن الهدف، وفق قائد الفوج العميد الركن فادي بو ديوان، «إنشاء صالة تقليدية لعرض عتاد قديم، بل بناء مساحة حيوية تعكس تاريخ القدرات العسكرية للجيش اللبناني وتطوّرها في مجال الأسلحة المضادة للدروع، وتتيح للزائرين التعرّف على مسيرة الدفاع عن الوطن وتجربة الفوج في مختلف مراحلها».
يوضح العميد بو ديوان أنّ المشروع انطلق بقرار من قيادة الفوج بإنشاء متحف مخصّص للسلاح المضاد للدروع، وقد أُعدّت خطة متكاملة شملت ترميم الصالة وتجهيز بنيتها التحتية، وتمّ التنسيق مع مديرية التوجيه للحصول على الموافقات اللازمة في ما خصّ الأسلحة المتوافرة في المتحف العسكري، بالتوازي مع التعاون مع اللواء اللوجستي – مديرية المخازن لاستلام بعض المعدات القديمة. وبذلك تأمّن للمتحف مخزون متنوّع من الأسلحة والوثائق المعروضة بطريقة منظّمة ومرتبة.

 

توثيق وتثقيف
يشدّد قائد الفوج على أنّ المتحف يقوم على هدفين متكاملين، الأول توثيقي، يتمثل في جمع نماذج الأسلحة والصور والمعدّات التي شكّلت جزءًا من تاريخ الفوج، لتكون بمثابة أرشيف بصري ومادي يخلّد المراحل المختلفة. أما الهدف الثاني فهو تثقيفي، إذ يفتح المتحف أبوابه أمام العسكريين والمدنيين على حدٍ سواء، ليقدّم لهم فكرة وافية عن الأسلحة المضادة للدروع، الصاروخية منها والمقذوفة، قديمها وحديثها، باختلاف منشئها وطرق استعمالها، ما يجعله مرجعًا عمليًا وفكريًا للتعرّف على الأسلحة المتنوّعة.
يضمّ المتحف أبرز الأسلحة المضادة للدروع، بما فيها الصاروخية الموجّهة من قواعد إطلاق متعددة الأجيال، والفردية المحمولة على الكتف، ومتنوعة المنشأ بين شرقي وغربي. كما تشمل المعروضات بنادق ورشاشات أثرية استخدمتها السدنة قديمًا للحماية. ويوضح قائد الفوج أنّ الأسلحة المعروضة ليست مجرد قطع أثرية، بل «شواهد حيّة على معارك خاضها الجيش»، مثل الصاروخ الموجّه 11 SS- والصاروخ ANTAC، إضافة إلى الصواريخ الحديثة الموجهة من على منصة إطلاق نوع TOW وMILAN شاركت في معارك حاسمة أبرزها معركتا عرسال وفجر الجرود. وهناك أيضًا الأسلحة الرشاشة التي استُخدمت خلال معركة المالكية في العام 1948 ضد العدو الإسرائيلي.
ولا يغفل العميد بو ديوان الإشارة إلى أهمية البعد الأرشيفي، إذ يضمّ المتحف صورًا ووثائق وخرائط توثّق تطوّر قدرات الجيش، فضلًا عن مساهمة المجتمع المدني في ابتكار صواريخ «أرز 1» و«أرز 2». ويؤكد أنّ العمل جارٍ على تعزيز الأرشيف بمزيد من التسجيلات والوثائق لتوسيع الفائدة البحثية للمتحف.

 

جمهور واسع ورسالة وطنية
يوضح النقيب هيثم حرب المسؤول عن المتحف، أنّه يستقبل العسكريين والمدنيين على حد سواء، بمن فيهم الطلاب والباحثين الراغبين في تطوير مهاراتهم العامة والمتخصصة في مجال الأسلحة المضادة للدروع، ما يمنحهم «فرصة للتعرّف على طبيعة هذا السلاح الذي أصبح حجر الأساس في التخطيط العسكري للمعارك التي تعتمد على المدرعات.» وهو إذ يعرب عن اعتزازه بهذا الإنجاز، يشدّد على أنّ المتحف يعكس دور الفوج في دعم القطع والألوية المنتشرة على الحدود الجنوبية في مواجهة العدو الإسرائيلي، وعلى الحدود الشرقية والشمالية للتصدّي لأيّ عدوان إرهابي محتمل، ما يمنح الزوار رؤيةً أشمل لقدرات الجيش اللبناني وتاريخ الأسلحة المضادة للدروع المستخدمة سابقًا وحديثًا.
كما يلفت النقيب حرب إلى أنّ الزيارات تترافق مع محاضرات يُلقيها القيّمون على المتحف لتوضيح ميزات الأسلحة المعروضة واستخداماتها، مع إمكان خوض تجربة رماية على مشبّهات الرمي المتوافرة في مشغل تصليح الصواريخ، مشيرًا إلى خطط لتطوير التجربة عبر عروض حيّة وشاشات تفاعلية تحاكي أجواء الميدان.
وعن آلية الحفاظ على المعدات، يوضح النقيب حرب أنّ صالات العرض جُهّزت وفق معايير علمية دقيقة تضمن حماية العتاد من التلف والصدأ والتآكل عبر ضبط الحرارة والرطوبة على مدار الساعة، إلى جانب تطبيق تعليمات وإجراءات يومية وأسبوعية باستخدام مواد خاصة لضمان استدامة المعروضات والحفاظ عليها للأجيال القادمة.

 

جسر ثقافي وسياحي
يشكّل المتحف مساحة للتواصل بين الجيش والمجتمع المدني وفق ما يؤكد قائد الفوج المضاد للدروع، إذ يستقبل المدارس والجامعات والكشافة، ويسهم في غرس قيم الانتماء والتضحية والروح الوطنية لدى الأجيال الصاعدة. ويكشف العميد بو ديوان عن خطط تطوير تشمل زيادة تنويع معروضات المتحف وإغناءها بالوثائق والخرائط والمراجع، إضافة إلى اعتماد تقنيات حديثة مثل الشاشات التفاعلية، الواقع الافتراضي، ومعدات الترجمة للوفود الأجانب، مع تخصيص زوايا تُعنى بابتكارات الجيش اللبناني والوثائق المرجعية، واستغلال الذكاء الاصطناعي لتحقيق أقصى استفادة من تجربة الزائر، «ليصبح المتحف ليس فقط مرجعًا عسكريًا، بل جسرًا ثقافيًا وسياحيًا ومرجعًا بحثيًا يروي محطة من التاريخ العسكري للأجيال المقبلة».