نحن والقانون

القضاء العسكري في لبنان
إعداد: العميد سامي الخوري

قوانينه ومحاكمه وصلاحياته

 

من أبرز أهداف قانون القضاء العسكري إنزال عقوبة سريعة وعادلة بمرتكبي الجرائم الواقعة ضمن اختصاصه، فقيمة القانون وفاعليته تكمنان في سرعة إجراءاته كما في عدالة أحكامه.
يشغل قانون القضاء العسكري حيزًا مهمًا في بنية الجسم القضائي اللبناني نظرًا إلى سعة اختصاصه وتنوع الأشخاص المحالين أمامه، بسبب صفتهم الوظيفية، أو بسبب نوعية الأفعال المنسوبة إليهم.

 

موقع المحكمة العسكرية في القضاء العدلي
يُعطي المشترع المحاكم العادية صلاحية النظر في جميع الجرائم الجزائية بموجب نص عام، ما لم يوجد نصّ خاص يحجب عنها صلاحية النظر في بعض الجرائم فيُدخِلها في اختصاص محاكم استثنائية بموجب قانون خاص. والمحاكم الاستثنائية هي محاكم خاصة، تختص بالنظر في قضايا معيّنة حدّدتها التشريعات الخاصة على وجه الحصر. أي انّها تنظر بفئة محددة من الجرائم وفق أصول خاصة، فاختصاصها إذًا هو الاستثناء بالنسبة الى اختصاص المحاكم العدلية العادية.
من المحاكم الاستثنائية في لبنان: محكمة الأحداث، محكمة المطبوعات، المجلس العدلي، والمحكمة العسكرية.
ينتمي قانون القضاء العسكري إذًا إلى فئة القضاء الاستثنائي، فهو القانون الذي يُعنى بتحديد المحاكم العسكرية وتنظيمها، بما في ذلك الصلاحيات والأصول الواجب اتباعها أمامه، كما أنه القانون الذي يحدد الجرائم العسكرية والعقوبات المناسبة لها.
والعلاقة وثيقة بين قانون القضاء العسكري من جهة، وقانوني العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية من جهة أخرى. فالأول (القضاء العسكري) هو قانون خاص يقتضى تطبيقه في حال صراحة نصوصه. أما الثاني والثالث (العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية) فهما قانونان عامّان ويقتضى تطبيقهما في حال خلوّ القانون الخاص من أي نص ينطبق على الحالة القانونية المعروضة أمام القاضي. وهذا ما اكّدته صراحة المادتان 33 و99 من قانون القضاء العسكري.
ونشير هنا إلى أهمّ القوانين التي يستند إليها قضاة المحكمة العسكرية، وهي:
• قانون أصول المحاكمات الجزائية.
• قانون العقوبات العام.
• قانون القضاء العسكري.
• قانون الإرهاب الصادر في تاريخ 11/11/1958.
• قانون المخدرات.
• قانون الأسلحة والذخائر.
 

هيكلية القضاء العسكري في لبنان
تتكون هيكلية القضاء العسكري من ثلاثة أجهزة قضائية:
• قضاء الادعاء.
• قضاء التحقيق.
• قضاء الحكم.

 

• قضاء الادّعاء:
يتألف قضاء الادّعاء من القضاة ممثلي النيابة العامة العسكرية، وهم: مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ومعاونوه الذين يقومون بجميع مهمات النيابة العامة الاستئنافية العادية في كل ما يتعلق باختصاصها (المادة 34 ق.ع).
كما يشمل قضاء الادّعاء مفوض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية الذي يقوم بمهمات النائب العام لدى محكمة التمييز في ما يتعلق باختصاصه.
 

• قضاء التحقيق:
يتألف قضاء التحقيق من قضاة التحقيــق العسكريين، وهــم قاضــي التحقيــق العسكــري الأول، وقضــاة التحقيق العسكريين الآخرين الذين يمارسون المهمات نفسها المحددة في القضاء العدلي العادي لقضاة التحقيق العدليين، في كل ما يتعلق باختصاصهم.
 

• قضاء الحكم:
يتألف قضاء الحكم من مستويات ثلاثة من المحاكم:

 

- الحكّام العسكريون المنفردون:
هم القضاة العسكريون المنفردون ويشكّلون محاكم الدرجة الأولى في القضاء العسكري، وهم موزعون على المناطق العسكرية الخمس. تشمل صلاحياتهم النظر في الجنح والمخالفات ضمن نطاق المحافظة التي لا تتجاوز عقوباتها القصوى الغرامة أو السنة حبسًا، أو هاتين العقوبتين معًا.
 

- المحكمة العسكرية الدائمة:
مركزها في بيروت، تختص بالنظر في الجرائم المحالة إليها التي تفوق عقوباتها القصوى السنة حبسًا، كما تعتبر المرجع الاستئنافي للأحكام الصادرة عن القضاة العسكريين المنفردين (محكمة الدرجة الثانية). وهي مؤلفة من غرفتين، غرفة جنائية وأخرى جنحية، وذلك وفق الآتي:
 

- في القضايا الجنائية:

قاضٍ عسكري رئيسًا وقاضٍ من ملاك القضاء العدلي مستشارًا وثلاثة قضاة عسكريين مستشارين.
 

- في القضايا الجنحية:

قاضٍ عسكري رئيسًا، وقاض من ملاك القضاء العدلي مستشارًا وقاض عسكري مستشارًا.

 

- محكمة التمييز العسكرية:
هي محكمة النقض العسكرية ومركزها في بيروت. تختص هذه المحكمة بالنظر في: طلبات نقض الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية الدائمة، طلبات نقض قرارات إخلاء السبيل أو ردّها، الصادرة عن قضاة التحقيق العسكريين، أو عن المحكمة العسكرية الدائمة، وطلبات إعادة الاعتبار في الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية، بالإضافة إلى كونها مرجعًا استئنافيًا للقرارات الصادرة عن المجلس التأديبي. وهي مؤلفة من غرفتين (غرفة جنائية وغرفة جنحية) وفق الآتي:
 

- في القضايا الجنائية: قاضٍ من ملاك القضاء العدلي رئيسًا و أربعة قضاة عسكريين مستشارين.
- في القضايا الجنحية: قاضٍ من ملاك القضاء العدلي رئيسًا وقاضيان عسكريان مستشارين.
 

 تحريك الدعوى العامة والقضايا التي تعالجها المحكمة العسكرية
يختلف تحريك الدعوى العامة في القضاء العدلي عمّا هو عليه في القضاء العسكري، فيقتصر حق المدعي أو المتضرر على إقامة الدعوى العامة أمام النيابة العامة العسكرية فقط دون غيرها. كما أنه لا يجوز استماع المدّعي أمام القضاء العسكري إلاّ على سبيل المعلومات (المادة 25 ق.ع فقرة 4)، فلا يمثل المتضرر أو المدّعي أمام المحكمة العسكرية كمدّعٍ أو كطرف، بل كشاهد في القضية. ويكون أطراف النزاع أمام المحكمة العسكرية اثنان فقط: النيابة العامة العسكرية، والمدّعى عليهم.
تنحصر صلاحية المحاكم العسكرية من أي درجة كانت بدعوى الحق العام من دون دعوى الحق الشخصي التي يمكن أن تقام أمام المحكمة المدنية الصالحة، حيث يتوقف صدور الحكم بها إلى حين الفصل في دعوى الحق العام نهائيًا. ولا يمكن بالتالي للمحكمة العسكرية أن تحكم بالتعويضات الشخصية أو المدنية بصرف النظر عن نوع الجرم ودرجة المحاكمة (المادة 25 ق.ع).
أمّا عندما تتوقف إقامة الدعوى العامة على اتخاذ الشاكي صفة الادعاء الشخصي، فيحق لمفوض الحكومة أن يجري الملاحقة بناء على شكوى المتضرر (المادة 35 ق.ع). وفي حال كان الأخير أحد رجال السلك العسكري، يعود لقيادته أن تطلب الملاحقة، ولو لم يتقدم المتضرر شخصيًا بشكوى أو بإخبار، وحتى وإن رجع عن دعواه.
تتمتع النيابة العامة العسكرية في حالة الجرم المشهود بحرّية أكبر في وضع يدها على الدعوى مباشرة أيًا كان الفاعلون أو المعتدى عليهم، من دون ضرورة الاستحصال على أي إذن مسبق أو لاحق، باستثناء حالات محددة (المادة 36 و37 ق.ع).
 
الدفاع عن المدعى عليهم
إنّ وجود المحامي للدفاع عن المدّعى عليهم إلزامي أمام جميع المحاكم العسكرية باستثناء القضاة العسكريين المنفردين. يعهد بالدفاع عن المحالين غير الممثلين بمحامٍ إلى أحد المحامين أو الضباط المجازين في الحقوق المعينين بقرار من وزير الدفاع الوطني (المادة 21 ق.ع).
في حال لم يعيّن المدّعى عليه محاميًا، أو إذا تعذّر على محاميه الدفاع عنه (المادة 57 ق.ع)، يمكن توكيل محامٍ من قبل رئيس المحكمة العسكرية شفهيًا في أثناء الجلسات، ولا لزوم لتسجيل الوكالة إذا كانت خطية.

 

كيفية إدارة الجلسات وآلية العمل
من مميزات أصول المحاكمات في المحاكم العسكرية أنّها غير ملزمة بالتعليـل كمـا هـو االـحال لدى المحاكم العاديـة. وقـد خـصّ المشتـرع المحاكـم العسكريـة بطريقـة فريـدة في المذاكـرة وإصـدار الحكـم، إذ نصّـت المـواد 63 إلى 70، مـن قانـون القضـاء العسكـري علـى جملـة اعتبـارات يقتـضى مراعاتهـا، وخصوصًـا في ما يتعلـق بانتهـاء مرحلـة المحاكمـة وكيفيـة صياغـة الحكـم وفـق آليـة مقـررة، إن لجهـة اسـلوب المذاكـرة وطـرح الأسئلـة، أم لناحيـة المعامـلات الجوهريـة التي تقع تحت طائلة البطلان في حال تجاوزها.
 
صلاحية القضاء العسكري
تشمل صلاحية القضاء العسكري الجرائم الآتي ذكرها:
• جرائم الإرهاب على اختلاف انواعها.
• الجرائم العسكرية المحددة في الكتاب الثالث من قانون القضاء العسكري.
• جرائم الخيانة، التجسس، والتعامل مع العدو.
• الجرائم المتعلقة بالأسلحة والذخائر غير المتصلة بجرائم أخرى.
• الجرائـم المرتكبـة في الثكنـات والمعسكـرات والمؤسسـات العسكريـة.
• الجرائم المرتكبة من/أو الواقعة على شخص أحد العسكريين.
• الجرائم المرتكبة من/أو الواقعة على شخص أحد رجال قوى الأمن الداخلي أو الأمن العام أو أمن الدولة إذا كان لها علاقة بالوظيفة.
• الجرائم التي تمسّ مصلحة الجيش أو قوى الأمن الداخلي أو الأمن العام أو أمن الدولة.
• الجرائم الواقعة على شخص أحد رجال الجيوش الأجنبية الموجودة في لبنان، أو التي تمس بمصلحتها.

 

المحالون أمام القضاء العسكري:
• العسكريون.
• الموظفون المدنيون لدى وزارة الدفاع الوطني ولدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أو الأمن العام أو أمن الدولة، إذا كانت الجرائم المرتكبة من قبلهم أو الواقعة عليهم ناشئة عن الوظيفة.
• المجندون باستثناء الجرائم الواقعة عليهم، أو تلك المرتكبة من قبلهم غير المتعلقة بالوظيفة.
• رجال قوى الأمن الداخلي أو الأمن العام أو أمن الدولة في الجرائم المتعلقة بالخدمة.
• أسرى الحرب.
• رجال قوى الجيوش الأجنبية والموظفون المدنيون فيها، ما لم يكن هناك اتفاق مخالف.
• كل فاعل أو شريك أو متدخل أو محرّض في جريمة محال بها أمام القضاء العسكري.

 

قانون القضاء العسكري والقوانين الجزائية الأخرى
يختلف قانون القضاء العسكري عن القوانين الجزائية الأخرى في عدة أوجه نستعرضها في ما يلي:

  • أولاً: عدم وجود هيئة اتهامية، إذ تمارس محكمة التمييز العسكرية بهيئتها الجنحية مهمات الهيئة الاتهامية في حال استئناف قرارات إخلاء السبيل الصادرة عن قضاة التحقيق العسكريين.
  • ثانيًا: تنحصر صلاحية المحاكم العسكرية من أي درجة كانت بدعوى الحق العام من دون الحق الشخصي، فلا يجوز استماع الشاكي إلاّ على سبيل المعلومات، كونه يُعتبر ممثلًا بالنيابة العامة العسكرية.
  • ثالثًا: يُحصر تلقّي جميع الشكاوى والإخبارات بالنيابة العامة العسكرية دون غيرها من أجهزة القضاء العسكري، في حين أنه يُمكن لقاضي التحقيق أو القاضي المنفرد الجزائي في القضاء العدلي قبول الشكوى.
  • رابعًا: لا يحتاج توكيل المحامي بالضرورة إلى صيغة خطية، بل يُكتفى بتوكيل رئيس المحكمة خلال سير الدعوى في حال عدم وجود محام للدفاع عن المدعى عليه، ويُعتبر التوكيل قانونيًا.
  • خامسًا: خلافًا للأصول الجزائية العادية التي لا تقبل الاعتراض على الحكم الغيابي أسوة بالحكم الوجاهي، منحت المادة 62 ق.ع المحكوم عليه غيابيًا الحق بالاعتراض، وذلك، إذا أثبت وجود قوة قاهرة حالت دون حضوره.
  • سادسًا: إنّ جميع قضاة النيابة العامة العسكرية وقضاة التحقيق العسكريين هم من القضاة العدليين، كما يوجد قاضٍ عدلي كمستشار في المحكمة العسكرية بهيئتيها الجنائية والجنحية، وكذلك الأمر في محكمة التمييز العسكرية التي يرأسها، قاضٍ عدلي منتدب من محكمة التمييز العدلية.

في ختام هذه اللمحة المختصرة حول القضاء العسكري في لبنان، نشير إلى أنّ بعض المتحاملين على هذا القضاء الاستثنائي يتحدّثون عن طغيان الطابع العسكري على المحاكم العسكرية، لكـن في الواقـع العكـس هـو الصحيـح: فالقضاة العدليون يشكّلون الغالبية الساحقة في جميع أجهزة القضاء العسكري، كما أن المؤسسة العسكريـة تعمـد إلى تعيين غالبيـة القضـاة الضبـاط مـن حملـة شهـادات الحقـوق وذـوي الاختصــاص في القضــاء العسكــري. والقضاء لم يكن يومًا مجلسًا عُرفيًا يتّخذ قراراته بصورة عشوائية أو من دون مراعاة حقوق المحاكمين أمامه، كما يحلو لبعض المتضررين منه القول. فهو وإن كان اختصاصه الأساسي النظر في الجرائم العسكرية، إلا أن المشرّع منحه صلاحية النظر في الجرائم المهمة المتعلقة بأمن الوطن، بسبب الثقة الكاملة بحسن أدائه وسرعة إجراءاته وعدالة عقابه.