يدًا بيد

المساعدات الغذائية: أكثر من ٤٥ ألف حصة في غضون أيام
إعداد: روجينا خليل الشختورة

منذ اللحظة الأولى لإعلان حالة الطوارئ في بيروت المنكوبة، بدأت المساعدات الدولية تتدفّق على لبنان للتخفيف من آثار الكارثة. الجهد الأساسي في استلام المساعدات وتوزيعها كان على عاتق الجيش الذي وضع آليات للتنظيم والتنسيق تكفلت بوصول المساعدات إلى المستحقين بسرعة وشفافية. وبموجب هذه الآليات عمل الضباط والعسكريون على مدار الساعة، وكان إلى جانبهم عدد كبير من المتطوعين المدنيين.

 

حتى ٩ أيلول ٢٠٢٠ كانت قد وصلت إلى لبنان ٢١٨ طائرة و٩ بواخر محمّلة بمساعدات من ٥٤ دولة. وقد تسلّم الجيش ٥٠٪ من هذه المساعدات، فيما سلّم الـ ٥٠٪ الأخرى إلى السفارات والمنظمات غير الحكومية NGOs بموجب مستندات موقّعة، معلنًا أنّه بانتظار ما سيصل من مساعدات جديدة ليصار إلى توزيعها. فقد سارت عمليات الاستلام والتسليم على خطين متوازيين واتسمت بالتنظيم الدقيق والسرعة.

 

التخزين والتوضيب

الخطوة الأولى قضت باعتماد مركز المعارض البيال - فرن الشباك لتخزين المواد التي يتم استلامها في المطار أو المرفأ. فالمواد الغذائية كانت تصل تباعًا بكميات كبيرة، وبالتالي لا بد من حفظها في مكان مناسب لتوضيبها ثم توزيعها.

«الجيش» قامت بجولة في البيال وعاينت آلية العمل المتبعة هناك: عسكريون من القطع والوحدات يعملون ضمن مجموعات كل منها يعمل كخلية نحلٍ. المجموعة الخاصة بنقل المواد الغذائية وتحميلها في حركة لا تهدأ. مجموعة الفرز لا تهدر أي لحظة، ومثلها المجموعة التي تتولى التوضيب في حصص متساوية. التنظيم الدقيق والتنسيق بين المجموعات جعل العمل يسير بسلاسة وسرعة، لكن الأمر لم يكن سهلًا في ظل حرارة تقارب ٤٠ درجة، مع ذلك ثمة مرح وفرح داخلي نابع من الشعور بأهمية هذه المهمة الإنسانية.

تتم عملية التوضيب في مشغل يدوي يتألف من طاولات نُظمت على شكل U، ووُضعت عليها الأصناف الغذائية المتنوعة. يمر العنصر الذي يحمل المستوعب الفارغ ويأخذ حصة من كل صنف ليصل إلى آخر طاولة في الـU حيث توجد ماكينة التعليب Packaging، هناك يُقفل المستوعب ويصبح حصة غذائية موضبة جاهزة للتسليم.

 

يدًا بيد

فرح العطاء يتقاسمه العسكريون مع العشرات من المتطوعين المدنيين الذين يتوافدون يوميًا من مختلف المناطق اللبنانية لمساعدة الجيش في توضيب الحصص الغذائية. معظمهم من الشباب والصبايا، لكن ثمة استثناءات. جوسلين الخمسينية تعمل بنشاط، تخبرنا: «ليست هذه المرة الأولى التي أعمل فيها مع الجيش، منذ صغري كنت دائمًا أرافق أمي حيث يكون الجيش بحاجة للمساعدة، ربتني على حب الجيش والوطن، واليوم بعد رحيلها أكمل المسيرة. العمل مع الجيش تسوده المحبة ونشعر وكأننا عائلة، وهذا ما يشجعنا على العودة كلما دعت الحاجة».

أكثر من ١٢ ساعة من العمل المتواصل يوميًا، من دون كلل أو ملل. شبان وشابات في مقتبل العمر يؤمنون أنّهم مستقبل هذا البلد، وإن لم يهبّوا إلى المساعدة في هذا الوقت الصعب فمن سيفعل؟

منهم من أتى بصفة فردية، ومنهم من يتبع لجمعية أهلية أو إلى فرق كشفية، لكنّهم جميعًا يتشاركون الشعور بالمسؤولية الوطنية.

نتحدث إلى أحد الضباط المشرفين على العمل، ينّوه باندفاع الشباب والصبايا ويقول: إنها ليست المرة الأولى التي يتعاون فيها المجتمع المدني والجيش، ويعملان معًا من أجل لبنان. على الرغم من الألم، نعيش خبرة جميلة جدًا في هذا العمل، حماسة الشباب تعزز إيماننا بمستقبل الوطن.

 

الأمانة في التسليم

في الأيام الأولى، كانت حصيلة التوضيب تصل إلى ١٥٠٠ حصة جاهزة للتوزيع يوميًا، يأتي عناصر مديرية التعاون العسكري - المدني CIMIC، الذين كُلّفوا بعملية التوزيع، لاستلامها بعد أن يكونوا قد حددوا نقطة توزيع ثابتة، يأتي إليها المواطنون لتسلّم حصصهم. وذلك بحسب لوائح إسمية تّم إعدادها بالتعاون مع مخاتير المناطق المتضررة. اعتُمدت هذه الآلية بضعة أيام وُزّعت فيها المساعدات في كلّ من النقاط الآتية: السرية ١١١٢ - الكرنتينا، مدرسة القلب الأقدس الفرير - الجميزة، ملعب برج حمود، هوليداي إن - عين المريسة، قيادة فوج المدفعية الأول - الكرنتينا، ملعب كرة السلة - جسر الفيات - سن الفيل، ملعب طريق الجديدة، ومجمع ميشال المر الرياضي - الدورة…

بعد تجربة الأيام الأولى، ونتيجة لازدياد حجم المساعدات التي كانت تصل يوميًا إلى لبنان، وخوفًا من تفشي وباء الكورونا قررت لجنة توزيع المساعدات تطوير خطة التسليم، وتكثيف الجهود لإيصال الحصص الغذائية إلى المنازل door to door عوض تسليمها في أماكن ثابتة. وبموجب خطة العمل الجديدة باتت أعداد الحصص تصل إلى ما يقارب الـ٤٥٠٠ حصة يوميًا، وتشمل بالتالي ٤٥٠٠ عائلة متضررة. وهكذا، أنجزت وحدات الجيش توزيع كل ما لديها من حصص غذائية في المناطق المنكوبة وفق ما أعلنت القيادة في ٢١ آب. وقد بلغ عدد الحصص الموزعة لغاية التاريخ المذكور ٤٠ ألف حصة، وبعد نحو أسبوع تخطى ٤٣ ألف و٦٠٠ حصة. وبانتظار وصول مساعدات أخرى، استمر توزيع الخبز.

وجدير بالذكر في هذا السياق أنّ الجيش تسلّم كميات كبيرة من الطحين من ضمن المساعدات، فاتفق مع عدد من الأفران على تسليمها الطحين، مقابل الخبز الذي يوزع على المتضررين مجانًا.

أما المناطق والأحياء التي وُزعت فيها المساعدات على المنازل فهي: الأشرفية، الجميزة، عين المريسة، زقاق البلاط، الباشورة، الخندق الغميق، البسطة التحتا، السيوفي، كرم الزيتون، فسوح، العازارية وصولًا إلى ساحة ساسين، رأس النبع، مستشفيا أوتيل ديو ورزق، العدلية - سوديكو، وبرج حمود.