ورشة عمل

ضرب الإرهاب دولًا عديدة منها لبنان وفرنسا والولايات المتحدة... وخلّف المجرمون وراءهم الكثير من الآلام في عائلات الشهداء والضحايا. «الجمعية اللبنانية لضحايا الإرهاب» التي تؤمن بأنّ المرأة تستطيع تغيير ظروفها وتحويل تجربتها المُرّة إلى دافعٍ قوي يجعلها تمضي قُدمًا، قامت بمبادرةٍ لمساعدة نساء على تخطّي الحزن والانطلاق مجددًا.

نظّمت الجمعية ورشة عمل استمرّت عدة أيام وكانت تحت عنوان: «المرأة مفتاح السلام» وقد شاركت فيها ١٥ سيدة من لبنان، وفرنسا والولايات المتحدة. خمس سيدات من كل بلد، عِشْنَ تجربة فقدان الزوج وما ينتج عنها من تداعيات. تضمّنت الورشة عدة مشاغل، الهدف منها بدرجةٍ أولى مساعدة المشاركات على التعبير عمّا يشعرن به من إحباط وحزن، فيقُلنَ ما يعجزنَ عن قوله في حياتهنّ اليومية من خلال وسائل مختلفة: الكتابة، الفن، الكلام، مشاغل الفخار والرسوم وغيرها. كما تخلّلت الورشة جولات سياحية على معالم لبنانية، اكتشفت خلالها الأجنبيات وجهًا جميلًا للبنان لم يعتقدنَ بوجوده سابقًا، بالإضافة إلى ما وفّرته من راحة نفسية للمشاركات بالإجمال.
 

رسالة إلى الحبيب
في مشغل الكتابة مثلًا، كتبت كل امرأة رسالة إلى الحبيب الذي خسرته، ووضعتها في مغلف. قد تكون الرسالة كلمةً أو بيت شعر أو مقطعًا من أغنية. المهم أن تقول كل منهن ما تريد قوله لزوجٍ خسرته. وفي التعبير الشفهي تحدّثت كل منهنّ أمام المجموعة، وتبادلت خبراتها ومشاعرها مع الأخريات، ما خفّف عنها وطأة الحزن. ففاتن زوجة الرقيب الشهيد وسام دياب، أدركت أنّ معاناة زوجات الشهداء هي واحدة ولا تختلف بين دولة وأخرى. وتمكّنت فاديا زوجة العريف الشهيد رامي الخباز من التعبير عما كان مكبوتًا في داخلها. تقول: «صرخت وتكلّمت فشعرت أنّني في حال أفضل». أما ماريا الآتية من الولايات المتحدة، فقالت: «شعرت بعدما تحدثنا جميعًا، أنّ كلًا منّا أصبحت سندًا للأخرى».
 

بإشراف قيادة الجيش
تحدّثت رئيسة الجمعية السيدة رولا حلو عن الورشة فأوضحت أنّها نُظمت بإشراف قيادة الجيش اللبناني لوجستيًا، معنويًا وماديًا، وبالتعاون مع الجمعية الأميركية Tuesday Children وعقيلة قائد الجيش الفرنسي الجنرال فرانسوا لوكوانتر السيدة إيزابيل، وأشارت إلى أنّ عقيلة العماد قائد الجيش السيدة نعمت عون أشرفت على جميع تفاصيل المشروع وقالت: «كان هدفنا توضيح فكرة أنّ الإرهاب يطال الجميع ولا يفرّق بين دين أو لون أو عِرق، لذلك جمعنا زوجات شهداء من ثقافات مختلفة».

ليت زوجي كان من شهدائكم
لاحظت المشاركات من فرنسا والولايات المتحدة اهتمام قيادة الجيش اللبناني بزوجات الشهداء، فعلّقت إحداهن بالقول: «ليت زوجي كان شهيدًا في جيشكم، أنا أشعر بالوحدة». وعقّبت باسمة زوجة الرائد الشهيد غالب قلوط بالقول: «كانت قيادة الجيش أحد أهم مصادر دعمي بعد استشهاد زوجي، ساعدتني على تخطي المأساة، وفتحت أمامي مجال العمل في المؤسسة». كذلك، بدورها نوّهت كلود زوجة الملازم أول الشهيد جورج بو صعب بالأمر نفسه.

لا ننسى... نتأقلم!
تعود زوجة الرائد الشهيد قلوط إلى صدمة استشهاد زوجها في نهر البارد، فتقول: «كان الشهداء يسقطون الواحد تلو الآخر بسبب مجرمين لا يستحقون حتى النظر إلى جيشنا، لم أستطع تقبّل هذا الواقع. لم يكُن لدينا أولاد، لذا كنت أقول أحيانًا لرفيقاتي: نيالكُن عندكُن ريحة مِنو». تجربة بو صعب على هذا الصعيد مختلفة: «لدينا ٤ أولاد والصغرى كان عمرها ١١ شهرًا، عندما استشهد زوجي. الآن، نحاول نحن الخمسة تخطّي مختلف الظروف معًــا. والأولاد باتــوا يعبّــرون عن حزنهــم أكثــر من قبــل. غياب جــورج لا يُعوَّض ولكنّنــا نحــاول التأقلــم مع الواقــع».
وتحدّثت إحدى المشاركات الفرنسيات عن معاناتها بعد استشهاد زوجها، وقالت إنّها خضعت لجلسات علاج نفسي طويلة حتى استعادت نمط حياة طبيعي وتمكّنت بعدها من مساعدة أولادها. كما تحدّثت زوجة الشهيد الخباز عن تساؤلات وَلَديْها عن غياب والدهما، خصوصًا الفتاة التي لم ترَه قط، إذ استشهد عندما كانت والدتها حاملًا بها. «كيف يمكن أن ننسى إذًا؟ لا يمكن أن ننسى»، تجيب امرأة أخرى، «ولكنّنا نتعلم أن نتعاطى مع الواقع بطريقةٍ أفضل». وهذا ما تراه زوجة الشهيد دياب.
المصالحة مع الواقع والانطلاق إلى الأمام يتطلبان مساعدة، وفي هذا السياق دعت رئيسة الجمعية زوجات الشهداء وذويهم إلى الاستفادة من الفرصة التي يقدّمها المستشفى العسكري المركزي من خلال العلاج النفسي، مشيرةً إلى أنّ هذه الورشة ستعقبها ورش لاحقة بمشاركة نساء من دول أخرى.

تصوير: العريف مارون بدر