- En
- Fr
- عربي
ثقافة موسيقية
الكمان أرقى وأنبل الآلات الوترية ذات القوس، وهو الأكثر تعبيراً بينها كلها. وقد زاحمت هذه الآلة وأسرتها سائر الآلات الوترية، وأصبحت لها السيادة عليها منذ أكثر من قرنين، ولا تزاحمها في تلك السيادة آلة أخرى غير البيانو. إلا أن هذا الأخير لم يستطع أن يضعف من مركز آلة الكمان أو أن ينال من سيادتها، ذلك أن البيانو والكمان آلتان لا تتضاربان، فلكل منهما خصوصيتها.
من الرباب الى الكمان
من أقدم أنواع الكمان آلة الـ"Rebec" أو الـ"Rubébe" المشتق من الرباب العربي. والرباب وصل الى أوروبا عن طريق القسطنطينية باتجاه الأندلس وصقلية، وأخذ بالتطوّر. فقد عرفت هذه الآلة الكثير من التعديل في ما يختص بصناعتها وتقنية العزف عليها (وضعية القوس، الشكل الخارجي، عدد وقوة شد الأوتار، الفتحات...) ، الى أن اتخذت شكلها الحالي في القرن السادس عشر، وكان ذلك في إيطاليا الشمالية.
مكانة الآلة وأهميتها
تعد هذه الآلة من أكثر الآلات الوترية تعبيراً لأن بإمكانها تجسيد كل التعابير الانسانية (من أرق المشاعر والأحاسيس حتى أقوى الإنفعالات كالغضب واليأس) ؛ وذلك بسبب تعدد تقنيات العزف عليها، مما يعطيها قوة تعبير خارقة. وقد لاقـت آلة الكمان رواجاً عظيماً لدى كل الشعوب لا سيما بعد أن منحها الموسيقار الإيطالي منتفردي السيادة على آلات الأوركسترا في الأوبرات وغيرها، وأصبحت الفرق الموسيقية تعتمد عليها، حتى بات عدد آلات الكمان (ورفيقاتها) في الفرق السمفونية يبلغ نحو نصف المجموع الكلي للآلات جميعها. وأصبح الرباعي الوتري في "موسيقى الحجرة"* يعتمد على أسرة هذه الآلة، كما أن للكمان رصيداً هائلاً عبر التاريخ من المؤلفات العظيمة الخالدة، فقلّما نجد مؤلّفاً موسيقياً عظيماً لم يكتب أعمالاً لهذه الآلة أو أسرتها (باخ، بيتهوفن، موزار، باغانيني...) ، وتشارك أسرة الكمان في كل السمفونيات كونها عنصراً أساسياً في الأوركسترات السمفونية. إن أول من أدخل الكمان بشكله الحالي على الموسيقى العربية هو العازف أنطوان الشوّا والد سامي الشوّا المعروف بـ"سلطان الكمان"، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر، وقد أخذ الكمان بالإزدهار في الموسيقى العربية بعدما دخل في التخت الشرقي، ولا يزال حتى الآن مستعملاً في أكثر الفرق العربية. وهنالك مؤلفون عظماء كانوا بالأساس عازفي كمان أو فيولونسيل مثل مارسيل خليفة وتوفيق الباشا وغيرهم... ومن منكم لا يندهش طرباً حين يسمع عزف أو تقاسيم المنفردين الكبار، مثل عبّود عبد العال وسيمون حكيم وجهاد عقل ونداء أبو مراد وغيرهم، ممن أعطوا فناً غزيراً وعظيماً لا مثيل له؟...
صناعة الكمان
تتوقف جودة الكمان على جودة خشب الصندوق المصوّت، واتقان الصنعة ومراعاة دقة مقاييس النسب بين القطع المكوّن منها. وكلما تقدمت آلة الكمان في الاستعمال أصبح خشبها أكثر مرونة وأصبحت الأصوات الصادرة عنها أرق وأحلى (بعكس البيانو) ، وبات ثمنها أغلى. تصنع آلة الكمان وأسرتها من خشب الصنوبر، ويخزّن الخشب قبل تصنيعه الى أن يجف تماماً، حتى لا تتغير نسب الأبعاد التي صنعت عليها أجزاء الصندوق المصوّت، والتي يجب أن تظلّ دائماً على النحو الذي ضبطها عليه الصانع بحيث لا تؤثر فيها عوامل الحرارة أو البرودة أو الجفاف أو الرطوبة. ويتم دهن الآلة بطبقات عدة من الطلاء Vernis) ) الذي يؤثر تأثـيراً مـهماً على نوعية الصوت وقماشته. تمـيّزت في صناعة الكمان منطقة كريمـونا الإيطالية ¬ معقل صناعـة الآلات الموسيقية ¬ وكانت أسرة آماتي "Amati" وغارنيري "Guarneri" من أهم الأسر التي اشتهـرت بصناعـة هـذه الآلات، خصوصـاً في القرن السابع عشر. إنما الأشهر على الإطلاق حتى الآن أسرة ستراديفاري "Stradivari" التي بفضلها بلغت صناعة الكمان أوج الكمال في أوائل القرن الثامن عشر، كما وأنه حتى الآن لم يستطع صانعو الآلات بلوغ ما بلغته هذه الأسرة من جودة تصنيع الكمان، خصوصاً في ما يتعلق بالطلاء الذي يغطي الآلة والذي لم يتمكن أحد حتى الآن من معرفة تركيبته. والجدير بالذكر أن آلات ستراديفاري المتبقـية حتى اليـوم، تعـرض في أعظـم المتاحف وتباع القطـعة منها بالمـزادات بمـلايين الدولارات!
بالرغـم من عظـمة هذه الآلة، وانتشـارها الواسع في العالم، وتدني سعرها نسبياً، وخفّة وزنها، وبالرغم من الطلب المتزايد عليها في الاستوديوهات وفي الفرق الكبرى، فهي لم تأخـذ حقها في لبنان، إذ ما زال عدد العازفين اللبنانيين ضئيلاً، ربما لأنه يتم توجيه الأطفال للعزف على آلات أخرى كالبيانو وغيرها، فلا تغفلوا آلة الكمان، ولا تترددوا بتشجيع أطفالكم على تعلّمها فهي ليست بالصعوبة التي يتصوّرها البعض، كما أنها من ألطف وأعذب الآلات وأرقاها.
* موسيقى الحُجرة: من أنواع الموسيقى الكلاسيكية الأكثر شيوعاً حتى الآن.
المراجع
Ulrich Michels, Guide Illustré de la Musique, éd. Fayard col 1-Les Indispensables de la Musique.
2-Serge Gut et Danielle Pistone, Les Partitions d'Orchestre de
Haydu à Stravinsky, éd. Champion Paris.
3- محمود أحمد الحفني، علم الآلات الموسيقية، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر.