والبحر يعرفهم

المعابر البحرية كما البرية في عهدة الجيش
إعداد: جان دارك ابي ياغي

غرفة العمليات المشتركة استعادت دورها ومهامها بقرار من مجلس الوزراء

العميد الركن بطرس أبي نصر: الإمرة في المياه الاقليمية لقيادة الجيش

 

كما جبالنا والوديان ومدننا والقرى تعرفهم، البحر أيضاً يعرف عسكريينا. هؤلاء الذين نذروا أنفسهم للواجب المقدس لم يتأخروا يوماً في تلبية نداء الوطن، أياً كانت الوسائل المتوافرة لديهم وأياً كانت الصعوبات والظروف المحيطة بهم. اليوم لبوا نداء البحر من جديد، لتصبح المعابر البحرية كما البرية في عهدتهم، بعد احياء غرفة العمليات البحرية المشتركة بموجب قرار من مجلس الوزراء. بعد أن أصبحت المعابر الحدودية في حمى الجيش اللبناني، أعيد العمل بغرفة العمليات البحرية المشتركة بناءً على قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 16/8/2006، بهدف مراقبة الشواطئ والموانئ والمرافئ البحرية، وضبط حركة ملاحة السفن ضمن المياه الاقليمية اللبنانية، علماً ان هذه الغرفة كانت أنشئت وألغيت عدة مرات اعتباراً من العام 1984. البحرية اللبنانية قد تطلب المساعدة من القوات البحرية التابعة لل«يونيفيل» اذا دعت الحاجة، لكن هذه الأخيرة لا تتحرك إلا بناءً على طلب من الجيش اللبناني. مهام الغرفة البحرية المشتركة والتنسيق والتعاون بينها وبين قوات ال«يونيفيل»، وضبط حركة الملاحة ومراقبتها، في هذه المقابلة مع قائد القوات البحرية العميد الركن بطرس أبي نصر.

 

بين 1984 و2006

* متى أنشئت غرفة العمليات البحرية المشتركة؟
- أنشئت غرفة العمليات البحرية المشتركة للمرة الأولى العام 1984 بناءً على قرار مجلس الوزراء وتمركزت في مبنى كهرباء لبنان لدى المديرية العامة للاستثمار، أعيد إنشاؤها ثانية في شهر آذار 1989 وتمركزت في مبنى قيادة الجيش، ومنه انتقلت الى مبنى وزارة الأشغال العامة قرب المدرسة الحربية، ثم الى مبنى مدرسة القوات البحرية في جونيه حيث دمرها قصف الميليشيات التي هاجمت قاعدة جونيه البحرية بتاريخ 31/1/1990. وأنشئت الغرفة للمرة الثالثة في بيروت بتاريخ 15/3/1991 بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 16/1/1991، الذي تقرر بموجبه مراقبة الشواطئ والمياه الإقليمية والموانئ والمرافئ البحرية والسفن وقمع المخالفات على أنواعها. وتمركزت الغرفة في مبنى قيادة القوات البحرية في مرفأ بيروت، وبتاريخ 3/8/1993 تقرر إنشاء غرفتين فرعيتين في الجنوب والشمال ترتبطان بالغرفة الرئيسية في بيروت. وبتاريخ 2/4/2002 وبناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 53 تاريخ 15/11/2001 ألغيت غرف العمليات البحرية المشتركة، ثم أعيد العمل بها أخيراً بتاريخ 9/9/2006 بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 16/8/2006.

 

المهام والصلاحيات

* ما هي مهمة غرفة العمليات البحرية المشتركة؟
- بعد صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن وقرار مجلس الوزراء بتاريخ 16 آب 2006، تقرر إعادة العمل بغرفة العمليات البحرية المشتركة لمراقبة المياه الإقليمية اللبنانية والشواطئ والموانئ والمرافئ البحرية والسفن وضبط المخالفات على أنواعها. وتتولى غرفة العمليات الرئيسة في بيروت إدارة الملاحة ضمن القطاع البحري الممتد من نهر الأولي جنوباً وحتى جسر المدفون شمالاً، إضافة إلى الإشراف على عمل الغرفتين الفرعيتين، في الجنوب (وتمتد صلاحياتها من نهر الأولي شمالاً حتى الحدود الجنوبية جنوباً)، وفي الشمال (من جسر المدفون جنوباً حتى الحدود الشمالية شمالاً).

 

* ممن تتألف هذه الغرفة؟
- يتولى قائد القوات البحرية رئاسة غرفة العمليات البحرية المشتركة الرئيسة ويرأس ضابط من القوات البحرية كلاً من الغرفتين الفرعيتين. وتتألف الغرف من ممثلين عن السلطات والأجهزة الآتية: الجيش (القوات البحرية والجوية)، المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، المديرية العامة للأمن العام، المديرية العامة لأمن الدولة، مديرية الجمارك العامة، المديرية العامة للنقل (مصلحة النقل البحري)، والمديرية العامة للبيئة. ويمكن إشراك ممثلين عن أجهزة أخرى بناءً على طلب يرفع من رئيس الغرفة الرئيسة الى قيادة الجيش - أركان الجيش للعمليات.

 

التنسيق مع قوات ال«يونيفيل»

* كيف يتم التعاون والتنسيق بينكم وبين قوات ال«يونيفيل»؟
- عملياً، تتم مراقبة المياه الاقليمية اللبنانية من قبل القوات البحرية اللبنانية والقوات البحرية التابعة لل«يونيفيل»، تحت إشراف وتوجيهات وأوامر قيادة الجيش اللبناني. وعند الاشتباه بعدم قانونية إحدى السفن القادمة الى لبنان أو أي تحرك مشبوه في المياه الإقليمية، تكون الإمرة للبحرية اللبنانية مدعومة ببحرية «اليونيفيل» التي لا تتحرك إلا بناءً على طلب من الجيش اللبناني. والتعاون وثيق بين الطرفين خصوصاً بين أصحاب الاختصاص في الشق الفني. أما التنسيق فيتم عبر جهاز الارتباط الذي أنشأته قيادة الجيش ويضم ضباطاً بحريين لتأمين الارتباط (على الصعيد البحري) بغرفة العمليات البحرية التابعة لل«يونيفيل» (NOC)، وتجدر الإشارة الى أنه يوجد ضابط لبناني بحري 24/24 ساعة على متن المركب القيادي لمجموعة مراكب «يونيفيل».

 

ضبط حركة الملاحة ومراقبتها

* كيف يتم ضبط حركة الملاحة ومراقبتها؟
- إن ضبط حركة السفن والمراكب في المياه الإقليمية وفقاً للقوانين الدولية والتدابير اللبنانية الخاصة، يقتضي مراقبة خطوط الملاحة المحددة والتأكد من قانونية السفن المبحرة وضبط المخالفات وتوقيف المخالفين. من هنا، يتقدم وكيل كل سفينة بعلم وخبر في رئاسة المرفأ قبل وصولها بـ24 ساعة على الأقل، ويزوّد رؤساء المرافئ كلٌ ضمن قطاعه غرفة العمليات البحرية المشتركة لائحة السفن المنتظر وصولها مع علم وخبر لكل سفينة. بعد ذلك، تراقب مراكز الرادار التابعة للقوات البحرية والمتمركزة على طول الساحل اللبناني، حركة السفن وفقاً لخطوط الملاحة المحددة، وتتصل بها للتأكد من هويتها مقارنة بلوائح السفن المنتظرة والمغادرة المحضرة مسبقاً.

ثم تنفذ مراكب القوات البحرية (يوجد 3 مراكب في عرض البحر للمراقبة 24/24 ساعة) دوريات استطلاع لمراقبة حركة السفن التجارية والزوارق السياحية وقوارب الصيد للتأكد من تطبيق القوانين الدولية واللبنانية في المياه الاقليمية. ويمكن عند الضرورة الاستعانة بطائرة أو بطوافة من القوات الجوية لتعزيز مهمات الاستطلاع. وعند ثبوت المخالفة يقوم مركب الدورية بمطاردة السفينة المخالفة وتوقيفها ويتصل بها راديوياً طالباً منها التوجه الى مرفأ بيروت أو مرفأ آخر يحدد من قبل غرفة العمليات البحرية المشتركة.

 

جولة بحرية

للاطلاع عن كثب على كيفية إدارة البحر من قبل غرفة العمليات البحرية المشتركة، قمنا برحلة بحرية على متن مركب الإنزال «صور». من قاعدة جونيه البحرية كان الانطلاق في جولة استغرقت حوالى الساعة ذهاباً وإياباً باتجاه منطقة طبرجا وصولاً الى مستيتا - جبيل. في غرفة القيادة، شرح لنا مساعد آمر المركب النقيب البحري طارق فرج مهمة المركب، وهي مراقبة الشاطئ اللبناني من صفر إلى ستة أميال (بحري) وضبط المخالفات. ورداً على سؤال عن كيفية مراقبة السفن والبواخر وكل متحرك في البحر، قال النقيب البحري فرج ان العملية تتم بواسطة جهاز رادار الملاحة البحرية «الذي من خلاله يمكننا أن نحدد موقعنا بالنسبة للبر، كما يؤمن ملاحة آمنة، إذ بموجبه يتم تحديد الأهداف الموجودة في البحر، وفي حال الاشتباه بهدف مخالف للقوانين البحرية، نتحقق منه بالطرق اللازمة (إما عبر الجهاز أو من خلال الاقتراب منه أو بواسطة زورق مطاطي موجود على متن المركب)». وقد صودف في أثناء تجوالنا في البحر ضبط مركب تهريب دخان داخل المياه الإقليمية، وقد تمت العملية بالتنسيق مع قوات اليونيفيل البحرية، وأعطيت الأوامر من قبل غرفة العمليات البحرية المشتركة بتوقيف المخالفين والتحقيق معهم.

 

مهام قوات اليونيفيل البحرية

طريقة عمل قوات اليونيفيل البحرية والمهام الموكلة إليها، تحدث عنها الملازم الأول البحري مازن صقر الذي أمضى 9 أيام (كضابط ارتباط) على مركب «مكلنبورغ - فوربومرن» التابع لقوات اليونيفيل، وهو فرقاطة ألمانية بقيادة الأميرال كراوز يعاونه فريق عمل مؤلف من 28 ضابطاً (من بينهم ضابط الارتباط اللبناني) ينتمون الى الدول التالية: فرنسا، السويد، النروج، الدانمارك، والعدد الأكبر من ألمانيا. يقول الملازم الأول البحري صقر ان عمل هذا  المركب يقتصر على الأعمال الإدارية، وتضم القوة مراكب ألمانية بالإضافة إلى فرقاطة تركية وأخرى يونانية وزوارق دورية سريعة تابعة للسويد، الدانمارك، النروج، ومراكب تموين ألمانية وغيرها... وتتمركز هذه المراكب في مرفأ ليماسول - قبرص.

أما مهمة زوارق الدورية السريعة التابعة لليونيفيل فهي «مراقبة المياه اللبنانية الاقليمية من ستة أميال وحتى 12 ميلاً (لأن المسافة من صفر الى ستة أميال هي بعهدة بحرية الجيش اللبناني)، وتتولى الفرقاطات الكبيرة مراقبة الشاطئ من عمق 12 ميلاً الى 50 ميلاً، وتهتم بمناداة السفن في حال الشك بأي مخالفة أو تحركات ومشاهدات مشبوهة، فتفيد القيادة التي بدورها تنسق مع ال "NOC" وهي بدورها تعلم غرفة العمليات البحرية اللبنانية التي تتولى إبلاغ السلطات اللبنانية المختصة».
ولغاية إجراء هذا التحقيق، لم يتم تفتيش أي سفينة من قبل فريق التفتيش التابع لقوات اليونيفيل بطلب من بحرية الجيش اللبناني، وفي حال تعذر على بحرية الجيش اللبناني تفتيش أي سفينة لأسباب ما، يطلبون من قوات اليونيفيل القيام بهذه المهمة ولكن بحضور ضابط الارتباط اللبناني كونه يمثل السلطة اللبنانية.

 

ما هو القانون الدولي للبحار؟

يتكون القانون الدولي للبحار من مجموعة الاتفاقات الدولية والأعراف المعمول بها في الدول، إضافة إلى خلاصة أحكام وقرارات المحاكم الدولية التي اتخذت للفصل بين الدول في بعض النزاعات البحرية. يصدر بعض الدول قوانين وتعليمات خاصة، تطبق ضمن مياهها الإقليمية ومرافئها شرط ألاّ تعارض مضمون القانون الدولي ومفهومه. تعود لسلطات الدولة صلاحية تطبيق القوانين الدولية والوطنية في البحر، فالسلطات العسكرية وسلطات المرفأ تعنى بضبط المخالفات وتوقيف المخالفين وتسليمهم الى السلطة القضائية التي تقوم بالمقاضاة.