في دائرة الضوء

الكوكب الأحمر يواصل إغراء الباحثين بمزيد من الرحلات والمشاريع
إعداد: ريما سليم ضومط

جاورنا فآنسنا وأنسانا لحين...

لفترة من الوقت نسي العالم أزماته ومشاكله, وشخص الناس جميعاً بأبصارهم نحو الكوكب الأحمر. فالمريخ قام بمشوار نادر اقترب فيه من الأرض فرأى سكانها وجهه وتضاريسه بوضوح...
الظاهرة الفلكية النادرة كان للبنانيين حظ وافر في متابعتها, وكذلك سكان جزر المحيط الهادئ. ومن جهتهم, يواصل الفلكيون أبحاثهم ورحلاتهم الهادفة الى استعمار المريخ....
هنا إضاءة على الحدث وعلى الكوكب.

الحدث الفلكي

في الثامن والعشرين من آب الماضي, راقب سكان الأرض حدثاً فلكياً لم يشهده الكون منذ آلاف السنين, إذ أصبح كوكب المريخ في أقرب نقطة له من الأرض (72.55 مليون كلم). وقد توافد الفلكيون والمهتمون والهواة في أرجاء الكرة الأرضية الى مواقع الرصد لمتابعة هذا الحدث الاستثنائي, حتى بالعين المجردة, لرؤية الكوكب الأحمر في حالة لم يسبق حدوثها سوى مرة واحدة منذ ستين ألف سنة.
وقد اقترب المريخ من الأرض في المرة الأولى سنة 57617 قبل الميلاد, في وقت كان الإنسان يعيش في الكهوف ويكافح لصنع أدواته الأساسية من الصخور. أما في المرة الثانية فاستخدم آلاف من البشر مجموعات متنوعة من الأجهزة الرقمية والمعدات البصرية لمراقبة الكوكب الأحمر وهو يقترب من كوكبنا.
وبحسب العلماء, فإن نصف الكرة الجنوبي كان المكان الأفضل لرؤية المريخ, خاصة من جزر المحيط الهادئ المعزولة مثل تاهيتي التي كانت برأيهم أقرب نقطة من الأرض الى المريخ, إضافة الى الصحارى الأوسترالية المقفرة.
في الشرق الأوسط, كان للبنان الحظ الأوفر في رؤية الكوكب بوضوح أكبر خاصة في منطقة ضهر القضيب في أعالي بشري حيث احتشد الآلاف, ونصبت تليسكوبات للرصد وشاشات عملاقة شكّلت صلة وصل بين التوّاقين لمشاهدة الظاهرة والكوكب الأحمر الذي ظهر بوضوح بصخوره ووديانه وصحاريه وغيومـه الجـليدية التي توجت قطبه باللون الأبيض. كما شاركت في الرصد عشرات القنوات التلفزيونية المحلية والعربية والدولية, وعشرات الصحف والمجلات المحلية والعربية.
الجدير ذكره أن الظاهرة التي احتفل بها الملايين عبر الكرة الأرضية لن تتكرر قبل 284 سنة.

جارنا البعيد

المريخ أحد الكواكب التابعة للمجموعة الشمسية. هو الرابع بعد الشمس ويدور في فلكها على بعد نحو 228 مليون كلم منها.
يعود إسم المريخ في الأصل الى إله الحرب عند الرومان. وقد أطلق على الكوكب نظراً للونه الأحمر, ولذلك سمي أيضاً بـالكوكب الأحمر.
يتميز المريخ بغلاف جوي رقيق جداً, يتألف بمعظمه من ثاني أوكسيد الكربون
(32.95 بالمئة), إضافة الى كميات قليلة من غازات أخرى من بينها النيتروجين
(7.2 بالمئة), والأرغون (6.1 بالمئة), والأوكسيجين (13.0 بالمئة), والماء (03.0 بالمئة), والنيون (00025.0 بالمئة).
يحتوي هواء المريخ على نسبة من المياه تقدر بالواحد في الألف من نسبة المياه في هواء الأرض, إلا أن هذه الكمية القليلة بإمكانها التكثف وتكوين الغيوم وفقاً لما أثبتته الدراسات والصور التي عادت بها المركبات الفضائية.
وبالنسبة الى درجة الحرارة على سطح الكوكب الأحمر, فيبلغ معدلها 55 درجة مئوية تحت الصفر, وتصل في أقصى ارتفاع لها الى نحو 25 درجة مئوية.

سطح المريخ وتضاريسه

يتمتع سطح المريخ بتنوع فريد في تضاريسه لا نجد مثيله بين الكواكب الأخرى باستثناء الأرض. ومن بين المعالم الطبيعية التي تميز المريخ:
* جبل "Olympus Mons" وهو أكبر جبل في المجموعة الشمسية يرتفع بعلو 24 كلم ويتجاوز قطره عند القاعدة الـ500 كلم.
* "ثارسيز" (Tharsis) وهو نتوء ضخم على سطح المريخ يمتد على طول أربعة آلاف كلم بارتفاع عشرة كيلومترات.
* مجموعة الوديان الضيقة التي يطلق عليها اسم "Valles Marinerisس ويبلغ طولها 4000 كلم, وعمقها من 2 الى 7 كلم.
* الفوهة البركانية (Hellas Planitia) التي بلغ قطرها 2000 كلم وعمقها 6 كلم.
يقسم سطح المريخ الى منطقتين شمالية وجنوبية تختلفان تماماً من حيث المواصفات. فالمنطقة الجنوبية تكثر فيها الفوهات البركانية والمرتفعات, أما هضباتها فتعتبر من أقدم التضاريس على المريخ ويعود تاريخها الى بداية تاريخ المجموعة الشمسية.
وبالنسبة الى المنطقة الشمالية, فهي تضم تنوعاً أكبر في المظاهر الجيولوجية بما فيها البراكين الضخمة ومجموعة من القنوات المتنوعة, إضافة الى مساحات شاسعة من المنبسطات.
يدور في فلـك المريخ قمران صغيـران هما فوبوس (Phobos) وديموس
(Deimos) يطل الأول من الغرب ويغيب من جهة الشرق مرتـين في الـيوم الواحـد, على عكس الآخر الذي يظهر في الجهة الشرقية ويغيب في الجهة الغربية مرة واحدة في اليوم.

المريخ والأرض

يعتبر المريخ كوكباً صغيراً نسبياً, إذ يبلغ قطره نحو نصف قطر الأرض. أما قوة الجاذبية على سطحه فتوازي ثلث جاذبيتها تقريباً. ويشبه سطح المريخ البقاع الجافة على الكرة الأرضية, كما يرجح أن عمره يوازي عمر الأرض حيث أن تكوينه يعود الى 6.4 مليار عاماً.
أثبتت الدراسات تشابه كوكبي الأرض والمريخ في مجموعة من الظواهر الطبيعية والمناخية, حيث يمر المريخ بالفصول المناخية الأربعة, ويستغرق الفصل المناخي نحو خمسة أشهر كاملة, علماً أن العام على كوكب المريخ مدته 18 شهراً وفقاً لحسابات الأيام على الأرض. ويتشابه الكوكبان في عدد ساعات اليوم التي تبلغ في المريخ 24 ساعة و37 دقيقة.

اكتشاف المريخ

عُرف المريخ منذ ما قبل التاريخ, وهو منذ زمن طويل يشغل العلماء, لا سيما الأميركيين منهم, الذين بحثوا وبجد كبير إمكانية وجود حياة على سطحه, وقد أطلقت الناسا (وكالة الفضاء الأميركية) لهذه الغاية مركبات فضائية عدة للاستطلاع واستكشاف الكوكب الأحمر.
أول مركبة فضائية أميركية زارت المريخ من دون أن تحط على سطحه كانت مارينر 4 (Mariner 4) التي أطلقت في العام 1965, وقد عادت بصور قريبة وقياسات عدة للكوكب. توالت بعدها الزيارات, فكانت مارينر 6 ومارينر 7 اللتان أطلقتا في العام 1969, وأخذتا صوراً تفصيلية للكوكب وقياسات لحقل الجاذبية فيه, إضافة الى الطبقة الجوية التي يتكون منها.
في العام 1971, تم إطلاق مارينر 9 وكانت أول مركبة فضائية تدور في فلك المريخ, وقد تمكنت من الحصول على دراسة مفصّلة لبراكينه الضخمة, ووديانه الضيقة, وقنواته المبهمة. وبعد أربع سنوات أطلقت الناسا مجموعة رحلات استكشافية الى الكوكب الأحمر فكان أول هبوط للمركبة فايكينغ 1 (Viking 1) ومن ثم فايكينغ 2 اللتين قامتا بدراسات شاملة حول جيولوجية الكوكب وأحواله الجوية, وعادتا بنماذج عن مناخه الموسمي, كما بحثتا عن إشارات للحياة فيه. وقد تبين حينها أن أرض المريخ تشبه الصحراء الباردة والجافة, وأن تربته عقيمة وغير مثمرة كما أن بيئته بشكل عام قاسية جداً, مما يستبعد وجود كائنات حية عليه.
بعد توقف دام 17 عاماً, أطلقت الناسا مجدداً مجموعة رحلات استكشافية الى المريخ بدأت في العام 1992, إلا أن معظمها باء بالفشل إذ تحطمت المركبات أو ضاعت قبل وصولها الى المكان المقصود.
من بين المركبات الناجية, كانت مارس باثفايندر (Mars Pathfinder) التي أطلقت في العام 1997 وهي ثالث مركبة أميركية تحط بنجاح على سطح المريخ, وقد تمكنت من التقاط صور لجيولوجية المريخ عبر كاميرا رقمية, كما درست أوضاع الطقس بعمق على سطح الكوكب, وعادت بمعلومات عن التركيبة الكيميائية للتربة والصخور.
في العام 2001, أطلقت الولايات المتحدة القمر الاصطناعي (Mars Odyssey) للدوران في فلك المريخ. وقد تم تزويده بمعدات خاصة لأخذ قياسات جيوكيميائية لسطح الكوكب. وقد تأكد نتيجة عملية الاستكشاف وجود ترسبات جليدية مكثفة تحت سطح المريخ.

محاولات سوفياتية ويابانية

إضافة الى الرحلات التي قام بها الرواد الأميركيون, أطلق الاتحاد السوفياتي إثنتي عشرة رحلة استكشافية الى المريخ ما بين الأعوام 1960 و1971, قبل أن يتاح له النجاح في رحلات مارس 4 و5 و6 في العام 1973.
توقف الاتحاد السوفياتي عن استكشاف الكوكب الأحمر حتى العام 1988 حيث تم إرسال رحلتي فوبوس 1 (Phobos 1) وفوبوس 2 (Phobos 2) , وفيما ضاعت الأولى في الطريق, تمكنت الثانية من دخول فلك المريخ وعادت بمعلومات عن تكوينه.
بعد انحلال الاتحاد السوفياتي, واصلت روسيا دراستها العلمية للمريخ وأرسلت القمر الاصطناعي مارس 96 للبحث والاستطلاع إلا أنه تحطم قبل وصوله الى الكوكب.
من الدول التي اهتمت أيضاً بدراسة المريخ, اليابان التي أطلقت في تموز 1998 مركبة فضائية تدعى نوزومي (Nozomi) على أن تصل الى الكوكب خلال العام 2003, غير أنها تواجه الآن مشاكل فنية قد تمنعها من استكمال عملية الدوران حول الكوكب.

مشاريع لاستعمار المريخ

بعد روسيا واليابان, قررت وكالة الفضاء الأوروبية الاستفادة من ظاهرة اقتراب المريخ, فأطلقت المركبة مارس اكسبرس أول حزيران الماضي ومن المتوقع وصولها للكوكب في 26 كانون الأول المقبل.
وأطلقت الناسا بدورها سفينة الفضاء سبيريت (spirit) في العاشر من حزيران الماضي على أن تصل في الرابع من كانون الثاني القادم لدراسة المياه على المريخ استعداداً لهبوط الإنسان عليه كما هو مقرر في العام 2019. وبحسب برنامج الناسا, فهناك مشروع لاستعمار المريخ وإعادة الحياة إليه عن طريق بناء محطات نووية على سطحه تقوم بتحليل تربته واستخلاص الأوكسيجين منها ودفعه الى الغلاف الجوي للمريخ.
في الإطار نفسه, أعلن عدد من العلماء الروس عن عزم الحكومة الروسية إقامة محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية على كوكب المريخ, ومن المنتظر أن تكون المحطة جاهزة لبدء العمل بحلول العام 2030. وستقوم المحطة المذكورة بخدمة معسكر البحث الدائم الذي يعتقد العلماء الروس بإمكانية إقامته في المريخ في غضون الثلاثين سنة القادمة, ومن المتوقع أن تنتج الطاقة التي تكفي الاحتياجات المستقبلية للمهام الروسية على الكوكب, حتى تصبح مكتفية ذاتياً حيث أنها لن تحتاج الى أكثر من ستة مهندسين للبقاء هناك.

الحياة على المريخ

يعتبر كوكب المريخ الأكثر شبهاً بالأرض بين الكواكب الأخرى في النظام الشمسي, ولذلك فقد تم تجنيد مختلف القدرات العلمية لسبر أغـــواره واكتشاف ما إذا كان هناك حياة على سطحه.
في القرن التاسع عشر, ورد في تقرير لرائد الفضاء الإيطالي جيوفاني سكياباريلي أنه شاهد قنوات على سطح المريخ, كما أكد مع زملاء له حدوث تغييرات فصلية في الألوان على سطح الكوكب جرى تفسيرها بوجود نبات وخضار.
في بداية القرن العشرين, أكد رائد الفضاء برسيفال لويل بدوره نظرية سكياباريلي التي تقول بوجود القنوات, مشيراً الى أنها دليل على وجود حضارة متطورة على سطح الكوكب. وكتب لويل مقالات ومنشورات عدة تشير الى أن القنوات المذكورة عبارة عن مشاريع مائية تنقل المياه من المناطق القطبية الرطبة الى الصحراوات الاستوائية الجافة.
مع مرور الزمن, وبعد التقدم الذي لحق باستخدام التلسكوب ونظام التصوير الفوتوغرافي, اكتشف رواد الفضاء أن القنوات التي تحدث عنها لويل ليست سوى خدع بصرية, وأن تغيّر الألوان سببه الغبار الناتج عن هبوب الريح ليس إلا!
في أيامنا الحاضرة, ينفي معظم العلماء احتمال وجود حياة على سطح المريخ. وقد أكدت هذه النظرية عودة المركبة فايكينغ التي تم تزويدها بمعدات خاصة لكشف الجزئيات العضوية في التربة لدراسة طبيعة أرض الكوكب ومعرفة ما إذا كان هناك إمكانية لنمو النبات أو وجود عملية التركيب الضوئي؛ وقد جاءت جميع النتائج سلبية, فالظروف على سطح المريخ قاسية جداً, والحرارة عادة أقل من درجة حرارة تجمّد المياه, إضافة الى أن الطبقة الجوية المحيطة تتميز بالجفاف, كما أن غياب طبقة الأوزون يتيح للإشعاعات ما فوق البنفسجية باختراق التربة وتدمير أي نوع من الجزئيات العضوية فيها.
بالرغم من كل ذلك, يبقى المريخ الكوكب الأقرب احتمالاً لوجود ظروف حياتية ممكنة عليه, لذلك تتركز جهود العلماء حالياً لمعرفة كيفية البحث عن وقائع أكثر إقناعاً في ما خص نظرية الحياة التي يطرحها البعض منهم.

المراجع

www.solarviews.com
www.encarta.com