في ثكناتنا

الكليّة الحربية تستأنف مسيرتها
إعداد: ندين البلعة خيرالله

تُعتبر الكليّة الحربية صرحًا وطنيًا أكاديميًا فريدًا، ليس فقط لإعداد الضباط، بل قادة يملكون الجرأة والعزيمة لبناء مستقبل مشرق للوطن. ورغم التحديات التي يواجهها لبنان، تبقى الكلية وجهة للشباب الباحث عن دورٍ فعّالٍ في الدفاع عن الوطن وحماية أمنه.

بعد فترةٍ من التوقف عن تطويع تلامذة ضباط من المدنيين بسبب الأوضاع الاقتصادية والظروف الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان، عادت الكلية الحربية وفتحت أبوابها من جديد لاستقبال دفعة جديدة من الشباب اللبناني قوامها 200 من المدنيين والعسكريين، بالإضافة إلى 153 عسكريًا يتابعون الدورة التأهيلية لرتبة ملازم. تأتي هذه الخطوة في إطار استعادة انتظام العمل في المؤسسة العسكرية وإعادة بثّ الأمل في نفوس اللبنانيين بمستقبلٍ أكثر استقرارًا وأمانًا.

 

اختيار المستحقّين

ليس الالتحاق بالكلية الحربية أمرًا متاحًا للجميع، بل هو رحلة مليئة بالتحديات تبدأ من المنافسة الشريفة على مقاعد القبول. فالترشّح يتطلب أولًا الحصول على معدل لا يقل عن 12/20 في الثانوية العامة، وهو معيار يدفع الشباب للعمل بجدٍ لتحقيق هذا الهدف. وبينما يتقدم الآلاف بطلبات الترشّح، لا يحظى بالفرصة إلّا الأكثر كفاءة، استنادًا إلى معايير موحّدة تشمل الكفاءة الجسدية والفكرية والصحية والنفسية.

هذه الشروط لا تمنع الشباب من الإقبال بشغف، حيث تحظى الكلية الحربية بجاذبية خاصة، كونها تفتح آفاقًا واسعة أمام المنتسبين، من تعليمٍ نوعيّ إلى تدريبٍ ميدانيٍّ صارم، ما يجعل الضباط المتخرجين يمتلكون الكفاءة اللازمة لأداء المهمات.

الدخول إلى الكلية الحربية ليس مجرد تغيير في نمط الحياة، بل هو تحوّل جذري في شخصية المنتسب. تبدأ المسيرة بمرحلة تدريب أولية مكثّفة، يُعرف عنها بأنها «الصدمة الأولى»، إذ يختبر التلامذة خلالها نظامًا جديدًا من الانضباط والانخراط في الحياة العسكرية. تشمل هذه المرحلة تدريبات رياضية مكثفة، وعلم الأسلحة، والمبادئ الأساسية للقتال والأنظمة والقوانين العسكرية.

ورغم التحدي الذي يواجهه التلامذة في بداية رحلتهم، فإنّ الكلية تعمل على مساعدتهم للتأقلم وبناء رابط قوي بينهم وبين زملائهم. يصبح هذا الرابط أساسًا لتكوين علاقات قائمة على الأخوّة، ممّا يخلق وحدة متماسكة تُعزز نجاحهم في العمل ضمن مجموعات.

 

القيم الوطنية وروح التضحية

تسعى الكلية الحربية إلى ترسيخ قيمٍ عميقة في نفوس التلامذة، مثل الوطنية والتضحية والمسؤولية والانضباط. فالحياة العسكرية في الكلية هي أقرب إلى الرسالة منها إلى الوظيفة. والضابط يجب أن يكون قدوة للشعب وحارسًا للوطن، ما يحتاج إلى إيمان عميق بقيمة الواجب العسكري ودوره في بناء الدولة.

وبالتالي، فإنّ الإقبال الحالي على الانتساب يعكس إرادة وطنية صلبة، رغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية. فالشبان والشابات الذين يختارون هذا الطريق يدركون أنه أكثر من مجرد مهنة؛ إنه التزام بتحقيق التغيير وبناء مستقبل يليق بلبنان.

 

منطلق للتطور الدائم

لا تقتصر مناهج الكلية الحربية على تأهيل الضباط للمرحلة الحالية فقط، بل تُعدّهم لمستقبلٍ مليء بالتحديات. لذلك يتمّ تطوير البرامج باستمرارٍ لتتوافق مع أحدث الاستراتيجيات العسكرية، سواء في ما خص التقنيات الجديدة، أو الأساليب القتالية الحديثة. وتُدرَّب الأجيال الشابة لتكون مستعدةً لكل أنواع المهمات، من حماية الحدود وحفظ الأمن إلى التعامل مع التهديدات وغيرها.

كذلك، أُدرجت مواضيع حديثة مثل الذكاء الاصطناعي وأثر التكنولوجيا في الحروب المعاصرة في المناهج، إذ يتم تدريب الضباط ليكونوا جاهزين لمواجهة متغيرات الميدان، سواء عبر استخدام التكنولوجيا أو من خلال القيادة الذكية التي تجمع بين التفكير الاستراتيجي والمعرفة العلمية.

وقد أصبحت الكلية الحربية منارة تعليمية حديثة تجمع بين الجانبَين العسكري والمدني. فوفق بروتوكول تعاون مع الجامعة اللبنانية، يحصل التلامذة الضباط على إجازة جامعية في العلوم العسكرية، ما يُسهم في رفع مستواهم الفكري والثقافي وإتاحة الفرص لاستكمال التحصيل العلمي لاحقًا.

 

رسالة الأمل للشباب

منهم من اعتبر دخوله إلى الحربية حلم الصغر الذي يتحقق اليوم، ومنهم من تمثّل بوالده الذي خدم المؤسسة العسكرية والوطن لسنوات طويلة وسلّمه الراية... ومنهم من رفض أن يغادر أرض الوطن رغم الظروف القاسية، وحلم بالتطور في المؤسسة العسكرية والدفاع عن أرضه وشعبه... ولكنهم جميعهم درسوا، وتعبوا وبذلوا كل الجهود للنجاح، وهم يعون تمامًا أنّ الفترة التدريبية في الكلية الحربية ستكون مليئة بالتحديات الجسدية والنفسية والفكرية التي سيتخطّونها بالوحدة والتعاون، ليتخرّجوا من بعدها مرتدين بزّة الشرف والتضحية والوفاء... فالحلم تحقّق وبدأت مسيرتهم اليوم!