- En
- Fr
- عربي
في كل بيت
ولادة ثانية وتأكيد للذات وخيال وحاجات لا بد من إشباعها
المراهقة مرحلة انتقالية في حياة الأفراد، وهي تمثل الفترة التي تبدأ بالبلوغ وتنتهي باكتمال الرشد والنضج.. وإذا بدت المراهقة لبعض علماء النفس مرحلة نمو طبيعية، فإن البعض الآخر يعتبرها مرحلة لا تخلو من الأزمات والإضطرابات التي تفرضها طبيعة النمو المتشابك والسريع في هذا الدور من الحياة؛ فالمراهقة فترة نموّ مهمة وحرجة يمرّ بها كل إنسان، وتحدث فيها تغيّرات عميقة على الصعيد الجسمي والفيزيولوجي والذهني والإنفعالي والاجتماعي، ويتوقف عليها إعداد المراهق للدخول الى عالم الكبار والتكيّف مع احتياجاته.
الولادة الثانية
إذا وُصفت الطفولة بمرحلة التفكير المحدود المتمركز حول الذات، فالمراهقة قد نُعتت بدور الولادة الثانية، فالمراهق هنا يجتهد للتخلّص من الطفولة المعتمدة على الكبار ويسعى للتوصل الى الإستقلال الذاتي، والابتعاد عن كل ما يمنعه من تحقيق ذاته المتكاملة، فهو في هذه المرحلة يشعر في قرارة نفسه بأن ما يقلل من شأنه في نظر الكبار هو اعتماده عليهم، وهذا الإحساس يجعله في توق كي يثبت بأنه أهل للاعتماد على نفسه وأن على الكبار الوثوق به، فأكثر ما يحتاجه المراهق في هذه المرحلة العمرية هو ثقة الآخرين به، فالثقة تتيح له أن يباشر مسؤولياته بعد أن يكون قد خلّف وراءه طفولة تتصف بالإتكالية..
في هذه الفترة يظهر أيضاً تغيّر في الإتجاه السلوكي الذي يفترض مستوى عال من الوعي والضبط الذاتي ليثبت ويتدعّم، ويتخذ بُعداً سوياً مثالياً، ويكتسب صفة الإستقرار القائم على أسس من التفكير العقلي المتزن.
إن الدخول الى عالم المراهقة يفرض علينا أن نفهمه، فإذا تمّ تفهمه سهُل علينا إرشاده وتوجيهه نحو سواء السلوك، فالمراهق أي مراهق، يجد نفسه أمام تجربة حياتية جديدة يسيطر عليه القلق ويعرف صراعاً نفسياً يؤثر على تكيفه الانفعالي، وهذا يكون أحد أسباب عدم ثبات سلوكه.
فالمراهق يكون متحمساً لمعرفة كل جديد مطروح أمامه في الأجواء الجديدة التي يتّسع نطاقها لديه، يبدأ بالنظر الى نفسه والى العالم من حوله بعينين جديدتين ويطرح على نفسه أسئلة كثيرة، تتمحور حول الذات والطموح، ويبحث عن اجابات محتملة، وقد وصف: ستانلي هول (Hall)، المراهقة بأنها مرحلة الزوبعة النفسية، تكثر فيها الازمات وصعوبة التوافق.. وشبّه حياة المراهق بحلم طويل في ليل مظلم تتخلله أضواء ساطعة تخطف البصر أكثر مما تضيء الطريق؛ فيشعر بالضياع حتى تتبلور الأمور أمامه وتتضح، وعندهايمكن أن يكون التفاعل ميسوراً في عالم جديد عليه يراه أشمل وأوسع.
البحث عن الذات
تمثّل المراهقة مرحلة الإلتفات الى الذات والبحث عن الهوية الشخصية، فالمراهق يلتفت الى نفسه، ويفكّر لذاته، ويرى فيها المحور الذي يحتضن طموحاته وآماله التي يعتزّ بها، وتتواءَم مع احتياجاته النفسية، ويجد فيها المجال الذي يبدأ منه اكتشاف ذاته، ويوفّر له دوافع الإشباع التي تتيح له التعبير عن ذاته وتحديد هويته.
وفي إطار تأكيد الذات تتضح الرغبة في تحقيق الإستقلال الاجتماعي، فنلاحظ أن المراهق يميل الى مسايرة الجماعة واختيار أصدقاء يجد لديهم إشباعاً لحاجاته النفسية والإنفعالية، ويشبهونه في السمات والميول ويكملون نواحي القوة والضعف لديه، وقد يصاحب هذا الميل الرغبة في الإبتعاد عن المنزل ورقابة الأهل.
إن هذه الفترة تتصف بالحساسية الفائقة وعدم تفهّم الأهل يجعل الأبناء يجنحون في السلوك أحياناً، وما أكثر المزالق التي يتعثرون بها؛ فهم يشعرون أنهم بسلوكهم المعاكس لرغبة الأهل، يحمون أنفسهم ويؤكدون ذواتهم.
يعتبر نمو الوعي الذاتي من أهم خصائص المراهقة، والبحث عن الذات يتركز حول البحث عن نموذج يُحتذى، مثل: "الوالد أو الوالدة، المعلم، الشخصيات الهامة.." وأيضاً حول اختيار المبادئ والقيم وتكوين فلسفة للحياة.. وفي تأكيد الذات يظهر الشعور بالمسؤولية الإجتماعية والرغبة في التعاون مع الآخرين، ويبدو أن حساسية المراهق وتمسكه بالتفاعل مع حاجات الآخرين تتعلق بحاجاته ومشكلاته هو: هذه الملاحظة ذهب إليها بياجيه الذي افترض أن أخطر أزمات المراهقة: "أزمة الهوية ومراحل بنائها" ، مع ما يصاحب ذلك من بحث وتنقيب عن الصورة الحقيقية للذات، التي تؤلف الأساس الذي تُبنى عليه الشخصية.. فالمراهق قد يكون مشغولاً بأمر اكتشاف ذاته وفهم هذه الذات وميولها لدرجة تجلب في أعقابها صدمات نفسية، فنجده ضائعاً لا يعرف كيف يفكر وكيف يتجه، فهو يريد تحقيق التكامل داخل الذات (الهوية الإيجابية)، ويكون تفكيره موزعاً بين ذاتين يبحث عنهما: الأولى تمثل نفسه كما يراها، والثانية تمثّل (الذات المثلى) التي يتطلع إليها ويسعى، وعملية البحث هذه تعرضه للإضطراب، وإذا أُصيب بإحباط كانت الوطأة شديدة عليه، وقد ينجم عن ذلك ثورة نفسية، يقابلها ميول انطوائية، وجنوح نحو السلبية عملاً بمبدأ التعويض، وهذا أمر على جانب كبير من الخطورة.
وفي مرحلة اكتشاف الذات يميل المراهق الى معرفة كيف ينظر الآخرون إليه، ويتساءل إن كانت نظرتهم إليه تتساوى بنظرته الى نفسه، فإذا كوّن انطباعاً عن نفسه بأنهم لا يتقبلونه كما هو، شعر بالدونية، وهذا الشعور يهدد توافقه النفسي، وعلى العموم، إن مفهوم الذات يتأثر بالأجواء الأسرية، فالمراهق الذي ينشأ في أسرة تحيطه بالعناية والتقبّل، يشعر بالرضا والطمأنينة، ويرفع ذلك من مستوى قدراته ومهاراته. وفي الوقت نفسه يُمكن أن يتسبب الأهل في جعل المراهق ينظر الى نفسه كشخص فاشل، وذلك إذا اتبعوا أساليب قائمة على التسلط والقسوة والحرمان في تنشئته.
كما تلعب المقارنة دوراً مؤثراً في مفهوم الذات لديه، فإذا قارن نفسه بآخرين أقلّ قدرة منه زاد من قيمتها، أما إذا هو قارن نفسه بمن هم أعلى منه شأناً قلل من قيمتها... وللدور الإجتماعي أيضاً شأن بالنسبة لمفهوم الذات، حيث تتبلور صورة الذات من خلال التفاعل الإجتماعي، وذلك أثناء مرور الفرد بسلسلة من الأدوار الإجتماعية وتنقله خلال هذه الأدوار التي يتعلّم فيها أن يرى نفسه كما يراه الآخرون، وهذا التصوّر للذات ينمو مع نموها ويظل ثابتاً في المراحل التالية من العمر.
الأمن النفسي
يتأثر السلوك في مرحلة المراهقة الى حدّ كبير، بالحالة النفسية للمراهق وباتجاهات أفراد أسرته وشخصيته (الإنبساط أو الإنطواء)، فالميول الإجتماعية للمراهق المنبسط الناضج، تكون أغنى من الميول الإجتماعية للمراهق المنطوي والأقلّ نضجاً... وقد اتضح أن التفاعل الإجتماعي الذي نعرفه في سلوك المراهق مردّه الى تمتعه بصحة نفسية سليمة. فهو يحتاج الى الشعور بالأمن النفسي وبطمأنينة الإنتماء الى جماعة الأسرة والبيئة الخارجية والمدرسة.. فذلك يرفد تكيفه النفسي والإجتماعي؛ ويؤكد علماء النفس، أن الأمن النفسي هو من أهم الحوافز التي يحتاجها المراهق لتكون مشاركاته الإجتماعية صافية ومواكبته للحاضر واقعية، موفقة.. ويقول جان بياجيه: الشعور بالأمان يضمن للفرد التمتع بقدرة عالية على التكيّف المثالي، ويتيح له إمكانية التحكم بالميول الإنفعالية المؤدية الى التسيّب السلوكي، فالراحة النفسية تمدّ المراهق بالطاقة الرافدة التي تمكنه من تقبل المسؤولية الإجتماعية، ومن تحمّل صدمات الحياة وشدائدها؛ وهي أيضاً تمثّل قوة موجبة دافعة تقود الى استقرار وجداني وسلوك إيجابي.
وهنالك أيضاً، بعض العوامل المؤثرة في السلوك، وهي: استعدادات المراهقة وتربيته الأخلاقية، واتجاهات الأبوين وتوقعاتهما، والأسرة ومستواها الاقتصادي والإجتماعي، ومفهوم الذات، والمدرسة ومطالبها، والنضج الجسمي والفيزيولوجي والثقافة العامة.
الجوّ الديموقراطي
كما تتضح الآثار الحسنة للجو الديموقراطي في الأسرة حيث يساعد على نمو السلوك السوي، وكذلك تبرز الآثار السيئة للسيطرة الوالدية والتسلّط والإهمال، والمبالغة في نقد اتجاهات الأبناء وتطلعاتهم المستقبلية، وفي مثل هذه الحالات قد يحدث صراع بين المراهق وأسرته، فالمراهق يحتاج الى ثقة الآخرين به والى من يسانده ويتعاطف معه، ويجدُ لديه تفهماً ويُشعره بالقبول والتقبّل، فذلك يسدّ نقص الثغرات المعنوية لديه، ويحميه من الإصابة بالإحباط وسلبية السلوك، وما يقابلها من سوء التوافق الإجتماعي.
ويحتاج المراهق لأن يشعر باحترامه لذاته وأنه جدير باحترام الآخرين له، وأن يشعرأنه يحقق ذاته في حدود قدراته وإمكانياته، ويشبع حاجاته، خصوصاً الحاجة الى الحب، والشعور بالأمن والتقدير والإنتماء والمكانة.
النموّ الإجتماعي
تعتبر المراهقة مرحلة التطبيع الإجتماعي، وتلعب الأسرة دوراً خطيراً في هذه المرحلة التي تلاحظ فيها النزعة الى الاستقلال الإجتماعي والإنتقال من الإتكالية الى المسؤولية، وينمو فيها الوعي والإدراك الإجتماعي وأبرز مظاهرهما التمسك بالقيم والمبادئ.
ويتسع في هذه المرحلة نطاق الإتصال الشخصي والعلاقات، لنجد أن الكثيرين من المراهقين يتضجرون إذا شعروا بالعزلة عن أصدقائه، وقد يفضّل المراهق اختيار أصدقائه من خارج نطاق البيئة المباشرة، وهو عادة يميل الى الإتصال الشخصي المباشر، وإذا لم يتيسر في كل حال فيكون اعتماده على (الإتصال الهاتفي، والرسائل الخطية..).
ويلاحظ أن الإتصال الشخصي ينمّي قدرة المراهق على إدارة الحديث بصورة يغلب عليها الذكاء والمرونة، وينمّي أيضاً، ميوله واتجاهاته، ويزيد من معلوماته العامة التي في ضوئها تتوسع وجهات نظره، ويعزز نظرته الى الحياة في الواقع ويثري شخصيته بصفة عامة.
وفي هذه المرحلة تتضح الرغبة في تأكيد المكانة والدور، وتبدو واضحة في محاولة المراهق كسر أي قيود، توضع على نشاطه ومحاولاته المستمرة لتحقيق الاستقلال، فنراه يتحدث كثيراً عن حقوقه ويدافع جاهداً عن مكانته مما يؤدي الى سوء تفاهم بينه وبين والديه أحياناً، فهو يشعر أنهم لا يفهمونه.
تعتبر علاقات المراهقين برفاق سنهم بمثابة مدرسة خاصة يتعلم فيها المراهق ما لا توفّره له المدرسة التقليدية والأسرة من معلومات وخبرات.
ويلاحظ السعي من خلالها الى تحقيق التوافق الشخصي والاجتماعي، وكلما كانت العلاقة بين المراهق وبين زملائه وأفراد الأسرة مشحونة بالاحترام، كلما شعر بالتفاؤل والقدرة على التكيّف الاجتماعي السوي؛ وفي هذه النقطة بالذات يجب أن نأخذ في الاعتبار أن المراهق له شخصيته المستقلة وله وجهة نظره الخاصة في ترجمة الواقع من حوله، لذلك فهو غالباً يثور على اختيارات الكبار وتوجيهاتهم محاولاً فرض تطلعاته الشخصية حول بعض المفاهيم الأساسية مثل: الحرية، النظام، الديموقراطية والسلطة، والقيم والتقاليد الدينية والاجتماعية... الخ، وهذا الاختلاف في وجهات النظر يشكل عبئاً على المراهق قد تنوء به نفسه، وما من شك أن الإنفعالات اللاتوافقية التي تطرأ عليه وتجعله مضطرب التفكير، كثير القلق، انسحابياً في السلوك وعلاقاته الإجتماعية، إنما تُعزى أساساً الى اضطراب الذات والى الصدمات التي يتعرض لها في حياته اليومية، تؤدي الى فقدانه القدرة على مواجهة نفسه وفرض اختياراته، بالإضافة الى الأثر الذي يتركه عدم تفهم أسرته لتطلعاته الشخصية، ممايجعله عاجزاً عن بناء اتجاهاته بناءً سوياً وهادفاً.
وفي إطار النمو الإجتماعي يظهر أيضاً الاهتمام بالمظهر الشخصي، ويبدو ذلك واضحاً في اختيار الملابس والإهتمام بالشكل الخارجي والعطور والحلى... كما يلاحظ الميل الى إقامة صداقات مع الجنس الآخر.. وتنمو القيم نتيجة تفاعل المراهق مع البيئة الإجتماعية.
في هذه المرحلة من النمو الذي يعرف فيها الفرد تغيرات واضحة، نلاحظ الإعتزاز بالشخصية والرغبة في إثبات المكانة والمشاركة في الواجبات الوطنية والمسايرة الإجتماعية. ومن الصفات التي يحبها المراهقون في الوالدين: تقبّل المراهق على أنه شخص كبير، والمعاملة الحسنة العادلة، وإتاحة فرصة المشاركة بعض الوقت مع الأسرة في أوجه نشاطها، مع الإحتفاظ بأوجه نشاطه الخاصة خارج نطاق الأسرة، والسماح بالإنضمام الى جماعة الرفاق من دون تدخّل محبط لهم، وعدم التدخل في إختيار الأصدقاء.. ومساعدتهم على إطلاق طاقاتهم المبدعة وتدريبهم على تكوين نفسهم والوصول الى مكانة اجتماعية تُشعرهم بقيمتهم، ووضع حقوقهم في الحسبان وأهمها: حق الحرية في اختيار التخصص الدراسي، وأوجه النشاط الرياضي، والملابس، والهوايات، والتعبير عن الآراء الخاصة.. وأيضاً حق ارتكاب بعض الأخطاء التي لا تشكل خطراً على الآخر بل يتعلّم منها سلامة التصرّف، وحق التمتع بثقة الوالدين واحترامهما له ولوجهات نظره وشخصيته وأحلامه.
النمو الإنفعالي ومرحلة التخيل الخصب
تتصف الإنفعالات في هذه المرحلة بأنها انفعالات عنيفة، منطلقة، متهوّرة أحياناً، لا يستطيع المراهق التحكّم بها ولا في المظاهر الخارجية لها.. وقد يلاحظ التناقض الإنفعالي، كما يحدث حين يشمل الإنفعال، الحب والكره، ويتأرجح بين الإنعزالية والإجتماعية وبين الحماس واللامبالاة. وقد يظهر التردد نتيجة عدم الثقة بالنفس والإحساس بعدم الكفاءة، ويكون الخيال خصباً، وقد كشفت الدراسات عن الكثير من المحطات في عالم الخيال التي يتخطى فيها المراهق حدود الزمان والمكان، وحتى حدود قدراته الى أماكن وخبرات لا يستطيع المرور بها في واقع حياته. ففي الخيال يحل مشكلاته ويحقق رغباته، ما لم يتحقق منها في الماضي، وما يفشل في تحقيقه في الحاضر، وما يتمنى تحقيقه في المستقبل. ويفيد الخيال إذ يساعده في تقييم جهوده الحالية في أبعاد رحبة، كما يساعد الخيال المراهق كذلك في قيامه بدوره الإجتماعي في المستقبل، فهو يستطيع أن يتخيل دوره كطبيب أو مهندس أو محام أو معلم أو كضابط... وهذا نوع من التفكير يُطلق عليه التفكير التخيلي،ويفيد التخيّل أيضاً في حل المشكلات الحاضرة فيتخيّل أفضل الظروف وأسوأها... والخطورة في أن يستغرق المراهق أكثر من اللازم في خيالاته ويبتعد عن الواقع.
ويستغرق المراهق في أحلام اليقظة، لينتقل من عالم الواقع الى عالم غير واقعي، ومعروف أن هذه الأحلام إذا كانت في شكل غير مبالغ فيه ولا تؤثر على حياة المراهق وسلوكه العام، فإنها تكون عادية، بل هي تقوم بوظيفة التنفيس الإنفعالي وتحقيق الأمان، ويقول بياجيه: طبيعي أن يستسلم المراهق لخياله وأحلامه، فالحلم ينتج عن يقظة نشاط العقل أثناء النوم والخيال يؤكد استمرار النشاط العقلي أثناء اليقظة.. ثم أن الإنفعالات والصور في الحلم تنبع من خبرات الحالم نفسه ومشاعره وأفكاره، أما في اليقظة، فلا مجال لمناقشة فائدة الخيال في تعديل مزاج المراهق خصوصاً حين يتعرض للأزمات وهي كثيرة في هذه المرحلة العمرية. المهم أن لا يذهب المراهق مع خياله الى سلوك تغيب منه روح المسؤولية الإجتماعية.
الحاجة الى الحب
يعتبر الحب من أهم مظاهر الحياة الإنفعالية للمراهق، فهو يحب الآخرين ويحتاج الى حبهم له.. ولا جدال في أن إشباع الحاجة الى الحب والمحبة من ألزم ما يكون لتحقيق الصحة النفسية للمراهق؛ والحب كانفعال مهم جداً للمراهق، فالحب المتبادل يزيد الإلفة ويقضي على مشاعر العدوان؛ ويجعل الإتجاهات النفسية أكثر إيجابية.. وتمتد إنفعالات الحب لتشمل حب الفضيلة، والحق والجمال والمثل العليا.
في المقابل، أحياناً يحاول المراهق التحكم في انفعالاته العدائية وضبطها ولكنه كثيراً ما يفشل، وهذا يولّد عنده مشاعر الغضب والثورة والتمرد، وقد يعرّضه لحالات من الإكتئاب واليأس وللآلام النفسية، ونحن نعلم أنه إذا أحاق الإحباط والصراع بمراهق لديه اتجاه أو ميل عصابي قد يؤدي به الى القلق والسلوك القسري أو العصابي بصفة عامة، والى تفكك في الشخصية. وكثرة الفشل والإحباط الذي يعتبر من أخطر السموم "النفسية"، التي تفتك بالسلوك، من أهم العوامل التي تقف دون تحقيق المراهق استقلاله المنشود.
التمرد والعصيان
يسعى المراهق بشعوره ووجدانه ليكون متميزاً، وهو بصورة لا شعورية، يبالغ في تقييم ذاته، ويرسم لنفسه صورة من صنع خياله الذي لا تحدّه آفاق، وهو أيضاً يتخذ دور العالم العارف بأمور الدنيا ودور الناقم والناقد للمفاهيم الإجتماعية، ودور المدافع عن آرائه، وأي مواجهة معه أو انتقاد لتصرفاته من شأنه أن يزيده إصراراً وعناداً. لذلك يمكن القول بأن المراهقة فترة تمرّد وعصيان، وفترة تأمل واختبار واكتشاف، والمراهق يعرف في هذه المرحلة الكثير من التغيرات التي تحدد سلوكه وشخصيته.. لكل ذلك، يجب رعايته انفعالياً ونفسياً، وتمكينه من فهم ذاته والتغلّب على مخاوفه وانفعالاته، وهوايته الى سواء السبيل.. وتعويده على تقبل النقد والانتقاد بموضوعية. أخيراً لا بد من الجمع بين المرونة والضبط في قيادة المراهقين، فلا التزمت وحده ولا التسيّب يؤدي الى نتائج مجزية..