- En
- Fr
- عربي
نحن والقانون
عيوب الرضى في العقود
العقد, في مفهومه القانوني, هو توافق إرادتين أو أكثر على إنشاء علاقات إلزاميّة, وهو من أهم الأعمال القانونية المُنشئة للموجبات, ولعلّه أقدمها؛ ومن شروط صحته أن يكون وليد إرادتين “أو أكثر” حرّتين, سليمتين وغير مشوبتين بأي عيب يُفسدهما. أما إذا تعرّضت الإرادة لعارض جعلها تنحرف عن الغرض الذي قصدته فعلاً أو تاهت عن الحقيقة أو فقدت حرية التقدير, كانت إرادة غير سليمة؛ ومن هنا تُطرح المسألة الآتية: هل يمكن إلزام الشخص بعقد لم يصدر عن إرادة حرّة ومدركة لما هي مقدمة عليه؟
نوضح في ما يلي ماهية العيوب التي إذا ما تعرّضت لإرادة المتعاقد, جعلتها معيوبة, الى حدّ إمكانية إبطال العقد الناشئ عنها؛ وقد أفرد المشترع اللبناني فقرة خاصة من قانون الموجبات والعقود لهذه العيوب, المسماة بـ”عيوب الرضى”( Les Vices du Consentement)
, وهي الخداع والغلط والإكراه والغبن “المواد 202 الى 214 م. ع.”, ومن ثمّ, تعرّض لمسألة بطلان العقد “المواد 233 الى 237 م. ع.”.
الغلط (l'erreur)
الغلط هو حالة نفسية تسيطر على ذهن الشخص وتحمله على توهّم صحّة أمر هو في الواقع خاطئ, أو عدم صحّة أمر هو في الواقع صحيح, بمعنى أن تتأثر إرادته فيتصوّر أمراً على غير حقيقته, مثال على ذلك أن يشتري شخص لوحة معيّنة معتقداً أنها من رسم فنان معيّن ومشهور, ثم يتبيّن له بعد العقد أنها ليست كذلك؛ مثال أيضاً أن يشتري شخص تُحفة على أنّها أثرية, فيتبيّن له أنها عادية... الخ.
والغلط المؤدي الى بطلان العقد هو ذلك الذي يُصيب الإرادة عند إبرام العقد ويدفع المتعاقد الى التعاقد على غير ما كان ليفعل لو لم يقع فيه.
والجدير بالذكر أنّ إثبات الغلط, وهو حالة ذهنية داخلية, ليس أمراً سهلاً, فيقتضي, للإستدلال عليه, الرجوع الى مضمون العقد, وصفات الشيء موضوعه, والثمن المحدد فيه, والى الأعراف والعادات السائدة.
يتفرّع الغلط الى غلط في الواقع وغلط في القانون, وقد ساوى المشترع بين النوعين في ما خصّ أثرهما على صحّة العقد.
الغلط في الواقع
هو على ثلاثة أنواع: الغلط المانع, الغلط المعيب للإرادة والمُفسد للرضى والغلط غير المُفسد للرضى.
* الغلط المانع:
ويقع على ماهية العقد, كما لو اعتقد أحد طرفي العقد أنه يجري عقد بيع, في حين أن الطرف الآخر إعتبر أنه هبة وأن تحديد الثمن كان صورياً؛ كذلك يُعدّ غلطاً مانعاً, الغلط الواقع على حقيقة موضوع الموجب, كما لو أجّر المالك شقّة معينة, فاعتقد المستأجر أنه يستأجر شقة أخرى.
هذا الغلط المانع يحول دون إنشاء العقد, فيُعدّ كأنه لم يكن ولكن يُلاحظ أنّ هذا النوع من الغلط نادر الوقوع عملياً.
* الغلط الذي يُعيب الإرادة ويُفسد الرضى:
اعتبر المشترع الغلط معيباً للرضى ومؤدياً الى بطلان العقد في حالات ثلاث:
1- الغلط على صفات الشيء الجوهرية: والصفة الجوهرية في الشيء هي تلك التي كانت موضع إعتبار المتعاقد والدافع الرئيسي الى التعاقد, بمعنى أنّه لو تبيّن له أنّ هذه الصفة لم تكن متوافرة في الشيء لامتنع عن التعاقد؛ هنا يُبطل العقد لعلّة الغلط؛ كأن يشتري شخص قماشاً على أنه من الحرير, أو ساعة على أنها من الذهب, فيتبين في ما بعد أنّ القماش مصنوع من القطن وأنّ الساعة من النُحاس المطلي بقشرة من الذهب.
أما المعيار الذي تحدد على أساسه صفات الشيء الجوهرية, فهو معيار شخصي ينطلق من تقدير المتعاقد نفسه, وممّا تصوّره في قرارة نفسه من صفة للشيء, إنما شرط أن يعلم المتعاقد الثاني بما عوّل عليه هذا الأخير “وإن لم يعلم بعدم توفّر هذه الصفة في الشيء”. ولكن ليس من الضروري أن يحصل الإتفاق على الصفة الجوهرية للشيء صراحة في العقد, إذ يمكن إستخلاص نية المتعاقد من طبيعة التعامل ومن ظروف العقد أو من صفة طرفيه, فإن قصد شخص محلاً مخصصاً لبيع التحف القديمة وإشترى من صاحبه تمثالاً دفع ثمنه مرتفعاً, في حين أنه لم يكن أثرياً, فمن الواضح أن نيته اتجهت الى شراء قطعة أثرية, وأنه لما كان تعاقد لو علم أنها ليست كذلك, فيُبطل العقد لعلّة الغلط.
2- الغلط في هوية الشخص أو صفاته الجوهرية: يقتصر هذا الغلط على فئة من العقود تكون فيها هوية الشخص أو صفاته الجوهرية محلّ الإعتبار الأوّل في التعاقد والدافع الأساسي إليه, ومن ذلك, عقود التبرّع؛ فالواهـب قد يهـب أمواله لشخـص معيّـن ولا يهبها لشخـص آخر؛ وكذلك عقود المعاوضة التي يُنظر فيها الى شخصية المتعاقد وصفاته “درجة إبداعه, سمعته, أخلاقه... الخ”, كعقد الوكالة والوديعة الإعارة والشراكة أو كالتعاقد مع مهـندس لإقامـة مشروع سكني أو مع طبيب إختصاصي لإجراء عملية جراحية... إلخ.
هذه العقود لم يحددها المشترع, تاركاً للقضاء حرية النظر في كل عقد بذاته للإستدلال على نية المتعاقد, فيقضي بالبطلان كلّما تبين له أن الغلط واقع على شخصية المتعاقد أو على إحدى صفاته الجوهرية, وكانت هذه الشخصية أو الصفة الدافع الأساسي الى التعاقد.
3- الغلط في فاعلية سبب الموجب: إذا وقع الغلط على فاعلية سبب الموجب, فإنه يعيب الإرادة ويجعل العقد قابلاً للإبطال, ذلك أن سبب الإلتزام, بحد ذاته, يكون موجوداً, ولكن ليس له الفاعلية التي ظنّها المتعاقد متوفرة فيه؛ كما لو تعهد شخص بأداء مبلغ من المال للمتضرر من حادث سيارة, إعتقاداً منه أن سيارته هي التي سببت الحادث, ثم يتبين من التحقيق أن مسبب الحادث سيارة أخرى غير سيارته.
* الغلط الذي لا يعيب الإرادة ولا يُفسد الرضى:
إنّ الغلط الذي لم يكن هو العامل الدافع الى التعاقد ليس من شأنه أن يمسّ صحة العقد, وبالأخصّ إذا كان يتناول الصفات العرضية أو الثانوية للشيء أو للشخص, أو إذا كان واقعاً على قيمة الشيء “ما عدا حالة الغبن الفاحش, الذي سيأتي الكلام عنه في ما يلي”, أو إذا تعلّق بمجرد البواعث “الدوافع” التي حملت فريقاً من المتعاقدين على التعاقد أو إذا وقع على أرقام أو حسابات.
الغلط في القانون
أخذ القانون اللبناني بالغلط في القانون كسبب مُفسد للرضى, دونما تمييز بينه وبين الغلط في الواقع من حيث الأثر على صحة العقد.
والمقصود بالغلط في القانون أن يجهل الشخص بوجود قاعدة قانونية تتعلّق بالعقد, أو يعتقد خطأ بوجودها “في حين أنها غير موجودة”, أو يُخطئ في تفسيرها أو تطبيقها, بحيث يكون هذا الخطأ هو الدافع الى التعاقد, مثال على ذلك أن يبيع شخص نتاج زرعه بسعر ظنّه محدداً بنظام يفرض الأسعار, ثم يتبين له أن هذا النظام لم يعد سارياً, ومثال أيضاً أن يفي المستأجر بدل الإيجار كاملاً من دون أن يكون قد علم بصدور قانون يُخفّض بدلات الإيجار.
هذا كان تحديداً لأنواع الغلط التي قد تطرأ على العقود؛ أما من حيث إثبات الغلط, فعلى المدعي الذي شكا منه أن يثبته, والإثبات ممكن بكافة الطرق, ومنها شهادة الشهود.
الخداع (Le Dol)
الخداع هو إستعمال وسائل الحيلة أو الخدعة أو أساليب التضليل, بقصد إيهام الشخص بغير الحقيقة والتأثير على إرادته وإيقاعه في غلط يحمله على التعاقد؛ مثال على ذلك أن يُقدم شخص ينوي العمل في مؤسسة ما, على إبراز شهادة مزوّرة للتأثير على ربّ العمل وخداعه, فيثق بها هذا الأخير معتقداً أنها صحيحة, وعلى هذا الأساس يستخدمه في مؤسسته.
والخداع لا يجعل العقد قابلاً للإبطال إلا بسبب الغلط الذي يثيره في ذهن المتعاقد, فيكون هو الدافع الى التعاقد؛ فإذا كان ربّ العمل”في المثل السابق” قد اكتشف أنّ الشهادة المبرزة مزوّرة, وأقدم بالرغم من ذلك على التعاقد مع العامل, لا تكون عناصر الخداع متوفّرة, ولا مجال بالتالي لإبطال العقد.
أما الطرق والوسائل التي يلجأ إليها الخادع للتأثير والمخادعة, فيمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة تقوم جميعها على إختلاق الكذب وتأييده بمظاهر تضليل تُخفي الحقيقة عن المتعاقد الآخر, فهو قد يستخدم مستندات أو أوراق أو بيانات مزوّرة, أو يُقدم على الكذب “بصورة غير مألوفة” أو حتى قد يكتفي بالتكتّم عمداً عن واقعة أو ظرف معيّن يتعلّق بموضوع التعاقد. في النتيجة, ومهما كانت الوسيلة المستخدمة من قبله, فإذا تأثّرت إرادة المتعاقد الآخر وأقدم على التعاقد بالشكل الذي ما كان ليحصل لو علم بحقيقة الأمر, كان العقد قابلاً للإبطال لعلّة الخداع.
إشارة الى أنّ الخداع قد يصدر عن شخص ثالث “أي من غير فرقاء العقد”, ففي هذه الحالة, لا يكون هدّاماً للعقد إلاّ إذا كان المتعاقد الذي يستفيد منه عالماً به عند إنشاء العقد. مثال على ذلك أن يتولّى شخص الترجمة لسائح, ويدخل معه الى محلّ تُحف, فيوهمه بأنّ إحدى التُحف تساوي مبلغاً كبيراً من المال, في حين أنّها عادية جداً, ويستمر في كذبه, حتى يحمله على شراء التحفة العادية بثمن يزيد أضعافاً عن قيمتها؛ هنا, يكون الترجمان, وهو شخص غريب عن عقد البيع الحاصل بين التاجر والسائح, قد مارس الخداع الدافع الى التعاقد. ومن المفترض في هذه الحالة أنّ التاجر عَلِمَ بما قام به الترجمان, فيكون متواطئاً معه, مما يؤدي الى بطلان عقد البيع الجاري على التحفة.
أما في حال لم يكن المتعاقد المستفيد من الخداع عالماً بالخداع الصادر عن الشخص الثالث, والذي حمل المتعاقد المخدوع على إبرام العقد, تعذّر على هذا الأخير المطالبة بإبطال العقد, إنّما أمكنه مطالبة الخادع ببدل العطل والضرر.
في ما يتعلّق بإثبات الخداع وآثاره على مصير العقد, فالمبدأ هو أن على من يدّعي الخداع طالباً إبطال العقد أن يثبته, والإثبات ممكن بكافة الطرق. وبالإضافة الى المطالبة بإبطال العقد, يمكن للمخدوع أن يطلب الحكم له بالتعويض عن العطل والضرر.
الخوف (La Crainte)
الإكراه هو كل ضغط مادي أو معنوي يقع على المتعاقد, فيبعث في نفسه خوفاً يحمله على التعاقد؛ كأن يوقّع شخص على عقد بعد أن تمّ تهديده جدّياً بالقتل بالشكل الذي أثار في نفسه الخوف, فحمله على التوقيع تفادياً للخطر الناتج عن التهديد. وقد نصّ المشترع على أنّ كلّ عقد ينشأ عن عنف جسماني أو عن تهديد موجّه على شخص المديون أو على أمواله أو على زوجه أو على أحد أصوله أو فروعه يكون قابلاً للإبطال, وذلك سواء أكان الإكراه صادراً عن أحد المتعاقدين أو عن شخص ثالث أو عن أحوال خارجة عن دائرة التعاقد “من دون أن يُشترط في الحالتين الأخيرتين علم المتعاقد المستفيد من حصول الإكراه بوجود هذا الإكراه وبتأثيره على إرادة المتعاقد الآخر, وذلك خلافاً لما هو الحال عليه في الخداع, كما سبق ذكره”.
والعبرة في الإكراه ليست للوسائل المستخدمة, وإنما لما تبعثه تلك الوسائل من خوف أو رهبة في نفسه وتؤثّر على إرادته وتدفعه الى التعاقد, الذي لم يكن يريده لو كان حرّ الإرادة. لذا, فعلى القاضي الناظر بالنزاع أن يتوقّف عند كل حالة على حدة, فيأخذ بعين الإعتبار ظرفها المكاني “كوجود الشخص في منطقة نائية غير آهلة وبعيدة عن رجال الأمن” والزماني “كوقوع الإكراه في الليل” وشخص من وقعت عليه ومركزه الإجتماعي... إلخ.
أما إذا لم يكن الخوف هو الذي دفع المتعاقد الى التعاقد, بل كانت له مصلحة في هذا العقد, وكان سيبرمه بغض النظر عن الإكراه الواقع عليه, فإنّ الخوف يبقى من دون أثر على صحة العقد, وبالتالي, لا يكون العقد قابلاً للإبطال.
وكذلك إذا كان تحقيق التهديد غير حالّ, إنما مؤجل لفترة من الزمن, يستطيع خلالها من تعرّض للإكراه أن يتفادى خطره من غير جهـد كبير؛ ففي هذه الحالة, لا يُبطل العقد الحاصل لعدم توفّر عناصر الإكراه.
كذلك الأمر في ما يتعلق بالخوف الناشئ عن إحترام الوالدين “بالنسبة للولد” أو رجل الدين “بالنسبة للمؤمن” أو ربّ العمل “بالنسبة للعامل”... إلخ, والذي يحمل المتعاقد على إبرام عقد ما بدافع الرهبة والإحترام. هنا لا يُبطل العقد مبدئياً لمجرّد الرهبة, إلا إذا صدر فعلاً عن أحد الوالدين “أو كليهما” أو عن رجل الدين أو ربّ العمل تهديد شديد الخطورة حمل الولد أو المؤمن أو العامل على التعاقد.
والجدير بالذكر أنّ الإكراه لا يُعتبر متحققاً ومُبطلاً للعقد إلاّ إذا كانت الوسيلة المعتمدة غير مشروعة “أي غير قانونية, كالتهديد بالقتل أو بالخطف أو بإعلان فضيحة أو بكشف الأسرار”, أو إذا كانت الغاية المتوخّاة من الإكراه غير مشروعة “كالسعي الى قبض مبالغ تفوق ما هو متوجّب قانوناً بذمة المكره”, أو إذا كانت الغاية والوسيلة معاً غير مشروعتين. أما إذا كانت الوسيلة المعتمدة مشروعة “كالتهديد بالإبلاغ عن جريمة وقعت فعلاً أو بالتنفيذ على أموال المدين من قبل الدائن” وكانت متصلة بغاية مشروعة “كالسعي الى الحصول على إقرار بمبدأ المدين المتوجب بذمة المدين وبمقداره الحقيقي, أو السعي الى إستيفاء دين متوجّب بذمة المدين... إلخ”, كان العقد الناتج عن التهديد صحيحاً وغير قابل للإبطال, لأن التهديد في هذه الحالة لا يشكل إكراهاً يعيب الرضى.
أما عن الإثبات وآثار الإكراه على مصير العقد, فالإثبات يقع على عاتق من يدعي الإكراه, وهو ممكن بكافة الطرق؛ وللطرف الذي يطلب الإبطال, أن يطلب أيضاً التعويض عليه عن الضرر اللاحق به من جرّاء العقد.
الغبن (La Lésion)
الغبن هو عدم التعادل بين ما يعطيه المتعاقد في العقد وما يأخذه؛ مثال على ذلك أن يبيع شخص عقاره بثمن يقلّ بشكل محسوس عن قيمته الحقيقية؛ بمعنى آخر إنّ الغبن هو إختلال التوازن بين المنافع المتبادلة في العقود ذات العوض, أي العقود التي لا تكون مجانية. ففي العقود المجانية “أو عقود التبرّع”, كعقد الهبة مثلاً, لا مجال للبحث في مسألة التعادُل أو عدم التعادُل, كونها, وبحسب طبيعتها, تقضي بأن يُعطي فيها أحد المتعاقدين بدون مقابل.
في حال ثبوت الغبن, أمكن المطالبة بإبطال العقد لتوفّر عيب من عيوب الرضى؛ إلاّ أنّ المشترع اللبناني ميّز بين الغبن بحقّ القاصر والغبن بحق الراشد, مكتفياً في الحالة الأولى بضرورة وجود تفاوت شديد بين المنافع المتقابلة الناتجة عن العقد, ومشترطاً في الحالة الثانية “بخصوص الراشد”, وإضافة الى وجود التفاوت المذكور, أن يكون هذا التفاوض فاحشاً وشاذاً عن المألوف, وأن يكون المستفيد من العقد قد أراد إستثمار ضيق أو طيش أو عدم خبرة لدى المغبون.
والمقصود بالضيق هو العُسر الذي يحمل المرء على التعاقد مع شخص آخر بشروط مُجحفة لم يكن ليقبل بها لولا وجوده وتأثيره على إرادته. أما المقصود بالطيش, فهو الخفّة أو قلّة الإتزان التي تؤدي الى التسرّع وسوء التقدير والى القبول بالتعاقد بدون تروّ وتحسّب لنتائج العقد. وأخيراً, المقصود بعدم الخبرة, الجهل المتصل بموضوع العقد, بصرف النظر عن سنّ الشخص أو جنسه أو مركزه الإجتماعي أو ثقافته, كجهل شخص يعيش في المهجر بما قد طرأ على العقارات الكائنة في لبنان من إرتفاع كبير في القيمة, فيبيع عقاراته بأسعار جد متدنية نسبة الى مثيلاتها, من شخص آخر يستغل هذا الوضع.
في حال تمكّن المغبون من إثبات توفّر الغبن في حالته, أمكنه المطالبة بإبطال العقد. مع الإشارة الى أن الرأي الراجح في الفقه, يرى أنه يمكن للمغبون الإستعاضة عن طلب إبطال العقد بالمطالبة بتعويض يوازي المبلغ الذي يجعل المنافع المعقود عليها العقد متعادلة نسبياً.
في الخلاصة, ننوّه بأهمية العقد في حياتنا اليومية, فالإنسان هو كائن إجتماعي ينتمي الى بيئة معينة, ولا يمكنه العيش منفرداً, والعقد هو وسيلة لتحقيق حاجاته ومصالحه, المادية والمعنوية والإجتماعية والإقتصادية... إلخ, وهي إعتبارات سامية يقتضي إحترامها والمحافظة عليها. ولهذا الغرض, يقتضي على كل شخص أن يتعامل مع الغير بحُسن نية, بعيداً عن الإستغلال والغش والمخادعـة والإكـراه, وبالمقـابل, على الآخر أن يحرص على حماية مصالحـه, وألاّ يُقدم على إبرام العقـود إلاّ بعد التحـقق من أدقّ التفاصيل, وعند الإقتضاء, مراجعة أصحاب الإختصاص الموثـوق بهم لتحديد مدى صوابية العقود المنوي إبرامها.