تربية وطفولة

المريض الصغير في دور الطبيب
إعداد: ماري الاشقر
اختصاصية في علم النفس

اللّعب أيضًا يشفي...

 

يحاول عالم الطب التقرّب من الطفولة وخرق عالمها الهشّ الحساس بوسائل جديدة. فلا خوف بعد اليوم لا من الطبيب ولا من المستشفى، حيث سيجد الصغير كل ما يحيط به جميلًا، فيه لمسة الطفولة والبهجة، من ألعاب، وراحة... إنها نظرة جديدة في تطبيب الصغار، فلنتعرّف إليها.

 

أسلوب جديد
إنطلاقة هذا الأسلوب في طب الأطفال كانت في عدد من المستشفيات الغربية، والعربية لاحقًا، لينتقل بعدها إلى العيادات، ومن ثم إلى طبيب العائلة، وصولًا إلى المنزل. ويقوم هذا الأسلوب على تعريف الصغار بمفهوم وسائل العناية الطبية عن طريق اللّعب، وذلك لسببين:
أوّلًا: لأنّ دخول الصغير المستشفى يبعده عن عالمه وعن «عمله الدؤوب» الذي هو اللّعب، وعن حاجته للّهو  يوميًا. وهو إزاء جفاف أجواء المستشفى وطابعها المهني والمهيب، يشعر بالضيق والانزعاج، ما يؤثر سلبًا في معنوياته وفي سير العلاج.
على هذا الأساس تقرر أن يكون كل شيء في خدمة المرضى الصغار، كي يشعروا دومًا بأن حياتهم خلال استشفائهم تستمر قدر الإمكان على صورتها السابقة. من زيارات الأهل والأقارب، إلى مشاهدة التلفزيون وغيره، والأهم: الألعاب تحت الطلب وحسب الذوق.
ثانيًا: ضرورة اعتماد اللعب في المستشفى، نظرًا إلى الدور العلاجي الذي يؤديه. فالألعاب ليست فقط صلة وصل ما بين البيت والمستشفى، بل إنها تساعد الصغير أيضًا في تخطّي مرحلة التشنّج والخوف، من مرضه ومن الطبيب، ومن العمليات الجراحية، والكشف المؤلم والتحاليل وغيرها. ولكن الأمر لا يقوم على أي لعبة، بل على «لعبة طبية» إذا جاز التعبير، إذ يختار الصغير دمية ما يحبها، ويتمّ إخضاعها أمامه وبصورة مبسطة، لكل أنواع العلاج التي سيخضع لها هو.

 

الأطباء يلعبون مع المرضى الصغار
يشجّع الاختصاصيون في علم نفس الطفل الأطباء على اللعب مع المريض الصغير، وذلك عبر جعله يقوم بدور الطبيب، أمّا المريض فيكون الدمية. وهكذا ينفّذ الصغير ووفق إرشادات الطبيب، العملية الجراحية التي تحتاج إليها الدمية، على أن تشبه بتفاصيلها إلى حد ما، العملية التي سيخضع لها بنفسه بعد حين. يرشد الطبيب مريضه الصغير في أثناء تنفيذ الأخير للعملية الجراحية، من التخدير إلى الشقّ، ومعالجة العضو المريض، والتقطيب، وأخيرًا إنعاش الدمية.
لهذه اللّعبة الطبية آثارها الطيّبة، فهي تولّد جوًا من الارتياح بين الصغير وما ينتظره من علاج، فيواجهه براحة أعمق، وباقتناع تام. قد يؤدي هذا الأمر إلى شقّ الآلاف من الدمى، ولكنها طريقة مدعومة بشكل ملموس من قبل الاختصاصيين في علم النفس، إذ لا يجدر بالمستشفى التي يدخل الصغير إليها بدافع الاستشفاء، أن تجعله بائسًا، حزينًا، وخائفًا.
قد يبدو الأمر برمّته مستهجنًا، ولكنه ذو جدوى. ويسعى عدد من المستشفيات الكبيرة في أنحاء العالم، إلى اعتماد هذه الطريقة الفعّالة، والتي لا تقوم حصرًا على اللّعب، بل تشمل أيضًا وسائل أخرى.
من هذه الوسائل، الموسيقى مثلًا، إذ يصار إلى إسماع الصغير خلال التخدير قطعة موسيقية يحبها، ما يخفف من عصبيته. وهذه الطريقة تتطلب جهدًا خاصًا من حيث إعداد الموسيقى واختيار ما يفضله كل صغير، وما يناسب كل مرحلة من مراحل العلاج.
في بعض المستشفيات، تُعتمد الدمى المتحركة، أو يطلب من الأهل إحضار دمية الصغير من المنزل. كذلك، وفي مستشفيات عديدة، تمّ إنشاء مكتبات خاصة بالأطفال لا تقتصر محتوياتها على الكتب بل تتعداها إلى الأفلام وسواها من وسائل الترفيه.
 

... والأهل أيضًا
ليس لعب الأطباء مع الأطفال هو المطلوب فقط، بل أيضًا لعب الأهل مع أولادهم. وقد تبين من خلال كشوفات طبية، أن العديد من الأولاد المرضى، صرحوا بأن أهلهم لا يشاركونهم اللّعب. ما يعني أن هناك ارتباطًا بين ما يعانونه من أعراض مرضية، وبين عدم حصولهم على الاهتمام والمشاركة الكافيين من الأهل. والواقع أن الأهل كثيرًا ما يقدمون الألعاب إلى أولادهم لينصرفوا إلى أعمالهم ومشاغلهم من دون مضايقة الصغار، ولكنهم بذلك، يضيّعون على صغارهم فرصة الاستفادة من المشاركة في اللّعب، والتي تمنحه قيمة لا تضاهى.
فمن خلال هذه المشاركة يتوافر تبادل عاطفي مطمئن ما بين الأهل والصغير، ومعها يكتسب اللّعب صفته المهمة، ألا وهي التثقيف. لهذا من المهم جدًا أن يشارك الأهل اللّعب مع صغارهم، وأن يشرحوا لهم من خلاله كل ما قد يحدث في الحياة اليومية من حوادث منزلية أو مخاطر.
وبالعودة إلى موضوعنا الأساسي، من المهم وضع العلاج في خانة اللهو. فملاعبة الصغير الرافض تناول الدواء أمر ضروري يساعده في تقبّل الدواء، ولو اضطرت الأم إلى تمثيل شخصيات يحبّها ابنها. ويمكنها مثلًا أن تطبب مع الصغير الدمية «المريضة» باستعمال المطهّر والرشوش والضمادات، وكأن الدمية متألمة بحق. فهذا يعدّ الطفل للتفاعل مع أي حادث صحي طارئ قد يتعرض له ويوجب جراحة سريعة وبسيطة في قسم الطوارئ، فلا يغضب ولا يخاف ولا يمانع، بل يخضع للعلاج كما خضعت له دميته في مرحلة سابقة.
صفحة جديدة فتحت في عالم طب الأطفال تعتمد على ما يحبه ويجنّ به عقل الصغير، وهو اللّعب. فلنقدّمــه لــه!