هو وهي

الكذب أنواع لكنّه ليس بأبيض أو أسود...
إعداد: ريما سليم ضومط

فحذار تدمير الثقة بكذبة

 

يتّصل بها ليخبرها أنه سيتأخر في العمل، وهو في الواقع يسهر في مقهى مع ا?صحاب. تطلب منه المال لشراء أغراض للمنزل، والحقيقة أنها تريده لشراء ثوب جديد.
هذا ما يسمى بالكذب الأبيض، الذي يتقنه عدد كبير من المتزوجين. من أبرز ميزاته أنه لا يؤذي الشريك، وفي الوقت نفسه لا يوجع ضمير الكاذب، أما الهدف منه فهو تسهيل قبول واقع ما، أو تلطيف الحقائق من خلال إضافة بعض «الملح والتوابل». فهل تبرّر الغاية الوسيلة؟

 

حبل الكذب قصير
في حوار مع بعض السيدات اللبنانيّات، أشارت إحداهن إلى أنها تلجأ إلى الكذبة البيضاء كلّما أرادت تفادي الدخول في جدلٍ عقيم مع زوجها، لا سيما عند مناقشة أمور الأولاد ومطالبهم التي لا تنتهي. وقد أكدت أنها تخفي عن زوجها المصاريف التي تطلبها ابنتاها المراهقتان للخروج مع الرفاق، وذلك كي لا يشغل باله بهمومٍ إضافية تقلق راحته وتثير نقمته.
في المقابل، أكدت سيّدة أخرى أن الكذب على مختلف ألوانه يزعزع الثقة بين الزوجين ويؤدي إلى النفور. وأخبرت عن تجربتها في هذا الموضوع مشيرةً إلى أنها فاجأت زوجها يومًا وهو يتحدّث على الهاتف مرتبكًا، وحين سألته مع من يتحدث أجاب أنه صديق قديم، إلا أنها شكّت في صدق كلامه بسبب ارتباكه، واكتشفت بأسلوبها الخاص أن المتحدّث على الطرف الآخر كان صديقة وليست صديقًا. وعلى الرغم من أنه أثبت لها أن علاقته بتلك المرأة بريئة ولا عيب فيها، وأنه اضطر إلى الكذب كي لا يثير غيرتها، إلّا إنها لم تعد قادرة على الوثوق به ثقة تامة بسبب كذبته البيضاء!
سيّدة ثالثة أشارت إلى أن الكذبة البيضاء تساعدها في تلافي مواقف محرجة لكنّها تضطر أحيانًا إلى إخفاء كذبة بأخرى، فيصبح الوضع معقّدًا ومربكًا.

 

لا ألوان للكذب
يؤكد الاختصاصي في علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري أنه ليس هناك كذبة بيضاء وأخرى سوداء، فالكذب ليس له ألوان، وإنما هو على أنواع منها المؤذي وغير المبرّر، كالكذب النفاقي والاحتيالي والسياسي، الخ... وبعضها مبرّر ?سباب معيّنة، وهو ما يسمِّيه البعض الكذبة البيضاء، ويتجلّى في عدّة مظاهر من بينها المواربة، تحريف الحقيقة، إخفاء المعلومات، وادعاء جهل أمر ما، الخ... وهذا النوع يقوم على مبدأ الغاية تبرّر الوسيلة، وغالبًا ما تكون الغاية نبيلة، كعدم جرح مشاعر الشريك، مثلًا: «هل يليق بي هذا الفستان؟»، «بالطبع حبيبتي»! (حتى ولو كان الفستان رديء المظهر). وأحيانًا يكون الكذب مبرّرًا لأسباب عائليّة ولكنّه غير مبرّر أخلاقيًّا، كالكذب لتفادي تدمير الزواج، والمثل على ذلك المواربة لإخفاء علاقة جانبيّة قام بها أحد الطرفين خارج الزواج.

 

الصدق في التعامل اليومي
من جهة أخرى، يؤكد الدكتور خوري أن الصدق ركن أساسي لنجاح الزواج، لذلك على الزوجين تفادي جميع المواقف التي تحفّز على الكذب بمختلف أنواعه، بدءًا من محاولة نبش ماضي الشريك وصولًا إلى التحرّي عن علاقاته اليومية عبر الأسئلة المتكرّرة والملاحقة الدائمة. وهو يشير إلى أن ماضي المرء هو ملك له ولا يحق لأحد التدخل به أو السؤال عنه. فالمحاسبة تبدأ ساعة الدخول في القفص الذهبي. ويضيف أن العلاقة بين الزوجين يجب أن تبنى على الصدق في التعامل اليومي منذ اللحظة الأولى، ومتى بنيت الثقة على أسس سليمة، لن يعود هناك من ضرورة للكذب. كذلك، لن يعود هناك من ضرورة لاجتياح خصوصيات الآخر والتدخل بكل شاردة وواردة في حياته، وبذلك يتم إلغاء عامل أساسي من العوامل المحفّزة على الكذب. وهو يضيف أن الوضع بين الزوجين يمكن أن يقوم على حالةٍ دائمة من الثقة والتفاهم طالما أنّ أحدًا منهما لم يخن ثقة شريكه.

 

ماذا عن الكذب الذي يلجأ إليه أحد الزوجين لصالح الأولاد؟
يؤكّد الدكتور خوري أنه من المستحسن اللجوء إلى الحوار في معالجة شؤون الأولاد، وإذا لم تنجح المحاولة الأولى في حل المشكلة، يجب معاودة المحاولة مرّة ثانية وثالثة إلى حين التوصل إلى نتائج إيجابية.
ويختم الدكتور خوري قائلًا: يُحكى أن الكذب ملح الرجال، وهذا غير صحيح، فالملح يؤدّي إلى ارتفاع في الضغط، ولكن إذا كان المرء في حاجة إلى تطعيم بعض مأكولاته بشيء من النكهة، لأنه يرى أن ابتلاعها يصبح أسهل، فلا بأس من كذبة غير مؤذية، ولكن تنبّهوا أن لا لون للكذب!