محاضرات وندوات

اللواء المتقاعد يوسف و العقيد الركن عنقة حاضرا حول تاريخ الجيشين الشقيقين

حرب تشرين احدثت تبدلاً حقيقياً في مفهوم الصراع المسلحّ

العقيد الركن عنقة

مسيرة الجيش اللبناني تؤكد تمسكه بالمناقبية والتقليد العسكرية

تاريخ الجيشين اللبناني والعربي السوري كان محوراً حاضر فيه كل من اللواء المتقاعد أحمد يوسف من الجيش العربي السوري الشقيق, والعقيد الركن عماد عنقة من الجيش اللبناني. واستعرض كل من المحاضرَين أبرز المحطات في تاريخ جيش بلاده ودوره خلال المراحل المختلفة, مبيناً المحطات المشتركة الكثيرة في نضال البلدين من أجل استقلالهما وسيادتهما.
ألقيت المحاضرة في قاعة العماد نجيم في اليرزة وحضرها عدد كبير من الضباط يتقدمهم مدير التوجيه العميد الركن الياس فرحات ممثلاً العماد قائد الجيش.
وقد قدم المحاضرين العقيد الركن يوسف عطوي رئيس قسم البحوث والدراسات في مديرية التعليم.

مداخلة اللواء المتقاعد يوسف

استهل اللواء المتقاعد أحمد يوسف مداخلته بلمحة تاريخية مستعرضاً بإيجاز الظروف التي رافقت تسلّم السلطات السورية للجيش من سلطات الإنتداب الفرنسي, وما سبقها من نضال في سبيل استقلال سورية.
وركّز على مراحل النضال ضد الأتراك والحلفاء, متحدثاً عن الثورة العربية الكبرى وتشكيل الحكومة العربية في دمشق ومقررات مؤتمر الصلح واتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور... وما استتبعته تلك التطورات من ردات فعل شعبية وقرارات ومواقف للحكومة العربية والمؤتمر الوطني, دفاعاً عن استقلال سوريا, كما استعرض دور الجيش العربي في تلك المرحلة وجهود الحكومة العربية لتدريبه وتسليحه وتنظيمه...
وأفرد المحاضر حيّزاً مهماً من مداخلته لمعركة ميسلون التي نشبت في 24 تموز 1920 إثر توتر العلاقات بين الحكومة العربية في دمشق والمفوض السامي الجنرال غورو, فاستعرض الظروف المحيطة بها ووقائعها حيث استبسل السوريون في مقاومة الفرنسيين.
وتابع المحاضر استعراض الوقائع والأحداث التي أدت الى ولادة الجيش العربي السوري في الأول من آب 1945. فتطرّق الى الكفاح المسلّح الذي خاضه السوريون ضد الانتداب, ومن ثم النضال السياسي في سبيل الاستقلال, وإقرار معاهدة 1936, وصولاً الى نشوب الحرب العالمية الثانية وتسلّم الديغوليين للحكم حيث استمر النضال في سبيل الاستقلال الى أن أصبح أمراً واقعاً, توّج بتسلم سوريا لجيشها وبجلاء الجيش الفرنسي عن أراضيها.

وأضاف قائلاً:
غداة تسلّم سوريا لجيشها بدأ تنظيمه وتطويره على أسس جديدة, لكن هذا الجيش لم يكن قد بلغ المستوى المرجو عندما صدر قرار تقسيم فلسطين في العام 1947, وقد شارك رغم ذلك في جيش الإنقاذ دفاعاً عن الحق العربي. وبعد أن استعرض اللواء يوسف مشاركة القوات السورية في معارك العام 1948 دفاعاً عن فلسطين, تطرّق الى معارك لاحقة مع العدو الإسرائيلي مثل معركة المطلّة في العام 1951 ومعركة تل النيرب في العام 1962.
وفي إطار دور الجيش العربي السوري في مقاومة الضغوط والأحلاف الاستعمارية, تناول المحاضر عدداً من المشاريع التي ظهرت بين العام 1949 والعام 1954, وتحدث عن ثورة يوليو في مصر عام 1952 ودعم القيادة العسكرية السورية للتعاون بين مصر وسوريا, وموقفها حيال العدوان الثلاثي على مصر, وصولاً الى إعلان الوحدة بين البلدين ومن ثم الانفصال الذي انتهى عهده سريعاً مع قيام ثورة آذار
1963, ومع هذه الثورة كانت ولادة الجيش العربي السوري كجيش عقائدي.
وانتقل اللواء يوسف الى حرب الأيام الستة في حزيران من العام 1967 التي شكّلت نكسة للعرب, ومن ثم الى قيام الحركة التصحيحية في سوريا عام 1970 بقيادة الفريق حافظ الأسد, ومعه بدأت مرحلة جديدة من النضال العسكري والسياسي والإقتصادي والتربوي, الهادف الى تطوير سوريا في المجالات كافة, وتحرير الجولان والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتوقف المحاضر عند دور الرئيس الأسد في تطوير الجيش حيث أعيد تنظيمه وأقيمت المنشآت اللازمة للتعليم والتدريب والتجهيز إضافة الى تحضير الكوادر القيادية. وكانت ثمرة ذلك بناء جيش متمتع بقدرات مهمة واجه العدو في حرب تشرين عام 1973 بكفاءة عالية, وكذلك في حرب 1982 أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان, وقال إن حرب تشرين أحدثت تبدلاً حقيقياً في مفهوم الصراع المسلح.
وفي ختام مداخلته, ركّز المحاضر على الدور القومي للجيش العربي السوري وتصديه للفتنة التي أشعلتها إسرائيل في لبنان ودفع إعتداءاتها عنه, ودعمها لمقاومته التي أسفرت عن اندحار العدو وهزيمته. كما أشار اللواء يوسف الى أن الخط الذي يسير عليه الرئيس بشار الأسد يشكل استمراراً للنهج الذي أرساه الرئيس الراحل حافظ الأسد.

مداخلة العقيد الركن عنقة

تطرّق العقيد الركن عماد عنقة في مستهل مداخلته الى الإرتباط العضوي بين مسيرة الجيش اللبناني ومسيرة الوطن على امتداد القرن العشرين, وخصوصاً النصف الثاني منه. فقد شهد لبنان خلال تلك الحقبة أحداثاً جساماً شكّلت محطات تاريخية مهمة, رافقتها المؤسسة العسكرية, وكان لها الدور الكبير في الحفاظ على وحدة الشعب والأرض, وفي درء الخطر الجاثم على الحدود الجنوبية.
ثم استعرض العقيد الركن عنقة المرحلة الأولى لتأسيس نواة الجيش اللبناني والممتدة من بداية القرن العشرين الى الأول من آب 1945, وما تخللها من أحداث تاريخية مهمة: الحرب العالمية الأولى, إنشاء فرقة الشرق, معركة ميسلون, تنظيم الوحدات اللبنانية والسورية داخل فرقة الشرق, إنشاء أفواج القناصة اللبنانية, الحرب العالمية الثانية, توقيع الضباط اللبنانيين للوثيقة التاريخية في إطار سعيهم الى استقلال وطنهم, إنشاء اللواء الخامس الجبلي, معركة الاستقلال, وتسلّم الدولة اللبنانية لجيشها من سلطات الانتداب...
وفي القسم الثاني من مداخلته, تناول المحاضر مسيرة الجيش اللبناني بعد إعلان دولة إسرائيل في العام 1948, فعرض لدوره المشرّف في معركة المالكية. كما توقف عند مراحل تطوّر الجيش وإنشاء أسلحته المختلفة, وعمليات التدريب والتسليح التي شهدها.
وفي إطار دور الجيش في حفظ الإستقرار الداخلي, تحدث المحاضر عن أزمتي الحكم في العامين 1952 و1958 وموقف الجيش خلالهما, حيث تصرّف بوعي وحكمة ومنع امتداد الحوادث من دون أن ينجرّ الى الصراعات والتجاذبات.
وانتقل العقيد الركن عنقة بعد ذلك الى الحديث عن حرب 1967 والإعتداءات الإسرائيلية التي سبقتها ضد لبنان, وتلك التي أعقبتها مطلع السبعينات, وتوقف عند المواجهات التي خاضها الجيش اللبناني مع العدو, ومن بينها المعارك الضارية في أيلول 1972, حيث استبسل العسكريون وكبّدوا الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة.
وقبل أن يعرض لحرب السنتين ودخول قوات الردع العربية الى لبنان, توقّف عند حرب تشرين التحريرية في العام 1973 التي شكلت نقطة تحوّل, وأوضح دور الجيش اللبناني في دعم أشقائه العرب خلال تلك الحرب.
من ثم تناول الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978 وصدور القرار 425, فالاجتياح الذي حصل في العام 1982, مع ما تخلله من وقائع وما أعقبه من تطورات, ومحاولة تحديث الجيش وتطويره وصولاً الى إقرار اتفاق الطائف في العام 1989, وإعادة توحيد الجيش تحت قيادة العماد إميل لحود.
في القسم الثالث والأخير من مداخلته, ركّز المحاضر على الفترة الممتدة من العام 1990 الى يومنا هذا, فتناول على التوالي: إعادة بناء الجيش وفقاً للمبادئ الوطنية, والإعتداءات الإسرائيلية على لبنان خلال الفترة المذكورة أعلاه وتصدي الجيش لها, وتحرير الجنوب.
وخلص العقيد الركن عنقة الى القول, إن تعاقب مراحل المسيرة العسكرية اللبنانية خلال القرن المنصرم, يبرز بوضوح رسوخ التقاليد العريقة لدى الجيش اللبناني, والتزامه شعاره شرف, تضحية, وفاء. واعتبر إن المناقبية العسكرية الأصيلة والتنشئة الوطنية الواحدة, كانت تشد العسكريين الى التوحد بعد كل أزمة وذلك رغم الظروف القاسية التي عاشها بسبب المحنة الداخلية, ورغم المؤامرة الكبيرة التي تعرض لها الوطن وقد كان للعدو الإسرائيلي اليد الطولى فيها.
وختم بالقول: إن عوامل الوحدة كانت أشد من عوامل التفرقة وأقوى منها. فقد انتصرت إرادة التوحيد في العام 1990, وبدأت مسيرة إعادة البناء, وكل ذلك ما كان ليتم لولا المبادرة السورية والدعم الشقيق الذي قدمته للبنان.