لقاءات

الكابتن رولا حطيط فن الطيران والحياة!
إعداد: ندين البلعة خيرالله

في السماء، حيث تحلّق الأحلام ويلوح أفق التحديات، برزت تلك المرأة الرصينة بقصتها التي تتجاوز حدود المألوف. رحلة الكابتن رولا حطيط هي رحلة إصرار لا يتزعزع، ومزيج من الشغف بعالمَين متناقضَين: فضاء الطيران اللامحدود وعلوم الأرقام المعقدة من واقع الحياة المُثبتة. وهي إذ تحلّق بكل ما تحمله من طموحات ومشاعر أمومة وحبٍّ لوطنها، تشكّل حياتها منارة للإلهام، تجسّد جوهر المرونة والأمل والسعي الدؤوب للتميز.

 

هي ابنة بلدة الدوير الجنوبية، من عائلة متواضعة ومتضامنة نشأت إلى جانب إخوتها على حب الوطن. تفوّقت في دراستها مدفوعة بطموحها الذي قادها إلى عالم الطيران على الرغم من تحفّظ أهلها. سافرت إلى اسكتلندا لدراسة الطيران، ثم إلى ألمانيا حيث تدربت على قيادة الطائرة التي باتت تقودها.

في لقاء طابعه العفوية والصراحة، تعرّفنا إلى شخصية إمرأة تتقن التحليق عاليًا، تعشق الرياضيات والموسيقى، وتتجلى صفات الأمومة لديها في كل ما تقوم به. رحلتها شهادة على الروح النضالية لدى المرأة التي ترفض التقيّد بالصورة النمطية وبالأدوار التقليدية المنسوبة إليها. في حديثها جرعة أمل وإيجابية تسحر محدثها وتزوده دروسًا في حب الوطن والتمسّك بأرضه. هي التي جالت العالم، تعود في نهاية كل رحلة إلى وطنها الصغير وهي تردد: "رغم كل شي ما في متل لبنان"...

 

"الخوف يقتل..."!

جالت رولا التي لا تفارق البسمة محيّاها في مدن العالم، وبرهنت أنها كابتن عالمية، وهذا ما جعلها تتسلم بجدارة  مركز الرئاسة الإقليمية لمنظمة اتحاد نقابات الطيارين كأول إمرأة في هذا المنصب.

يتردّد صدى الشعار الذي تلتزمه رولا في حياتها في كل كلمة وفعل وإنجاز تحقّقه: "الخوف يقتل، أما الأمل فيعطي قوة". هذا الأمل الذي هو ركيزة كل حياتها، يغذّي طموحاتها ومساعيها في مهنتها، وقد اكتسبته من خبرتها الطويلة وتمكّنها من أداء واجبها الوظيفي على أكمل وجه بفضل التدريب والمتابعة والالتزام. فمهنتها تتطلّب سرعة بديهة وقدرة على التكيّف مع التحديات غير المتوقعة. وهي بفضل اكتسابها مهارات حل المشكلات بكفاءة عالية، وقدرتها على تحويل الخوف إلى رهبة وأمل، أثبتت أنّه حتى في أصعب الظروف والمواقف، سنجد دائمًا الطريق للمضي قدمًا.

وأصدق دليل على ذلك، أنّ صيتها ذاع في العالم منذ فترة وجيزة، لكونها كابتن الطائرة التي تحدّت الرياح وهبطت بسلاسة في مطار لندن – هيثرو. مشهد العاصفة المخيف يومها أرهب معظم الطيّارين وأدّى إلى اتخاذ الطائرات التابعة لشركات أخرى قرارًا بإلغاء عملية الهبوط، لكنّ طائرة الـ MEA التي تقودها الكابتن حطيط هبطت بأمان ما أدهش العالم.

 

بين السماء والأرض

"نظرة أم وكابتن من السماء..." عبارة تنشرها رولا على صفحتها على إنستغرام. نظرتها من السماء هي مزيج فريد من الضعف والقوة. فالعزلة التي تعيشها فوق السحاب تتناقض بقوة مع مشاعر الأمومة وارتباط الأم بأولادها. إنها بمثابة تذكير لها بأنّ النجاح في أي مجال يتطلّب ثقة ثابتة في قدرتنا على التفوق وإيجاد توازن بين مهماتنا وقدراتنا وأولوياتنا. فقد تتغيّر الأولويات وتتبدّل، ولكن التكيّف والمرونة يبقيان ثوابت ضرورية لتحقيق ذلك. هذه الثوابت مغروسة أصلًا في رولا كونها لبنانية، مولودة من رحم الصعوبات مع إرثٍ من الصمود والقدرة على اجتراح الحلول في مواجهة الشدائد.

 

قلب متجذّر في لبنان

التزامها وطنيتها وحبّها للبنان لا يتزعزعان، وهي متشبّثة بأرضها بكل فخر! إنّه الشعب الطيّب المعروف بصموده، الذي يهبّ إلى مساعدة الغريب، وقد يكون ذلك أحيانًا من خلال عمل ظاهره بسيط ومتواضع، ولكنّه دليل عميق على جمال لبنان وروح أهله والأمان الذي لم تجده رولا في أيٍّ من الدول التي قامت بزيارتها، والتي يتخطى عددها الـ100. وهي إذ توجّه تحيةً إلى المؤسسة العسكرية وعناصرها، وقلبها يتألّم على أوضاعهم وظروفهم، تؤكّد أنّ هذا الأمان ما هو إلّا بفضل هذه المؤسسة وصمودها أمام كل المحن.

هذا الحب غير المشروط للوطن والمهنة، دفع رولا إلى الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لهدفَين أساسيَّين: الأول إظهار صورة لبنان الجميل للعالم إلى جانب المشاهد الرائعة التي تنقلها من رحلاتها إلى مختلف البلدان، فتنقل متابعيها معها في رحلة تطل على مختلف الثقافات. والسبب الثاني هو تعميم تجربة نجاحها في عالم الطيران وحثّ كل فتاة طموحة وحالمة على تحقيق حلمها. وقد نجحت في ذلك، إذ إن تميّزها سمح لمزيد من النساء بإظهار مهاراتهن في هذه المهنة.

لم تكسر الكابتن حطيط الحواجز الاجتماعية فحسب، بل جعلت من مهمتها أيضًا توجيه الآخرين نحو الطيران حيث البداية لاحتمالات وفرص لا نهاية لها. وإلى شباب لبنان وأمهاتهم، توجّه رسالةً قوية، فتشجّعهم على اعتناق الأمل، والاعتزاز بهويتهم وبذل كل الجهود ليصبح لبنان وطنًا أفضل لأبنائه. وإيمانها بقوة الروح اللبنانية وصمودها هو شهادة دائمة على حبها العميق لبلدها.

 

إرث من الحب والإنسانية

جلّ ما تتمنّى الكابتن حطيط توريثه لإبنيها ولكل من يتأثّر بمسيرتها، هو حب لبنان والإنسانية والأمل الذي لا يتزعزع! أمّا حين نسألها عن ترتيب أفضل بلدان زارتها، فتعتزّ بجمال لبنان أولًا وتذكر عددًا من البلدان التي احتلّت أولويةً بالنسبة إليها بعد وطنها طبعًا، لأنها تشبهه بالثقافة والجمال والقيم.

تأخذنا رحلة الكابتن رولا حطيط الرائعة إلى فوق السحاب، إلى عالم من الأمل والعاطفة. هي التي جالت العالم بروائعه، ترجع من كل رحلة أكثر اقتناعًا والتزامًا حيال وطنها، فلبنان بالنسبة إليها هو "أروع بلد بالعالم"! وفي مواجهة التحديات، تذكّرنا بأن سماء إمكاناتنا لامحدودة، يحملنا فيها هواء الأمل فيرشدنا في الأوقات الأكثر اضطرابًا. وهي تتوجه إلى أبناء وطنها بالقول: أعطوا أولادكم فرصًا متكافئة للعلم والتقدّم، فهم جيل المستقبل، كونوا مثالًا لهم وأثبتوا أن النجاح يمكن تحقيقه مهما كانت الأوضاع والظروف صعبة.

أخيرًا، منا ومن الكابتن رولا حطيط، دعوة إليكم إلى التأمل: ما هي الحواجز التي يمكنكم تخطيها في حياتكم؟ وكيف تشكّل تجاربكم الفريدة إلهامًا للآخرين لنغيّر العالم من حولنا؟ لقد أثبتت لنا الكابتن حطيط أن السماء ما هي إلّا البداية، فكيف ستبلغون أفق نجاحكم وطموحاتكم؟